فيدرا مأساه لراسين
تألق
القرن السابع عشر
في كل انواع الفنون والأداب
وقد كان راعيه الأكبر لويس الرابع عشر
(( الملك الشمس ))
يغدق
علي المبدعين بسخاء لامثيل له
وقد عرف هذا العصر بالعصر الذهبي
للمسرح الكلاسيكي
تقاسم راسين ساحة المسرح التراجيدي
مع
نظيره كورنيل
ولكن
اذا كان كورنيل قد قدم ابطالا يتميزون
بالسيطره علي عواطفهم
في سبيل نصرة الشرف والعقل
ويعود ذلك الي تأثره بديكارت
فراسين قدم ابطالا مزقهم العشق وهم يستسلمون لأقدارهم
فهم يسيرون وهم مسلوبو الإراده في طريق الخطيئه
ولا أمل في نجاتهم من هذا المصير المظلم
وقد تأثر راسين بالفكر التشاؤمي
لجماعة الجانسينيست
اتباع القس كونيلوس جانسون
الذي يري ان مصير الانسان مظلم
فلن يعرف الرحمه والعفو الالهي
الا بجهاد مضن للنفس
عن طريق العباده والصلاه والعزله
ان هذه الفئه الناجيه قله يختارها الله ويدخلها في رحمته
اما اغلبية البشر فهم سائرون في طريق الضلال
ولا امل في نجاتهم وليس لديهم حرية الاختيار
تأثر راسين
بهذا الفكر
واسس مسرحه علي انتقاء ابطاله
من المسرح الاغريقي الذي يجسد بدوره هذه الفلسفه وهو يختار ابطاله من الاساطير الاغريقيه
وماتحمل من سرد لتاريخ العائلات الملعونه التي تخضع لغضب الالهه
تدور احداث المسرحيه
( فيدرا )
التي اخذها راسين من مسرح اوربيدس الكاتب المسرحي الاغريقي
داخل هذا الاطار ففيدرا الزوجه الشابه الثانيه للملك تيزيه تقع في حب ابنه ايبوليت وتنزلق بكل جوارحها واحاسيسها
في طريق هذه العاطفه الاثمه وهي علي يقين من جرمها فهي كما يقول راسين في مقدمة المسرحيه
مدفوعه بقدرها
تنطلق اشاعات عن مقتل تيزيه في احدي المعارك
فيمتلئ قلب فيدرا بالامل
وتحلم بالارتباط بايبوليت وتصرح له بعواطفها تجاهه ويشعر ايبوليت بالفزع والاشمئزاز ويستنكر ماوصل الي سمعه يعود تيزيه وتنهار فيدرا امام وصيفتها اونون التي تسرع بدورها الي تيزيه وتقدم علي فعل ابشع نميمه في سبيل حماية سيدتها فهل تختلق اكذوبه مطاردة ايبوليت لفيدرا اثناء غياب الاب وتنصهر الاحداث وتزداد حدة المواقف التراجيديه فالآب يثور ويلعن ولده الذي يحاول الدفاع عن نفسه امام ابيه فيقول له انه فعلا ارتكب خطا في حق ابيه لأنه يحب اريسي ابنة عدوه
تثور فيدرا عند الاضطلاع علي النميمه التي قامت بها اينون وتذهب الي تيزيه للدفاع عن ايبوليت ولكي تصرخ لزوجها بجرمها الحقيقي غير ان تيزيه يخبرها بحب ايبوليت لابنةعدوه فتشتعل نار الغيره في قلب فيدرا التي تشهر في الحال اقوي اسلحة الانتقام وتنسج الخيوط حول ادعاء وصيفتها وتنري في اختلاق المواقف ويثور الاب ويصب لعنته علي ابنه وينفيه خارج البلاد ويدعو الالهه بصب اللعنات عليه وتدميره ويرحل ايبوليت ثم تظهر براءته ويحاول والده حمايته ولكن بعد فوات الاوان ويموت ايبوليت ثم تنتحر وصيفة فيدرا بعد تعنيف سيدتها وطردها وتنتهي المسرحيه بموت فيدرا التي لم تحمل خبر مصرع محبوبها
ان الشر في هذه المسرحيه متنوع وفقا لنوازع مريديه ففيدرا تفعل لاشر بدافع يأسها من حبها وغيرتها المدمره اما اينون الوصيفه فهي تقدم علي فعلتها الاثمه اي وشايتها لايبوليت وهي مدفوعه باخلاص وحبها لسيدتها ورغبتها الملحه في خدمتها ولكن الجميع يتحرك بخيوط غير مرئيه كالدمي ولا حيلة لهم في مقاومة مصائرهما
ويقال عن راسين انه يغلف القسوه والمواقف التراجيديه باطار من الجمال فهو يعتبر ان فن التراجيدا يكمن في تحويل الفزع ومايحمل من قبح بشري الي جمال فهو يري ان اهم قواعد الفن تكمن في اثارة الاعجاب , هذا الي جانب الدور الاخلاقي فلا ننسي ان المسرح الاغريقي كان يهدف اساسا الي تطهير النفس من اثامها كما ان النهايهالمأساويه تقدم عبره والجاني يعاقب وقد اهتم راسين بمراعاة قواعد المسرح الكلاسيكي كما وضعها ارسطو فالتزم بمراعاة وحدة المكان ووحدة الزمان ووحدة الحركه الدراميه التي تدور حول صراع فيدرا وتخبطها فلا شئ من الاحداث الدراميه يظهر علي خشبة المسرح فجميعها يحدث وراء الكواليس ويكتفي الكاتب بعرضها من خلال الحوار كما تستدعي قواعد المسرح انذاك لمراعاة مشاعر المتفرج واهتم راسين بالاسلوب فاصبحت المسرحيه كما يقول مارلو قصيده شعريه تمتزج فيها الحان الابيات مع وصف اللوحات التي تصدر من اجواء الاساطير الاغريقيه ففيدرا تقول وهي تحتضر :
وجودي يغضب السماء ويغضب زوجي
لقد اعاد الموت الصفاء الي النهار
الذي طالما فقد ضياءه
بعد ان لوثته عيني وهي تتطلع عليه
هذه هي مأساة فيدرا التي تمثل العجز البشري امام السيطره علي المشاعر الاثمه .. المشاعر التي يستنكرها الضمير والعقل الانساني والتي جعلت راسين يعتزل المجتمع ويعيش بعيدا عن اسرته حتي ينجو بهم وبذاته من مصير المغضوب عليهم
وتقبلوا تحياتي اخوكم د / خالد خليفه
د. خالد
لك
إتساع من النور
وبك ترتدي الحروف
الضوء
لو فاض بى
الصمت
لأغرقتنى كلماتك
في بحر من
الجمال
قلمك نقلنا بلجج
بحاره
بضياء من وهج
المعاني
الغافيه بكرم
حروفك
ونقائك
دمت