يقول المولى سبحانه وتعالى في سورة الحجرات، الآية السادسة: “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”.
أسباب النزول
قال الإمام السيوطي رحمه الله في أسباب نزول هذه الآية الكريمة: أخرج الإمام احمد وغيره بسند جيد عن الحارث بن ضرار الخزاعي أنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله وسلم، فدعاني إلى الإسلام، فأقررت به ودخلت فيه ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت: يا رسول الله، أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته فترسل إلى الابان كذا وكذا ليأتيك ما جمعت من الزكاة فلما جمع الحارث الزكاة “ممن استجاب له” وبلغ الابان “الذي أراد أن يبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم”، احتبس عليه الرسول فلم يأته فظن الحارث انه قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله، فدعا قومه فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد وقّت لي وقتا يرسل إليّ رسوله ليقبض ما عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف ولا ادري حبس رسوله إلا من سخطة، فانطلقوا فنأتي رسول الله، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة ليقبض ما كان عنده من الزكاة، فلما سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع فقال: يا رسول الله، إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إليه، فأقبل الحارث بأصحابه فاستقبل البعث، وقد فصل من المدينة فلقيهم الحارث، فقالوا: هذا الحارث فلما غشيهم قال لهم: إلى أين بعثتم؟ قالوا: إليك، قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة، فرجع إليه فزعم انك منعته الزكاة وأردت قتله، قال: لا والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته ولا أتاني، فلما أن دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “منعت الزكاة وأردت قتل رسولي” قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيت رسولك ولا أتاني ولا أقبلت إلا حين احتبس عليّ رسولك خشية أن يكون سخطا من الله ورسوله، قال: فنزلت: “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ” إلى قوله: “والله عليم حكيم”.
حكمة التخصيص
يقول صاحب “في ظلال القرآن” رحمه الله إن الله سبحانه وتعالى خصص كلمة “الفاسق” لأنه مظنة الكذب، وحتى لا يشيع الشك بين الجماعة المسلمة في كل ما ينقله أفرادها من أنباء فيقع ما يشبه الشلل في معلوماتها، فالأصل في الجماعة المسلمة المؤمنة أن يكون أفرادها موضع ثقتها، وان تكون أنباؤهم مصدقة مأخوذا بها، فأما الفاسق فهو موضع شك حتى يثبت خبره، وبذلك يستقيم أمر الجماعة وسطا بين الأخذ والرفض لما يصل إليها من أنباء، ولا تتعجل الجماعة في تصرف بناء على خبر فاسق، فتصيب قوما بظلم عن جهالة، وتسرع فتندم على ارتكابها ما يغضب الله.
يضيف سيد قطب: إن مبدأ الآية عام، وهو يتضمن التمحيص والتثبت من خبر الفاسق، وخبر الفاسق استثناء، والأخذ بخبر الصالح جزء من منهج التثبيت لأنه احد مصادره، أما الشك المطلق في جميع المصادر وجميع الأخبار، فهو مخالف لأصل الثقة المفروض بين الجماعة المؤمنة، ومعطل لسير الحياة وتنظيمها في الجماعة، والإسلام يدع الحياة تسير في مجراها الطبيعي ويضع الضمانات والحواجز فقط لصيانتها لا لتعطيلها ابتداء.
منقول من جريدة الخليج
الإمارات
