الله تعالى هو الذى وضع قوانين الكون فاحكمها و شرع لها دستورا يناسب جميع افراد المجتمع فأكملها و اتمها و هو الوحيد الذى بيده تدابير شؤنها فهو ربها و رازقها و هو العليم بما يعطلها بفساد و ما يصلحها بخير لانه صانعها و لذالك فهو تعالى خبير بما يصلح الخلق كله فهو بالعدل سوى بين جميع عباده فى التكوين و الرزق قال تعالى ( ثم خلقنا النطفه علقه فخلقنا العلقة مضغه ) و معناها ان الله تعالى لما خلق الانسان فى سبع اطوار مرحليه انشائيه مختلفه جعل النطفه البيضاء علقه حمراء و هى الدم الجامد ثم جعل ذالك الدم قطعة لحم على قدر ما يمضغه الانسان فى فمه من لقمته ثم قسم اجزاء النطفه الى عظام و اعصاب و عروق و لحم و كل ذالك التقسيم و تلك الاطوار و المراحل الكل فيها سواء سواسيه و هو قمة العدل خلق الانسان كافره و مؤمنه رجله و امراته على اطوار سبع كامله و لم يفضل فى ذالك احد على احد قال عمرو بن العاص اذا مكثت النطفه فى بطن الام اربعين يوما رفعها ملك الى الله تعالى و قال اخلق يا احسن الخالقين فيقضى الله فيها ما يشاء ثم تدفع النطفه الى الملك مره اخره فيقول الملك يا رب سقط ام تمام فيبين الله له ثم يقول الملك يارب اواحد ام توأمان فيبين الله له فيقول الملك يارب اذكر ام انثى فيبين الله له فيقول الملك يارب اطويل الاجل ام قصير فيبين الله له فيقول الملك يارب اشقى ام سعيد فيبين الله له ثم يقول الملك يارب قدر له رزقه فيقدر الله له الرزق على قدر اجله ثم يرجع الملك به الى بطن امه فسبحان الله ما اعظم الله بالعدل قسم للانسان كل شىء و هو نطفه فى بطن امه عالم بما سيفعله هذا الانسان بعد كبره من عصيان و كفران و لكنه تعالى عدل مساوى بين خلقه مدبر لشؤنهم قائم على امورهم و كان الله احسن الخالقين؟؟ لانه تعالى رفع الانف الى منطقه وسط الوجه ليتمكن من الاستدراك لما حوله من روائح طيبه بواسطة حاسه الشم من اجل استنشاق وسط الهواء النقى من الجو الذى هو حياة النفس و غذاء الروح و فيه صحة البدن ثم فتح الفم و زينه بالاسنان و احسن صفوفها و مكنه من التحدث عن طريق تركيب الة اللسان الناطق به ليخرج نعمة الكلام الكامل و النطق البليغ المتكامل و حوطه بالشفتين حفاظا على الطعام فيه ثم خلق الحناجر مختلفة الاشكال و الهيئات و الاصوات ليتميز من خلالها صوت على صوت فلا تتشابه فيعرف الانسان من صوته ثم خلق اليدين و طولها لتمتد حتى تصل الى المقاصد و تستشعر السواخن و السواقع و عرض فيها الكف و جعل ثلاث انامل فى الخمس الصوابع ثم جعل البطن جامعا لكل الآلآت المصنوعه لهضم الاكل و الشرب و ضخ الدم و جعلها مطبخ متكامل فالكبد يحول الطعام الى دم و الطحال ياخذ منه السوداء و المراره تاخذ منه الصفراء و المراره تاخذ منه المائيه و تبعث بها الى المثانه ثم يقذف بها الى مكان البول عادم ثم يتبقى الدم خالصا مخلصا مصنوعا طيبا فتاخذه العروق و تجرى به فى سائر البدن اليس لهذا الجسد بهذه التركيبه و تلك الكيفيه من صانع و خالق لها فمن صانعها و خالقها انه الله تعالى هل يوجد خالق يستطيع ان يخلق خلق من لا شىء هل يوجد صانع يستطيع ان يصنع ماكينه بدون ماده خام مستحيل و اذا وجد هل سيحسنها و يتقنها بما يصلحها و يفسدها على مدار مائه سنه مثل صناعته تعالى للانسان بالتاكيد لا اذن الله احسن الخالقين و بما انه خالق للانسان و الانسان مخلوق ضعيف لا يقوى على تدبير امور معيشته تكفل الله تعالى برعايته و اكد على انه تعالى هو مصدر رزقه فجعل الرزق على قسمين رزق بالمباشره و هو يكون بالسعى على تحصيله من خلال العمل و الاشتغال بالتجاره و غيرها و الكد و المشقه الدؤوب و رزق بدون مباشره و هو يكون تحصيله بدون تعب و لا كد و لا مشقه مثل البساتين الممتليئه فى الشوارع التى يقوم بزراعته رجال مسلمون ثم يتركونها سبيل للفقراء و اهل السيبل لياكلوا منها كما يشاؤن بدون اجر لان اصحابها فعل ذالك طلبا لرضى الله تعالى و ثوابه و الله تعالى دعى المسلمين الى العمل فى اوجه الخير لتحصيل الثواب الجزيل و هو ما حض عليه الشرع الحكيم عن انس بن مالك قال قال رسول الله ( ما من مسلم يغرس غرسا او يزرع زرعا فيأكل منه طير او انسان او حيوان الا كان له به صدقه ) الله تعالى حكيم فى خلقه رحيم بعباده خلقهم و تكفل بارزاقهم و ضمن لفقرائهم و العجائز رزقهم من خلال ما امر به اغنيائهم من دفع الزكاه و بذل الصدقات ليكون المجتمع الاسلامى مجتمع متكامل متكافل اجتماعى متماسك كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا و لان الله تعالى خبير بان الانسان بطبيعته محب للمال كسول فى فعل الخير عجول فى اكتساب الاجر على ما يقدمه من زرع لغيره قام تعالى بالتكفل ايضا برزق العجائز و الكبائر و المرضى و الفقراء و ابناء السبيل الذين تاخر بهم السن فلا يستطيعون السعى على الرزق بالعمل او اعياهم المرض فلا يستطيعون الحركه او ضاق بهم العيش فاصبحوا فقراء ليس لديهم ما ياكلونه فتكفل الله لهم بالرزق بنفسه و وعدهم بان رزقهم سيصل اليهم و لن ينقطع فقام تعالى و هو القائم على تدبير شؤون عباده لا يعجزه شىء و هو اهون عليه ما ذكره فى قوله تعالى ( و انزلنا من المعصرات ) يعنى من السحاب ( ماء ثجاجا ) يعنى منصبا متتابعا ( لنخرج به حبا و نباتا و جنات الفافا ) انظروا الى عجيب قدرة الله من تولى رزق عباده بنفسه و تكفله تعالى بهم انه ان استنكر احد فعل الخير من البشر و تقلص من تقديم المساعده لغيره فلا يعجزون الله بل انه تعالى بنفسه المقدسه سيقدم المعونه الى خلقه فهو ربهم و رازقهم بان يحمل السماء بالسحب الممتلئه بالماء الكثير ثم يصبه من السماء الى الارض صبا متواليا مكثفا فيملآ منه الناس اوعيتهم ليشربوا منه و يدخروا ثم يخرج لهم به من الارض حبا و نباتا و جنات ملتفه بعضها ببعض ممتلئه من مختلف الثمار لياكلوا منها كما يشاؤن لا تعجبوا فعل الله مع خلقه فهو ربهم متكفل بهم و مربى لهم و راعى قائم على ما يصلحهم فى شؤن دينهم و دنياهم حنون كريم رزاق رحيم يجود على الصالحين و لا يحرم العاصين رزقتم و خلقتم من سبع فتبارك الله احسن الخالقين
