رجـــــــل أمـــــن دولـــــــة ( روايــــــــــة ) أكثر من عشرين حلقة
***************
الحلقة الأولى
***************
.. (( هل أنا مجنون حقا ؟؟ .. ))
نطق بها رجل متوسط الطول عادي الملامح والملابس ممدد على سرير وثير مريح ملمسه يبعث على الرغبة في النوم السريع ..
ومن بين ضوء الحجرة الخافت وعلى كرسي مجاور له رد عليه الدكتور عمرو المعداوي وهو يعدل منظاره قائلا ..
.. (( بالطبع لا .. ولكن أن نحمّل الأمور أكثر مما تستحق ونضعها في مواضع هي أبسط منها بكثير هو الخطوة الأولي في الوسواس القهري .. وهو مرض نفسي خطير .. علاجه يحتاج الى مراحل شتى .. أما أنت فالحمد لله كنت من القلة في مجتمعاتنا التي تتعامل مع المرض النفسي بعلم وعقل وأتيت الينا فور ظهور بوادره .. لهذا أطمئنك فالأمر أكثر من بسيط .. ))
ظل الدكتور عمرو أكثر من ساعة في تلك الجلسة العلاجية يحاور مريضه .. وعندما انتهى منها قام يلملم أشيائه عازما الاياب الى شقته ..
استقل الدكتور عمرو سيارته البسيطة وانطلق بها وعينه تلمح اسم المركز الكبير لعلاج الأمراض العقلية والنفسية وهو يتألق بعدة ألوان متتابعه .. وبأسفله اسم عالم النفس الشهير والذي مجرد ذكر اسمه يبعث على الكثير من الفخر لمجرد التعرف به .. فما بالك بمن يعمل عنده في ذلك المركز ..
كان عمرو من القلة النابغة في الجامعة ومن أوائل دفعته في كلية الطب .. وبالرغم من أنه كان يمكنه التخصص وبسهولة في كثير من التخصصات الشهيرة والتي يلجأ اليها معظم إن لم يكن كل الأطباء حديثي التخرج لأنها تدر الربح السريع .. إلا أنه اختار مجال طب النفس لعشقه ووله به ..
وكان هذا مبعث عجب واستغراب كل معارفه ..
فمجال طب النفس في الأوطان العربية مجال مهمل جدا وله سمعة غريبة ..
فالكل يعتقد بأن من يذهب الى الطبيب النفسي إما مجنون فقد عقله ويسير في الطرقات يحدث أشخاصا وهميين وهو يرتدي أدوات المطبخ على رأسه .. أو أنها إحدى المراحل التي يمر بها البحث عن علاج لإحدى حالات المس من الجن ..
وتكون فضيحة مدوية أن يعلم شخص بأنك ذاهب الى طبيب نفسي ..
من السهل عليك وأنت تعدد مشاغلك في يوم من الأيام بأنك ستفعل كذا وكذا ومساءا ستذهب الى طبيب الأسنان أو طبيب الأمراض الصدرية .. أما أن تقول وسط كلامك سأذهب للجلسة العلاجية عند الطبيب النفسي .. ستجد الشفاه تمصمص والحواجب ترتفع وتنضم في حركات متتابعة تدل على العجب ثم الشفقة وقد يستحى أن يسألك لماذا أنت ذاهب كي لا يجبرك على النطق بأنك قد فقدت عقلك وجننت وأصبحت تطارد الأطفال في الطرقات ولسانك يتدلى منك ..
ولهذا في مجتمعاتنا العربية لا تذهب الحالة الى الطبيب النفسي الا بعد فوات الأوان وقد أصبحت الحالة مستعصية أو أنها قد تعقدت بشكل أصبح علاجها مستصعب للغاية .. مع أنهم لو ذهبو قبل ذلك بوهلة أو عند ظهور التغير لأصبح من السهل جدا الشفاء التام ..
وبهذا أصبح التخصص في مجال الطب النفسي هو تخصص لمن لم يجد تخصصا آخر يلتحق به وغالبا يكن هذا كي يلحق الطبيب بوظيفة جامعية ولم يؤهله ترتيبه لأي تخصص آخر فيجبر عليه ويكفيه فيما بعد لقب استاذ جامعي .. وأغلبهم يقوم بالعمل في الجامعة في مجال الطب النفسي ويقوم بدراسة تخصص الأمراص العصبية ويفتتح عيادته في هذا المجال ويبتعد تماما عن ذكر مجال الطب النفسي ..
فالحالة الاقتصادية في بلادنا والعسر الذي يطحن كل الآمال والمواهب قام بتغيير تفكير الشريحة الكبرى من المجتمع إن لم يكن كله ..
لهذا من النادر أن تجد مبدعا في أي مجال من المجالات الآن .. فالابداع يحتاج العشق والوله بالمجال الذي تعمل به ..
أما الآن فاختيار العمل لا علاقة له بحبك أو عشقك لمجالك إنما لمدى عائده المادي ..
ولهذا كان عمرو المعداوي من القلة التي أفلتت من هذا التفكيير ..
فما يهمه هو عمله بمجال يعشقه لأنه بهذا قادر بسهولة أن يبرز فيه بعد أن يعطيه كل ملكاته ..
ولهذا كان بروز اسمه وسطوعه سريعا .. فمن ناحية كان عمرو يتبع التيار الاسلامي بالجامعة .. ومن ناحية أخرى أصبح هو تابع لأعضاء هيئة التدريس بها ..
ولهذا بدأ يصبغ عمله بفكره الاسلامي الخالص
كانت رسالة الماجستير عن سبل علاج الأمراض العضوية الناتجة عن الحالة النفسية منذ فجر التاريخ .. وجعل قصة حزن سيدنا يعقوب على فقد ولده يوسف والذي بسبب شدة الحزن عليه أصيب بمرض المياة البيضاء وفقد القدرة على الابصار ..
وكانت رسالة الدكتوراه عن القدرة على العلاج النفسي لمجرد سماع القرآن الكريم ..
ولهذا بدلا من جعل الموسيقى الهادئة هي الخلفية العلاجية للجلسات النفسية جعل آيات الذكر الحكيم وبصوت رخيم ليست مجرد تهيئة لجو مناسب للجلسة وإنما أحد أهم طرق العلاج
ولأن افتتاح عيادة لعلاج الأمراض النفسية من الأمور المستعصية لعدم رواج العلاج النفسي .. فقد سعى أن يعمل في أحد المراكز الشهيرة وكم كانت سعادته أن كانت موافقة العالم الشهير على عمله لديه .. فقد كانت هذه أولى الخطوات لنيل العلم على يديه ثم الارتقاء وتحقيق ما يصبو اليه من أحلام ..
يتبع
أسعد بقراءة تعليقاتكم عن الرواية ومعرفة ردود أفعالكم نحوها
************************************************** ********************************
وهل أقوم بأكمالها ولا لأ
***************
ولكم مني جميل الشكر>:D<>:D<>:D<
محمد محمد محمد