فضل الذبائح والصبر على الشدائد
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الحج: “ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين. الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون” (الآيتان 34 35).
بعد أن تحدث الحق سبحانه وتعالى في الآيات السابقة على هاتين الآيتين عن شعائر الحج بين سبحانه أنه شرع لكل أمة الذبائح التي ينتفعون بها لكي يذكروه ويشكروه ويخلصوا له العبادة، ولكي يطعموا منها السائل والمحتاج، وبين سبحانه فضل المداومة على ذكر الله والصبر على الشدائد والمصائب والحرص على إقامة الصلاة والإنفاق على الفقراء والمحتاجين.
والمنسك مأخوذ من النسك بمعنى العبادة، والمراد به هنا كما قال معظم العلماء: عبادة خاصة وهي الذبح تقربا إلى الله تعالى.
شعيرة الذبح
والمعنى: جعلنا لكم أيها المؤمنون منافع كثيرة في هذه الأنعام إلى وقت معين ثم تكون نهايتها وذبحها عند البيت الحرام، كما جعلنا وشرعنا لمن قبلكم من الأمم شعيرة الذبح ليتقربوا بها إلينا، وأرشدناهم إلى المكان الذي يذبحون فيه وإلى أفضل الطرق التي تجعل ذبائحهم مقبولة عندنا.
وفي هذه الجملة الكريمة (ولكل أمة جعلنا منسكا) تحريك لنفوس المسلمين نحو الإقدام على إراقة الدم تقربا إلى الله، لأن هذه الذبائح ليست من شعائر هذه الأمة وحدها وإنما هي من شعائرها وشعائر الأمم التي سبقتها.
وقوله سبحانه: “ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام” بيان للعلة التي من أجلها شرعت تلك الذبائح، أي شرعناها لكم وللأمم السابقة عليكم للإكثار من ذكر الله عند ذبحها، فهو سبحانه الذي رزقكم إياها بفضله وإحسانه، فعليكم أن تكثروا من ذكره وشكره ليزيدكم من خيره ورزقه.
وفي هذه الجملة الكريمة تقريع وتوبيخ لمن يذكرون غير اسم الله تعالى عند الذبح، وتأكيد لوجوب ذكر اسمه عز وجل حتى كأن المقصود الأعظم من وراء ذبح هذه الأنعام هو المداومة على ذكر اسم الله عز وجل وعلى شكره على نعمه، أما ما سوى ذلك، كالأكل منها والانتفاع بها، فهي مقاصد فرعية.
ثم عقب سبحانه على ذلك بتقرير وحدانيته وبوجوب إسلام الوجه إليه فقال: “فإلهكم إله واحد فله أسلموا” أي شرعنا لكم ذلك لأن إلهكم إله واحد لا شريك له، لا في ذاته ولا في صفاته، فله وحده أسلموا وجوهكم، وأخلصوا لعبادته وطاعته.
بشرى للطائعين
ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشر المخبتين برضاه سبحانه وبمثوبته فقال: “وبشر المخبتين” أي المتواضعين لله تعالى المطمئنين إلى عدالة قضائه فيهم، والمعنى: بشر أيها الرسول الكريم هؤلاء المتواضعين لله بالثواب العظيم والأجر الكبير الذي لا تحيط بوصفه عبارة.
ثم مدح الحق سبحانه وتعالى هؤلاء المتواضعين بأربع صفات فقال: “الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم” أي وبشر المخبتين الذين من صفاتهم أنهم إذا سمعوا ذكر الله تعالى وصفاته وحسابه لعباده يوم القيامة خافت قلوبهم وحذرت معصيته سبحانه.
كما أن من صفات هؤلاء المخبتين (المتواضعين لله) الصبر على ما يصيبهم من مصائب ومحن في هذه الحياة، والمداومة على أداء الصلاة في مواقيتها بإخلاص وخشوع، والإنفاق مما رزقهم الله تعالى.
ويؤخذ من هاتين الآيتين أن التواضع لله تعالى، والمراقبة له سبحانه، والصبر على بلائه، والمحافظة على فرائضه، كل ذلك يؤدي إلى رضاه عز وجل، وإلى السعادة الدنيوية والأخروية.
رد: فضل الذبائح والصبر على الشدائد
رد: فضل الذبائح والصبر على الشدائد