دروس وإشارات من وحى الإسراء والمعراج
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العالم المريد الخالق الرازق المبدئ المعيد خلق الجنة لمن أطاعه وخلق النار لمن عصاه من العبيد 0
نحمده على إنعامه ونشكره على إفضاله
ونشهد ألا اله إلا هو عم الوجوةد بجوده وشمل العالمين بنواله 0
ونشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله المعروف بكماله
صلى الله عليه وعلى صحبه وآله 0
أما بعد
لا شك ان لرحلة الإسراء والمعراج الكثير من الدروس والآيات والإشارات لذا يجب ألا تمر هذه الذكرى دون أن نقف وقفة يسيرة نتدارس ما فيها من الدروس والتى جمعتها من أكثر من كتاب وخطبة ودرس راجياً المولى عز وجل أن ينفع بها المسلمين ويجعلها خالصة لوجههالكريم
الدرس الأول :
الأخذ بالأسباب
لما وصل النبى صلى الله عليه وسلم راكباً البراق إلى المسجد الأقصى يقول ( فربطت البراق فى الحلقة التى كانت تربط فيها الأنبياء ) أو لم يكن الذى جاءه بالبراق قادر على أن يحفظه حتى يرجع ولكنه درس للأمة أن تأخذ بالأسباب فى كل أمورها ونرى فى سيرة النبى صلى الله عليه وسلم رجلاً يترك ناقته دون ان يعقلها ولما يسأله الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له إنى متوكل على الله فبعلمه النبى صلى الله عليه وسلم كيفية التوكل ويقول له ( أعقلها وتوكل ) وكثير ما تجد الناس ءآخذين بالأسباب فى أمور حياتهم فتجد الطالب يذاكر ويجد ويجتهد ويسهر الليالى فى سبيل الحصول على شهادة تؤهله بعد ذلك للعمل والكسب وتجد المزارع يهيئ الأرض للزرع وينتقى أفضل البذور ويتحرى أضل طرق الزراعة وأفضل أنواع السماد وغيره راجياً أن يحصل على الرزق الوفير وتجده يسهر الليالى على هذا العمل وكذلك الناس فى سائر الأعمال والحرف التى تتعلق بمعاشهم ولكن ومع الأسف عندما يتعلق الأمر بالآخرة والمعاد تجد الناس متراخين تاركين للعمل تجد الواحد تاركاً للصلاة عاقاً لوالديه ظالماً لعباد الله آكلاً للحرام منتهكاً للأعراض وهو مع ذلك يأمن من العذاب ومن الحساب ويقول لك ( إن الله غفور رحيم ) وهذا هو عين التواكل فكما أن الله غفور رحيم فهو أيضا شديد العقاب ولا يجامل أحداً لا يحابى أحداًُ ويتضح هذا من حديث القرآن على لسان النبى صلى الله عليه وسلم ( قل إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم ) ويفهم هذا أيضا من حديثه صلى الله عليه وسلم ( إن أناساً تركوا العمل وقالوا نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنو الظن لأحسنوا العمل )
الدرس الثانى
اليقين بالله وثبوت العقيدة
إن الشحنة الأيمانية التى شحن بها الحبيب صلى الله عليه وسلم قد زادته ايماناً مع ايمانه وثقة على ثقته بأن الله ناصر دينه وبالغ أمره فتجد الثقة بالله وبنصره تتجلى دائما فى أحلق المواقف وأضيق الظروف وأشد الكرب يقول على بن ابى طالب سيد الشجعان وفارس الفرسان ( كنا إذا حمى الوطيس نحتمى برسول الله صلى الله عليه وسلم ) وفى يوم حنين عندما امتحن الله المسلمين وفروا من حول رسول الله ولم يثبت معه سوى نفر قليل يقال أنهم أربعة ثبت النبى صلى الله عليه وسلم وكان يدفع ببغلته فى غمار المعركة والعباس رضى الله عنه يكفها خوفاً عليه وهو يقول ( أنا النبى لا كذب أنا بن عبدالمطلب ) معلنا عن نفسه للعدو غير مكترث بالموت
ولعل الثقة بالله وبنصره تتضح جلية فى هذا الموقف الذى اخترط فيه رجل مشرك سيف رسول الله وكان معلقاً فى شجرة ينام تحته المصطفى ورفع السيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً : من يمنعك منى يا محمد فيقول له النبى صلى الله عليه وسلم بكل ايمان وثقة ( الله ) فيسقط السيف من يد المشرك 0 هذه الثقة ينقلها النبى صلى الله عليه وسلم إلى أمته من خلال أصحابه رضى الله عنهم فهذا هو أبوبكر الصديق يقولون له ان صاحبك يزعم أنه أسرى به من مكة إلى بيت المقدس فى نفس الليلة وأصبح بين ظهرانينا فيرد عليهم الصديق قائلا:( إن كان قال فقد صدق ) وعندما نقرأ أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم يتبين لنا أن الله ناصر هذا الدين بعز عزيز أوبذل دليل وأنه ما من بيت من حجر ولا مدر ولا وبر إلا وسوف يدخله الإسلام (والله متم نوره ولو كره الكافرون )
الدرس الثالث
لقاء النبى صلى الله عليه وسلم بإخوانه الأنبياء والمرسلين
من الثابت فى هذه الرحلة المباركة أن الله عز وجل حشد جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم وحتى عيسى عليم السلام جميعاً لهذا الحدث العظيم ليقوم هذا الوفد العظيم( الذى لا يوجد وفد أكرم منه لأنهم حلاصة البشرية وصفوتهم ) باستقبال النبى صلى الله عليه وسلم فى بيت المقدس بل تقديمه عليه جميعاً للصلاة بهم إماما
ومن الإشارات التى تستنبط من هذا الموقف مايلى :
- حيث أنه لا يؤم الرجل فى داره وبيت المقدس هو بيت هولاء الأنبياء قبله صلى الله عليه وسلم فامامته لهم دليل على انتقال الولاية على بيت المقدس من أنبياء بنى اسرائيل الى النبى صلى الله عليه وسلم وإلى أمته0
- امامته صلى الله عليه وسلم لهم وعدم تقدم أحد منهم عليه اقرار منهم عليهم السلام بفضله وعلو رتبته 0
- تقدم النبى صلى الله عليه وسلم وامامته للأنبياء والمرسلين دليل على أن شريعته نسخت شرائعهم وأنه يجب على أتباع هؤلاء الأنبياء أن يتبعوا دين محمد صلى الله عليه وسلم ويؤمنوا به ولذلك يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم (والذى نفسى بيدى ما من يهودى ولا نصرانى من هذه الأمة يسمع بى ثم لا يؤمن بى إلا أدخله الله النار )0
- إعلان صريح للعالم بانتقال قيادة البشرية إلى النبى صلى الله عليه وسلم
- اعلان بأن النبى صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين وهو اللبنة التى تم بها البناء وأن رسالته إلى الناس كافة 0
- دخول النبى هذه الأرض بشارة له من الله أن هذه الأرض ستدخل فى حوزة الإسلام وسيفتحها المسلمون 0
الدرس الرابع
مكانة الصلاة فى الإسلام
الصلاة هى الركن الوحيد الذى فرضه الله علينا بالأمر المباشر للنبى صلى الله عليه وسلم دون واسطة ودون ملك ولكن استدعاه سبحانه إلى حضرته وأمره بالصلاة مباشرة وإن دل هذا فيدل على مكانة هذه الفريضة عند الله عز وجل ومنزلتها من الدين فـ (الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين ) والصلاة أول ما يحاسب العبد عليه يوم القيامة فإن صلحت صلح سائر عمله وأن فسدت فسد سائر عمله كما بين لنا النبى صلى الله عليه وسلم ولا حظ فى الإسلام لمن ترك الصلاة كما قال : أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والصلاة آخر وصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة كما قال العلماء : معراج المسلم إلى ربه وقد بين العلماء أن رحلة الإسراء تمت على ثلاثة مراحل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم من المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى ثم من سدرة المنتهى إلى قاب قوسين أو أدنى وكذلك الصلاة قيام وركوع وسجود وآخر مراحل الصلاة هو السجود وهو منتهى القرب من الله يقول تعالى ( واسجد واقترب ) ويقول النبى صلى الله عليه وسلم ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) فعلى من يريد العروج إلى الله والترقى والقرب من الله فعليه بالصلاة فهى معراج المسلم
فيا عجباً لقوم يتركون الصلاة ويتهاونون فيها أولم يقرأوا قول الله عز وجل ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) يقول بن عباس ترجمان القرآن رضى الله عنهما ( ليس إضاعتها تركها بالكلية ولكن تأخيرها عن وقتها )
أولم يقرأوا قول الله عز وجل ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون )
ولمكانة الصلاة جعلها الله ممحاة للخطايا ومكفرة للذنوب ورافعة للدرجات وجعل مجرد البدء فى الإستعداد لها كذلك وأقرأ معى حديث النبى صلى الله عليه وسلم عن فضل الوضوء
- ( إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع أخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بطشت بها يداه مع الماء أو مع أخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرج من رجليه كل خطيئة مشت إليه رجلاه مع الماء أو مع أخر قطر الماء ) أى فضل هذا الوضوء يكفر الخطايا مجرد البدء والإستعداد يعطى كل هذا الفضل أى جود هذا للمصلين وأى حرمان لتاركى الصلاة
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هل أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟) قالوا بلى يا رسول الله قال : ( اسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط )
وتتضح أيضا مكانه الصلاه من هذا الحديث
( أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهر يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى ذلك من درنه شئ ؟ ) قالوا : لا يبقى من درنه شئ قال : ( فكذلك الصلوات الخمس يمح الله بهن الخطايا )
فهل ترضى يا أخى أن تكون تاركاً للصلاة بعد كل ما قرأت من الترغيب والترهيب فى أمرها أم رضيت أن يطبق عليك حكم ومقياس الرسول صلى الله عليه وسلم على الناس ( العهد الذى بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )
الدرس الخامس
مكانة بيت المقدس شرفه الله وحرره من دنس اليهود
بيت المقدس أولى القبلتين وثانى المسجدين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل الأنبياء ومعتكف الأولياء ومقام الأتقياء أرض المحشر والمنشر شرفه الله وبارك فيه وبارك حوله وجعل من يسكنون فى أكنافه على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم وجعلهم وأهليهم فى رباط إلى يوم القيامة وجعل منزلته فى الإسلام وفى قلوب المسلمين بعد المسجد الحرام والمسجد النبوى ، الصلاة فيه بخمسمائة صلاة ، نهاية الإسراء وبداية المعراج وذكره فى أيه الإسراء تنبيها للمسلمين بأهميته وقدسيته وربطه بالمسجد الحرام وعدم التفريط فيه وإلا كان ذلك تفريطاً فى المسجد الحرام
الدرس الخامس
تواضع النبى صلى الله عليه وسلم
لم نجد النبى صلى الله عليه وسلم بعد كل هذا التكريم من الله عز وجل وبعد أن وصل إلى مكان لم يصل إليه نبى مرسل ولا ملك مقرب وبعد اطلاعه ورؤيته لهذه الأيات العظيمة لم يتعالى على أحد ولم يتكبر بل اذداد تواضعاً تجده يقول ( انما أنا عبد أشرب كما يشرب العبد وآكل كما يأكل العبد ) تجده صلى الله عليه وسلم يفترش التراب ويبيت جائعاً طاوياً ويصبح صائماً جائعاً لم يشبع من خبز الشعير يمر الهلال والهلال والهلال ولا يوقد فى بيته نار ، يشارك أصحابه فى العمل ويكره أن يتميز عليهم ويقول ( إن الله يكره من عبده أن يراه متميزا )
الدرس السابع
إن مع العسر يسرا
جاءت رحلة الإسراء والمعراج فى أحلك الظروف وأضيق المواقف لتبين للنبى صلى الله عليه وسلم أن النصر من عند الله وأنه مهما تجمع عليك الأعداء وحاربوا دينك فإن الله قادر على نصرك وتأتى هذه الذكرى لنا لتعلمنا عدم اليأس وتعلمنا أن نثق فى نصر الله عز وجل وأبشروا ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
وما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ فمنى ومن الشيطان والله منه برئ
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
إسلام السلطانى
