أساطيل الحرية ومساطيل السلام
لا شك أننا مسؤولون مسؤولية كاملة لما حدث لهولاء الشرفاء الذين قرروا أن يهدوا لغزة الحرية و يكسروا عنها الحصار، ذلك الحصار الذي كنا ـ وذلك من عجائب الدنيا وغرائب الأخبار ـ طرفا فيه ،ولا ننسى ولا يصح لنا أن ننسى أننا أيضًا من أوصدنا أمامهم الأبواب بعد أن أوصدها سادتنا الكبارـ بجدار العار والشنار ودناءة الأفكار ـ على أهلنا وإخوتنا وفلذات أكبادنا في غزة دون أن نهمس أو ننبس أو نتنحنح اعتراضًا واشمئزازًا ونفورًا من فكرة الجدار الدنيئة . هذه هي الحقيقة التي لا يمكن أن ينكرها عاقل إلا إذا جن من مرارة الصدمة وهول المصيبة . لذلك ينبغي أن تكون تلك الدماء الزكية التي نزفت من أجل حرية غزة بعثًا لحريتنا جميعا وأن تكون إنسانية أصحابها العميقة والشفيفة إنذارًا وتهديدًا لأنانيتنا الصفيقة والمخيفة ، إن هذه الدماء لن تضيع إلا إذا بقينا نحن في حالة الضياع وتلك الأرواح البريئة لن تسامحنا إلا بعد أن يسامحنا أهل غزة جميعًا ( أطفالهم وشيوخهم ...رجالهم ونساؤهم ) ويا له من مطلب صعب .
إن هذه الدماء الغالية تحمل رسالة شديدة اللهجة لضمائرنا التي غفت ولنفوسنا التي استكانت واستهانت واستبد بها الخوف وصارت محاصرة كحصار غزة أو أشد .
لقد صارت الكلمات الآن ـ كل الكلمات ـ غثة وباردة ومبتذلة ، ولم يعد لها معنى ، ولن يكون لها أي تأثير
ما لم تأت مقرونة وملتصقة و مصاحبة للفعل الذي يشعرنا بأننا أحياء ، وأننا قادرون على الغضب ، وأننا لسنا عاجزين ولا مجبرين على الرضا والالتزام والقبول بالواقع المر الذي يفرضه علينا كيان لا يمكن له أن يحيا سوى بإضعافنا ولن يبقى سوى بإسكاتنا وسحق ضمائرنا وبذر الخوف والرعب في نفوسنا .
إنها فرصة ـ ربما لن تتكرر ـ لاستعادة الروح واسترداد الكرامة فإما أن نصحو وننتبه ونفيق وننضم إلى أساطيل الحرية ، وإما أن نبقى كما نحن مساطيل للسلام المزعوم .