السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
..................
بينما كنت منهمكاً في البحث داخل دولابي الصغير ،عن قطعة ملبس كنت ألبسها في زمن غبير ، تتوافق مع بنطالي الأبيض الجديد ،ليست كأي قطعة فهي تحمل ذكرى لزمن بعيد ، ذكرى هي جدا سعيدة ، لن أنساها لو طالت السنين المديدة ؛وقعت عيناي على حقيبة مستنداتي ، التي تحمل وثائقي ومذكراتي ، وقفت برهةً ثم ملت تجاهها ،أمسكت مقبضها ورفعتها من مكانها ..
ابتسمت ...
تملكني الفضول في استرجاع ما نسيته من زماني ،استرجاع ما أسقطته ذاكرتي من مزاحمة الأماني ؛أنزلت الحقيبة برفق على سريري ،واسترجعت من خابية صدري الرقم السري ..
5 ...... 6 ..... 5
أبتِ الحقيبة أن تنفتح ، اعتبس وجهي وأبى إلا أن تنفتح ..!!
5 .... اعتصرُ خابية صدري ...0 ......5
بكلِّ بسرورٍ فتحت الحقيبة دفتاها ، تمددت مهجتي وبانت ابتسامة على محياها ، بعثرتُ وأخرجتُ ما في الحقيبة من أوراق ، واتكأت على سريري حتى أقرأها على رواق ،أقلب عيناي في الأوراق بلا رحمة ، كمن يبحث عن طفلٍ ضاع في زحمة ...
،،،
شدَّ ذهني شهادة ميلادي ... أعرف ميلادي لكن هذه المرة على غير اعتيادي ،،،
سنة الميلاد : سنة عطاء وقل فيها الفساد .
شهر الميلاد : شهرٌ تعبت فيه والدتي التي حماها الله من كل ظالمٍ أوّاد.
يوم الميلاد : يوم شاءَ الله أن أخرج لهذه البلاد.
وقت الولادة : لحظة نفخ الروح في صدري ونفسي التي هي للسوء قوادة .
مكان الولادة : في أرض فانية وغير خلّادة .
،،،
تبدأ ذاكرتي الآن بالوميض ، تسترجع أيام الطفولة و القلوب البِيْض ،لكن لا تسعفني ذاكرتي في تذكر ما قبل سن الخامسة ، ولا حتى بمغامرةٍ ذات خاتمة ،لم أخرج من تلك السنين إلا بحرْقٍ في ظهر يدي اليسرى ،وكابوسٌ كاد يُطيْرُ عقلي لم أنسه حتى في اللحظات العُسْرى ...
،،،
أتذكر كيف قضيت الطفولة مع الأقارب و الخلّان ، وكيف قضيتها مع الأغراب و أبناء الجيران ،بين أزقّة وشوارع الحيّ ،تحت شعاع الشمس وتحت غطاء الفَيّ ،أتذكر كيف كانت تغمرنا البهجة و السعادة ،لا غضب ولا كره ولا نفسٌ حقّادة ...
،،،
ذهبت تلك السنين بلا رجعة ، ولم تُبْقِ إلا ذكريات ذات روعة ..
،،،
قلّبت الأوراق فوجدت تقاريري و شهاداتي ، زينتها شهادات شكر لعلو تقديراتي ...
ابتسمت ،،،
أتذكر ...
بدأت سنوات الجد والعطاء ،تلك هي سنوات الدراسة و الاستقراء ،سنوات جدْتُ فيها واجتهدْت ، فحصدت منها الجميل واستفدْت ،ما أجمل أيام الدراسة تلك ،وما أروع مدرِّسِيّ ومدارسي تلك ؛ اثني عشر عاماً من الدراسة ، كتابٌ وقلمٌ ودفترٌ وكراسة ،كلها كنت أحملها معي كل يوم للمدرسة ، للواجبات والمراجعات كثيرُ الممارسة ...
تخرجنا من الثانوية وكلٌ سلّم كتابه ،،، منهم من أخذه بيمينه ومنهم من أخذه بشماله ..
انتهت سنوات الدراسة بلا رجعة .. وتركت ذكريات ذات روعة ...
،،،
قلبت باقي الأوراق على عجالة ، لا إهمالا لكنها مني استطلاعة ،،،
بقيت أهم الأوراق والمذكرات ، هل سأقرئها الآن أم سأكف نفسي عن الفضول والاستطلاعات ؟
لكنها أوراق تحمل أمرا مهما جديا ، كتبتها بعدما عرفت العالم بشكل واضحٍ جليّا ،،،
يقطع حبل أفكاري منبه سيارة ، لابد أنه أحد المارة ، هكذا أنا في نفسي فكرت ، لكن لمواعدةِ صديقي تذكرت !
لملمت أوراقي في شنطتي بسرعة ، وتركت شنطتي على سريري بلوعة ،راجياً أن أعود لقراءتها ،فأهم أجزاء لم أصل لِلُباتها ،،،
،،،
أكتفي هنا بما قرأته لكم ، راجيا أن ينال رضاكم واستحسانكم ، وواعداً قريباً إنْ استفرغت ، أن أقرأ لكم أهم الأجزاء إن استطعت ...
فحقيبتي تحمل في طياتها الكثير ، ما هو جميل وعادي ومثير ...