جوليا تشيتين ـ واشنطن بوست (1)
ترجمة/ شيماء نعمان
"سنعرف السلام فقط عندما يتوقف زعماؤنا عن اعتبار حياتنا رخيصة ويمكن التضحية بها" جوليا تشيتين
مفكرة الإسلام: من قلب مناطق "المستوطنين" اليهود الذين يعيشون في النقب، قدمت المحاضرة "جوليا تشيتين"، التي تعمل بكلية سابير الأكاديمية الواقعة قرب سديروت، مشهدًا للرعب الذي يجتاح "الإسرائيليين" فور سماعهم صفارات الإنذار التي تعلن عن الهجمات الصاروخية التي تنفذها عناصر المقاومة في غزة.
إلا أن "جوليا تشيتين" أوضحت من خلال مقال لها بعنوان "الظلام في أرض القسام" أنها ترفض الحرب "الإسرائيلية" الوحشية التي تدور رحاها في غزة، مؤكدة أن الحل لن يأتي بالحرب أو الحصار ولكن بالتفاوض مع حكومة حماس والاعتراف بحق أهالي غزة في معيشة كريمة تحفظ كرامتهم.
ونعرض في السطور التالية نص المقال كاملاً كما ورد بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية:
في الشتاء تصير النقب غاية في الجمال. وعلى الرغم من ندرة الأمطار هنا، فإنها عندما تسقط تحول كل شيء إلى اللون الأخضر، ويصبح ثمة نقاء في الهواء لم نعرفه أثناء شهور الصيف الجافة. إلا أننا منذ يوم السبت؛ الذي بدأ فيه العدوان "الإسرائيلي" الواسع في قطاع غزة- الذي يبعد أقل من 20 كم عن منزلي و2 كم عن الكلية التي أقوم فيها بإلقاء المحاضرات- ونحن لم يبقَ لدينا سوى الظلام، واليأس، والخوف.
أخطاء الحرب من وجهة نظر "إسرائيلية"
إن هذه الحرب خاطئة.
فهي خاطئة لكونها لا تستطيع تحقيق أهدافها الظاهرة (توفير حياة "طبيعية" على المدى الطويل لسكان منطقة النقب). وهي خاطئة من الناحية الأخلاقية نظرًا لأن معظم ضحاياها من المدنيين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" الذين لا "ذنب" لهم سوى أنهم يعيشون في النقب أو في غزة. هذه الحرب خاطئة أيضًا لأنها لا تسير في طريق حل ناجع للصراع بل تخلق بدلاً منه مزيدًا من الكراهية ومزيدًا من الإصرار من جانب الطرفين على إيقاع الأذى ببعضهم البعض. وهي خاطئة كذلك لأنها تؤدي إلى إحساس قوي بأننا ليس لدينا ما نفقده إذا قمنا بتوجيه هجمات أكثر بقوة أكبر. إن هذه الحرب خاطئة لأنه حتى قبل أن تخبو جذوة آخر حطامها، وقبل أن تحمل آخر عربة إسعاف فيها القتلى والمصابين، سيجد زعماؤنا أنفسهم يوقعون اتفاقًا جديدًا لوقف إطلاق النار.
ولذلك فإن هذه حرب وحشية ومتشائمة – حرب كان يمكن تجنبها إذا أبدى زعماؤنا خلال شهور الهدنة شجاعة للعمل بصدق في اتجاه خلق حياة أفضل للناس الذين لا ذنب لهم إلا أنهم يعيشون في الجنوب.
ومنذ بدء سلاح الجو "الإسرائيلي" في قصف غزة، صار من شبه المستحيل التحدث بصورة علنية ضد الحرب. فمن الصعب أن تجد منتديات عامة ترحب بأية دعوة إلى وقف إطلاق النار وحلول بديلة للنزاع، حلولاً لا تعتمد على القوة العسكرية أو على حصار لغزة.
إن الناس عندما تكون في خضم الحرب، فإنهم يفقدون الاستعداد لسماع أصوات السلام؛ فهم يتحدثون(ويصرخون) من الخوف ويطالبون بالثأر للأضرار التي تعرضوا لها. إن الناس عندما تكون في خضم الحرب، فإنهم ينسون أن بإمكانهم الاستفادة من قدرات إدراكية أكبر هي عقلهم ومنطقهم. ولكنهم بدلاً من ذلك يسوقهم فوران عقولهم، الذي يؤدي بهم إلى الرد بخوف وغضب بأساليب تمثل تهديدات فعلية لبقائنا في ظروف صحية. إن الناس عندما تكون في خضم الحرب، تقع الأصوات المنادية إلى ضبط النفس، والحوار، والمفاوضات على آذان صماء، هذا إذا تم السماح بالتعبير عنها من الأصل.
صواريخ المقاومة ورعب داخل المغتصبات
وأنا أعيش في النقب، وأعمل في التدريس بكلية سابير الأكاديمية- وهي على مقربة من بلدة سديروت- في قلب ما يسمى بـ "أرض القسام"، وهي تسمية نسبة إلى الصواريخ التي تسقط عليها. أنا أعرف ضربات قلبك المتسارعة، والألم المزعج في معدتك الذي يأتي عندما تُسمع صفارات الإنذار معلنة عن هجوم صاروخي. أعرف ماذا يعني أن تهدئ روع الطلاب والزملاء عندما تسقط الصواريخ قريبة جدًا وتتمنى أن يكون هناك من يهدئ من روعك أنت نفسك. أعرف ماذا يعني أن تخشى ركوب السيارة وتقودها إلى مكان عملك لأنك لست متأكدًا أنك ستفعل بالمثل من باحة وقوف السيارات وحتى تصل إلى حجرة الدراسة وأنت لازلت على قيد الحياة.
ولكنني أيضًا أدرك أن حل صراعنا لن يأتي بالحرب. سنعرف السلام فقط عندما نعترف أننا يجب أن نتفاوض مع "حماس"، وهي عدو لنا، حتى وإن كنا منزعجين من أن الفلسطينيين لم ينتخبوا حكومة أكثر اعتدالاً. سنعرف السلام فقط عندما يتوقف زعماؤنا عن اعتبار حياتنا رخيصة ويمكن التضحية بها، وأن يساعدونا على خلق نقب جميلة خضراء خالية من الخوف واليأس.
