أنــفُ قصـــير
تعيـش الـدولة الصــهـيـونيـة حالـياً مرحلة مـا قبـل التـشرنـق، وهـي مرحـلة تمرُّ فـيها الحشرات بوصفها إحــدى مراحل النــموِّ أو التحـوصـل، وهي مرحلة مـؤقــتـة تمــرُّ فــيــها الفـيـروسات أيضاً؛ حـمايةً لـها مـن ظــروف قــاســـيـة.
ولا يخـفى على أيِّ مراقـب أن الدولة الصـهيــونية تقوم حالـــياً بتصــرُّفــات غـريـزيـة اسـتعداداً لظـروف استـثنائية قد تمرُّ فيها المنطقة؛ فقبل سنوات قليلة تشكَّل كيان فلسطيني مستقر في أصل وجوده، ولكن تركيبته السياسية غير ثابتة؛ حيث إن طروحات قواه السياسية تتراوح بين القبول بكيانٍ على جزء من الضفة والقطاع؛ وعدم الاعتراف بحق الدولة الصهيونية بالوجود، ولذا اتَّسمت العلاقة بين هذا الكيان والدولة الصهيونية بخليط من التناقضات التي تجمع بين التفاوض والتنسيق والتنازل والمقاومة والحصار.
وكان اليهود يتعاملون مع هذا الوضع بصعوبة بالغة، زاد من حدَّتها تحوُّل المنطقة إلى حلبة صراع مبـاشر بين قوى مختلفة يتوقَّع أن يؤدِّي - هذا الصراع - إلى تغيُّر جذري في أطرافه؛ فقد أدَّى التدخل الأمريكي المباشر في المنطقة إلى تغيُّرات جذرية في المعادلات التي تحكم المنطقة، وأعطى دفعة قوية للمدِّ الشيعي الذي دخل العراق والخليج تحت المظلة الأمريكية.
ويـلاحـظ هـنـا أنـه بقـدر تـزايـد المقـاومة السُّنِّية للـوجـود الأمريـكي في العـراق بقدر ما يتجذَّر التحالف الأمريكي - الشيعي، وكلما زادت مشاكل أمريكا في المنطقة كلما عادت فكرة تعيين شرطي يتولَّى حماية المصالح الأمريكية فيها، وكما كانت إيران الشاه تمثِّل دور شرطيِّ الخليج فإننا أمام ملامح تعيين شرطيٍّ جديد في المنطقة؛ إنه شرطيٌّ له رِجلان؛ هما: إيران وسورية؛ وله يدان؛ هما: حكومة العراق الشيعية وحزب الله في لبنان؛ وانسحاب أمريكا يعنـي إطـلاق يـد هـؤلاء في المنـطقة.
ولا ننسى أن الدعوات ترتفع في أمريكا تحث على الانسحاب من العراق والتركيز على الحرب في أفغانستان، ولا ننسى كيف أُقفل ملف اغتيال (الحريري) وتحوَّلت سورية من داعمة للإرهاب إلى ضيف بارز في المؤتمر الأورومتوسطي الذي انعقد في باريس.
إنها إرهاصات لترتيبات جديدة، ولا يضير أن نستفيد من تجربة الصينيين في مراقبة تصرُّفات الحيوانات، ومن ثم توقُّع الكوارث الطبيعية، ونحن هنا يجب أن ندقِّق في تصرُّفات الدولة الصهيونية الغريبة، والتي توحي بتغيُّرات كبيرة في المنطقة؛ فقد بدأت ببناء جدار فاصل من الإسمنت المسلَّح؛ إنها حدود إسمنتية بارتفاع ستة أمتار أقامها من كان يرفض مجرد رسم الحدود على خريطة من الورق ومن كان يرمي حزب الله بالإرهاب ويتفق معه على تبادل الأسرى؛ ولا نظن أن الأمر يقف عند تبادل الأسرى، فهذا هو الاتفاق المعلن، ومن كان يهدِّد بضرب سورية يعرض عليها بدون مقدمات الانسحاب من الجولان، ويعلن نجاح المفاوضات بين سورية والدولة الصهيونية بوساطة تركيا، وأخيراً تتحول قمة الإرهاب في المنطقة التي هي حماس إلى طرف في اتفاق سُمِّي بالتهدئة بوساطة مصرية، إنه تجاوز للسلطة وإعلان لنهـاية دور عباس ومحاولة لمنع تمدُّد حماس إلى الضـفة ولو بالاتفاق معها مؤقتاً، إنها تعيش مرحلة قلقة تتصف فيها استباقاً لأحداث تريد فيها الدولة الصهيونية أن تكون في وضع المتفرِّج، وأن تكون آمنة في شرنقتها ولأمرٍ مّا جدع قصيرٌ أنفَهُ.
