ما يبكيك يا امير المؤمنين
ادى عمر بن الخطاب صلاة الفجر ذات يوم ثم تطلع من ورائه الى الناس ناظرا اليهم فوجد المصلى حاشدا يموج بالراكع و الساجد والمسبح والمرتل و نظر غير بعيد فلمح متمم بن نويرة يجلس فى زاويه هادئه من زوايا المسجد وقد وضع راسه بين يديه كمن يفكر فى شجن مرير فنهض امير المؤمنين عمر من مكانه و دنى منه فحياه فى تواضع و اخذ يساله عن نفسه و معاشه و بيته و استنشده متمم بن نويرة بابيات شعر قالها فى رثاء اخيه مالك بن نويرة و عمر الاديب الروايه يهتز للمعنى الطيب و يهش للتغير الصادق و يلمس باحساسه الادبى ما وراء هذه الزفرات المنظومة من مشاعر لهبة تذوب اسى وتغلى اضطراما فى نفس متمم على فقدان اخيه ثم انحدرت دمعتان ساخنتان على خد الخليفة العادل الفاروق عمر فتطلع اليه متمم و سال متعجبا ما يبكيك يا امير المؤمنين فقال عمر فى صوت تحنقه العبرة و تعوقه الزفرة يا متمم وددت انى كنت شاعرا فارثى اخى ذيد بن الخطاب ثم قال عمر
وكنا كندمانى جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كانى ومالكا ... على طول وصل لم نبت ليلة معا
فتطلع متمم الى عمر متحيرا ثم اسعفه خاطرة المؤمن فقال هنيئا لك يا امير المؤمنين ان رزق اخوك الشهاده فى سبيل الله فلقى الجنه راضيا مرضيا ولو مات اخى مالك على مثل ما مات عليه ذيد بن الخطاب ما ريثته ببيت واحد اذ راح ينعم برضوان الله فانطلق بالبشر وجه الفاروق سريعا وقال والله ما عزانى احد بمثل ما عزانى متمم بن نويرة
هؤلاء ابطال عقيدة و كفاح يا امير المؤمنين