بسم الله الرحمن الرحيم
فان احوال الفضلاء فى الاغلب قد بخسوا من حظوظ الدنيا لان الدنيا دائما تكون فى ايدى اهل النقائص و لكن من العجب ان الفضلاء يتأسفون على ما فاتهم مما ناله اولو النقص و ربما تقطعوا اسفا على ذالك و لكنه ان امعنوا النظر و التدبر فسيجدون انفسهم غالطون على تاسفهم لان المتأسف منهم ان كانت له همه فى طلب الدنيا فليجتهد فى طلبها يربح ما تأسف على فواته فان قعوده متأسفا على ما ناله غيره مع قصور اجتهاده غاية العجز فان الدنيا تراد لتعبر لا لتعمر و ما يناله اهل النقائص من فضول الدنيا يؤذى ابدانهم و اديانهم فلو عرف المتأسف من اهل الفضل ذالك ثم تأسف على فقد ما فقده كان تأسفه عقوبه له و زجر و يكون عليه عذابا عاجلا ان سلم من العذاب الاجل و اقدام الفضلاء دائمت الذلل فى شهوات النفس المنهى عنها تجدهم يتزاحمون عليها تزاحم الكفر فمنهم جاهل بالمحظور انه محظور و منهم يقع فى المحظور يظنه مكروه كما فعل ادم عليه السلام عند اكله من الشجره و منهم من يعلم التحريم غير ان غلبات الشهوه انسته تذكر ذالك فشغله ما رأى عما يعلم و لهذا لا يذكر السارق القطع بل يغيب بكليته فى نيل الحظ و منهم من يعلم الحظر و يتذكره غير انه يغتر بالحلم و العفو و هذا و ان كان صحيحا غير ان الاخذ بالحزم اولى بالعاقل و ليعلم الفضلاء ان افعال البارى تعالى تجرى على قانون العدل و انها لا تحابى احد على حساب احد و شاهد الجزاء مرصدا للمجازى و لو بعد حين فلا ينبغى ان يغتر مسامح فالجزاء قد يتاخر و من اقبح الذنوب التى اعد لها الجزاء العظيم الاصرار على الذنب مع تصانع صاحبه باستغفار و صلاة و تعبد و هو مقتنع ان المصانعه تنفع و اعظم الخلق اغترارا من اتى ما يكرهه الله و طلب منه ما يحبه هو فالعاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله الامانى و ينبغى للعاقل من الفضلاء ان يترصد وقوع الجزاء و لو بعد حين فان ابن سيرين قال عيرت رجلا فقلت له يا مفلس فأفلست بعد اربعين سنه و قال ابن الجلاء رانى شيخا لى و انا انظر الى أمرد فقال ما هذا لتجدن غبها فنسيت القران بعد خمسين سنه و بالضد من هذا كل من حسن نيته او عمل صالحا فلينتظر جزاءها الحسن و ان امتدت المدة قال تعالى ( انه من يتقى و يصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين )