الحمد لله استوى على عرشه و العرش و حملته محمولون بلطف قدرته و مقهورون فى قبضته و السماوات و الارض من بديع صنعته و الكون و ما فيه و كل الخلق مسيرون بمشيئته سبحانه لا تتناهى معلوماته و لا تحصى مقدراته ............. و بعد
الله تعالى خلق الانسان ووفر له سبل العيش و ضمن له المقومات الاساسيه التى تعينه على مهمته المكلف بالقيام بها على اكمل وجه و هى عماره الكون و استمرار الحياه بالتناسل و التكافل و لكن الانسان سرعان ما تناسى ذالك الضمان الربانى لرزقه و تغافل عن قيومية خالقه فاعمى الطمع بصره و طمس الشيطان قلبه فانغمس فى اوحال حب التملك و الغرور و اهمل المهمه التى خلق من اجلها و اخذ يفكر و يشغل خاطره بكيفية جمع المال من هنا و هناك و لا يبالى فى جمعه من عصيان ربه عليه بسبب تقصيره فى مهمته و استعجاله للغنى و التملك و اصبح يجمع المال حرامه و حلاله و كانه مخلد فى الدنيا و نسى انه جاء لقضاء مهمه لها وقت معلوم و اجل محتوم و انه تارك ما خوله و راء ظهره و مسئول عليه امام ربه رضى بما جمع و ضمن ما فكر و لم يضمن ما عند الله تعالى فخسر الدنيا و الاخره و ذالك هو الخسران المبين لكنه تعالى مع سابقت علمه بافعال عباده لم يترك الانسان بلا نذير و لا سابقة تذكير بل نزلت ايات القران الكريم تترا بوابل صيب من الايات التى تنهى و تبشع حب المال و تحبب و ترغب فى الرضى بما عنده تعالى مما قسمه لخلقه فقال تعالى ( انما اموالكم و اولادكم فتنه و الله عنده اجر عظيم ) فمن اختار ماله وولده على ما عند الله من الاجر العظيم و الثواب الجزيل فقد خسر و غبن و ذالك هو الخسران المبين و كذالك نجد الله تعالى يحذر عباده من خطر نسيان ذكره تعالى و عبادته و هى المهمه الاساسيه التى من اجلها خلق الله كل العالم و هى عبادته و معرفته تعالى فقد حذر الانسان من نسيان الذكر و العباده و الاشتغال بالولد و جمع المال فقال تعالى ( يا ايها الذين امنوا لا تلهكم اموالكم و لا اولادكم عن ذكر الله و من يفعل ذالك فاولئك هم الخاسرون ) و الله تعالى لم يكتفى ببيان ذم المال و جمعه و كنزه و انه السبب فى نسيان ذكره و عبادته بل صرح جليا بان الانسان اذا جمع المال و اغتنى به بدل من ان يغتنى بالقناعه بما عند ربه فان الانسان بسبب جمعه للمال و محبته الشغوفت له قد يفترى و يغتر و يطغى و يكون ذالك سبب فى سخط الله عليه و ابعاده من رحمته و طرده من جنته قال تعالى ( كلا ان الانسان ليطغى ان راه استغنى ) و كذالك ما قصه علينا القران من قصة قارون يوم ان غرته امواله و كنوزه و كثرة مفاتيح خزائنه التى نئت عن حملها الجمال الحمر ذات القوة فدمره الله بسببها فقال ( فخسفنا به و بداره الارض ) ثم تجد ان الاموال التى اشتغل الانسان بكنزها من الحرام و من الحلال و لم يبالى بمصادرها تجدها تجمع يوم القيامه يغلى عليها فى جهنم حتى تذاب ثم يعذب بها صاحبها فهى عليه وبال و نقمه و عذاب فوق العذاب قال تعالى ( ان الذين يكنزون الذهب و الفضه و لا ينفقونها فى سبيل لهم عذاب اليم يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوا بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) و ما حذر الله تعالى الانسان من خطر محبه المال و جمعه و الاشتغال به الا و تجد السنه الشريفه المطهره تنعى و تنهى عن ذالك بل و ترهب و تحذر بعد التهديد الذى يلحق الانسان من ذالك الخطر المهلك ففى الحديث الذى رواه الطبرانى و حسنه ان رسول الله قال ( ذئبان ضاريان ارسلا فى غنم باكثر افسادا فيها من حب الشرف و المال و الجاه فى دين الرجل المسلم ) و روى البخارى فى صحيحه ان رسول الله قال ( هلك المكثرون الا من قال به فى عباد الله هكذا و هكذا و قليلا ما هم ) و روى الامام مسلم فى صحيحه ان رسول الله قال ( يقول ابن ادم مالى مالى و هل لك من مالك الا ما اكلت فافنيت او لبست فابليت او تصدقت فامضيت ) و روى ان رجل نال من ابى الدرداء سوء فدعى عليه فقال اللهم من فعل بى سوء فأصح جسمه و أطل عمره و اكثر ماله ) فانظر كيف راى ابى الدرداء كثرة المال غايه فى البلاء مع صحة الجسم و طول العمر لانه لابد و ان يفضى حب المال الى الطغيان و الطغيان الى الخسران و الخسران الى النيران و كان الحسن البصرى يقول و الله ما أعز الدرهم احد الا أذله الله و قال ابن عجلان ان الدراهم و الدنانير سلسلة المنافقين يقادون بها الى النار و يقول مسلمه ابن عبدالملك دخلت على عمر ابن عبدالعزيز عند موته فقلت يا امير المؤمنين لقد صنعت صنيعا لم يصنعه احد قبلك تركت اولادك ليس لهم درهم و لا دينار و كان عمر بن عبدالعزيز رحمه الله عنده ثلاثة عشر ولد فقال عمر أقعدونى فأقعدوه فقال أما قولك لم أدع لاولادى دينار و لا درهم فأنى لم أمنعهم حقا لهم و لم أعطهم حقا لغيرهم و انما اولادى احد رجلين اما عاصى لله فى أبالى على ما وقع منى و اما مطيع لله فالله كافيه و قال يحيى ابن معاذ مصيبتان لم يسمع الاولون و الاخرون بمثلهما للعبد فى ماله عند موته قيل و ما هما قال يؤخذ منه كله و يسئل عنه كله فاللهم لا تشغل قلوبنا بما لا يرضيك عنا و اجعلنا ممن وضعت فى قلوبهم السكينه بما عندك و نزعت من نفوسهم الرغبة فيما عند غيرك و منحتهم القوة على تقبل قضاءك و قدرك و بلغنا سعت رحمتك و محراب جنتك و اجعلنا من المكفيين و الله يتولى الصالحين