الرحمة
بقلم / المنفلوطي
لو تَرَاحَمَ النَّاسُ ما كان بينهم جَائعٌ ولا عار ولا مغبونٌ ولا مَهْضُومٌ ، وَلأَقْفرت الجُفونُ من المدامع ، ولاَطْمَأَنتْ الجنوبُ في المضاجع ، ولمحتِ الرحمةُ الشقاءَ من المجتمع ، كما يَمحُو لسانُ الصبح مدادَ الظلام ، لمْ يخلق اللهُ الإنسان لِيقَتِّر عليه رزْقَه ، ولم يَقْذِفْ به في هذا المجتمع ليموتَ جُوعاً ، بل أَرادتْ حكمتُهُ أَن يخلُقَه ، ويخلقَ له فوقَ بِساط الأرضِ ، وتحت ظلالِ السماءِ ، ما يكفيه مؤُونَته ويسدُّ حاجتَه ، ولكنَّ الإنسانَ بغى بعضُه عَلَى بعضِ ، وغدر القوىُّ بالضعيفِ ، فتغيَّر نظامُ القِسمة العادلةِ ، وتَشَوَّهَ وجهُهَا الجميل .
أَيها الإنسانُ :
ارحم الأرملةَ التى ماتَ عنها زوجُها ولم يترك لها غير صِبية صِغارٍ ودُموعٍ غزارٍ ، ارحمها ، قبل أن ينالَ اليأْسُ منها ، ويعبث الهم بقلبها ، فتؤثر الموتَ على الحياة .
ارحم الزوجة أُمَّ ولدِكَ وقعيدَةَ بيتك ومرآةَ نفسِك وخادِمَةَ فراشك ، لأنها ضعيفةٌ ، ولأنَّ اللهَ قد وكلَ أمرها إليك .
ارحم الحيوان ، لأنَّهُ يُحِسَّ كما تُحس ، ويتألَّمُ كما تَتَألم ، ويبكي بغير دموع ، ويتوجَّعُ ولا يكادُ يُبينُ .
أيها السعَدَاءُ :
أَحْسِنُوا إلى البائسين والفقراءِ ، وامسحُوا دموعَ الأشقياءِ ، وارحمُوا مَنْ في الأرض يرحمْكُم مَنْ في السماءِ .