العاقل من استفاد انفاس عمره
الاسلام هو دين الحياه و منهجه اصلح مناهج التشريع قديما و حديثا فلا تغنى دساتير العالم كله الوضعيه امام دستور الاسلام شىء لان الذى وضع قواعده و اسسه خالق العالم كله المحيط بما يصلحه و يفسده الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير و لذالك جائت شريعه الاسلام بقوانين و معايير تضىء الطريق لكل متخبط و تعجز كل ملحد على ان يجد فيها مخرجا او ان يتحايل عليها و لذالك هذه الشريعه لم تترك كبيره و لا صغيره الا و افصحت عن امرها و حالها او ما يصلحها او يفسدها من خلال قواعده الكليه المعروفه بالاتزان و الدقه و هذا التشريع القيم ينقسم الى معاملات و عقائد و اداب و سلوكيات مرادها ان تبلغ بالفرد و الجماعه الى مستوى الكمال البشرى و السمو الخلقى لان ذالك مطلب شريف منيف اذ الاخلاق هيا قوام الحياه الفاضله و هى راس الامر كله و لذالك امرنا ربنا تعالى بتطبيقها و رفع من منزلتها فزينها فى قلوب كل الناس بما اودع لها من الثواب الجزيل فى الدنيا و الاخره و لما طبق النبى على ذاته الشريف تلك الاخلاق المنيفه قال ( انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ) و لذالك امتدحه ربه فقال ( و انك لعلى خلق عظيم ) لما شمله النبى من عظيم الخصال و كمال الشمائل و تمام الفضائل و لذالك نجد الشرع الاسلامى يجرد الانسان من كل لمم الدنيا و مغرياته الفانيه التى يمكن للانسان بامتلاكها ان يكون له الفخر بنفسه و ان يكون له الفارق عن غيره بان سوا الشرع كله فى كفه ميزان دقيقه جدا و حساسه للغايه الا و هيا مكارم الاخلاق فقال ( ان اكرمك عند الله اتقاكم ) ثم اشار الرسول اليها اذانا منه عليه السلام برفع فارق الفخر بالمال و الحسب و النسب و الغنى بان يضع تسويه لكل العالم المسلم بكلمه واحده و هى مكارم الاخلاق فيقول فى الحديث الذى رواه ابو هريره ( كرم المرء دينه و مروءته عقله و حسبه خلقه ) ثم يقنن لنا قوانين تريح النفس و تعالج الروح و ترضى بها الامال و تسمو فوق الطموح يمتلكها كل البشر بدون فارق عن ابن عباس قال قال رسول الله ( من سره ان يكون اكرم الناس فليتق الله و من سره ان يكون اقوى الناس فليتوكل على الله و من سره ان يكون اغنى الناس فليكن بما فى يد الله اوثق منه بما فى يده ) فهذه كلها دفعات معنويه يضعها الشرع امام اعين الناس ليصلح بها المجتمع و يشيل الفارق بين بنى البشر فالعاقل من استفاد انفاس عمره وعمل بها ليفوز بخيرى الدنيا و الاخره و لا يستطيع اغرائه الشيطان بمترفات الدنيا الفانيه فلو اننا دققنا النظر الى ملوك و امراء المسلمين فى هذا الوقت لوجدنا ان الشيطان استحوذ عليهم فاهلكهم فلم يبقى لهم فى الدنيا زكرى ولا فى الاخره حسنه استعملوا السلاح و القتل و الخراب فى عباد الله و ارض الله لان الشيطان قذف فى قلوبهم حب التملك فاستباحوا دماء الناس و قتلوا الانفس بدون حق اولا يعلموا انهم سيقفون امام الملك الجبار ليقتص منهم فاى قصاص و اى عذاب هؤلاء رفعوا اقنعتهم و دمروا اخلاقهم فطبع الله على قلوبهم فانا لهم الزكرى ان مكارم الاخلاق كانت هيا دعوة الصالحين من عباد الله و بها اصبحوا ملائكة يمشون على الارض هذا الامام على بن ابى طالب كان يقول فى دعائه الذى علمه له رسول الله ( اللهم اهدنى لاحسن الاخلاق فانه لا يهدى لاحسنها الا انت و اصرف عنى سيئها لا يصرف عنى سيئها الا انت ) و كذالك السلف من كثره ولعهم بحسن الخلق و خوفهم من تركها لهم كانوا يخافون عندما يمدحون احدا بالغيب فيعرف بمدحهم له فيحبط عملهم و كذالك كانت دعوة الخليل ابراهيم فى سورة الشعراء ( و اجعل لى لسان صدق فى الاخرين ) اللسان الخير و الزكرى الحسنه هيا دعوة الانبياء و بغيه السلف و مطلب شريف لكل بشر انظروا الى قوله تعالى فى سورة الصافات ( و تركنا عليه فى الاخرين ) اى ابقينا له الزكرى الحسنه و قد زكرى الامام الطبرى حكايه عن ابن عيينه ان عكرمه جائه سائل يسئله عن تفسير قوله تعالى ( و اتيناه اجره فى الدنيا ) قال السائل لعكرمه لقد غصت على تفسيرها البحر العميق قال له عكرمه فمن انت فقال انا سعيد بن جبير قال لقد علمت ثم قال تفسيرها و ابقينا له الزكرى الحسنه و الثناء الحسن فى الدنيا ان الشرع جمل حسن الخلق فحرى و طوبى لكل مسلم بان يتقلد لباس حسن الخلق ليفوز برضا الله فى الدنيا و الاخره و العاقل من استفاد انفاس عمره فى حسن الخلق و شمر لها كل ما اوتى من عزم و ايمان عن عقبه بن عامر قال لقيت رسول الله يوما فبدرته فاخذت بيده فقال ( يا عقبه الا اخبرك بافضل اخلاق اهل الدنيا و اهل الاخره تصل من قطعك و تعطى من حرمك و تعفو عمن ظلمك ) و عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله ( لله مائه و سبعه عشر خلقا من جاء بخلق منها ادخله الله الجنه ) انظروا الدين يسر و الجنه ازلفت للمتقين غير بعيد و باقل القليل فلما التشبث بالدنيا الدنيئه الا يحن للمرء من استفاد انفاس عمره ليتقلد ثياب حسن الخلق و يفوز بالدارين ليسكن فى اعلى عليين فى جنه سكانها الانبياء و المرسلين و سقفها عرش الملك سبحانه قال رسول الله ( اقربكم منى مجلسا يوم القيامه احاسنكم اخلاقا ) ان العاقل الاريب الكيس هو من استفاد انفاس عمره ليقيم عرس حسن الخلق فى نفسه فقد ان الاوان لان الليل و النهار يعملان فى تقليص عمر الانسان فلابد للعاقل ان يعمل فيهما قبل ان يعملان فيه انما الليل و النهار خزانتان من اودعهما شيئا وجده فيهما فهيا نستنشق العمر جليا فى رحيق مكارم الاخلاق
كل الامـــور تزول عنك و تنقضى *** الا الثناء فـــانه لك باق
ولو اننى خيرت كل فـــضيلة *** ما اخترت غير محاسن الاخلاق
لابد لنا ان نكرم انفسنا بان نحليها بحسن الخلق و ان ندخر بمكارم اخلاقنا فى الاخره كنزا يقينا و الى الجنة يقودنا فلا الدنيا مخلدون فيها و لا فيها نعيمنا و انما هيا تفنا و يفنا نعيمها و تبقى الذنوب و المعاصى كما هيا لابد لنا الان ان نشمر عن سواعد قناعتنا و ان نستفيد بانفاس العمر لنسجل لنا السيره الحسنه و ان نقول معروفا و نجعل لسانا خيرا ذالك لمن كان له قلب او القى السمع و هو شهيد احبكم فى الله و هذا ما قولته لكم فقد دللتكم على شجرة الخلد و كنز لا يفنى فستعملون ما اقول لكم و افوض امرى الى الله ان الله بصير بالعباد