الحمد لله الذى انعم علينا بنعمة الوجود و منحنا سكينة تستقر فى القلوب الى اللحود و اصلى و اسلم على محمد اساس الفضل و منبع الجود ......... و بعد
فلنمعن النظر قليلا فى احوال الذين سبقونا بالايمان و لنقلب صفحات التاريخ الجيد النظيف الذى هو مراة حوادث العالم و لنقف على حقيقة تلك الامة التى كان يخيم عليها الجهل و الضلال ثم ارتفعت مره واحده الى رفاهية المجد فمزقت الاغلال و اخضعت لسلطانها مئات الملايين من البشر و اركعت الاكاسره و قبض على نواصى القياصره و دكدكت الاباطره وطرقت ابواب العلوم و فتحت كل مغلق على ابواب الفنون و ضربت على العالم كله بيد من حديد بما حصل العرب على كل ذالك و ما سر تقدمهم هذا لقد كانوا مسالمين فلم يحصلوا على تلك المزايا بقهر الناس او باى وسيله من الوسائل التى نفر منها الطبائع الانسانيه بل كانوا ينالون تلك الرفعه العاليه و المنزله الساميه بدينهم و بعدلهم و دمائه اخلاقهم و كرم سجاياهم و لقد كان لهم فى رسول الله المثل الاعلى فى حسن المعامله فاتبعوه و امتثلوا فرائضه و سننه حتى استحقوا من الله الرحمه و الرضوان فكانوا من المقربين و الصديقين اوصاهم السيد الامين برعاية اهل الذمه فقال عليه السلام ( من ظلم معاهدا او ذميا او انتقصه او اخذ منه شىء بغير طيب نفسه او كلفه فوق طاقته فانا حجيجه يوم القيامه ) جعل ابطال المسلمين هذه القاعده اساسا لهم و شريعه مع ما كان لهم من البأس و المنعه فتألفت القلوب على محبتهم و اجمعت النفوس على الاخلاص لهم و تركوا لنا تاريخا نفتخر به على الناس كافه كانت الجنود تقاتل فى الميادين و اهل ذمتهم و معاهديهم يتمتعون بعدل الدين لا يهيجهم احد باذى فى انفسهم و لا يظلمهم مثقال ذره فى اموالهم فازدادوا بالاسلام سرورا و ابتهاجا و دخلوا فى دين الله افواجا و هذه حادثة جبله الذى وطأ ازاره رجل من فزاره فلطمه و هشم انفه فلما شكاه الفزارى لعمر بن الخطاب قال له افتد نفسك و الا امرته بلطمك فقال جبله كيف ذالك و انا ملك فقال عمر ان الاسلام جمعكما و سوى بين الامير و الوزير والغنى و الفقير و هذا اكبر دليل على عدلهم و هذا ايضا هو سبب تقدمهم و ارتدائهم حلل الحريه و المؤاخاه كانوا اذا قاتلوا اعدائهم لا يجهزون على مصاب و لا يقتلون شيخا كبيرا و لا طفلا و لا امراه و اليك ما قاله ابو بكر الصديق ليزيد ابن ابى سفيان حين سافر لغزو الشام قال ( انى موصيكم بعشر لا تغدر و لا تمثل و تقتل هرما و لا امراه و لا وليدا و لا تعقرن شاه و لا بعيرا ولا تحرقن نخلا و لا تخربن عامرا و لا تغل و لا تجبن ) فمن هذه المعامله الحسنه التى تدل على مبلغ احترامهم للشعوب جعلت الامم البعيده و القريبه تتسارع على اعتناق الاسلام رغبه فى تعاليمه العادله و لا عجب من ذالك لان الاسلام قد بث فى الامه العربيه الروح و العواطف الساميه و الاخلاق الشريف الفاضله التى يندر ان تجتمع مثلها فى الامم لعلك اخى الان علمت سر تقدم الامه الاسلاميه و لعلك علمت اننا اليوم فى اشد الحاجه لان نظهر للناس كافه سماحه الدين القويم و نقتدى بالسيد الامين الذى سماه ربه الرؤوف الرحيم و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين