الصراع الايراني العثماني على اقليم عربستان – الاهواز
اصبح اقليم عربستان ونظرا لأهميته الاستراتيجية وذلك بسب اطلالته على شط العرب ومياه الخليج العربي، مطعما لكل من الدولتين الايرانية والعثمانية من جهة و بريطانيا العظمى من جهة اخرى ، وفي هذا الصدد يقول المؤلف ، لقد خططت هذه الدول وفي سبيل زعزعة الامن و الاستقرار في هذا الاقليم العمل على اضعاف امارة كعب البوناصر بكل السبل الممكنة ، حيث نرى في خضم هذا الصراع انحياز بريطانيا ولو بصورة غير مباشرة الى الجانب العثماني ، وذلك عند ما اقترحت وعلى لسان " لايارد "ان تكون مدينة " بهمنشير" الحد الفاصل للحدود المائية بين العثمانيين والايرانيين ، كما ان البريطاني " هنري مورد" كان معتقدا ان بني كعب في الاساس كانوا تابعين للامبراطورية العثمانية ، ورغم تقدمهم نحو الاراضي الايرانية وسيطرتهم على تلك المناطق الا انهم كانوا يدفعون الضرائب الى والي بغداد مما يعتبر ذلك نوع من التبعية للامبراطورية العثمانية ، وبعد وفاة نادر شاه سنة 1160 هجرية قمرية استطاع الكعبيين توسيع رقعة اماراتهم الجغرافية واصبحوا وعلى مدار سنوات عدة وفي سبيل الحفاظ على امارتهم يدفعون الضرائب لكل من الدولتين العثمانية و الايرانية وقد تأرجح ولائهم وتبعا للظروف السياسية بالانتماء الى الدولة العثمانية تارة ، والى الدولة القاجارية الايرانية تارة اخرى،
يدعي العثمانيون ، ان الكعبيين اثناء هجرتهم من نجد " الجزيرة العربية " استوطنوا منطقة تقع في شرق مدينة المحمرة تسمى بالسابلة ، و لاثبات ادعاءهم هذا كانوا يقولون ان هناك وثائق تثبت بانهم كانوا يدفعون الضرائب للدولة العثمانية في عهد داوود باشا ، واثناء احتلال العراق من قبل الامبراطورية العثمانية اعلن الكعبيين بيعتهم لها ايضا ، اضافة الى ذلك فان معاهدة " امير اشرف " المعروفة * الذي انعقدت عام 1140 هجرية قمرية 1737 م بين العثمانيين والايرانيين نصت على ان تكون امارة عربستان تحت سيطرة السلطة العثمانية.
من جهة اخرى تدعي الحكومة المركزية الايرانية ، ان بعض القبائل العربية قد احتلت اجزاء من الاراضي الايرانية وقد استندت في دعواها هذه على امرين : الاول ان هذه القبائل تقوم بدفع الضرائب الى الدولة المركزية ، والثاني اعلان تبعيتهم لها ، كما انهم لايستطيعون تجاهل انتماء ابناء عربستان للمذهب الشيعي ، لذلك تسليم مناطق يقطنها شيعة الى الامبراطورية العثمانية السنية امر غير مقبول نهائيا . من هنا يمكن القول ان الكعبيين اصبحوا واقعين تحت الضغوط السياسية و العسكرية لكل من الدولتين الايرانية والعثمانية ، كما ادى الصراع العثماني الايراني في عهد الشيخ غيث بن غضبان على جباية الضرائب الى اعطاء الفرصة لشيوخ الكعبيين الى توسيع رقعة حدودهم الجغرافية ، وعلى اثر الضغوط العسكرية التي تعرضت لها امارة عربستان في عهد الشيخ غيث بن غضبان اضطرت الامارة عام 1812 - 1829 طلب المساعدة العسكرية من قبل سلطان مسقط ،السلطان سعيد بن سلطان، على صعيد آخر تسبب عجز حاكم البصرة العثماني "عزيز اقا " في الحد من نمو القوة المتزايدة لشيوخ كعب ،رغم استنجاده بحلفائه الكويتين اللذين زادوا من حملاتهم المستمرة على مدينة عبادان والمحمرة وتمكنت قواتهم في عام 1827 م ، من الاستيلاء على قرية البريم ونهب جميع مخازنها من التمر ، لكن مثل هذه الهجمات قد توقفت بعد ان عقد الشيخ غيث معادهدة سلام مع داوود باشا والي بغداد . وانتهت بذلك الخلافات الكويتية الكعبية كليا .
وفي عام 1231 ه.ق تعرضت امارة كعب الى هجوم غادر من قبل محمد علي ميرزا الذي واجه بصمود الكعبين الامر الذي اضطره الى عقد معاهدة سلام معهم وبقوا غير خاضعين للسلطة الايرانية وقد استمر هذا الوضع حتى استلام فتح علي شاه السلطة في ايران ، و لكن وكما ورد في كتاب تاريخ كعب ابدى حكام كعب استعداهم وكدفعا للشر ان يدفعوا بعضا من الضرائب الى حاكم ولاية فارس.
ومن الاحداث المؤلمة التي شهدها اقليم عربستان- الاهواز في 1236 هجرية قمرية هو شيوع مرض الطاعون الذي اودى بحياة العديد من المواطنيين العرب في اقليم عربستان، ومنها ايضا مقتل الشيخ غيث سنة 1244 هجرية قمرية وتعيين اخيه الشيخ مبادر بن غضبان بن محمد بن بركات بن عثمان بن سلطان بن ناصر خلفا له وفي عهد الشيخ مبادر سافر فتحليشاه القاجار الى اقليم عربستان واستقبل من قبل الشيخ بركات .
كان الشيخ مبادر من اقوى الحكام الكعبيين بعد الشيخ سلمان وفي هذا المجال كتب استاكلر الذي زار الاقليم سنة 1831 عنه قائلا : كان لدى الشيخ مبادر15 الف عسكري من المشاة و7 آلآف خيال، كما كان لديه مدافع قد نصبها في مدينة الفلاحية وكان عائده الشهري 600 الف تومان وتبدلت في عهده مدينة الفلاحية الى معسكر يصل محيطه الى ميل ونصف وكان هذا المعسكر يحتوي على مدافع قديمة تعود للعهد البرتغالي .
يكتب البارون دوبد الذي زار عربستان آنذاك حول الكعبيين قائلا : عندما يكون الملوك الايراينين اقويا فان الكعبيين يخضعون لسلطتهم ويتلقون الامر منهم ويدفعون الضرائب لهم . ويستمر المؤلف في سرده لتاريخ كعب وفي هذا الصدد يقول ايضا ، عندما توفي الشيخ مبادر عين الشيخ ثامر بن غضبان ( 1831-1837) خلفا له وقد كتب مكدونالد كينز حول الكعبيين في عهد الشيخ غضبان قائلا : كان بمقدرو الشيخ غضبان ان يستنفر 5آلآف خيال و 20 الف راجل.
كما يتطرق اللورد كروزن في كتابه " ايران و قضية ايران " في الصفحات 393 – 395 عن شيخ آخر من مشايخ كعب وهو الشيخ ثامر قائلا : لقد ورث هذا الشيخ الصفحات الحسنة للشيخ سلمان وكان حسن الاخلاق والسيرة وان كان واجه في بداية تسلمه الرئاسة بعض الصعوبات والخيانات التي كادت ان تسيء لسمعته ، الا انه ما ان قويت شوكته حتى قام بتشجيع الزراعة واعمار السدود واستصلاح الاراضي وتأمين طرق القوافل ، وبغية وضع حد للتدخلات العثمانية اعلن ميناء المحمرة الذي بني عام 1812 من قبل الشيخ يوسف بن مرداو الكعبي ميناءا حرا الامر الذي اثار حفيظة الغضب لدى والي بغدا د .
المنافسة بين العثمانيين و الكعبيين في البصرة :
لقد بدأت هذه المنافسة مع بناء ميناء المحمرة عام 1812م حيث اصبح بمقدور مختلف البواخر التجارية المتوجه الى البصرة ان ترسوا في هذا الميناء . ان المنافسة على المواني ورفض كعب الرضوخ لاملاءات العثمانيين ومهاجمة ميناء البصرة بين الفترة والاخرى من قبل الكعبيين في عهد داوود باشا الذي عزل من منصبه بسبب عدم تمكنه من صده مثل هذه الهجمات ، ومقارنة مع ذلك استولى محمد شاه القاجار على مدينة هرات الافغانية ، فاغتنم والي بغداد العثماني هذه الفرصة وقام 1737 وبتحريك من قبل القنصل الفرنسي المنافس للبريطانيين مسنودين ببعض العرب من قبائل المنطقة وبمساعدة الشيخ جابر الصباح امير الكويت والشيخ عبد الرضا الكعبيى الذي هو من اقرباء الشيخ ثامر، الا انه كان معارضا له من مهاجمة ميناء المحمرة وقد عاثوا قتلا ونهبا بهذه المدينة ولمدة ثلاثة ايام متوالية ، وعلى اثرها تمكنت القوة الكعبية المدافعة عن هذه المدينة بقيادة الشيخ جابر بن مرداو الانسحاب الى مدينة الفلاحية ، ولم يكتفي والي بغداد باحتلال مدينة المحمرة وحسب بل توجه الى مدينة الفلاحية لملاحقة الشيخ جابر بن مرداو ، وبعد زحفه على هذه المدينة ، لم يكن امام الشيخ جابر وهو الشيخ الكامل الصلاحيات لكعب يرافقه عدد من شيوخ الكعب الآخرين منهم الشيخ ثامر و الشيخ جابر الا الانسحاب الى مدينة هنديجان ، وبعد ان تمكن العثمانيين من احتلال مدينة الفلاحية، عينوا الشيخ عبد الرضا بن بركات حاكما عليها .
وحول هذه الاحداث يتطرق المؤلف الى رسالة السفير البريطاني في طهران المؤرخة في 26 ابريل من عام 1832 المرسلة الى وزير الخارجية البريطاني السيد بالمرستون قائلا : ان الهدوء في الحدود الجنوبية و الغربية للمملكة الايرانية من شانها ان تحرر وتقوي الملك و تجعله يتخذ قراراته و هو مطمئن البال .
ويرى المؤلف ان الاسباب الرئيسية الكامنة وراء هجوم والي بغداد على مدينة المحمرة تكن في المبادرات التي اتخذها شيخ كعب التي تأتي في مقدمتها اعلانه ميناء المحمرة ميناءا حرا وفتحه للملاحة امام جميع البواخر المبحرة في شط العرب و الخليج العربي وشط العرب وكذلك الموقع الهام لهذا الميناء بسبب قربه من ملتقى كارون بشط العرب ، واطلالته على الخليج العربي ، كما انه من شانه ان يضعف مكانة ميناء البصرة الخ ....
ويرى المؤلف انه بعد مرورثلاثة ايام من احتلال هذا الميناء انسحبت القوات الكويتية منه فاستغل الشيخ جابر هذا الانسحاب وتمكن من العودة والاستقرار من جديد في ميناء المحمرة .
وقد وصف الشاعر العراقي عبد الباقي افندي الذي رافق والي بغداد في هجومه على ميناء المحمرة ونهبها في قصيدة له قال فيها :
فتحنا بحمد الله حصن المحمرة ======= فاضحت بتسخير الأله مدمرة
بسيف علي ذوالفقار الذي لنتا ====== لقد اخلصت صقلا يد الله جوهره
و" جابر " اورثناه كسرا بكعبه ====== وليس لعظم قد كسرناه مبرة
غد هاربا يبغي النجاة بنفسه ======= وخلى قناطير التراث المقنطرة
ونخل امانيه بمكتوم خبثه ======عثا كلها في قدر " ثامر " مثرة
على ساقها قامت لكعب قيامة ======== فزلت بهم اقدامهم متعثرة
فلم تغن عن مانعات حصونهم ==== من الله شيئا في القضايا المقدورة
مصيبتهم جلت ومن جمعه خلت ==== مساكن امست بالخراب معمرة
ترى الارض قاعا صفصفا لا ترى بها = اعوجاجا جاء و لا متناسب مقفرة
ترى القوم صرفى في ازقة حصنها === كاعجاز نخل خاويات مدعثرة
غدوا طعمة للسيف الا اقلهم =======قد اتخذوا من شط كارون مقبرة
على حافية كم قتل مجندل ====== وفي جانبه كم حباه معفرة
مدا فعنا كم اطلعت من بروجها === عليهم شموسا بالعذاب مكورة
وعلى اثر هذا الهجوم قدمت الحكومة الايرانية عبر سفيرها في اسطنبول ميرزا جعفر خان مشير الدولة احتجاجا الى الحكومة التركية مطالبة بدفع تعويضات جراء الخسائر التي الحقت بامارات عربستان ، وكان جواب الدولة العثمانية هو ان ميناء المحمرة تابع للبصرة وبغداد و نحن نؤدب رعيتنا ، اذا اثبتم ان ميناء المحمرة عائد لكم عندها تحدثوا عن تعويضات او ماشابه ذلك "بدوره المفوض السامي البريطاني اعلن عن دعمه للموقف العثماني مخاطبا الايرانيين بالقول " اثبتوا اولا ان المحمرة جزء من الاراضي الايرانية ، عندها ادعوا " ويمكن القول انها المرة الاولى التي يتفق فيها الجانبين البريطاني والعثماني على ان ايران لا تمتلك حق السيادة القانونية على المحمرة " .
وفي اجتماع عقدته السفارة ايرانية في اسطنبول حضره ممثلي الطرفين الايراني والعثماني و سفيري كل من بريطانيا وروسية وساير السفراء المعتمدين لدى الدولة العثمانية ،واثناءها طلب العثمانيين من الايرانيين ابراز ما لديهم من وثائق تدل على سيادتهم القانونية على مدينة المحمرة الا ان ايران عجزت من تقديم تلك الوثائق وانفض الاجتماع دون نتيجة " .
وفي خضم هذه الصراعات طلب الشيخ جابر بن مرداو الكعبي حاكم المحمرة الحماية من ايران ، عندها اعترفت ايران بصورة رسمية كونه حاكم على المحمرة وقد جاء هذا الاعتراف نكاية بالشيخ ثامر حاكم الفلاحية والذي كان غير مرغوب فيه من قبل الدولة المركزية القاجارية الايرانية ، من جهة اخرى انتهج الملك احمد شاه القاجار تجاه عرب الاقليم سياسة فرق تسد وبحجة انه يريد ان قمع انتفاضة محمد تقي خان البختياري شن هجمات عسكرية واسعة النطاق على امارة كعب البوناصر التي كانت انذاك تتخذ من مدينة الفلاحية مقرا لها .
لقد حاول الشيخ ثامر وبكل ما يستطيع ان يحافظ على اركان امارته وعدم الانصياع الى طلبات الحكومة المركزية ،وعندما طلبت منه الحكومة الايرانية مساعدتها في تقديم المؤن الى جيشها رفض ثامر ذلك ، وقال للايرانيين بالحرف الواحد ،لم يكن متعارفا عليه حتى الان ان يقدم الكعبيين المؤن للجيش الايراني,.
وعندما لجأ محمد تقي خان البختياري الى لشيخ ثامر رفض ثامر الطلب الايراني القاضي بتسليمه اليها بصفته متمردا على قوانيين الدولة المركزية وعلى اثرها اضطر ثامر الى ترك المحمرة و اللجوء الى الدولة العثمانية و عين حفيده الشيخ فارس حاكما على الكعبيين
تأليف : موسى سيادة
عرض وترجمة : جابر احمد
*معاهدة اشرف ، وهي معاهدة للسلام عقدت في 23 اكتوبر من عام 1727 م 23 محرم الحرام 1140 هجري بين اشرف افغان و السلطة العثمانية وهي على النحو التالي :
اولا : يوافق اشرف افغان ان السلطان العثماني احمد الثالث هو خليفة لعموم المسلمين .
ثانيا : يعترف السلطان العثماني بدوره بمملكة اشرف افغان وقبل اشرف ان يكون تابع للسلطان العثماني وفي حدود ارضيه تقرأ الخطبة باسم السلطان العثماني اولا ثم باسمه ثانيا .
ثالثا : ايد اشرف افغان هذه المعاهدة في 24 حزيران 1724 في اسطنبول اضافة الى ذلك وافق ان تعطى اراضي اقليم عربستان ، زنجان ، قزوين ، وطهران الى السلطنة العثمانية . المصدر المجالات التاريخية للاختلافات الايرانية – العراقية ، الكتور منوجهر بارسا دوست ص،50 وبطروشفسكي و... ترجمة كريم كشاوورز ، ص 591-592 .
بعض مصادر بحث هذه الحلقة :
مصادر سابقة + المجالات التاريخية للاختلافات الايرانية – العراقية ، الدكتور منوجهر بارسا دوست ص،50 وبطروشفسكي ، ترجمة كريم كشاوورز ، ص 591-592 + برسي اختلافات مرزي ايران وعراق نوشته اصغر ولدائي + العلاقات الايرانية العراقية ، سعد الانصاري + ايلات وعشائر ، مجموعه اكاه ، مؤسسة انتشارات اكاه