أراد ثعلب يوما .. أن يتعلم الحكمة ، فوجدها ، بعد سعي دؤوب ، في رأس ذئب طائر ،
بطشت بها سطوة أسد لم يدرك الذئب كيف يكون مؤدبا في حضرته .
** والحكاية أن أسد كان في طريقه ، فالتقي مصادفة مع ثعلب يرافقه ذئب ، ومضي
الثلاثة معاً ، وان كان الذئب قد توجس شرا منذ البداية ، وأحس بأن الأسد يضمر له
شيئاً ، وهذا الشيء ليس خيراً !!
وكان الثعلب قد سمع حكاية قديمة ، تعلم منها أن يحترس .
كان قد سمع عن رجلين التقيا في صحراء فجلسا يستريحان من عناء السفر .
سأل أحدهما الآخر : لو سألوك أن تتمني علي الله الأماني الآن ، فماذا تسأله ؟
قال : أسأله أن يعطيني قطيعاً من الأغنام ، أرعاها ، وأهش عليها فتتكاثر ،
وتتضاعف ثروتي ، وعندئذ سوف أعطي الفقير ، وأعود بفضل مالي .. وأغنامي
علي المحتاجين !!
وقبل أن يتوه الرجل في أمانيه قاطعه رفيقه فقال :
أما أنا فان لي أمنية واحدة فقط ولكنها مختلفة تماماً .
سأله صاحبه .. صاحب الأغنام المزعومة .. بلهفة : ماذا تريد ؟
قال : أن يهبني الله قطيعاً من الذئاب أطلقها علي أغنامك حتي تأتي عليها تماماً .
وعندئذ قام الرجلان فاقتتلا ، حتي سقط أحدهما قتيلا ، وسيق الآخر الي السجن
أفاق الثعلب من غفوة قصيرة ، سرح فيها خياله مع حكاية الرجلين ، أفاق علي زفير
من الأسد ، وضيق بدا في عينيه لما لاحظ أن الثعلب يمضي معه مشغولاً بأشياء أخري !
سأله الأسد .. وأنت ؟!
وأنا ماذا ياسيدي .. لا تؤاخذني .
وأنت الي أين تنوي أن تذهب الآن .. أعاد الأسد سؤاله في هدوء ينذر بعاصفة .
أنا ياسيدي كنت أبحث عن شيء آكله فلم اذق طعاماً منذ يومين ، أنا ورفيقي
الذئب .. وقد .. وقبل أن يكمل كلامه ، لاح في الأفق غزال يتهادي كأنه عروس في
ليلة الزفاف .
وفي لمح البصر كان الأسد قد استقر فوقها ..
ارتكز عليها الأسد بقدميه الأماميتين ، وتأمل الثعلب والذئب اللذين وقفا يمينان
النفس بوجبة شهية ..
** قال الذئب : لو طاردناها عاماً ما استطعنا أن نوقعها بهذه البراعة ياسيدي الأسد
... ان لك رهبة في نفوس حيوانات الغابة جميعاً :
ولم ينطق الثعلب !
وسأل الأسد : ما رأيكما ؟!
تشاغل الثعلب بأشياء ، وتطوع الذئب فقال بصوت مسموع :
لك الثلث ياسيدي ، ولي ولصديقي الثعلب مثلما لك !!
وفي ثوان كانت رأس الذئب قد استقر بجانب رأس الغزالة ، والدم يسيل من موضعها
كأنه نافورة !
سأل الأسد الثعلب .. ما رأيك ؟!
التفت الثعلب الي رأس الذئب ، واعتدل في وقفته بما يليق بمكانة الأسد ، وقال في نبرة
الذي يقر بحق لا ريب فيه : ياسيدي القسمة واضحة وضوح الشمس في وسط السماء .
ثلث لافطارك ، وثلث لغدائك ، والثلث الآخر لعشائك .. فهل هناك من يماري في ذلك
ياسيد الغابة ؟!
زأر الأسد زئير المزهو المنتصر ، المأخوذ بنشوة النصر ، وسأله ضاحكاً :
من أين كل هذه الحكمة يا... ثعلب ؟!
أجاب الثعلب واثقاً وهل هناك غيرها ياسيدي ؟!
رأس الذئب الطائر ، الذي يقطر دماً .. وحكمة !!
--------------------
المصدر : كتاب شيء لا نراه .