من السهل إيجاد شماعة نعلق عليها أخطاءنا وعجزنا ،وجهلنا،ولامبالاتنا ، وكسلنا .يحصل ذلك على المستوى الفردي(عندما يجد الفرد فرداً آخر يحمله المسئولية ويحصل ذلك على مستوى المجتمعات والدول ).
من هنا وفي زمننا هذا وكوني مواطناً عربياً عايشت ذلك السيل من الاتهامات التي نكيلها أفراد وجماعات ،مثقفون وبسطاء الثقافة ، سياسيون ورجال دين، على الشماعة المسماة(المؤامرة).
لقد أصاب نظرية المؤامرة من اللعن والرجم ما أصاب إبليس نفسه!
إن نظرية المؤامرة أو عقلية المؤامرة تكاد أن تقضي على عقولنا وذكائنا فقد سلبتنا قدرتنا على التفسير الحقيقي والجدّي للأحداث ..حتى وان لم يصيب تفسيرنا ذلك كبد الحقيقة.
أن نعجز كلية عن التفسير وقراءة الأحداث - فتلك كارثة .





هل هي حالة نفسية؟ هل هو الهروب؟ هل من يعجز عن التأثير في الحدث (ينتقل بالضرورة)إلى مرحلة القدرة على عدم فهم الحدث أو تفسيره . ولكن هناك من يعجز عن التأثير في الحدث ولكنه يستطيع فهمه وتحليله . وهناك من لا يريد أو لا يهمه التأثير في الحدث ومع ذلك يستطيع فهمه وتحليله . أما أن نجمع بين العجزين ... عجز التأثير وعجز التفسير فلا ارتاح لذلك .
قد يقول البعض: من أنت حتى تنكر وجود المؤامرة ؟ وأنا أقول: لا أنكر وجود المؤامرة .ولكني استغرب من عدم قدرتنا على تحديد حجم المؤامرة . وعدم إعطائها النسبة المئوية التي تستحقها .
فلنقل أن المؤامرة موجودة بنسبة 50% ... أيرضيكم ذلك ؟
إذا كانت المؤامرة بهذه النسبة مسئولة عن تخلفنا ...اقتصادياً ، و عسكرياً ، وزراعياً ، وإدارياً ، وتربوياً ...الخ .
فمن المسئول عن النصف المئوي الآخر ؟



هل هي الأنظمة العربية ... أم الجهل .. أم المواطن العربي .. الفاقد السيطرة على المشاركة في تشكيل الأنظمة التي يريدها معبرة عنه؟
وبما انه لم يشارك في التشكيل فانه أيضاً غير مشارك في توجيه الأنظمة العربية – النفعية الانتهازية – التي فرضت عليه بحسب الظروف والتاريخ وليس نتيجة المؤامرة وحدها كما يقول البعض .
لا نستطيع الدخول في تفاصيل الأسباب التي جعلت المواطن العربي يرتمي في أحضان عقلية المؤامرة (التي وجد فيها مهرباً لما يعانيه)
لأننا إذا دخلنا في تلك التفاصيل سنحتاج إلى مجلد لا إلى مجرد خواطر .ولكن لنمر على الموضوع مرور الكرام ولنذكر بعض المعالجات لهذا الداء الخبيث .
يجب أن لا نخجل من نقد ذاتنا وسلوكنا ، يجب أن لا نخجل من نشر غسيلنا القذر (حتى ولو رأوه الآخرين). إن نشر الغسيل في الشمس والهواء –مهما كان قذراً – سيجعله نظيفاً ، وعدم نشره سيجعله يتعفن ويكون مرتعاً للجراثيم .




إن مناقشة أخطاءنا - أفراداً ومجتمعات ودول- ليس فيه عيبٌ طالما ذلك النقاش هدفه تقويم الاعوجاج والتخلص من الأخطاء .
إن التستر على أخطائنا بحجة الحفاظ على الأمن أو بحجة ألا يستفيد العدو من اختلافنا على كيفية معالجة أوضاعنا ما هو إلا العجز بذاته والاستمرار في الهروب إلى المجهول .
.. حسناً هناك (مؤامرة ) علينا من الآخر ولكن بالمقابل هناك سلبياتنا تساعد تلك المؤامرة على النجاح .
وتذكر أخي المواطن العربي بأن الاعتقاد (بنظرية المؤامرة الكاملة)
تُريح الأنظمة العربية لأنها تحب أن يُحمل المواطن العربي عدة جهات ليس من بينها تلك الأنظمة مسئولية تخلفه .
قد يقول قائل: هناك أحداث تختلط فيها الأوراق مما لا يسهل ذلك الاختلاط فهم الحدث أو تفسيره التفسير الصحيح أو القريب من الصحيح .فما العمل؟
- علينا تنظيم الأوراق حتى نكون قريبين من الفهم الصحيح ..كيف؟




من حق الفرد أن يرى الحدث من وجهة نظره ،وتحت تأثير الجو المحيط به من أراء فردية،ووسائل إعلام .
من حقه أن يعبر عن مفهومه للحدث انطلاقاً من عصبيته ومن قناعته بعدائية صانعي الحدث... أو حسن نيتهم ولكن لكي يصل إلى الفهم الصحيح ،والتفسير الصحيح ، يجب ألا يكتفي بذلك .بل عليه أن يضع نفسه في دور (المحايد) ليرى الحدث من كل الجوانب بلا تعصب .
عليه أن يتقمص دور صانع الحدث ليرى من خلال عين الآخر ... حتى ولو كان ذلك الآخر يعتبر عدواً .
إذا كانوا صانعي الحدث أكثر من طرف عليه أن يتقمص دور كل منهم على حدة ويرى الحدث من وجهة نظر كل طرف ...
ما هي مصالحه؟ ما هي طموحاته؟ .. وما مدى مشروعية تلك المصالح أو تلك الطموحات .



وفي الأخير ما هي نسبة مشاركتنا كوننا عرب في صناعة ذلك الحدث؟وهل شاركنا سلباً أم إيجاباً ؟
- إذا كنا نُعتبر هدفاً للحدث - فما مدى الدور الذي لعبته أخطاءنا ؟أفراداً ومجتمعات وأنظمة وما الذي جعلنا نتلقى الأحداث ولا نقدر على تفسيرها التفسير الصحيح عوضاً عن مواجهتها .
لا تكتفي بالقراءة عن الحدث من مصدر إعلامي واحد واحرص على القراءة عن الحدث من وسائل إعلامية متعددة . حتى ولو كان من بين تلك الوسائل الإعلامية من لا تستسيغها ، وقد تعتبرها معادية، لا تكتفي بأرائك وقناعاتك المسبقة.