زعم أن الشخص يستطيع أن يحلل إنسان ويفهمه تماماً أمر مستحيل..!!
فهم النفس والآخرين:
من أصعب الأشياء فهم الآخرين؛ فكل شخص يحتاج إلى دليل خاص به (Manual)؛ لأن كل شخص يملك قناعات وأفكار ومشاعر وطموحات مختلفة. لهذا فزعم أن الشخص يتسطيع أن يحلل إنسان ويفهمه تماماً أمر مستحيل! ويمكن أن تكون هناك خطوط عريضة في فهم النفس البشرية، ومن يملك ذلك الفهم العميق يملك علماً، لكن من يملك فهم نفسه لديه حكمة. ومن يفهم نفسه يفهم العالم والكون، بل يعرف ربه.
إن فهم النفس يتطلب الجد في التعلم، والتعلم يقود للفهم، والفهم يقود للوعي، والوعي يقود للإدراك. وأعلى مراتب العيش الإنساني الإدراك، وقبلها الوعي، وقبلها الفهم. والفرق أن الفهم مسألة عقلية، والوعي مسألة قلبية، والإدراك مسألة روحية. إن الإدراك لغة الروح، تتحدث فيه، فهي تدرك ما حولها، وتفهم المعادلات الدخيلة عليها مثل الزمن، والأماكن، والأبعاد .. الخ. هي تدرك أن المصدر واحد، والحل واحد وإن تنوعت تمثيلاته. والوعي لغة القلب؛ وهي درجة عالية من الفهم، بها يعي الإنسان رسالته وطريقه ومساره. والفهم لغة العقل، به يفسر التعقيدات التي ركبها أصلاً، ويحلل الإنعكاسات في الحياة؛ فكل شيء إنعكاس لفكرة موجودة في عقل مخلوق في مكان ما. إن كل درجة من هذه الدرجات مهمة، لكن غالبية الناس لا يصلون حتى الأولى؛ فهم في حيرة تسبق الفهم العقلي حتى، رغم أن الفهم العقلي لا يتعدى أن يكون فقط مخدراً مؤقتاً؛ فهم حتى ليس لديهم مخدر مؤقت لمعاناتهم.
الإدارك (لغة الروح)
الوعي (لغة القلب)
الفهم (لغة العقل)
الإنفعال (لغة الجسد)
(نظرية د. صلاح الراشد: 2008)
دعني أعطيك مثالاً في كيف يتصرف الإنسان من خلال هذه الدرجات وفق النظرية التي نحن مجتهدون في وضعها. لو أن طفلك أخطأ عليك أو في حق نفسه. تصرف الإنفعال الصادر من المشاعر الهياجة، وردة الفعل السريعة، يكون من خلال الغصب أو التعاطف الزايد، وتصرف العقل يكون من خلال التحليل ومحاولة الإقناع والتعليم، وتصرف القلب يكون من خلال الوعي وأخذ النفس والمراقبة والتفهم والحب، وتصرف الروح من خلال إدراك العمق في كل لحظة ومستوى تطورها وإدراك أن تصرفه جزء من تصرف الكون وانا وهو جزء من هذا الكون الفسيح.
التصرف من الإنفعال ردة فعل سريعة، ومن العقل أبطئء، ومن القلب بطيئة جداً أو واقفة مؤقتاً، ومن الروح لا يوجد زمن! التصرف من الإنفعال هائج، ومن العقل متدرج، ومن القلب هادئ، ومن الروح غير موجود!
لو كان بالإمكان تقسيم وتصنيف العيش أو النفوس في العيش فيمكننا أن نقول: هناك شريحة كبيرة جداً تعيش مستوى الإنفعال اليومي (ربما توقعي الخاص 80%)، هؤلاء دون نضج، دون رؤية، ردود فعل. البقية من الناس منهم شريحة كبيرة تعيش التحليل العقلي للعيش (ربما مثلا 15% من التعداد العام)، هؤلاء يحاولون فهم الأمور، جامدون قليلاً في ردود العفل، لديهم في الغالب بعض الرغبات والطموحات المكبوتة أحياناً كثيرة والمعلنة أحيانا قليلة. بقية الناس (ربما 5%)، الغالبية منهم يعيش بطريقة قلبية (ربما 4,99% من التعداد العام)، هؤلاء مسالمون، هادئون، مفيدون، ينشرون السلام والحب. البقية القليلة من قليل القليل من قليل الكثير يعيشون الإدراك. هؤلاء يعيشون اللحظة، لا يحدهم الزمان ولا يشغلهم، ليس لديهم مخططات لتغيير الناس والبشرية والأرض، يدركون بعمق أن الله المتحكم في الكون، وهم ممتنون لله بذلك. هؤلاء رغم أنهم لا يريدون تغيير أي شيء هم المغيرون الحقيقيون للدنيا!
كيف تعرف في درجة أنت؟:
إذا كنت في انفعال دائم، وتعيش وفق ردود الفعل، ليس لديك ما تركز عليه، وتعيشه، وتنجذب للأحداث حولك ثم تعبر، في الغالب بطريقة انفعالية. أذا كنت هنا فأنت تشاهد الأخبار طوال الوقت وتحرص عليها، وقصص المشاهير، وفضايح الممثلين .. الخ. أنت مشغول في السلب. يثيرك المثير السلبي. حادث سيارة في الشارع يثيرك أكثر من كتاب علمي. خبر قنبلة له شد أكثر من خبر اختراع علمي أو نفسي. شجار في العمل بين صديقين له اهتمام أكثر من إنجاز مهمة. في المقابل من كل هذا فأنت تغطي هذه المشاعر السلبية بالبحث عن المتعة العاجلة والضحك المزيف .. إذا كنت هنا فأنت تعيش الحياة الإنفعالية المادية.
إذا كنت في تحليل ومحاولة لفهم كل ما يحدث، وعادة لا تبادر فقط تنتقد أو تحلل، وتعيش في عقلك، وتنجذب لما يحلل، حتى عندما تتعلم فأنت تتعلم لتحلل فلا تنقل ذلك للواقع العملي، وتصرف الكثير من الوقت في الرد والتحليل لما هو خطأ في عملك أو محيطك أو صداقاتك .. في المقابل فإن تغطيتك لكل ذلك يكون بالبحث عن نقاش، وجدل، وحورات عقيمة، ومراء .. هذا يشعرك بالارتياح أحياناً كونك تجد الآن هدفاً لما أنت فيه!! إذا كنت هنا فأنت تعيش الحياة بعقلك!
إذا كنت في سلام داخلي، وحب عام، وسياسة تفويت على الآخرين، وتفهم عميق، وعدم رغبة بالضغط على الآخرين بأي شكل، وتنجذب للإيجابية في الحياة بشكل عام، وتتفهم تصرفات الناس المختلفة، ولا تحلل كل أمر، وعندما تذهب لمساحة العقل أو العاطفة ترجع وتعمل توازن مع القلب .. أنت تعي الحياة بشكل عام من خلال سلامك الداخلي، مع ذلك فلديك الرغبة في التغيير .. تريد أن تغير العالم .. وتغطي ذلك بالتفاؤل والإيجابية والعيش الطيب. إذا كنت هنا فأنت تعيش بقلبك.
إذا كنت في عيش مع اللحظة، كأنما الوقت غائب، أنت فوق الزمن، الزمن لا يحدك بشيء، أنت تعيش كانك خالد، تتصرف بحب وسلام عميق، تدرك أن الكون له خالق يديره، انت في العمق لا تريد أن تغير شيئاً، لست وراء أي شيء، أنت فقط تشعر أنك من ضمن منظومة رائعة جداً اسمها الحياة، أنت تتفهم هذا التكامل، الناس عندك ليسوا مصنفين، بل مراحل مختلفة، فيهم تكامل كبير، أنت تدرك حكمة التنوع، وتقدر الاختلاف، مسلم للأمور، لا تغطي مشاعرك أو أفكارك بشيء .. تراقبها فقط ، ثم تعيش لحظتك. أنت تدرك أن المشاكل في الحياة طبيعة في منظومة الحياة لها مثل ما لك رسالة والحق في العيش والتواجد .. أنت تدرك أن المرض كذلك طاقة تريد أن تتواجد، أنت لا تحارب شيئاً ابداً، أنت فقط لاتعطي اهتماماً إلا لما تراه في اللحظة، في السعادة، في السلام. أنت ترى نفسك خادماً، لا بل خداماً لله وللكون والناس والعالم والأرض. أنت سريع جداً في التوازن لأنك سريعاً ما ترجع للحظة. أنت تحب الحياة ولا تمانع الموت. أنت تحب وجود من تحب في حياتك وتتفهم إذا غابوا أو رحلو. أنت تريد وترغب وعندما لا يتحقق ما تريد وترغب تتقبل وتعيش اللحظة. أنت تعترف بمشاعرك عندما تأتي حتى ولو كانت سلبية ثم تمزجها مع اللحظة فتذوب، أنت تعترف عندما تخطئ، أنت متواضع، يندر عندك الشعور بالأنا العليا .. إذا كنت هنا فأنت تعيش بروحك.
