ذاتَ يوم ٍ كنتُ أرقدُ بينَ أغصان ِ الزهورْ
في حنايا ليلةٍ والبدرُ أهداها الضياءْ
كنتُ أنعمُ بالسكينةِ والسعادة والحبورْ
زارني طيفـًا حزينـًا يملأ الدُنيا بكاءْ
يختفي حينـًا يُجفِفُ دمعهُ قبلَ الظهورْ
ثمَ يبكي صامِتـًا مُتسَرْبلا ً ثوبَ المساءْ
قلتُ : إهدأ يا صديقي .. أنت أبكيتَ الزهورْ
أنتَ أبكيْتَ النجومَ فلمْ يعُدْ فيها سناءْ
قال : إني أبكى حالا ً يملأ الدُنيا شرورْ
إنَ دُنيانا تدنـَّتْ قد نمَا فيها العَدَاءْ
أبكى قومًا لا تـُبالي حين نهدأ أو نثـُورْ
( لا مُبالاة ٌ) تفـَشـَتْ أصبَحَت فيهمْ وباءْ
أبكى قومًا قد تعَالـَوا بالتشامُخ ِ والغرورْ
زلزلوا صَرْحَ التواضُع واكتفوا بالكِبرياءْ
ضاعَ منْ يحتاج مِنهم لقمة ً تـُحيي الفقيرْ
ضاعَ مَنْ يحتاجُ مِنهمْ أنْ يُجَارَ مِنَ البلاءْ
إنْ هوىَ مِنهمْ مَريضـًا لنْ يجدْ أبدًا سريرْ
فالأسِّرَة تستعِدُ فقط لِمَنْ هُمْ أغنياءْ
والفقيرُ لهُ دواءٌ بعدَ مجهودٍ مريرْ
والغـَنِىُ لهُ هنيئـًا كل أصنافِ الدواءْ
ضاعَ شابٌ كانَ يومًا حِلمهُ أمرٌ يَسِيرْ
أنْ يجدْ عمَلا ً يُناسِبُ ما تكـَبَدَ مِنْ عَناءْ
كانَ يحلم أنْ يكونَ بآلةٍ تِرسًا يَدُورْ
فالمَصانِع ( خصخصوها )قد توارتْ في الخـَفاءْ
ضاعَ مولودٌ أتى ليَعِيش فأرًا في الجحورْ
ثم يُصبح في النهايةِ كائنـًا كالخـُنفِسَاءْ
أبكى رجُلا ً كانَ دومًا عِندَهُ عِلمٌ غزيرْ
فِتـْنـَة ٌهجَمَتْ عَليهِ ليعتلي عرشَ الثراءْ
أو فقيهـًا كانَ دومًا صافِيًا مثل الغديرْ
زينة ُ الدَنيا توَلتْ أنْ يَكفّ عن الدُعاءْ
أو طبيبًا كانَ يبدو بلسمًا يضوي بنورْ
فاستحالَ إلي رهيبٍ مثل مصاص الدِماءْ
كي يُحَرِّكُ مبضعًا لابدَ مِنْ دفع ِ الأجورْ
يستـَدِّرُ مبالِغـًا ليكونَ في نادي الثراءْ
أبكي مِنْ حال ِ الأغاني وهىَ تصدح كالهديرْ
لا بكلِماتٍ بريئة َبلْ تـُرَوِّج للبَغاءْ
أبكي على حال ِ الجَمِيلة حُسْنها بدْر البدورْ
مَنْ تـُخفِف ثوبها عَمْدًا بقصدِ الاشتِهاءْ
رقصُ قد أضحَىَ احتِرافـًا للصَبَايا والبكورْ
في تدللهنَ يبدو أنهُنَ بهـِنَ داءْ
والقضاءُ فظـُلمُهُ أمرٌ تشِيبُ لهُ الشعُورْ
في السجون ِ فلا يُرىَ إلا فقيرًا أو بريء
يا صديقي لا أطيقُ بأن أرى شخصًا يَجُورْ
يُسجنُ الإنسانُ قهرًا فوقَ مِيزان ِ القضاءْ
سائلا ً : إهدأ صديقي .. جئتَ مِنْ أى ِ العُصورْ
ردَّ : إني من صنعتُ حضارة ً فيها النمَاءْ
إنْ أردتَ .. حضارتي محفوظة ٌ بينَ القبورْ
دائمًا فالخـُلـْدُ يأتي منْ يُبادِرُ بالعَطاءْ
لاح قنديلٌ صغيرٌ علـَّني أحظى بنورْ
كانَ طيفي رابضـًا في رُكنهِ للإختِباءْ
سادَ ضوئي عامدًا حتى أراهُ وأستنيرْ
كانَ مخلوقـًا برأس ٍ شامِخ ٍ في كِبرياءْ
جسمه سَبْعٌ كبير ٌ رأسهُ بشـَرٌ مُثيرْ
جلسة ٌ فيها صمودٌ ، نظرة ٌ فيها إباء
كيف جاءَ إلى هنا متحَمِلا ً هذا المسيرْ
كي يري ماذا جرى منذ ُ انهيار الانتماءْ