رسالة إلى الإخشيد
كثيرة ورائعة وقوية مجموعة الحكم والمواعظ والأشعار والرسائل المنثورة في تراثنا العربي والتي وجهت للحكام وواجهتهم وحاولت أن تحيي ضمائرهم وأن تبعث بداخلها الشعور بروعة العدل وبشاعة الظلم ودناءة الظالمين ، ومن هذا الفيض الهائل في حجمه وشكله ومضمونه ، كانت هناك رسالة أظن أن لها شكلاً وثأثيرًا وطابعًا ومذاقًا مختلفًا ، وأعتقد أنها تجبر من يقرأها على أن ينفعل بكلماتها ويتفاعل مع تعبيراتها ويتأثر بصورها ربما لأنها تعبر ببراعة وبنصاعة وبألم عن الواقع الذي عايشه كاتبها والذي قد يرى فيه القارئ صورة لواقعه كما يرى فيها وصفًا لمشاعره وتعبيرًا عن أحاسيسه، ورغم أن هذه الرسالة كانت موجزة إلا أنها قالت كل ما يمكن أن يقال في زمانها ، كما قالت الكثير مما يمكن أن يقال في أزمنة أخرى ، وقد حملت هذه الرسالة ـ رغم كلماتها القليلة ـ فيضًََا زاخرًا من المعاني والأفكار والمشاعر الملتهبة ، واتكأت على المفارقة التي تعمق من بشاعة الصور، ونقلت بتعبيراتها وتراكيبها أحاسيس المظلومين العاجزين عن أن يفعلوا والناقمين على ما يفعل بهم بدقة وبعنف .
إن كاتب هذه الرسالة هو رجل مصري آلمته أوضاع الناس في عصره ، واشتد ألمه وهو يقارن بين حياة المحكومين وما يعانونه من فقر وألم وبين حياة الحاكمين وما يتمتعون به من ترف ونعم ، فقرر أن يكتب هذه الرسالة ويرميها في دار الإخشيد حاكم مصر في ذلك الوقت ، وقال له فيها :
" قدرتم فأسأتم وملكتم فبخلتم ، ووسع الله عليكم فضيقتم ، وادرت لكم الأرزاق فضيقتم أرزاق العباد ، واغتررتم بصفو أيامكم ولم تفكروا في عواقبكم . واشتغلتم بالشهوات واغتنام اللذات ، وتهاونتم بسهام الأسحار ، وهي صائبات ـ يقصد دعاء الداعين في السحر ـ ولا سيما إن خرجت من قلوب قرحتموها ، وأكباد أجعتموها ، وأجساد عريتموها ، ولو تأملتم حق التأمل لانتبهتم أو ما علمتم أن الدنيا لو بقيت لعاقل ما وصل إليها الجاهل ، ولو دامت لمن مضى ما نالها من بقي ، فكفى بصحبة ملك يكون بزوال ملكه فرح العالم ، ومن المحال أن يموت المنتظرون كلهم حتى لا يبقى منهم أحد ويبقى المنتظر به ، افعلوا ما شئتم فإنا صابرون ، وجوروا فإنا بالله مستجيرون ، وثقوا بقدرتكم وسلطانكم فإنا بالله واثقون . وهو حسبنا ونعم الوكيل " أ.هـ .
" كفى بصحبة ملك يكون بزوال ملكه فرح العالم ".......ترى بماذا شعر الإخشيد بعد أن قرأ هذه الرسالة ؟!!!
مدون خواطر من شاب عربي http://drshazlyarman.blogspot.com/