الحمد لله جل جلاله و عم نواله و لا خير الا خيره و لا اله غيره ..... و بعد
فان هناك من تحدث فى المراد من قول رب العباد ( و لقد كرمنا بنى ادم و حملناهم فى البر و البحر و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )
و فسروه على ان التكريم المقصود فى هذه الايه هو ان الله تعالى فضل الانسان و كرمه على غيره من المخلوقات بنعمه الكلام
فالانسان فى مفهومهم العقيم حيوان ناطق و هذا عندهم هو قمة التكريم
و لكنى هنا اوضح ان تفسيرهم هذا سقيم و غير صحيح كما انه ليس هو غاية التكريم من الرب العظيم
فاذا كان التكريم هنا فسروه بانه مقصور على نعمه الكلام و ان الانسان هو المخلوق الوحيد الناطق المتكلم بمختلف اللغات فى العالم كله
فقد اخطأوا خطأ شديد لان الانسان ليس وحده هو الناطق او المتكلم دون غيره من المخلوقات و لكن الصواب هو ان جميع المخلوقات بلا استثناء ناطقه متكلمه و لكن بلغات لا نفهمها نحن البشر الا من اصطفاهم تعالى و ذالك لحكمه الله بعد احكامه لخلقه
و سوف ابين لكم ان النطق و الكلام ليس مقصور على الانسان فقط و انما هو عام وشامل لجميع المخلوقات بالادله القاطعه و البراهين الساطعه
فاقول
لقد ثبت ان اعضاء الانسان تنطق و تتكلم قال تعالى ( يوم نختم على افواههم و تكلمنا ايديهم و تشهد ارجلهم )
و الجلود تنطق و تتكلم قال تعالى ( و قالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذى انطق كل شىء )
و السماوات و الارض تنطق و تتكلم قال تعالى ( ثم استوى الى السماء و هى دخان فقال لها و للارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين )
و النمله تنطق و تتكلم قال تعالى ( قالت نمله يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم ليحطمنكم سليمان و جنوده و هم لا يشعرون )
و الهدهد ينطق و يتكلم قال تعالى ( فمكث غير بعيد فقال احطت بمالم تحط به و جئتك من سبئا بنبأ يقين )
و النحله تنطق و تتكلم قال تعالى ( الى النحل ان اتخذى من الجبال بيوتا و من الشجر و مما يعرشون )
و الدابه تنطق و تتكلم قال تعالى ( دابه الارض تكلمه ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون )
و الجبال تنطق بالتسبيح قال تعالى ( يا جبال اوبى معه و الطير )
و الجمل ينطق و كلم النبى اخرج ابو نعيم عن عبدالله بن جعفر قال
( دخل النبى حاطئا لرجل من الانصار فاذا فيه جمل فلما راى النبى حن اليه و ذرفت عيناه فقال النبى من رب هذا الجمل فجاء فتى من الانصار فقال هو لى فقال النبى الا تتقى الله فى هذه البهيمه التى ملكك الله اياها فانه شكا لى انك تجيعه و تدئبه اى تجوعه و تعذبه )
و الناقه كلمة النبى اخرج البيهقى عن عبدالله بن الزبير
( ان رسول الله قدم المدينه فاستناخت به راحلته فأتاه الانصار برجالها و نساءها فقالوا الينا يارسول الله فقال دعوا الناقه فانها مأموره فبركت على باب ابى ايوب الانصارى و هو موضع منبره الشريف الان )
و الفرس ينطق و كلم النبى قال القاضى عياض
( ان النبى قال لفرسه و قد قام الى الصلاه فى بعض اسفاره و الفرس غير مربوط لا تبرح بارك الله فيك حتى نفرغ من صلاتنا و جعله فى قبلته فما حرك الفرس عضوا حتى صلى النبى )
و البغله تفهم كلام النبى اخرج ابو نعيم عن انس بن مالك قال
( انهزم المسلمون بحنين و كان النبى على بغلته الشهباء فقال لها النبى البدى اى اقتربى من الارض فألزقت بطنها بالارض فاخذ حفنه من تراب فرمى بها فى وجوههم و قال حم لا ينصرون فانهزم القوم )
و الذئب يتكلم اخرج الحاكم عن ابى سعيد الخدرى قال
( بينما راعى يرعى بالحره اذ عرض ذئب لشاته اى لغنمه فحال الراعى بين الذئب و بين الشاه فأقعى الذئب على ذنبه اى جلس الذئب على ذيله ثم قال للراعى الا تتقى الله تحول بينى و بين رزق ساقه الله لى فقال الراعى العجب من ذئب يتكلم بكلام الانس فقال الذئب الا احدثك باعجب منى رسول الله بين الحرتين يحدث الناس بانباء ما قد سبق فساق الراعى غنمه حتى قدم المدينه فدخل على النبى فحدثه بحديث الذئب فقال رسول الله صدق صدق الا انه من اشراط الساعه كلام السباع للانس و الذى نفسى بيده لا تقوم الساعه حتى تكلم السباع الانس و يكلم الرجل شراك نعله و عذبة سوطه و يخبره فخذه بما احدث اهله من بعده )
و الحجر ينطق و يسلم على النبى اخرج الترمذى عن جابر بن سمرة قال
( ان رسول قال ان بمكه لحجرا كان يسلم علي قبل ان ابعث انى لاعرفه الان )
و الشجر ينطق و يتكلم اخرج البيهقى عن الامام على قال
( رايتنى ادخل مع النبى الوادى فلا يمر بحجر و لا شجر الا قال السلام عليك يا رسول الله و انا اسمعه )
و قد اخبرنا الله تعالى بكلام جامع مانع لا يحتمل معه جدال و لا نقاش بان جميع المخلوقات من جمادات و نباتات و حيوانات و طير و جبال و بحار تنطق و تتكلم بلغات لا نعرفها نحن البشر فقال ( و ان من شىء الا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم ) و التسبيح لا يكون الا بالنطق و الكلام
فاذا كان هؤلاء الذين يفسرون تكريم الانسان على سائر المخلوقات بالكلام و يقولون انه حيوان ناطق على حق فى تفسيرهم
فكيف يفسرون كلام الجمادات من حنين الجزع للنبى و تسبيح الحصى فى كفيه و تسبيح الطعام بين يديه
و ماذا يقولون فى كلام الحيوانات من شكوى الجمل اليه و كلام الذئب مع الراعى و نطق الفرس و امر الناقه
ان هؤلاء الذين اقصروا تكريم الله للانسان عن غيره من المخلوقات بانه متكلم وحيوان ناطق
قصروا فى التفسير و تبلدوا فى التفكير و لم يحسنوا فن التدبير و لم يفهموا مراد تكريم العلى القدير
و اضاعوا على انفسهم ثمرات التذكير اعتزر على التطويل و استغفر الله عن التقصير
و بالرجاء لا الامر صلوا على البشير النذير
