الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار مكور الليل على النهار تذكرة لأولى القلوب والأبصار وتبصرة لذوى الألباب والاعتبار سبحانه سبحانه الذى ايقظ من خلقه من اصطفاه فزهدهم فى هذه الدار وشغلهم بمراقبته وادامة الافكار ووفقهم للدأب فى طاعته والتأهب لدار القرار ونبههم من الحذر مما يسخطه ويوجب دار البوار والمحافظه على ذالك مع تغاير الأحوال والأطوار ... وبعد ........
فان المؤمن الحق هو صافى القلب ينبوع المحبه من شدة صفاء قلبه يحب من حوله جميعا بغير انتظار لرد ولا شكر ولا مجامله و لا مصلحه وانما هو حب فى الله ولله وعلى الله و الحب فى الله لا ينبعث الا من القلوب الصافيه المتعلقه بحب الله تعالى فتنعكس المحبة لله الى محبة كل ما خلق الله بوجه تلقائى بالفطرة لان قلب المؤمن مثل القمر ومحبة الله بالنسبة له مثل الشمس فاذا تقابل القمر مع الشمس اى محبه العبد لله اثرة الشمس فى القمر بضيائها وقوة نورها اى اثر حب العبد لله فى نفسه وقلبه فحمل القمر هذا الضياء والاشعه فعكسه على اهل الاض جميعا لينير لهم دنياهم ويحميهم من التخبط فى معتكر الظلام الداجى اى حمل قلب المؤمن حب الله الذى اثر فى جوارحه كلها حتى تمكن من جميع جسمه حتى صار العبد لا يرى الا محبة الله فى قلبه فلما راى العبد المحب لربه الناس عكس حب الله فى قلبه على دنياهم فاحبهم فى الله و لله وراى كل شىء حوله فاحبه لانه من اثار خلق الله الذى يحبه فانار بحبه دنيا الناس فتعلموا من حبه فاحبوا من حولهم فساروا جميعا احبة فى الله لا يضرهم فى ذالك شىء فانارت الدنيا بحب من فيها وتحولت الى نور و امتح ظلام البغضاء والحقد والحسد الداجى وسار العالم بنور الحب كالنجوم ملتفه ومنسجمه مع بعضها البعض واشرقة الارض بنور ربها ومحبته ورضاة ولذالك نجد ان الله تعالى يحض المؤمنين على الحب فى الله لا سواه ويمدح المحبين فى ذاته بكل مدح جميل ووصف مليح فيقول ( والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ) وكذالك جزى الله الذين يحبون الناس جميعا فى الله بالجزاء الجزيل فى الدنيا والاخره بينه لنا رسوله الكريم المحبوب صلى الله عليه وسلم فى سنته فنجده يقول
عن انس عن النبى قال ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان ان يكون الله ورسوله احب اليه مما سواهما وان يحب المرء لا يحبه الا لله وان يكره ان يعود فى الكفر بعد ان انقذه الله منه كما يكره ان يقذف فى النار ) *متفق عليه رواه الشيخان*
فانظروا الى الايمان اننا لا نعلم له طعم ولا نحس له بادنى احساس وكأنا معزولون عن الحس ولكن نؤمن كالمقلده نفعل كما يفعلون فهل للايمان من طعم يحس وحلاوة توجد فتجد انى اقول لك نعم انك لا تستطيع ان تحس بحلاوة الايمان الا بعد ان تحب من حولك فى الله انه الحب فى الله وثمرته تجد لذة حلاوة الايمان فى قلبك فتحب المرء لا تحبه الا لله فيحبك من حولك وتجد فى ذالك انك ملكة الدنيا بأثرها و هذا ثمرة الحب فى الله فى الدنيا وليس هذا فحسب وانما ايضا تجد ثمرته فى الاخره
عن ابى هريرة عن النبى قال ( سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله امام عادل وشاب نشأ فى عبادة الله و رجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امراه ذات منصب وجمال فقال انى اخاف الله ورجل تصدق بصدقه فاخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ) *رواه الامام البخارى فى صحيحه*
فانظر اخى فضل الحب فى الله انه عزة لك فى الدنيا وحلاوة تجدها فى قلبك وتستشعرها بجميع جوارح جسمك ونجاة لك فى الاخره يوم يقف الناس فى ساحة الحساب والشمس فوق روؤسهم يلجمه العرق تلجيما او يغرقون فى بحاره وتبحث عن ظل تحتمى فيه من اشعة الشمس المحرقه وعرقك الجم فينادى عليك الملك الرحيم الودود ويقول لك تعالى واحتمى فى ظل عرشى واستظل به فلماذا هذا التكريم وهذه الفضليه لانك احببت الناس جميعا فى الدنيا فى الله ولله بغير غرض ولا انتظار فضل فاحبك الله الذى من اشرف اسماءه ( الودود ) فانجاك لانك اتخذت من صفة وده تعالى شعار لك فكرمك فاضافك الى ظله كما اضفة انة صفته تعالى الى نفسك فى الدنيا واتصفت بها وتمثلت بمحتواها وطبقة معناها فاحببت الناس كلها فى الدنيا لله وفى الله فلم يضيع الله لك ذالك الحب لانك لم تنتظر المقابل من من تحب ولكنك تنتظره من الله فاعطاك الله ثمرته ولا يبخسك شيئا وحاشاه بل تجد الله ينادى عليك فى وسط الجموع الجمة الكثيرة اللامتناهيه ويخرجك من بينهم فتفوظ برضاه وتحتمى بحماه
عن ابى هريرة عن النبى قال ( ان الله تعالى يقول يوم القيامه اين المتحابون بجلالى ؟ اليوم اظلهم فى ظلى يوم لا ظل الا ظلى ) * رواه الامام مسلم فى صحيحه *
وليس هذا الفضل وهذه الخصوصيه للذين تحابوا فى الله ولله لا ينتظرون من وراء ذالك الحب مقابل مادى زائل ولا غرض ولا مصلحة ما وحسب وانما هناك فضائل اخرى وثمرات متعدده وخصوصيات كثيره فاذا قام الناس لله فى ساحة الحساب ودنت الشمس فوق الرؤوس والتجم الناس وغرقوا فى بحار عرقهم واشتد الامر نادى الله الذين تحابوا فى الله فخرجهم وخصهم بالاستظلال بظله ثم بعد ذالك يدخلهم الجنه لكن مع خصوصيه تفضيل على غيرهم
عن معاذ بن جبل قال قال سمعت رسول الله يقول (يقول الله عزوجل المتحابون فى جلالى لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء ) *رواه الامام الترمزى وحسنه*
فانظر اخى الحبيب الى هذا الفضل ولهذا التكريم الذى لا يدانيه فضل وكذالك لا يقف اهل المحبة فى الله عند هذا الحد وفقط وانما يحبهم الله تعالى واذا احب الله العبد امتلك الدنيا باثرها وما ادراك ما حب الله للعبد انه الفضل الجسيم والمنة الكبرى
يقول رسول الله ( اذا احب الله تعالى العبد نادى جبريل ان الله تعالى يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فينادى فى اهل السماء ان الله يحب فلانا فاحبوه فيحبه اهل السماء ثم يوضع له القبول فى الارض ) * رواه مسلم
فانظر يا اخى وانى احبك فى الله الى ثمرات الحب فى الله والى الفضائل والنعم التى لا تحصى للمحبين فى الله فان الله تعالى يحبهم ويحبهم جبريل وملائكة السماء ويحبه اهل الارض لان الله يضع سر قبوله فى قلوب الناس جميعا ثم يجد حلاوة الايمان فى قلبه ولما يقف فى ساحة الحساب والموقف صعب وحر وشمس دانيت على روؤس الناس يحرقهم اشعتها ويلجمهم العرق ويغرقهم فى بحاره ينادى الله اهل الحب فى الله ويخرجهم الى جواره ويظلهم بظل عرشه يوم لا ظل الا ظله ثم يدخلهم الجنه مع خصوصيه يعرفون بها دون غيرهم فيوضعون على منابر من نور يغبطهم فيها النبيون والشهداء فالفضل كل الفضل لهم والنجاة كل النجاة والفوز كل الفوز ولانى احبكم فى الله جميعا فانى
اخاطر فى محبتكم بروحى ... واركب بحركم اما واما
واسلك كل فج فى هواكم ... وأشرب كأسكم لو كان سما
ولا أصغى الى من قد نهانى ... فلى أذن عن العذال صما
أخاطر بالخواطر فى هواكم ... وأترك فى رضاكم أبا وأما
جعلنى الله واياكم من المتحابين فى جلاله المستظلين فى ظله المخلصين فى محبته بدون اغراض او انواء واحبنى الله واياكم وجعلنى واياكم من المحبين المحبوبين الذين القى سر قبوله لنا فى قلوب الثقلين الملائكة والبشر وهدانى واياكم الى معالم طريق وده وحبه وجعلنا جميعا اهل محبته وخاصته وجملته وعباده وخدمته وطاعته
فانى احبكم فى الله وارجوا من الله على محبتكم الثبات والدوام هذا ما قلته والسلام