رقم الموضوع
(3)
عنوان الموضوع
سبب الغلق
هذه القصه للأسف لا تثبت
ولا تصح
قصّةُ تَلقينِ الرسول عليه الصلاة والسلام لابنهِ إبْراهيم (لا أصْـلَ لَهَا) !
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطاهرين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد .
لما كانت قصة تلقين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لابنه إبراهيم منتشرة في الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ، رأيتُ أنه من الواجب بيان مدى ثبوت هذه القصة ، حتى لا نساهم في نشر ما لا يصحّ عن سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
أولاً : (نـص القصـة) :
رُوي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما دفن إبراهيم قال:
(قل : الله ربي، ورسولي أبي والاسلام ديني)
فقيل: يا رسول الله، أتت تلقنه فمن يلقننا ؟ فأنزل الله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة) [ إبراهيم / 27 ] الآية
ورُوي بلفظ آخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لما دفن ولده إبراهيم وقف على قبره، فقال:
(يا بني القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، إنا لله وإنا إليه راجعون، يا بني قل: الله ربي، والاسلام ديني، ورسول الله أبي) .
فبكت الصحابة وبكى عمر بن الخطاب بكاء ارتفع له صوته، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى عمر يبكي وأصحابه فقال:
(يا عمر، ما يبكيك ؟)
فقال: يا رسول الله، هذا ولدك وما بلغ الحلم ولا جرى عليه القلم، ويحتاج إلى ملقن فمثلك تلقن التوحيد في مثل هذا الوقت، فما حال عمر وقد بلغ الحلم، وجرى عليه القلم، وليس له ملقن مثلك أي شئ يكون صورته في تلك الحالة ؟ فبكي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبكت الصحابة معه، فنزل جبريل وسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن سبب بكائهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله عمر وما ورد عليهم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم فصعد جبريل، ونزل، وقال: ربك يقرئك السلام وقال :
(يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) [ ابراهيم / 27 ] يريد بذلك وقت الموت، وعند السؤال فتلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم الاية فطابت الانفس، وسكنت القلوب وشكروا الله .
والقصة مذكورة في (الإنترنت) بلفظ مقارب للرواية الثانية .
ثانياً : (درجة القصة وأقوال أهل العلم فيها) :
ذكر القصة المختصرة الفقيه المتكلم أبو سعيد المتولي الشافعي (478 هـ) في "تتمته والإبانة" بلا إسناد ، وذكر القصة المفصلة المتكلم أبو بكر بن فورك (604 هـ) في كتابه المسمى بـ "النظامي" بلا إسناد أيضاً !
والحقيقة أن هذه القصة غريبـةٌ مُنـكـرةٌ لا أصْـل لـها في كتب الحديث النبوي كـما قال المحققون من أهل العلم ، وهذا كلامهم فيها :
1.قال الإمام تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى في شرح المنهاج :
(أما الصبي فلا يلقن وقال-أي المتولي- في التتمة إن النبي صلى الله عليه وسلم لما لحد ابنه إبراهيم لقنه ، وهـذا غـريـبٌ) ا.هـ
"الحاوي للفتاوى للحافظ السيوطي (2/167) ، والسيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون لبرهان الدين الحلبي (3/396) "
ونقل الحلبي أيضاً عن الإمام السبكي قوله :
(حديث تلقين النبي صلى الله عليه وسلم لابنه : ليس له أصل ،-قال الحلبي معلقاً-أي صحيح أو حسن) ا.هـ
أقول : يبقى كلام الإمام السبكي على عمومه حيث إنه استغرب من وجود مثل هذا الحديث ثم صرّح بأنه لا أصل له أي صحيح أو حسن أو ضعيف ، والله أعلم .
2.قال العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى :
(أما خبر : أنه صلى الله عليه وسلم لقن ابنه إبراهيم ، فغـريـب) ا.هـ
"أسنى المطالب شرح روض الطالب (1/330) "
3.قال المحدث محمد بن يوسف الصالحي رحمه الله تعالى :
(السادس: في الرد على من زعم أنه لقنه-أي ابراهيم بن رسول الله- اشتهر على الالسنة أنه لقن ابنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم بعد الدفن وهذا شئ لم يوجد في كتب الحديث، وإنما ذكره المتولي، في " تتمته والابانة " بلفظ .. -فذكر الرواية الأولى المختصرة-والاستاذ أبو بكر بن فورك في كتابه المسمى " النظامي " ولفظه .. -فذكر الرواية الثانية المفصلة- وهذا كما ترى مُـنـكـر جـداً، بـل لا أصـل لـه ) ا.هـ
"سبل الهدى والرشاد في سير خير العباد (11/25) "
4.قال العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى :
( .. واستدل له-أي لتلقين الصبي-بما لا يصح إنه صلى الله عليه وسلم لقن ابنه إبراهيم ..) ا.هـ
"الفتاوى الفقهية الكبرى (2/30) "
وعدم صحة الحديث مصرّح به في كتب علماء الشافعية .
أما من أهل العلم المعاصرين :
5.فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى :
(السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم من أسئلة هذا السائل من الأمارات العربية المتحدة العين هذا السؤال يقول ما رأيكم فيمن يلقنون الميت بعد دفنه وهم يحتجون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد لقن ابنه إبراهيم بعد دفنه ؟
الشيخ: رأينا أن تلقين الميت بعد دفنه ليس بصحيح ولم ترد به سنةٌ صحيحة لا في إبراهيم رضي الله عنه ولا في غيره وأما حديث أبي أمامة المشهور فإنه حديثٌ ضعيف .
لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ولم يقل لقنوه ثم إن تلقين الميت لا فائدة منه في الواقع لأن الميت لا يسمع مثل هذا ولن يجيب إذا كان ليس على إيمان مهما لقن لا يجيب إذا كان على غير إيمان أي إذا مات على غير إيمان فإنه لا يمكن أن يستجيب بالصواب وإذا مات على الإيمان فإنه يجيب بالصواب سواءٌ لقن أم لم يلقن والخلاصة خلاصة الجواب أنه لا مشروعية لتلقين الميت بعد دفنه وأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا في ابنه ولا غيره) ا.هـ
"موقع الشيخ ابن عثيمين"
6.قال الشيخ عبد الرحمن الفقيه حفظه الله تعالى :
(وما ذكرته من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقن ابنه أجوبة الملكين، فقد ذكره الشافعية في كتبهم ونصوا على أنه لا يصح) ا.هـ
"موقع الشبكة الإسلامية"
7.الشيخ عبد الرحمن السحيم حفظه الله تعالى :
(السؤال : شيخنا حفظك الله وزادك من التقوى ما اكثر ما نسمع ونشاهد فى الانترنت من اشياء لم نسمع بها من قبل ومنها هذه القصة فهل هى صحيحة ؟
يوم نام ابراهيم ابن الرسول عليه الصلاة والسلام في حضن أمه مارية وكان عمره ستة عشر شهراً والموت يرفرف بأجنحته عليه والرسول عليه الصلاة والسلام ينظر إليه ويقول له:
يا إبراهيم أنا لا أملك لك من الله شيئاً..
ومات إبراهيم وهو آخر أولاده فحمله الأب الرحيم ووضعهُ تحت أطباق التراب وقال له:
يا إبراهيم إذا جاءتك الملائكة فقل لهم الله ربي ورسول الله أبي والإسلام ديني..
فنظر الرسول عليه الصلاة والسلام خلفهُ فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُنهنه بقلب صديع فقال له:
ما يبكيك يا عمر ؟ فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله:
إبنك لم يبلغ الحلم ولم يجر عليه القلم وليس في حاجة إلى تلقين فماذا يفعل ابن الخطاب! ، وقد بلغ الحلم وجرى عليه القلم ولا يجد ملقناً مثلك يا رسول الله!
وإذا بالإجابة تنزل من رب العالمين جل جلاله بقوله تعالى رداً على سؤال عمر:
{ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ويُضلُّ الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} .
نسأل الله تعالى ان يثبتنا عند سؤال الملكين ويهون علينا وحده القبر ووحشته ويغفر لنا ويرحمنا انه على ما يشاء قدير
الجواب :
آمين وإياك
هذه القصة لا تَصحّ ، ولا يَصحّ في التلقين بهذه الطريقة حديث .
ولذلك عدّ العلماء تلقين الميت بعد موته من البِدع المحدَثات .
فالسنة أن يُلقّن عند الاحتضار ، لا عند الدفن ولا بعد أن يُلحَد في قبره .
ولا يصح هذا الحديث في سبب النُّزول .
وهنا تنبيه على قول : (ويرحمنا إنه على ما يشاء قدير)
وهو أن هذا اللفظ لا يَجوز إطلاقه هكذا ، إلا مُقيَّداً ، لأنه يُوهِم أن الله لا يَقدر إلا على ما يشاء
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
تقييد القدرة بالمشيئة يوهم اختصاصها بما يشاؤه الله تعالى فقط، لا سيما وأن ذلك التقييد يُؤتَى به في الغالب سابقاً حيث يقال: "على ما يشاء قدير" وتقديم المعمول يفيد الحصر ، كما يعلم ذلك في تقرير علماء البلاغة ، وشواهده من الكتاب والسنة واللغة ، وإذا خُصَّت قدرة الله تعالى بما يشاؤه كان ذلك نقصاً في مدلولها وقصراً لها عن عمومها ، فتكون قدرة الله تعالى ناقصة حيث انحصرت فيما يشاؤه ، وهو خلاف الواقع ، فإن قدرة الله تعالى عامة فيما يشاؤه وما لم يشأه ، لكن ما شاءه فلابد من وقوعه ، وما لم يشأه فلا يمكن وقوعه . اهـ .
وقال رحمه الله : إذا قُيِّدَتْ المشيئة بشيء مُعيّن صحّ ، كقوله تعالى : (وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) ، أي : إذا يشاء جمعهم فهو قادِر عليه . اهـ
والله أعلم) ا.هـ
ثالثاً : (أحاديث تلقين الميت بعد الوفاة ضعيفة) :
قال الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى :
(التلقين لم يثبت فيه حديث صحيح ولا حسن ، بل حديثه ضعيف باتفاق المحدثين ، ولهذا ذهب جمهور الأمة إلى أن التلقين بدعة ، وآخر من أفتى بذلك الشيخ عز الدين بن عبد السلام وإنما استحبه ابن الصلاح وتبعه النووي نظراً إلى أن الحديث الضعيف يتسامح به في فضائل الأعمال) ا.هـ
"الحاوي للفتاوى (2/191) "
هذا والله تعالى أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم