العلـــم والإيمــــــان
الجــزء الثاني
وقفنا في الحوار عند قوله أن العدل صفة كريمة تتسع للمسلم وغيره .. " ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى " المائدة:8
فنكمل
بالرد عليه ....
******
قلت: ومن اعدل الاعتراف بأن ما صنع أولئك مما فيه نفع شئ عظيم .. وكان الأجدر به المسلمون لولا أنهم غفلوا حين انتبه غيرهم ..
وبالعلم والإيمان تكون القوة .. قوة تحقق العدل .. وتحارب الظلم .
******
وإذا أردنا الإنصاف قلنا:
إن القوم أخفقوا في الثوابت .. فقد نبذوا الدين والأخلاق وراء ظهورهم وسبقوا في المتغيرات التي تتطور كل يوم .. فقد سبقوا المسلمين في الميدان العلمي .. في البحوث العلمية .. في الصناعة .. في الإختراع .. في الإكتشاف .. في الطب والصيدلة .. إلخ.
وهذه وإن كانت أصولها إسلامية .. إلا أنهم أبدعوا فيها بما يقوف التصور .. سرعة مذهلة .. ودقة عجيبة.
******
في حين تخلف العالم الإسلامي .. بل نام طويلاً .. ولما أفاق رأى نفسه غريباً محقوراً .. بين أمة تصنع وتخترع وتكتشف .. وتصدر وتستورد .. فصار تلميذاً بعد أن كان معلماً .. مستهلكاً بعد أن كان منتجاً .. تابعاً بعد أن كان متبوعاً ..
أيهـا الشـرق قد ركــدت طويلاً ...... يأســن المـــاء إن طال الـــركــود
******
والمؤسف أن هذا التطور المادي المتجدد الذي يعانق النجوم عند هؤلاء يقابله تخلف وانحــطاط في الثوابت .. من العقائد الروحية .. والأخلاق الفاضلة .. والمبادئ الكريمة ..
ما قيمة هذه المصنوعات التي ملأت الأرض والسماء مادام الدين مفقوداً .. والأخلاق غائبة .. ؟
إنمـــا الأمم الأخـــــلاق ما بقيت ...... فإن همـــوا ذهبت أخــلاقهم ذهبــوا
******
ولما غابت العقيدة الصحيحة .. والأخلاق الفاضلة .. عاثت هذه الأمة في الأرض فساداً .. لا في بلادهم فحسب .. بل تسوروا البلاد من حولهم .. إستعماراً ونهباً وإفساداُ .
لقد كفروا بالله .. وآمنوا بالمادة .. وأعرضوا عن ربهم .. وعبدوا كل شئ من دونه " فماذا بعد الحق إلا الضلال " يونس:32
وشاع بينهم الإنحراف الحيواني بكل صوره ..
وهذا ليس بعجيب فإن أي أمة بلا منهج رباني ينير لها الطريق .. ويمهد لها السبيل .. تفقد كثراً من خصائص الإنسانية .. وتظل ترتع في الشهوات وتتخبط في الرذائل والأثام .. تخلط الطيب بالخبيث .. وتمزج الحسن بالقبيح ويظل أفرادها هكذا " يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم " محمد :12 .. تارة كالبهائم ترعى وتلعب وتلهو .. وتارة كالسباع تظلم وتفترس وهذا ليس بغريب ..
******
إنما الغريب أن يزحف هذا السلوك الذي يخلط الطيب بالخبيث .. ويمزج الحسن بالقبيح .. إلى خير أمة أخرجت للناس ..(حياتنا في الميزان صـ59)
أمة أكرمها الله بكتاب فيه تبيان كل شئ .. ورسول تركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .. ومكن لها في الأرض .. وفتح عليها من بركات السماء .
******
نحن أمة لها الصدارة بين الأمم فما بالنا تقهقرنا إلى الوراء .. ؟
نحن أمة الحق .. فما بالنا نستقبل الباطل من كل جهة ..؟
نحن أمة البر والخير .. والعدل والإحسان .. والدعوة والجهاد .. والعلم والعمل .. فما بال قلوبنا لا تفقه .. وعيوننا لا تبصر .. وآذاننا لا تسمع .. وأيدينا لا تعمل ..؟
ألا ما أخطر الغفلة .. إنها ثورت كل شر وبلاء .
لقد أخفق هؤلاء في الثوابت فضلوا وأضلوا ..
وأبدعوا وجددوا في المتغيرات .. فانتفعوا ونفعوا ..
ونحن أو أكثرنا .. أخفق في الثوابت والمتغيرات .. فخسرنا وخسر العالم من حولنا ..
******
أردت لو لزمنا الثوابت .. في العقيدة .. في الأخلاق .. في الآداب .
وسبقنا في المتغيرات من إبداع في كل شئ نافع .. إذن لسعدنا وسعد العالم من حولنا ..
******
إن السعادة حقاً في الدنيا والآخرة .. إنما تكون بعبادة الله .. واتباع شرعه .. والتفكر في مخلوقات الله .. وعمارة الأرض .. والاهتمام بأحوال المسلمين وديارهم وأموالهم .. وتحقيق مبدأ الوحدة والأخوة الإسلامية والدعوة والعمل الصالح " من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " النحل :97
وأنتظروني في مقال آخر
هــــــ أحمد ــــاري