ما أعد الله فى الجنه لآخر رجل يخرج من النار
http://img683.imageshack.us/img683/6568/9sb3w6.png
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه وهديه إلى يوم الدين
ثم أما بعد
ماهانت الدنيا فى قلوب أصحاب نبينا إلا بعد ماعلموا عظمة ما أعد الله لهم
فباعوها بثمن بخس وأشتروا ما أعده الله وحققوا :
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا
فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ
فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111 سورة التوبه
فكانت الثقة فى المشترى عظيمه لأنهم يعلمون :
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)
سورة النساء
وحث الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم على البيع وشهد عليه وحضهم
على البذل ورغبهم فى عظمة البدل من الله عز وجل
حتى حدث عن آخر رجل يدخل الجنه وذلك فيما رواة البخارى قال :
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا
وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ كَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ
اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى
فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى فَيَقُولُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّة
َ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا
مَلْأَى فَيَقُولُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا
أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ تَسْخَرُ مِنِّي أَوْ تَضْحَكُ مِنِّي وَأَنْتَ الْمَلِكُ
فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ
وَكَانَ يَقُولُ ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً
وكما رواه الإمام مسلم فى صحيحه
- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ
قَالَ عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا
وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ حَبْوًا
فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى
فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّة
َ قَالَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى
فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا
أَوْ إِنَّ لَكَ عَشَرَةَ أَمْثَالِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي
أَوْ أَتَضْحَكُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ فَكَانَ يُقَالُ ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَة
وقد اسهب النووى رحمه الله فى شرحه على صحيح مسلم
قَوْله : ( حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَة وَإِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِيُّ كِلَيْهِمَا )
هَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَم الْأُصُول كِلَيْهِمَا بِالْيَاءِ ،
وَوَقَعَ فِي بَعْضهَا كِلَاهُمَا بِالْأَلْفِ مُصَلَّحًا وَقَدْ قَدَّمْت
فِي الْفُصُول الَّتِي فِي أَوَّل الْكِتَاب بَيَان جَوَازه بِالْيَاءِ .
قَوْله عَنْ عَبِيدَةَ )
هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن وَهُوَ عَبِيدَةَ السَّلَمَانِيّ .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَجُل يَخْرُج مِنْ النَّار حَبْوًا )
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( زَحْفًا ) ، قَالَ أَهْل اللُّغَة
الْحَبْو : الْمَشْي عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ ، وَرُبَّمَا قَالُوا : عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ ،
وَرُبَّمَا قَالُوا : عَلَى يَدَيْهِ وَمَقْعَدَته .
وَأَمَّا الزَّحْف : فَقَالَ اِبْن دُرَيْدٍ وَغَيْره : هُوَ الْمَشْي عَلَى الِاسْت مَعَ إِفْرَاشه بِصَدْرِهِ ،
فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ الْحَبْو الزَّحْف مُتَمَاثِلَانِ أَوْ مُتَقَارِبَانِ
وَلَوْ ثَبَتَ اِخْتِلَافهمَا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ فِي حَالٍ يَزْحَف ،
وَفِي حَالٍ يَحْبُو . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( فَيَقُول اللَّه تَعَالَى لَهُ اِذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّة فَإِنَّ لَك مِثْل الدُّنْيَا وَعَشَرَة أَمْثَالهَا )
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( لَك الَّذِي تَمَنَّيْت وَعَشَرَة أَضْعَاف الدُّنْيَا )
هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد ، وَإِحْدَاهُمَا تَفْسِير الْأُخْرَى ،
فَالْمُرَاد بِالْأَضْعَافِ الْأَمْثَال فَإِنَّ الْمُخْتَار عِنْد أَهْل اللُّغَة أَنَّ الضِّعْف الْمِثْل .
قَوْله : ( أَتَسْخَرُ بِي أَوْ تَضْحَك بِي وَأَنْتَ الْمَلِك ؟ )
هَذَا شَكّ مِنْ الرَّاوِي هَلْ قَالَ : أَتَسْخَرُ بِي ،
أَوْ قَالَ : أَتَضْحَكُ بِي ، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِع فِي نَفْس الْأَمْر أَتَضْحَكُ بِي ؟
فَمَعْنَاهُ : أَتَسْخَرُ بِي ؛ لِأَنَّ السَّاخِر فِي الْعَادَة يَضْحَك مِمَّنْ يَسْخَر بِهِ ،
فَوَضَعَ الضَّحِك مَوْضِع السُّخْرِيَة مَجَازًا وَأَمَّا مَعْنَى ( أَتَسْخَرُ بِي ) ؟
هُنَا فَفِيهِ أَقْوَال :
أَحَدهَا : قَالَهُ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْمُقَابَلَة الْمَوْجُودَة فِي مَعْنَى الْحَدِيث دُون لَفْظه ؛
لِأَنَّهُ عَاهَدَ اللَّه مِرَارًا أَلَّا يَسْأَلهُ غَيْر مَا سَأَلَ ثُمَّ غَدَرَ فَحَلَّ غَدْره مَحَلّ الِاسْتِهْزَاء وَالسُّخْرِيَة ،
فَقَدَّرَ الرَّجُل أَنَّ قَوْل اللَّه تَعَالَى لَهُ : اُدْخُلْ الْجَنَّة ،
وَتَرَدُّده إِلَيْهَا وَتَخْيِيل كَوْنهَا مَمْلُوءَة ضَرْب مِنْ الْإِطْمَاع لَهُ
وَالسُّخْرِيَة بِهِ جَزَاء لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَدْره وَعُقُوبَة لَهُ ،
فَسُمِّيَ الْجَزَاء عَلَى السُّخْرِيَة سُخْرِيَة ، فَقَالَ أَتَسْخَرُ بِي أَيْ : تُعَاقِبنِي بِالْإِطْمَاعِ .
وَالْقَوْل الثَّانِي : قَالَهُ أَبُو بَكْر الصُّوفِيّ إِنَّ مَعْنَاهُ : نَفْي السُّخْرِيَة الَّتِي لَا تَجُوز عَلَى اللَّه تَعَالَى
كَأَنَّهُ قَالَ : أَعْلَم أَنَّك لَا تَهْزَأ بِي لِأَنَّك رَبّ الْعَالَمِينَ ،
وَمَا أَعْطَيْتنِي مِنْ جَزِيل الْعَطَاء وَأَضْعَاف مِثْل الدُّنْيَا حَقّ ، وَلَكِنَّ الْعَجَب أَنَّك
أَعْطَيْتنِي هَذَا وَأَنَا غَيْر أَهْل لَهُ ،
قَالَ : وَالْهَمْزَة فِي أَتَسْخَرُ بِي هَمْزَة نَفْي ،
قَالَ : وَهَذَا كَلَام مُنْبَسِط مُتَدَلِّل .
وَالْقَوْل الثَّالِث : قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاض : أَنْ يَكُون هَذَا الْكَلَام صَدَرَ مِنْ هَذَا الرَّجُل
وَهُوَ غَيْر ضَابِط لِمَا قَالَهُ لِمَا نَالَهُ مِنْ السُّرُور بِبُلُوغِ مَا لَمْ يَخْطِر بِبَالِهِ ،
فَلَمْ يَضْبِط لِسَانه دَهَشًا وَفَرَحًا فَقَالَهُ وَهُوَ لَا يَعْتَقِد حَقِيقَة مَعْنَاهُ ،
وَجَرَى عَلَى عَادَته فِي الدُّنْيَا فِي مُخَاطَبَة الْمَخْلُوق ،
وَهَذَا كَمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُل الْآخَر :
أَنَّهُ لَمْ يَضْبِط نَفْسه مِنْ الْفَرَح فَقَالَ : أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبّك . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الرِّوَايَات ( أَتَسْخَرُ بِي ) وَهُوَ صَحِيح يُقَال :
سَخِرْت مِنْهُ وَسَخِرْت بِهِ ، وَالْأَوَّل هُوَ الْأَفْصَح الْأَشْهَر ، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآن .
وَالثَّانِي فَصِيح أَيْضًا وَقَدْ قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء :
إِنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ بِالْيَاءِ لِإِرَادَةِ مَعْنَاهُ كَأَنَّهُ قَالَ : أَتَهْزَأُ بِي . وَاَللَّه أَعْلَم .
وقد أورد بن حجر العسقلانى رحمه الله فى شرحه لصحيح البخارى فقال
قَوْله ( جَرِير )هُوَ اِبْن عَبْد الْحَمِيد ،وَمَنْصُورهُوَ اِبْن الْمُعْتَمِر ،
وَإِبْرَاهِيمهُوَ النَّخَعِيُّ ،وَعُبَيْدَة
بِفَتْحِ أَوَّله هُوَ اِبْن عَمْرو ، وَهَذَا السَّنَد كُلّه كُوفِيُّونَ .
قَوْله ( إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِر أَهْل النَّار خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِر أَهْل الْجَنَّة دُخُولًا فِيهَا )
قَالَ عِيَاض : جَاءَ نَحْو هَذَا فِي آخِر مَنْ يَجُوز عَلَى الصِّرَاط
يَعْنِي كَمَا يَأْتِي فِي آخِر الْبَاب الَّذِي يَلِيه قَالَ :
فَيَحْتَمِل أَنَّهُمَا اِثْنَانِ إِمَّا شَخْصَانِ وَإِمَّا نَوْعَانِ أَوْ جِنْسَانِ ،
وَعُبِّرَ فِيهِ بِالْوَاحِدِ عَنْ الْجَمَاعَة لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْحُكْم الَّذِي كَانَ سَبَب ذَلِكَ ،
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْخُرُوج هُنَا بِمَعْنَى الْوُرُود وَهُوَ الْجَوَاز عَلَى الصِّرَاط
فَيَتَّحِد الْمَعْنَى إِمَّا فِي شَخْص وَاحِد أَوْ أَكْثَر .
قُلْت : وَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ رِوَايَة أَنَس عَنْ اِبْن مَسْعُود مَا يُقَوِّي الِاحْتِمَال الثَّانِي وَلَفْظه
" آخِر مَنْ يَدْخُل الْجَنَّة رَجُل فَهُوَ يَمْشِي مَرَّة وَيَكْبُو مَرَّة وَتَسْفَعُهُ النَّار مَرَّة ،
فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا اِلْتَفَتَ إِلَيْهَا فَقَالَ : تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْك "
وَعِنْد الْحَاكِم مِنْ طَرِيق مَسْرُوق عَنْ اِبْن مَسْعُود مَا يَقْتَضِي الْجَمْعَ .
قَوْله ( حَبْوًا )
بِمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَة أَيْ زَحْفًا وَزْنه وَمَعْنَاهُ .
وَوَقَعَ بِلَفْظِ " زَحْفًا " فِي رِوَايَة الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم عِنْد مُسْلِم .
قَوْله ( فَإِنَّ لَك مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشْرَةَ أَمْثَالهَا أَوْ إِنَّ لَك مِثْلَ عَشْرَة أَمْثَال الدُّنْيَا )
وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش " فَيُقَال لَهُ أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الَّذِي كُنْت فِيهِ - أَيْ الدُّنْيَا –
فَيَقُول : نَعَمْ ، فَيُقَال لَهُ : تَمَنَّ ، فَيَتَمَنَّى " .
قَوْله ( أَتَسْخَرُ مِنِّي أَوْ تَضْحَك مِنِّي )
وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش " أَتَسْخَرُ بِي " وَلَمْ يَشُكّ ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَة مَنْصُور ،
وَلَهُ مِنْ رِوَايَة أَنَس عَنْ اِبْن مَسْعُود " أَتَسْتَهْزِئُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ "
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ : هَذَا مُشْكِل ، وَتَفْسِير الضَّحِك بِالرِّضَا لَا يَتَأَتَّى هُنَا ،
وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ عَادَة الْمُسْتَهْزِئِ أَنْ يَضْحَك مِنْ الَّذِي اِسْتَهْزَأَ بِهِ ذَكَرَ مَعَهُ ،
وَأَمَّا نِسْبَة السُّخْرِيَة إِلَى اللَّه تَعَالَى فَهِيَ عَلَى سَبِيل الْمُقَابَلَة
وَإِنْ لَمْ يَذْكُرهُ فِي الْجَانِب الْآخَر لَفْظًا لَكِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ عَاهَدَ مِرَارًا وَغَدَرَ
حَلَّ فِعْله مَحَلّ الْمُسْتَهْزِئ وَظَنَّ أَنَّ فِي قَوْل اللَّه لَهُ " اُدْخُلْ الْجَنَّة "
وَتَرَدُّدِهِ إِلَيْهَا وَظَنِّهِ أَنَّهَا مَلَأَيْ نَوْعًا مِنْ السُّخْرِيَة بِهِ جَزَاء عَلَى فِعْلِهِ
فَسَمَّى الْجَزَاء عَلَى السُّخْرِيَة سُخْرِيَة ،
وَنَقَلَ عِيَاض عَنْ بَعْضهمْ أَنَّ أَلِفَ أَتَسْخَرُ مِنِّي
أَلِف النَّفْي كَهِيَ فِي قَوْله تَعَالَى ( أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا )
عَلَى أَحَد الْأَقْوَال ، قَالَ : وَهُوَ كَلَامُ مُتَدَلِّلٍ عَلِمَ مَكَانه مِنْ رَبّه وَبَسْطَهُ لَهُ بِالْإِعْطَاءِ .
وَجَوَّزَ عِيَاض أَنَّ الرَّجُل قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ غَيْر ضَابِط لِمَا قَالَ
إِذْ وَلَهَ عَقْله مِنْ السُّرُور بِمَا لَمْ يَخْطِر بِبَالِهِ ،
وَيُؤَيِّدهُ أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْض طُرُقه عِنْد مُسْلِم لَمَّا خَلَصَ مِنْ النَّار "
لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّه شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ
" وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " أَكْثَرُوا فِي تَأْوِيله ،
وَأَشْبَهَ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ اِسْتَخَفَّهُ الْفَرَح وَأَدْهَشَهُ فَقَالَ ذَلِكَ ،
وَقِيلَ قَالَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ خَافَ أَنْ يُجَازَى عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا
مِنْ التَّسَاهُل فِي الطَّاعَات وَارْتِكَاب الْمَعَاصِي كَفِعْلِ السَّاخِرِينَ ،
فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَتُجَازِينِي عَلَى مَا كَانَ مِنِّي ؟
فَهُوَ كَقَوْلِهِ سَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ وَقَوْله اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ
أَيْ يُنْزِلُ بِهِمْ جَزَاء سُخْرِيَتِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ
وَسَيَأْتِي بَيَان الِاخْتِلَاف فِي اِسْم هَذَا الرَّجُلِ فِي آخِرِ شَرْحِ حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ .
قَوْله ( ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذه )
بِنُونٍ وَجِيمٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ جَمْع نَاجِذٍ ،
تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي كِتَاب الصِّيَام ، وَفِي رِوَايَة اِبْن مَسْعُود
" فَضَحِكَ اِبْن مَسْعُود فَقَالُوا : مِمَّ تَضْحَك ؟
فَقَالَ : هَكَذَا فَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
حِين قَالَ الرَّجُل : أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي ؟ قَالَ : لَا أَسْتَهْزِئ مِنْك وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاء قَادِر "
قَالَ الْبَيْضَاوِيّ : نِسْبَة الضَّحِك إِلَى اللَّه تَعَالَى مَجَاز بِمَعْنَى الرِّضَا ،
وَضَحِكُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَقِيقَته ،
وَضَحِكُ اِبْن مَسْعُود عَلَى سَبِيل التَّأَسِّي .
قَوْله ( وَكَانَ يُقَال : ذَلِكَ أَدْنَى أَهْل الْجَنَّة مَنْزِلَة )
قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : لَيْسَ هَذَا مِنْ تَتِمَّة كَلَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَلْ هُوَ مِنْ كَلَام الرَّاوِي نَقْلًا عَنْ الصَّحَابَة أَوْ عَنْ غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْعِلْم .
قُلْت : قَائِل " وَكَانَ يُقَال " هُوَ الرَّاوِي كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ،
وَأَمَّا قَائِل الْمَقَالَة الْمَذْكُورَة فَهُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
ثَبَتَ ذَلِكَ فِي أَوَّل حَدِيث أَبِي سَعِيد عِنْد مُسْلِم وَلَفْظه
" أَدْنَى أَهْل الْجَنَّة مَنْزِلَة رَجُل صَرَفَ اللَّه وَجْهَهُ عَنْ النَّار
" وَسَاقَ الْقِصَّة ، وَفِي رِوَايَة لَهُ مِنْ حَدِيث الْمُغِيرَة أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ رَبّه عَنْ ذَلِكَ ،
وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيق هَمَّام عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
أَدْنَى مَقْعَد أَحَدكُمْ مِنْ الْجَنَّة أَنْ يُقَال لَهُ تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى وَيَتَمَنَّى فَيُقَال إِنَّ لَك مَا تَمَنَّيْت وَمِثْلَهُ مَعَهُ
يتبع إن شاء الله