هكذا القيادة ..
لم أفهم السر في إبقاء النبي صلى الله عليه وسلم عشرات من صحابته الكرام الذين أمرهم في بدايات الدعوة بمكة للهجرة إلى الحبشة عند النجاشي .. والمكوث هناك قرابة العشرين عاماً ، وعدم العودة إلى المدينة حتى بعد أن تمكن المسلمون وصارت لهم دولة مرهوبة الجانب وفي الوقت نفسه ضعفت قريش وخارت قواها ..
قبل فترة كنت أقرأ في كتاب يشرح تفاصيل ومعاني تحركات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، في كتاب يتحدث عن الإدارة والتخطيط والقيادة.
حيث تبين لي أن بقاء أولئك النفر من المهاجرين بالحبشة إنما يعود لرؤية حضرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، البعيدة واستشرافه للمستقبل ، وأن إبقاء عشرات من صحابة كرام قياديين هناك يعود لمسألة (البديل) أو بلغة العصر (حكومة الظل) أو النسخة الاحتياطية أو ما شئت أن تسميها من أسماء ومصطلحات.
الخطر لم يكن قد زال كلياً أمام دولة المسلمين حينذاك، ولأن الظروف الدنيوية كثيرة والدنيا متقلبة ويمكن أن يحدث أي حادث للمسلمين، وخاصة أن عودهم بعد لم يزل غضاً طرياً لم يقو، وإمكانية حدوث ما لا يحمد عقباه كبيرة، كان لابد أن يكون هناك البديل أو الرديف، يمكن الاعتماد عليه بعد الله مرة أخرى، لإعادة مشروع الدولة، بدلاً من البدء من نقطة الصفر والبدء من جديد.
تلك الرؤية وذاك التخطيط هي بلغتنا اليوم نسميها استراتيجية بعيدة المدى، التي تدندن كثير من الدول حولها اليوم.لنفترض أن مؤسسة ما ولظروف معينة يختفي المدير العام عنها لسبب وآخر ، ولا يوجد أو لم يتم تأهيل من يقوم مقامه، أو لم يكن هناك مساعد له أو من تم تدريبه على مهارات معينة يكون جاهزاً لتولي القيادة في حالات الطوارئ ..
والأمر نفسه يمكن رؤيته واضحاً في كثير من بيئات العمل ومؤسسات المجتمع.
إن البديل الجاهز الذي لا يختلف كثيراً عن الأساسي هو نقطة الانطلاق نحو النجاح.
خذ مثلاً على هذا.
تصور كيف سيكون حال تلك المؤسسة؟
ستجد الفوضى والقلق والتخبط وفقدان النظام، إلى آخر تلك المصطلحات ..
ستكون تلك المشاعر والنفسيات هي المسيطرة على الأجواء، وبالطبع تبعات كثيرة سلبية ستظهر من وراء ذلك.
من هنا فطنت الدول أو المؤسسات الراغبة في الاستقرار وعدم الاهتزاز والدخول إلى أنفاق الظلمة والتيه، إلى فكرة البديل ، أو الحكومة البديلة ، أو المسؤول البديل ، أو الأفكار البديلة ، أو الأساليب البديلة ، إلى آخره ..
إن دوام الحال من المحال ، وعلى هذا المبدأ لا بد أن نخطط لحياتنا ، أنا وأنت وذاك وتلك .
نخطط في بيوتنا وأعمالنا ومجتمعاتنا ودولنا ..
كلنا في منظومة واحدة ، وأي خلل في نقطة ما ، ستكون تأثيرات ذلك الخلل متنوعة متعددة ، وستشمل تدريجياً نقاطاً أخرى بدرجة وأخرى ..
فما أجمل النظام وما أجمل التخطيط الواعي المبصر.