في الادب مع النفس
يؤمن المسلم بان سعادته في كلتا حياته : الاولى , و الثانية , موقوفة على مدى تاديب نفسه , و تطبييبها , و تطهيرها , كما ان شقاءها منوط بفسادها , و تدسيتها و خبثها , و ذالك للادلة الاتية : قوله تعالى : (قد افلح من زكاها , و قد خاب من دساها ) . و قوله تعالى : (ان الذين كذبوا باياتنا و استكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء و لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط , و كذلك نجزي المجرمين , لهم من جهنم مهاد , ومن فوقهم غواش و كذلك نجزي الظالمين. و قوله صلى الله عليه و سلم (( كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها او موبقها)) .كما يؤمن المسلم بان ما تطهر عليه النفس و تزكو هو حسنة الايمان , و العمل الصالح ,و ان ما تتدسى به و تخبث و تفسد هو سيئة الكفر و المعاصي , قال تعالى ( و اقم الصلاة طرفي النهار و زلفا من الليل , ن الحسنات يذهبن السيئات )) و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم((ان المؤمن اذا اذنب ذنبا كان نقطة سوداء في قلبه , فان تاب و نزع و استعتب صقل قلبه , و ان زادت حتى تغلق قلبه )) . من اجل هذا يعيش المسلمعاملا دائما على تاديب نفسه و تزكيتها و تطهيرها, اذ هي اولى من يؤدب , فياخذها بالاداب المزكية لها و المطهرة لادرانها ,. كما يجنبها كل ما ما يدسيها , ويفسدها من سيء المعتقدات , وفاسد الاقوال و الافعال , يجاهد ليل و نهار, ويحاسبها في كل ساعة,يحملها على فعل الخيرات, و يدفعها الى الطاعة دفعا كما يصرفها عن الشر و الفساد صرفا ويردها ردا , ويتبع في اصلاحها و تاديبها لتطهر و تزكو الخطوات التالية :أ- التوبة : و المراد منها التخلي عن سائر الذنوب و المعاصي , و الندم على كل ذنب سالف , و العزم على عدم العودة الى الذنب في مقبل العمر وذلك لقوله تعالى ( يا ايها الذين امنوا توبوا الى الله توبت نصوحا عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم , و يدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار)) , و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( يا ايها الناس توبوا الى الله فاني اتوب في اليوم مائة مرة )
ب- المراقبة : و هي ان ياخذ المسلم بمراقبة الله تعالى , و يلزمها اياها في كل لحظة من لحظات الحياة يتم لها بان الله مطلع عليها , عالم باسرارها رقيب على اعمالها , قائم عليها و على كل نفس بما كسبت , وبذلك تصبح مستغرقة بملاحظة جلال الله و كماله , شاعرة بالانس في ذكره . واجدة الراحة في طاعته , راغبة في جواره , مقبلة عليه , و معرضة عما سواه.ت- المحاسبة : و هي انه لما كان المسلم عاملا في هذه الحياة ليل نهار على ما يسعده في الدار الاخرة , و يؤهله لكرامتها , ورضوان الله فيها و كانت الدنيا هي موسم عمله كان عليه ان ينظر الى الفرائض الواجبة عليه كنظر التاجر الى راس ماله , و ينظر الى المعاصي و الذنوب كالخسارة في التجارة , ثم يخلو بنفسه ساعة من اخر كل يوم يحاسب نفسه فيها على عمل يومه .
ت- المجاهدة : و هو ان يعلم المسلم اعدى اعدائه اليه هو نفسه التي بين جنبيه , و انها بطبعها ميالة الى الشر , فرارة من الخير , امارة باسوء ( و ما ابرىء نفسي ان النفس امارة باسوء) . تحب الدعة و الخلود الى الراحة , ترغب في البطالة , و تنجرف مع الهوى تستهويها الشهوات العاجلة , و ان كان فيها شقاؤها . فاذا عرف المسلم هذا عبا نفسه لمجاهدة نفسه فاعلن عليها الحرب و شهر ضدها السلاح و صمم على مكافحة رعوناتها , ومناجزة شهواتها , فاذا احبت الراحة اتعبها , و اذا رغبت في الشهوة حرمها , واذا قصرت في الطاعة او خير عاقبها , لامها , ثم الزمها بفعل ما قصرت فيه . و بذلك يتحقق تاديب النفس و زجرها.
