طالب مهاجر يحكي (دموعقلب مكلوم )
في ذاكرة الصمت التي سيطرت عليها لوعة الوجد و أصبحت مكتظة برفات الذكرى و بقايا من أحرف المحن أحاول أن أغرس حلماًمن بقايا متعة اللقاء التي جفت على أعتاب الهجر ، وأظل أعكف على ذاتيو ألملم أصداء الذكريات و أضم أوراقي المهاجرة لأخفيها في آهتي ، وأحاول أنأسامر الدمعة و أداعب الهجر و أتجانس مع الفراغ.
لكن جمرة الهجر أوقـدت بينجوانحي شعلة أحرقت كل الأحلام و الأماني التي رسـمتها في نواشـر قلبي و نقـشـتـهابحـروف الـهوى الـعذري على صـفـحات أيامي ، و اســتـعـرت بين أضلعي مـرارة الـقطيعة و أظنتني حرقة الفراق و وحشة الخذلان ، حتى بقيت حصيلة وقتي ليلاًكئيباً و روحاً شاردة و دمعة لا تجف .
لـم أعـد أملـك مـن برد الـعاطـفة و دفءالحنان إلا نسـمة باردة مـن همس الأحبة الـذين تركوني وحيـداً في ركام الأمـسـيات الصامـتة حين غامت فـظـاءاتي وانكسرت خطوتي ، ونسوني في ليلة موحشة غاب عنها قمرها و همسـها .
بعدهم تضـيقآفاق روحي الكانـت رحبـةً بهم ، و تصـعد آهتي فأصرخ ملء حنجرتي ، لأبدد الصمت الذييحيط بي لعلي أهتدي إلى درب أحبتي أو لعلهم يسـمعون صـرخـتي لـيـفـتـشوا عن ملامـحيالـتي تاهت في مثار الهجر بلا همس و لا رمس .
الآن ألوذ بوحدتي التي هي مصـدرأوجاعي و قلـقي و آهـتي ، لأتذكر ذلك الـغزل الـعذري الدافئ ، فيوقظ في روحي حباً لأبي و جلال هيبته فيمحونيبحضوره و يفـنيني بغيابه ، و يبعث في نفـسي عشـقاً لأمي التي علمني حنانها نعيمالجنة .
أتذكر رسم فتاة أضاءت لحظتي بوجهها الصبوح فـتبقى ذكراها غـيثاً لقـلبيتغسل عنه غواشي الحزن والألم و تذيب فيه وحشة الفرقى ، و أبقى أفرح بهذه الذكرى وأمني بها نفـسي لـعلي أخفـف من وطـأةالـوحدة الـتي عذبت روحـي و أقـلـقـت هـدأتي .
أتذكر الـندامىالذين كانوا يـبعـثون في روحي الأمل و يوقـظون في صـدري عـشــق الأخوة الصادقة .
الآن لا أجد إلا ذكراهم ، فلم يـبق إلا حلم من أناشــيد الأحبةيخـتزل كل تلك الأيام الجميلة و لم تبق إلا دمـعة واكفة وذكرى صامـتة تاهت مع شرود الروح يوم غاب عن العين قرتها .
ذلك الحلم و تلك الذكرى يـبقـيان هما الأملو هـما الـنبض للقلب و الروح يـمنيانهـما بـعـودة اللقاء لـيذيبا عنهـما صـقـيعالـهجر و حـرارة الـفـراق ، ذلك الحلم و تلك الذكرى تـنحني أمامـهما كل الآهـات والأحزان الـتي خلـفـها طـول الـحـرمـان .
وفي غياهـب الـبـعد تسـتعر الأشـواق فيروحي الـشاردة ، فلا أجد إلا دمـعـتيألـوذ بـها فـتظـل تـهمي حـتى تجرح الـخد و تحرقـه بلـفـحـتها ، فأحـس أن كل شـيءٍمـن حـولي قد خاننـي أو يـكاد ، حـتى الـكلمـة تـاهـت و انـمحت فـي زمـن جـديـبتـراكـمـت فـيـه الأحلام و انـدثـرت فـي غـبار النـسـيان
و تبقى في غيابةالهجر ذكرى تحكي رفات الوصل و تبكي بقايا من أصداء الأحبة و نجواهم في عالم الفراقالذي أجمعت القلوب الحزينة الهائمة أنه في طريقه إلى الانقراض .
سليمان أحمد المهدي