على سبيل التقديم
قد يراها البعض حكاية مشوقه او غير ذالك ، لكن هذا ما حدث للتو فعلاً ..
دون تحريف او سرد روائى للتشويق ، هذا ما حدث لان قبل دقائق معدوده
وانا فى طريقى .. عائداً إلى البيت .
عندما مات الموت
مررت امام بابه .. تزكرته .. تزكرت فى لحظة واحده كل ما قاله لى
_ لدقة التعبير كل ما قاله لنا _ لم يكن باب منذله مثل كل الأبواب ، لم
يكن مثل باب بيتى او اى بيت طبيعى يعانى ما يعانيه فى الداخل لكن يكفى
انه ينعم بالدفء كان باب دكان .. نعم انه يعيش فى دكان وحده دون شريك
يشاركه حياته .. دون شريك يشاركه افراحه والامه وشقائه وعزابه فى هذه
الدنيا .. كم كنت اسأل الله لماذا يبقى عليه فى هذه الدنيا ، كى يشقى ؟!
بائع الكتب القديمه ليس له مأوى غير دكانة الكتب .. ليس له رزق غير ما
يجود به عليه مشترى الكتاب .. نصف جنيه او جنيه او بالكثير جنيهان .
فى منطقتنا العشوائيه لا احد يقرأ الكتاب .. كان دوماً يقول لى اننى زبونه
الوحيد . وكنت بدورى انظر له بشئ من الحسره وكثير من المراره .
اطلت النظر إلى الدكان المغلق ، اقتربت منه ، اردت ان شترى كتاباً
واجلس مع هذا الشقى التعيس صاحب الالفاظ الوقحه التى تعودت ان
تذور لسانه اكثر من اى شئ فتنساب منه دون حساب .. هو فى كلامه
فعلاً اكثر من وقح لكن ايضاً اكثر من عبقرى .. ما كنت اسمع منه ما كانت
مجرد ثقافه ، كانت ايضاً حكمة عالية فى الحياة مدعومة بالثقافة و العبقرية .
اقتربت من الدكان وتركت بابه كما تعودت ان افعل .. لكن ما من مجيب
نظرت طويلاً للقفل على الباب ، شئ عجيب اين يمكن ان يكون ذهب مثل
هذا الرجل وهو بلا مأوى و لا عائله . فوجدت امرأه تقف قريبه منى :
_ من فضلِك .. اين ذهب الرجل الذى كان يسكن هنا .
_ من ؟
_ الم يكن فى هذا الدكان يسكن بائع كتب ؟
_ آه ... دا مات من زمان .
ونزلت الكلمة علىّ كالصاعقه
_ مات .. هل قلتِ مات ؟!
_ من زمان
_ كيف ؟!! .. مر على اخر زيارة لى فقط شهر واحد
واخزتنى حاله من الوجوم ولاحظت ان السيده داقت بى فتركتها ومضيت
فى طريقى .. كيف مات هذا الكهل الشقى .. اللهم لا اعتراض
لكن يا رب ما كنت اظن ان الموت يمكن ان يموت .. إن هذا الرجل بكل ما
عرفته عنه لا يمكن ان يدعى شئ إلا الموت .. كيف يمكن ان يموت الموت نفسه
.. هل هو شئ اقوى من الموت والشقاء والعزاب يتحكم فى العالم .
رجعت بزاكرتى لليوم الاول الذى عرفته فيه .
كنت مع صديقين احدهما جارى يسكن فى البيت المجاور لى . كنا عائدين للبيت
من رحلة قصيرة اظنها ما كانت رحلة بالمعنى الدقيق كانت شبه زيارة للشيطان
استوقفنا الكهل الجالس على كرسى المعوقين ، بدأ يحدثنا ويلقى علينا كلام ظننته
فى بدأ الامر ليس له معنى كان كلامه هو فزوره .. كان الامر مضحكاً لثالثنا ان
يوقفنا رجل ليس لنا به سابق معرفه ليلقى علينا فزوره .. واستأزن فى الانصراف
وبقيت انا وصديقى الذى يسكن بجوارى .. لا انكر انى انا ايضاً كنت اظن ان الرجل
مجنون . لقد راهن على جنيه لمن يعرف حل الفزوره وبعد تفكير استسلمنا
فقال ببساطه : ليس لها حل .
لقد ارهق رأسى هباءً كنت اود لو ادق عنقه وقت اذ .. لكنه بادر بالقول : لا تتعب
رأسك فيما لا طائل منه .. تعلم متى تعطى اهتمامك .
بدأ يحدثنا عن مكتبته الكبيره وانه رغم وقت فراغه لم يقرأ كل ما بها
لان الفراغ احياناً افضل من ثقافه لا طائل منها ، مثل تلك التى يجود
بها عليك كاتب احمق معلوماته زائفه .
وبعد قليل حدثنا عن ابنه الذى ينكره وزوجته التى استولت على شقته وماله
وانتهى به المطاف هنا ..
قال لنا : لا العن طليقتى ولا العن اولادى .. عندما كنت فى شبابى مثلكم
ملكت كثيراً من المال .. لم احمد الله يوماً .. شربت الخمر وزنيت وارتكبت
من المعاصى قدر ما ارتكب كل اهل الأرض وقد يزيد .. ولهاذا فأنا مؤمن و
راضى بأنتقام الله .. عمرى الان 85 عام رجل عجوز اظن ان الله اخذ قدمى
ايضاً كنوع من العقاب .. احترسوا من الدنيا ، هى زائله على كل حال .
ايقظنى الشتاء من غفلتى وتزكرت ان وقوفى امام الدكان اكثر من هذا سوف
يلفت لى الأنظار اكثر مما هى ، وبالاخص انى سمعت الناس بدأوا يتهامسون
ويتقاولون .
مضيت فى طريقى .. حكمتك يا الله _ قلتها فى قلبى _ كنت اظن الكهل نوع
من انواع الفناء .. كنت اظنها طريقة الله فى إماتته .
ابنه ينكره وامرأته سرقته _ هى امرأته الاخيره فقد تزوج اخريات كثيرات قبلها _
ادرت وجهى للباب المغلق وقلت .. فى حفظ الله ايها الموت .. يرحمك الله .
