الدنيا كما خلقها الله دائره لا تغلق و هى من الديموميات التى لابد لها من انتهاء فى ذاتها و قد جعل الله تعالى ضمانا واجبا لسريان هذه الدنيا فى ديموميتها الى حد التوقف و الانتهاء و جعل هذا الضمان مضبوط بقانون الجبر و الاختيار و جعل المنفذ لهذا القانون هو الانسان و جعل الانسان متعلقا به صلاح او فساد هذه الدنيا و لذالك و ضع له روادع اسمها الترغيب و الترهيب و جعل لهذه الروادع نتائج و هى النعيم او العذاب و بها كانت الجنه او النار و لذالك كان الانسان هو خليفه الله فى ارضه المؤتمن على عمارها و سريانها و لذالك لا يقوم الدين و لا الدنيا الا باربعه و هم العلماء و الامراء و الغزاه و اهل الكسب و كلهم لهم وجود انسانى و انما جعل قوام الدين و الدنيا بهؤلاء الطوائف الانسانيه دون غيرهم لانهم السبب المباشر لضمان سريان هذه الدنيا و غيرهم من الطوائف الانسانيه معلقون فيهم فان صلح هؤلاء الاربع صلح غيرهم ممن علقوا بهم و ان فسدوا فسد الكل و لذالك كان هؤلاء الاربع دون غيرهم عليهم النصاب الاكبر من المسؤليه على اعناقهم و كذالك كان نصيبهم من الثواب و العقاب اكبر من غيرهم و انما خص هؤلاء الاربع بهذه المسؤليه الجسيمه و كانوا سبب قيام الدين و الدنيا معا لان الامراء هم الرعاه يرعون الخلق و رميت على اعتاقهم مسؤليه هذه الرعايه فهم محاسبون بها و اما العلماء فهم ورثه الانبياء و هم يدلون الخلق الى الاخره و هم دعاه الدين و ناصروا المله و مطبقوا الشريعه و محققوا العقيده و الناس يقتدون بهم فهم محاسبون ايضا على هذا الاقتداء فلهم ان يترعوا عن الوقوع فى الافات الممنوعه شرعا و المحرمه دينا و اما الغزاة فهم جند الله على الارض جعلهم ليقمع بهم اهل الكفر و البدع و كذالك ليحققوا امن المسلمين فان قصروا فى اداء واجبهم فى تحقيق الامن سؤلوا و حسيبوا لان بتقصيرهم وقع الاذى على كافه المسلمين و اما اهل الكسب فهم امناء الله لتحقيق مصلحه الخلق فاذا فتحوا الباب امام افه الكسب و خانوا و خلطوا الحلال بالحرام و اكلوا اموال الناس بالباطل اضروا بكل الخلق فيقع الحساب عليهم فان خانوا الناس فكيف يامن الناس بهم فعن قتاده فال كان رسول الله يقول ( عجبت للتاجر ان يخلص يحلف بالنهار و يحسب بالليل فان شئتم لاحلفن ان التاجر فاجر ) و لذالك قال احد الحكماء اذا لم يكن فى التاجر ثلاث خصال افتقر فى الدارين اولهما لسان نقى من ثلاث من الكذب و اللغو و الحلف و ثانيهما قلب صافى من ثلاث من الغش و الخيانه و الحسد و ثالثهما نفس محافظه لثلاث الجمعه و الجماعات و طلب العلم و ايثار مرضات الله على غيره و عن على بن ابى طالب قال التاجر اذا لم يكن فقيها ارتطم فى الربا ثم ارتطم ثم ارتطم و عن عمر بن الخطاب قال من لم يتفقه فى الدين فلا يتجرن فى اسواقنا و عن سفيان الثورى قال اياكم و جيران الاغنياء و قراء الاسواق و علماء الامراء و عن بن عباس قال كسب الحلال اشد من نقل الجبال و عن محمد بن شمال انه اتى السوق فقال يا اهل السوق سوقكم كاسد و بيعكم فاسد و جاركم حاسد و ماواكم النار و عن معاذ بن جبل قال ما من عبد الا و يعرض على الله يوم القيامه فلا تزول قدماه حتى يسال عن اربع خصال عن جسده فيم ابلاه و عن عمره فيم افناه و عن علمه كيف عمل به و عن ماله من اين اكتسبه و اين انفقه ؟ فلابد للتاجر ان يتورع حتى لا يقع فى افه الكسب الحرام فالناس فى الكسب على خمس مراتب منهم من يرى الرزق من الله تعالى و من الكسب فهو مشرك و منهم من يرى الرزق من الله تعالى و لا يدرى ايعطيه ام لا فهو شاك و منهم من يرى الرزق من الله تعالى و لا يؤدى حقه و يعطى فهو فاسق و منهم من يرى الرزق من الله تعالى و يرى الكسب سببا و اخرج حقه و لا يعصى الله تعالى لاجل الكسب فهو مؤمن خالص و لذالك لابد ان يراعى التاجر الكسب الحلال الطيب و يتقى افته و لذالك من اراد ان يكون كسبه حلالا طيبا فعليه ان يحفظ خمسة اشياء اولها ان لا يؤخر شيئا من فرائض الله لاجل الكسب الثانيه ان لا يؤذى احدا من خلق الله لاجل الكسب ثالثها ان يقصد بكسبه استعفافا لنفسه و لعياله و لا يقصد به الجمع و الكثرة رابعها ان لا يجهد نفسه فى الكسب جدا خامسها ان لا يرى رزقه من الكسب و يرى الرزق من الله تعالى و الكسب سببا منه و افه الكسب الحلال هى المجازفه فى المال المحرم و التحايل بخلط المال الحلال بالحرام على الدين فان رسول الله قال _( من اكتسب مالا من ماثم فتصدق به او وصل به رحما او انفقه فى سبيل الله جمع ذالك كله و القى به فى النار ) و عن عمران بن حصين قال قال رسول الله ( لا يقبل الله حج رجل و لا عمرته و لا جهاده و لا صدقته و لا اعتاقه و لا نفقته من ربا او رشوة او خيانه او غلول او سرقه ثم قال الخمس بالخمس ) و عن بن مسعود قال قال رسول الله ( لا يكسب غبد مالا حراما فيتصدق به فيؤجر عليه و لا ينفق منه فيبارك له فيه و لا يتركه خلف ظهره الا كان زاده الى النار و ان الله لا يمحو السىء بالسىء و لكن يمحو السىء بالحسن ) فلابد من مراعات التاجر الحلال فى كسبه و تروعه عن الوقوع فى افة الحرام و الخلط و كذالك لابد للعامل فى محل او متجر او شركه او مصنع او ورشه ان تكون لديه قناعه تامه و كامله بان الرزق كله بيد الله فلا تحايل على الله فيه و لا شفاعه فان كان عاملا فليتق الله و ليراقب ربه لان المال الذى ياخذه من صاحب العمل انما هو نتيجه جهده فليحلله بعمله و عرقه كذالك لابد ان يقتنع بان صاحب العمل ما هو الا وسيله و ان الرزق من الله لا يتبع صاحب العمل فى محرم حتى و ان هدده بانهاء عمله فليعلم انه ان تحول من عمل الى عمل اخر متحثثا مرضات الله و متورع عن الحرام ان الله سوف يقوم بتعويضه عن ذالك بان يجد فرضه عمل افضل و و زياده فى الراتب لان الله لا يضيع اجر من احسن عملا و اخر ما احب ان اقوله طوى للعامل الشريف بان رفع رسول الله زكره بقوله ( افضل كسب بن ادم من يده فان نبى الله داوود كان ياكل من عمل يده ) و طوى للتاجر الصدوق فان رسول قد قال ( التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامه ) و قد حض الاسلام الى الععمل و دعى اليه فقال الله تعالى فى قرانه ( و قل اعملوا فسيرى الله عملك و رسوله ) و العمل من انواع العبادات الشريفه التى يثاب الانسان بالقيام بها طالبا بذالك مرضات الله و متورعا عن تكفف الناس مباشرا لاسباب رزقه متطلعا الى الحلال الطيب الذى تقوم به الحياه و تستمر به دوران الدنيا و به قوام الدين ما بعد عن الشبهات و الافات ارجوا من الله الثبات على ذالك فى الحياه و بعد الممات .
