يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة البقرة:
“لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِن اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلا ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَف
إِلَيْكُمْ وَأنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ، لِلْفُقَرَاء الذِينَ أحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الجاهِلُ أغْنِيَاء مِنَ التعَففِ
تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ الناسَ إِلحافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِن اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ، الذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالليْلِ وَالنهَارِ سِرّاً
وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” (الآيات 272 274).
والمعنى ليس عليك يا محمد هداية من خالفك في دينك، ولكن الله تعالى يهدي من يشاء هدايته إلى نور الإيمان وطريق الحق،
ومادام الأمر كذلك فعليك وعلى أتباعك أن تعاملوا غيركم، بما يوجبه عليكم إيمانكم من سماحة في الخلق، وعطف
على المحتاجين حتى ولو كانوا من المخالفين لكم في الدين.
الإحسان إلى الفقراء
ثم حض سبحانه المؤمنين على الإنفاق في وجوه الخير فقال: “وما تنفقوا من خير فلأنفسكم” أي ما تقدمونه من مال
في وجوه البر فإن نفعه سيعود عليكم بالسعادة في الدنيا، وبالثواب الجزيل في الآخرة، فكونوا أسخياء في الإحسان إلى الفقراء.
ثم ختم سبحانه الآية الكريمة بقوله: “وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون” أي إن ما تنفقونه من خير أيها
المؤمنون ستعود عليكم ثماره ومنافعه في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فإنكم بسبب هذا الإنفاق تزكون أموالكم وتحسن
سيرتكم بين الناس، وأما في الآخرة فإنكم تنالون من خالقكم ورازقكم أجزل الثواب.
وقوله: “وأنتم لا تظلمون” أي لا تنقصون شيئا مما وعدكم الله به على نفقتكم في سبيله.
ثم بعد هذا الحض الإلهي الحكيم على بذل الأموال في وجوه الخير خص سبحانه بالذكر طائفة من المؤمنين هي أولى الناس
بالعون والمساعدة، فقال: “للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء
من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا”.لقد وصفهم الله تعالى أولا بالفقراء أي الذين هم في حاجة إلى العون والمساعدة.
أما الصفة الثانية من صفات هؤلاء، فهي قوله تعالى: “الذين أحصروا في سبيل الله”، والمعنى: اجعلوا الكثير مما تنفقونه
أيها المؤمنون لهؤلاء الفقراء الذين حصروا أنفسهم ووقفوها على الطاعات المتنوعة التي من أعظمها الجهاد في سبيل الله،
أو الذين منعوا من الكسب بسبب مرضهم أو شيخوختهم أو غير ذلك من الأسباب.
تكريم وتشريف
وقوله سبحانه: “في سبيل الله” تكريم وتشريف لهم، أي أن ما نزل بهم من فقر واحتياج كان بسبب إيثارهم إعلاء كلمة الله
على أي شيء آخر.
أما الصفة الثالثة من صفاتهم فقال فيها “لا يستطيعون ضربا في الأرض” والضرب في الأرض هو السير فيها للتكسب والتجارة وغيرها،
أي أنهم عاجزون عن السير في الأرض لتحصيل رزقهم بسبب اشتغالهم بالجهاد، أو بسبب ضعفهم وقلة ذات يدهم.
والصفة الرابعة من صفاتهم قوله تعالى: “يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف” والتعفف هو ترك الشيء والتنزه عن طلبه.
أي يظنهم الجاهل بحالهم، أو الذي لا فراسة عنده أغنياء من اجل تحملهم وتعففهم عن السؤال.
أما الصفة الخامسة من صفاتهم فهي قوله تعالى: “تعرفهم بسيماهم” والسيما والسيماء: العلامة التي يعرف بها الشيء وأصلها
من الوسم بمعنى العلامة، أي أن هؤلاء الفقراء تعرفهم بفقرهم وحاجتهم بما ترى في هيئتهم من آثار وعلامات تشهد بقلة ذات يدهم.
والصفة السادسة من صفاتهم قوله تعالى: “لا يسألون الناس إلحافا” والإلحاف هو الإلحاح في طلب الصدقة.
ثم ختم سبحانه الحديث عن النفقة والمنفقين بقوله: “الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون”.