جزانا الله واياكم
شكرا لمروركم
وفقنا الله واياكم الى ما يحبه ويرضاه
اسم الله : القاهر (1)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( القاهر ) :
1 ـ القاهر علمٌ مع الدلالة على كمال الوصفية :
أيها الإخوة الأكارم ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، وهو اسم ( القاهر ) ، وقد سمى الله نفسه ( القاهر ) ، مراداً به العلمية ، ودالاً على كمال الوصفية .
2 ـ ثبوت اسم القاهر في الكتاب العزيز :
وقد ورد هذا الاسم في موضعين فقط في القرآن الكريم ، ولم يرِد في السنة ، قال تعالى :
﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾
( سورة الأنعام )
وقال تعالى :
﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾
( سورة الأنعام )
أسماء الله كلها حسنى :
أيها الإخوة ، الله جل جلاله له أسماء جلال ، وله أسماء كمال ، والإنسان يحب القوي ، يحب أن يكون مع القوي ، يحب أن يكون تابعاً لقوي ، يحب أن يعتز بالقوي ، يحب أن يلجأ إلى القوي ، وأسماء الله كلها حسنى ، وصفاته كلها فضلى .
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية : 180 )
نحن في حياتنا اليومية قد نجد صديقاً طيباً جداً ، لكنه ضعيف ، نعجب بطيبه ، ولا يعجبنا ضعفه ، وقد نجد إنساناً قوياً ، لكنه ليس بطيب ، لا تعجبنا قوته مع خبثه ، ولا يعجبنا طيب هذا الإنسان مع ضعفه ، فمتى نعجب بإنسان ؟ إذا كان في الوقت نفسه من القوة حيث لا يستطيع أحد ينال منه ، ومن الطيب والكمال حيث تتعلق النفوس به ، هذا هو الكمال المطلق ؛ أن تكون قوياً ، وأن تكون كاملاً .
﴿ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ﴾
( سورة التغابن الآية : 1 )
هناك إنسان له الملك ، لكن ليس له الحمد ، وإنسان له الحمد ، لكن ليس له الملك ، فلذلك الكمال البشري يتعلق بالكمال الإلهي ، وأجمل شيء في حياة المؤمن أنه مع القوي ، وأنه مع الغني ، وأنه مع العليم ، وأنه مع الرحيم ، وانتماء المؤمن إلى الله عز وجل انتماء حقيقي .
إذا كان الله معك كنتَ أقوى الناس :
كيف أن الإنسان أحياناً يكون ابن ملِك ، كيف يشعر في بلد طويل عريض ؟ في بلد فيه مؤسسات ، فيه وزارات ، فيه جيش ، فيه شرطة ، لأنه ابن الملك يشعر باعتزاز ، يشعر أن قوته من قوة الملك ، يشعر أن كرامته من كرامة الملك ، صدقوا أيها الإخوة ، هذا شعور المؤمن مع الله عزوجل .
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
لا بد من أن تحب ، ومن طبيعة البشر أن يحب البشر ، ولكن البطولة من تحب ؟ من توالي ؟ من تعظم ؟ المؤمن يحب الله ، ويتعامل مع الخلق جميعاً ، وقلبه لله عز وجل .
سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لكان أبو بكر خليلي ، ولكن أخ وصاحب في الله )) .
3 ـ صفة القهر صفة كمال مطلق لله تعالى :
يعتز بالله ، الله عز وجل هو ( القاهر ) ، لكنه كامل ، لا يقهر إلا الظالمين ، فقد تلتقي بقوي يقهر الطيبين ، ينتقم من المؤمنين ، لكن الله عز وجل كامل كمال مطلق .
لا إله إلا أنت الحليم الكريم ، لا إله إلا أنت القوي الوحيد ، لا معبود بحق إلا الله ، لا معطي ، ولا مانع ، ولا معز ، ولا مذل إلا الله ، هو القوي ، لكنه رحيم ، قوي لكنه عدل ، قوي لكنه عليم ، قوي لكنه حكيم ، القوة مطلوبة مع الكمال ، والذي نلاحظه أحياناً أن العالم الإسلامي معه وحي ، معه حق ، معه قرآن ، معه تعليمات الصانع ، لكنه ضعيف .
لذلك انصرف الناس عن المسلمين لأنهم ضعاف ، وقد يقول قائل : ما نصيبك من هذا الاسم ؟ يجب أن تكون قوياً .
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
( سورة الشورى )
ما منا واحد إلا ويعتز بالبطل صلاح الدين الأيوبي ، حينما انتصر على 27 جيشاً من جيوش الفرنجة ، ودخل القدس ، وقام خطيب القدس يذكر بعض الآيات الكريمة التي تبين أنه قد انقضى عهد الظالمين .
أيها الإخوة ، الإنسان يحب الله ، لأن الله كامل وقوي ، ( قاهر ) ، كماله يمنعه أن يقهر الطيبين .
بالمناسبة : حيثما جاءت ( على ) مع لفظ الجلالة فتعني الإلزام الذاتي ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
( سورة هود )
﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾
( سورة هود الآية : 6 )
حيثما جاءت ( على ) مع لفظ الجلالة فتعني أن الله عز وجل ألزم نفسه بهذا الكمال .
4 ـ معنى ( القاهر ) في اللغة :
أيها الإخوة ، ( القاهر ) في اللغة اسم فاعل مِن قهر يقهر قهراً فهو قاهرٌ ، وقهرت الشيء غلبته ، وعلوت عليه مع إذلاله بالاضطرار ، تقول : أخذتهم قهراً ، أي من غير رضاهم ، وأُقهر الرجل إذا وجدته مقهوراً ، أو صار أمره إلى ذل ، وإلى صغار ، وعند الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن يأجوج ومأجوج :
(( قَهَرْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ ، وَعَلَوْنَا مَنْ فِي السَّمَاءِ قَسْوَةً وَعُلُوًّا )) .
[ الترمذي عن أبي هريرة ]
النقطة الدقيقة جداً في هذا الاسم : أن الله كامل ، لا يقهر إلا الظالمين ، إلا المنحرفين ، إلا المتغطرسين ، وحينما يرى الإنسان غطرسة لا تحتمل ، وعلواً في الأرض لا يحتمل ، وسفكاً في الدماء لا يحتمل ، وانتهاكاً للحرمات لا يحتمل ، مثل هذا الإنسان إذا رأى قوة بطشت ، وأنهت هذا الظلم ، أنهت هذا العدوان ، أنهت هذا الطغيان يرتاح أشد الراحة ، هذا معنى اسم ( القاهر ) الذي هو من أسماء الله الحسنى .
5 ـ القهَّار صيغة مبالغة لاسم ( القاهر ) في الشرع :
وهذا المعنى أيضاً يلتقي مع اسم القهار ، القهار صيغة مبالغة ، ( القاهر ) اسم فاعل من قهر ، بينما القهار صيغة مبالغة لاسم الفاعل ، وقد بينت كثيراً أن صيغة المبالغة إن جاءت مع أسماء الله الحسنى فتعني شيئاً آخر ، تعني أن الله يقهر أكبر قوة مهما عتت وعلت وبغت .
هناك قوى في الشرق كانت تملك من القنابل النووية ما تستطيع أن تبيد القارات الخمس خمس مرات ، وقد قهرها الله عز وجل ، وأصبحت في الوحل .
فلذلك يقول الله عز وجل :
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾
( سورة الإسراء )
القهار يقهر أكبر قوة تظنها لا تقهر ، لذلك قالوا : عرفت الله من نهض العزائم ، وفي حالات كثيرة ترى إنسانا متغطرسا جبارا ، يتلذذ بقتل الأبرياء ، وانتهالك الحرمات ، يتلذذ بهدم البيوت ، لا يموت ، وفي صورة أخيرة لهذا الذي هدم سبعين ألف بيت بغزة بشكل قميء زري نقلت في الإنترنت ، بقي ثلاث سنوات طريح فراش ، ولم يمت بعد ، لذلك سبحان من قهر عباده بالموت .
6ـ معنى اسم ( القاهر ) :
أيها الإخوة ، ( القاهر ) سبحانه وتعالى هو الغالب على جميع الخلائق ، وهو يعلو في قهره وقوته ، فلا غالب ولا منازع ، بل كل شيء تحت قهره وسلطانه .
﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
هو الواحد الأحد الفرد الصمد ، المتفرد بالقوة والجلال ، القاهر فوق عباده وهناك أسماء كثيرة تقترب من هذا الاسم ، منها المنتقم ، لذلك كن مع الله فأنت قوي .
كن مع الله تر الله معك و اترك الكل وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنعه ثـم من يعطي إذا ما منعك
الله عز وجل حينما قال عن نفسه :
﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾
أي هو الذي قهر كل شيء ، وخضع لجلاله كل شيء ، وذل لعظمته وكبريائه كل شيء .
7ـ لا ينازع أحدٌ الله في جبروته وقهره :
لذلك أي إنسان ـ دققوا ـ من ينازع الله كبرياءه وعظمته يقصمه الله .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
(( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ )) .
[ أبو داود ]
وفي ضوء هذا الاسم أيها الإخوة ، أمة قوية جداً ، تملك من الأسلحة ما لا يوصف ، تفردت بقيادة العالم ، لا تنطوي على كمال إطلاقاً ، تخطط لبناء مجدها على أنقاض الشعوب ، وبناء رخائها على إفقار الشعوب ، وبناء عزها على الشعوب ، وبناء غناها على إفقار الشعوب ، أن تنجح خططها على المدى البعيد ، وصدقوا ولا أبالغ هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب ، بل مع وجوده .
(( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ )) .
يستحيل أن يكون لهذا العالم إلا إله واحد ، لأنه الله :
﴿ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾
8ـ من لوازم ( القاهر ) العلوُّ والغلبة :
له العلو والغلبة ، فلو فرضنا وجود إلهيين اثنين مختلفين ، ومتضادين ، وأراد أحدهما شيئاً خالفه الآخر فلابد عند التنازع من غالب وخاسر ، فالذي لا تنفذ إرادته هو المغلوب العاجز ، والذي نفذت إرادته هو القاهر القادر ، فلمَ تدعي جهة أنها خلقت السماوات والأرض ؟ ولم تدّعي جهة أخرى أنها قهرت عبادها ، لذلك :
﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾
مرة ثانية :
﴿ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾
وهو الذي قهر كل شيء ، وخضع لجلاله كل شيء ، وذل لعظمته وكبريائه كل شيء ، وعلا على عرشه فوق كل شيء .
قال بعض العلماء : ( القاهر ) أي ؛ المذلل ، المستعبد لخلقه ، العالي عليهم ، وإنما قال : فوق عباده ، لأنه وصف تعالى نفسه بقهره إياهم ، ومن صفة كل قاهر شيئاً أن يكون مستعلياً عليه ، فمعنى الكلام إذاً غالب عباده المذل لهم إذا طغوا ، وبغوا ، وفسدوا ، العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم فهو فوقهم بقهره إياهم ، وهم دونه .
تخضع للقوي لكنه عادل ، تخضع للقوي لكنه رحيم ، تخضع للقوي لكنه يسمعك لذلك أنت تدعو من ؟ تدعو جهة موجودة ، تؤمن بوجودها حتماً ، وتدعو جهة تسمعك ، فإن سكت تعلم ما في نفسك ، فإن تحركت رأتك ، وإن تكلمت سمعتك ، إن أسررت علمت ما في نفسك ، إن تحركت رأتك ، فأنت تدعو جهة تدعو على تلبية طلبك ، ولو بدا لك مستحيلاً ، تدعو جهة تحب أن ترحمك ، هذا هو الله عز وجل .
فلذلك الحياة مع الإيمان بالله حياة رائعة فيها عز ، فيها قوة ، فيها راحة ، فيها استسلام ، فيها رضا ، فيها طاعة .
اجعل لربك كل عـزـــك يستقر ويثبــت
فإذا اعتززت بمن يمــــوت فإن عزك ميت
9 ـ نصيب المؤمن من اسم ( القاهر ) :
أيها الإخوة ، الآن أنت ما نصيبك من هذا الاسم ؟ هو قاهر .
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
الاستسلام والخنوع ، والتماوت ، والتضعضع ليس من صفات المؤمن .
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
اللهُ معك ، استعن بالله ولا تعجز ، فالخضوع ، والقلق ، والخوف ، والاستسلام ، والتطامن ليس هذا من صفات المؤمن ، أنت عبد القاهر ، أنت عبد القوي ، أنت عبد الغني .
إذا توهمت أن الله لا ينصرك ، ولا يدافع عنك ، وأنت المؤمن ، وأنت المستقيم فقد وقعت في سوء ظن كبير ، لأن الله لا يتخلى عن عباده المؤمنين ، بل إن الله لا يعذب عباده المحبين ، والدليل :
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ
لم يقبل دعواهم ، بل رد عليهم :
قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
( سورة المائدة الآية : 18 )
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى استنبط من هذه الآية : أن الله لا يعذب أحبابه .
أنت مع القوي ، بربكم هذه القصص التي وردت في القرآن عن الأنبياء هي لمن ؟ هل هي لهم ؟ ماتوا وانتهوا ، هي لنا ، فأيّ مصيبة تفوق حد الخيال ؟
قصص تؤكد قهر الله وغلبته :
1 ـ سيدنا يونس في بطن الحوت قصة وقانون :
أحيانا يكون دخلُ الإنسان قليلا ، وعنده مرض ، عنده مشكلة في بيته ، عنده مشكلة في عمله ، عنده ابن معاق ، أما أن يجد نفسه فجأة في بطن حوت وزنه 150 طنًّا ! وجبته المعتدلة بين الوجبتين 4 أطنان ، و الإنسان وزنه 70 كغ ، فهو لقمة واحدة ، وجد نفسه في بطن حوت ، في ظلمة بطن الحوت ، وفي ظلمة البحر ، وفي ظلمة الليل :
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾
( سورة الأنبياء )
القصة انتهت ، إياك ، ثم إياك ، ثم إياك أن تتوهم أن هذه القصة وقعت ولن تقع مرة ثانية ، هذه وقعت وتقع كل يوم ، الدليل التعقيب الذي جاء بعدها :
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
قلَبها اللهُ من قصة إلى قانون :
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
هذه القصة لنا .
2 ـ سيدنا موسى مع فرعون :
سيدنا موسى مع أتباعه حينما كانوا في اتجاه البحر ، وراءهم فرعون بجبروته ، بقوته ، بأسلحته ، بحقده ، ولكل عصر فرعون .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
( سورة الشعراء الآية : 61 )
تعلّموا أيها الإخوة من الأنبياء العظام ثقتَهم بالواحد الديان ، تعلموا منهم اعتزازهم بالله عز وجل .
3 ـ النبي عليه الصلاة والسلام في غار حراء :
في غار حراء ، وقعت عين المشركين على عين الصديق ، قال : يا رسول الله لقد رأونا ، قال :
(( يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ )) .
[ أخرجه البخاري ، ومسلم ، والترمذي عن أنس بن مالك ] .
ألم تقرأ قوله تعالى :
﴿ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
4 ـ النبي عليه الصلاة والسلام مطارد مهدور الدم :
ذهب إلى الطائف ، ودعا أهلها ، كذبوه ، وسخروا منه ، وأغروا صبيانهم بإيذائه ، وسال الدم الشريف من قدمه ، وعاد إلى مكة ، مكة أخرجته ، مكة كفرت به ، مكة تخلت عنه ، لم يبقَ له أحد ، إن صح التعبير أن للدعوة الإسلامية نهاية صغرى ، ففي الطائف الخط البياني هبط إلى النهاية الصغرى ، الآن يعود النبي إلى مكة ، يسأله زيد : يا رسول الله ، كيف ترجع إليها وقد أخرجتك ؟ ما لك أحد فيها ، والله قال قولة تملأ القلب طمأنينة ، قال :
(( إن الله ناصر نبيه )) ، ثقته بالله عجيبة .
هو في الهجرة هُدر دمه ، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، انتهى ، يتبعه سراقة ، يقول له : يا سراقة ـ دقق في كلام النبي ـ كيف بك إذا لبست سوار كسرى ، معنى هذا الكلام أنني سأصل ، وسأصل سالماً ، وسأؤسس دولة ، وسأنشئ جيشاً ، وسأحارب أكبر دولة ، وسأنتصر عليهما ، وستأتيني غنائمها ، ولك يا سراقة سوار كسرى ، وفي عهد عمر جاءت كنوز كسرى ، وسأل عمر عن سراقة ، أعطاه سوار كسرى ، وألبسه ، وقال : بَخٍ بخٍ ، أعيرابي من بني مدلج يلبس سوار كسرى !
خاتمة :
أخطر شيء في حياتنا اليأس ، أخطر شيء بحياتنا التطامن ، أن تقول : انتهينا ، ما انتهينا ، أنت مع الله ، والله عز وجل لا يتخلى عن عباده .
﴿ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾
( سورة محمد )
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
لذلك أفضل حالة أن تكون مع القوي ، وأن تعتز بالقوي ، وأن تعتز بالقاهر ، وأن تعتز بالقهار ، وأن تستمد قوتك منه ، وأن تشعر بعزة وكرامة :
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 140 )
لو أن الله عز وجل سلم الأرض للأقوياء فقط ، للكفار ليئس المؤمنون ، ولو سلمها للمؤمنين لنافق جميع الناس لهم :
﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا ﴾
مرة بيد الأقوياء الكفار ، ومرة بيد المؤمنين ، ونصيبنا في هذه الحياة أننا في عصر القوة مع الطرف الآخر ، فلنصبر ، ونحتسب ، والله عز وجل لن يضيعنا .
والحمد لله رب العالمين
ميرسى لك على التوبيك
اسم الله :القاهر(2)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى ( القاهر ) :
1 ـ سبحان مَن قهر عبادَه بكل أنواع القهر :
أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا في اسم الله ( القاهر ) ، والمقولة التي يرددها معظم المسلمين : سبحان من قهر عباده بالموت ، وقد ورد في بعض الأحاديث الشريفة :
(( بادِرُوا بالأعمال سبعا : هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا ، أو غِني مُطغيا ، أو مَرَضا مُفسِدا ، أو هَرَما مُفنِدا ، أو موتا مُجْهِزا ، والدجالَ ؟ والدَّجَّالُ شَرُّ غائب يُنَتظَرُ والساعةَ ؟ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ ))
[ أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة ]
هل يمكن أن يستيقظ الإنسان كل يوم كاليوم السابق إلى ما شاء الله ؟ مستحيل وألف ألف مستحيل ! .
(( هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا ، أو غِني مُطغيا ، أو مَرَضا مُفسِدا ، أو هَرَما مُفنِدا ، أو موتا مُجْهِزا ، والدجالَ ؟ والدَّجَّالُ شَرُّ غائب يُنَتظَرُ ، والساعةَ ؟ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ )) .
سبحان من قهر عباده بالموت ، وأحياناً يقهر المرء بالمرض ، وأحياناً يقهر بالفقر ، وقد يقهر بالغنى المطغي ، كان مستقيماً فانحرف ، هذا قهر أيضاً .
أيها الإخوة ، الآية الكريمة :
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية : 180 )
والقاهر من أسماء الله الحسنى ، يقهر الجبابرة ، يقهر الظالمين ، يقهر المتجبرين لذلك في بعض الأدعية التي نقرأها كثيراً في قنوت الصلوات :
(( اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك )) .
[ أخرجه أبو داوود ، والترمذي ، والنسائي عن ا لحسن بن علي بن أبي طالب ]
الهدى أعظمُ نعمةٍ :
دققوا ، النعمة الأولى : نعمة الهدى ، ولا نعمة قبلها ، ونعمة الهدى تشبه الرقم واحد ، فإذا أضيف إليها نعمة الصحة فهي صفر أمامها ، صاروا عشرة ، فإذا أضيفت نعمة أمامها فهي صفر آخر ، نعمة الكفاية ، ويمكن أن تضيف النعم أمام هذا الواحد إلى ما شاء الله ، لكن تأكد أن هذه النعمة الأولى نعمة الهدى ، هي الرقم واحد ، فلو حذفته لكانت كل النعم الأخرى أصفاراً ، لا قيمة لها .
2 ـ سبحان مَن قهر عبادَه بالموت :
لأن الموت ينهي كل ينهي كل شيء ، ينهي قوة القوي وضعف الضعيف ، ينهي غنى الغني وفقر الفقير ، ينهي وسامة الوسيم ودمامة الدميم ، ينهي صحة الصحيح ومرض المريض ، الهدى نعمة مستمرة بعد الموت ، وما سوى الهدى نعمة منقطعة عند الموت وتأكد أن أي نعمة وهبك الله إياها ليس معها الهدى تنتهي عند الموت ، وليست عطاءً ، لأن كرم الله عز وجل لا يمكن أن يكون بنعمة منقطعة ، نعم الله الحقيقية مستمرة بعد الموت .
ابحثْ عن نعمةٍ لتدّخرها لِما بعد الموت :
فلذلك البطولة أن تتمتع بنعمة تسعدك بعد الموت ، أما نعم الحياة الدنيا على أنها نعم طبعاً ، لكن تنتهي عند الموت ، من بيت إلى قبر ، من منصب إلى قبر ، من انغماس في اللّذات إلى قبر ، أما المؤمن فنعمه مستمرة بعد الموت ، وهي متنامية ، البطولة ، والتوفيق والذكاء أن تبحث عن نعمة ليس الموت نهاية لها ، أي عطاء ينتهي بالموت بالحقيقة ليس نعمة من النعم التي أرادها الله .
لذلك فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمدا صلى الله عليه وسلم أم أهانه حين زوى عنه الدنيا ، فإن قال : أهانه ، فقد كذب ، وإن قال : أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا .
بشكل موضوعي : إن الله يعطي المُلك لمن يحب ، ولمن لا يحب ، أعطى الملك لنبي كريم سيدنا سليمان ، وأعطاه لعدوه فرعون ، فما دامت هذه النعمة تعطى لعدو الله و لصفيه إذاً فليست مقياساً ، أعطى المال لقارون ، وهو لا يحبه ، أعطى المال لصحابة كرام كسيدنا عثمان ، وهو يحبه ، فما دامت النعمة الواحدة تعطى لمن يحب ولمن لا يحب فإذاً ليست النعمة التي في الدنيا مقياساً على محبة الله .
3 ـ دعاء عظيم يتجلى فيه اسم ( القاهر ) :
البطولة أن تكون مهتدياً ، حتى إن بعضهم قال : تمام النعمة الهدى ، لذلك هذا الدعاء :
اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ :
(( اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ))
ما النعمة التي تأتي بعد الهدى ؟ الصحة .
((وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ )) .
[ الترمذي ، ابن ماجه ، أحمد ]
وما من دعاء كان عليه الصلاة والسلام يكثر منه كقوله صلى الله عليه وسلم :
(( اللهم ارزقنا العفو والعافية ، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة )) .
[ الجامع الصغير عن أبي هريرة بسند صحيح ]
هناك أمراض تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق ، وهناك أمراض لا قيمة للمال معها ، بل لا قيمة لكل النعم المادية معها .
فلذلك من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام :
(( اللهم إنا نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء )) .
[ ورد في الأثر ]
((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي )) .
نعمة المتابعة الربانية للعبد :
أحياناً الله يتابعك في خطأ ، تدفع ثمنه ، في موقف فيه كِبر فيضعك في موقف صعب جداً فيه إهانة ، في موقف فيه إسراف فيضعك في موقف فيه تقتير ، يقتر عليك ، وفي موقف الاستعلاء تتحجم ، أحياناً يشعر الإنسان أن الله يتابعه .
أقول لكم من أعماقي : من كان يشعر أن الله يتابعه فهو في خير عميم ، فهو ممن خضع لعناية الله المشددة ، فهو ممن يرجى شفاءه ، لكن المصيبة الكبرى أن يسترسل الإنسان في الخطأ ، والله عز وجل يَدَعه وخطأه ، وخطر كبير أن يخطئ الإنسان ، أو يستعلي ، أو يأكل مالاً حراماً ، والله يتركه مع خطئه ، لكن المؤمن يحبه الله عز وجل ، فإذا أحبه ابتلاه ، وتابعه ، فالأفضل ألف مرة أن تتابع من قِبل الله عز وجل على كل خطأ من أن يدعك وشأنك ، فإذا كان الله يتابع نعمه عليك ، وأنت تعصيه فاحذره ، لأن أكبر خطر أن تأتيك الدنيا كما تتمنى ، وليس فيك التزام أبداً ، ولا انضباط ، ولا طاعة لله عز وجل .
الحالة الثانية أفضل بمليار مرة : أنك إذا أخطأت تُتابع ، ولكل سيئة عقاب ، وكل ما ارتقى الإنسان يحاسب على أدق الذنوب ، وأقل العيوب ، كلما ارتقى الإنسان ، وكلما ضعف مقامه يحاسب على عظائم الأمور ، لا على دقائقها .
إذاً :
((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي )) .
التولي التربية .
إخوتنا الكرام ، لمجرد أن تقول : الله ، في كل شيء يتولاك ، أما إذا قلت : أنا ، يتخلى عنك .
وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ : درسان من غزوة أحد وحنين فيهما عبرة :
ثمة درسان بليغان ، درس في بدر ، ودرس في حنين ، الصحابة الكرام وهم قمم البشر ، وفيهم سيد البشر ، في حنين قالوا : ولعلها مقولة في قلوبهم : << ولن نغْلَبَ اليوم مِن قلة >> .
فتخلى الله عنهم .
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
( سورة التوبة )
إياك أن تقول : أنا عندي خبرات متراكمة ، أنا الأول في هذا الاختصاص ، أنا لا أحد ينافسني في هذه المعرفة ، إياك أن تقول هذا الكلام ، هذا تطاول على الله عز وجل ، يجب أن تشهد نعم الله لا أن تتبجح بها .
حينما يعتدّ الإنسان بنفسه يتخلى الله عنه ، وقد يعتد الذكي بذكائه فيرتكب حماقة لا يرتكبها الأغبياء ، وقد يعتد الغني بماله فيجعله الله في مكانة لا ينفع المال معه أبداً .
مرة أخ كريم أظنه صالحاً ، ولا أزكي على الله أحدا ، قال : الدراهم مراهم ، تحل بها كل مشكلة ، فابتلاه الله بمشكلة لا تحل بمليارات ، وبقي في السجن المنفرد 64 يومًا ، وكل يوم يقول : الدراهم مراهم !
إياك تقول كلمة تنسى الله بها ، لذلك الله عز وجل غيور ، إن اعتمدت على غيره ، إن اعتددت بفكرك ، باختصاصك ، بخبراتك ، بمالك ، عالجك معالجة قاسية ، فاعتز بالله عز وجل .
أصحاب النبي الكريم في بدر قالوا :
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 123 )
هم مفتقرون إلى الله .
أما في حنين :
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
هذا الدرس نحن بحاجة إليه كل ساعة ، لا تقل : أنا ، قل : الله ، هذه المقولة ليست تواضعاً ، بل حقيقية ، أنت لا شيء ، كنت لا شيء فأصبحت به خير شيء .
إذاً : (( وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ )) .
هذا هو التولي ، والرعاية ، والمتابعة ، والمعالجة .
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة الفاتحة )
الآن لاحظ ابنًا مربًّى ، إذا تكلم كلمة نابية ، يقال له : يا بني ! هذه الكلمة لا تصح ، يتابعه الأب ، والأب المربي يتابع ابنه حتى في جلسته ، إذا لم يكن فيها أدب ، جلس قبله ، لا تجلس قبل أبيك ، لا تمش أمامه ، لا تسمه باسمه ، فالابن الذي يربيه أبوه على كلمة ، وعلى كل حركة وسكنة وخاطرة يحاسب عليها .
وبَارِكَ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ :
(( وبَارِكَ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ )) .
أحياناً دخل كبير ليس في بركة ، يذهب في معالجة أمراض ، ومال مصادر ، وضرائب لا تحتمل ، المال الكثير ذهب أدراج الرياح ، وقد يكون للإنسان دخل قليل يبارك الله له في هذا الدخل ، كلمة مبارك كلمة قرآنية :
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾
( سورة الملك الآية : 1 )
أحياناً يبارك لك في وقتك ، تفعل في وقت محدود أعمالاً لا يفعلها معظم الناس .
يبارك لك في مالك ، يبارك في زوجتك ، تعيش معها عمراً مديداً ، كلها خير ، كلها وفاء ، كلها محبة ، كلها تفانٍ ، كلها تضحية ، وأحياناً الزوجة تكون جحيماً لا يطاق ، فالبركة ليست في المال فقط ، بركة في الزوجة ، بركة في الأولاد ، أولاد أبرار ، طائعون ، البركة في الصحة ، فقد يتمتع الإنسان بصحته طوال حياته ، وهذه من نعم الله العظمى ، وتكون البركة في المال ، بدخل معقول جداً ، كل شيء عندك ، ولا ينقصك شيء ، البركة في الوقت ، ففي وقت محدود تنجز أعمالاً كبيرة ، لذلك :
(( وبَارِكَ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ )) .
(( وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ )) .
مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح ، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر :
(( وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ )) .
اجعل لربك كل عزـــــــك يستقر ويثبت
فإذا اعتززت بمن يم ــــوت فإن عزك ميت
اعتز بالله ، لا تعتز بسواه ، ليكن ولاءك له ، هذا دعاء ، والله من الأدعية الجامعة المانعة ، وهو دعاء بمعنى اسم ( القاهر ) ، فالله قهرنا بالمرض ، قهرنا بالموت ، قهرنا بالمال أحياناً ، فقد يفتقر الإنسان ، وقد يبكي الرجل ، لأنه لا يجد ما يأكل ، وقد ينقّب إنسان في الحاوية ليأكل ، فإذا أكرم واحد الله عز وجل الإنسان ببيت ، بمأوى ، بزوجة ، بأولاد ، بدخل معقول ، هذه نعمة لا تعدلها نعمة ، أن يغنيك الله عن السؤال .
4 ـ ماذا نستفيد من اسم ( القاهر ) ؟
الخضوع والانصياع لله :
أيها الإخوة ، ما الخُلق الذي ينبغي أن تتخلق به من هذا الاسم ؟ الله هو القهار صيغة مبالغة ، وهو ( القاهر ) ، اخضع له ، لأنك في قبضته ، وأقلّ خطأ في صحتك يجعل الحياة جحيما لا تطاق .
والله كنت مَرة عند طبيب ، جاءه اتصال هاتفي ، سمعت المتكلم ، قال له : أيّ مكان في العالم تريد للعلاج ، وأيّ مبلغ ، قال له : والله لا أمل ، الورم في الدرجة الخامسة ، لا أمل ، فالمرض يقهر ، لكن أصعب قهر أن يقهرك إنسان .
﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾
( سورة الأنعام الآية : 65 )
يبدو أنه قهر الواحد الديان مباشرة أخفّ من قهر إنسان ، الدليل :
﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
( سورة لقمان )
يحتاج إلى صبر ، هذا قضاء الله وقدره المباشر ، لكن في آية أخرى :
﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
( سورة الشورى )
قد يأتي القضاء والقدر على يد إنسان ، تحتاج هذه الحالة إلى صبر أشد ، وَلَمَنْ صَبَرَ ـ على قضاء الله ـ وَغَفَرَ ـ لمن أجراه الله على يديه ـ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ ـ لام التوكيد ـ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ .
أحيانا يُقهر الإنسان من قِبل الله مباشرة ، وقد يقهر من قِبل إنسان ، وقهرُ الرجال لا يُحتمل .
أيها الإخوة الكرام ، إذاً : الموقف الكامل ما دام الله يقهر كل إنسان أن تكون خاضعاً له ، أن تكون في طاعته ، أن تكون محباً له ، فهو يقهر ليربي .
أعيد هذا كثيراً : علماء العقيدة لا يرون من المناسب أن تقول : الله ضار ، الضار من أسمائه ، يجب أن تقول : الله ضار نافع ، لأنه يضر لينفع ، لا ينبغي أن تقول : الله مذل ، هو مذل ، لكنه مذل ليعز ، المعز المذل ، لا ينبغي أن تقول : الله خافض ، هو خافض ، لكنه خافض ليرفع ، هذا كمال الله عز وجل ، فهذه النعم الباطنة .
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
( سورة لقمان الآية : 20 )
أعرف إنسانا متفلتا غارقا في الشهوات آتاه الله وسامة ، ومالاً ، وغنىً ، حتى إنه كان يستهزئ بالمقدسات ، عنده بنت يحبها محبة تفوق حد الخيال ، أصيبت بمرض خبيث ، فلم يدَع طبيباً في بلده إلا وعالجها عنده ، لكن لا أمل للشفاء ، أخذها إلى بلد بعيد ، باع بيته ، وكل ما يملك من أجلها ، ثم جاءه خاطر هو وزوجته ؛ لو أننا تبنا إلى الله ، واصطلحنا معه ، وأدينا الصلوات ، وطبقنا منهج الله ، بدآ بهذا المشروع ، وقد شفا الله هذه البنت ، ودُعيتُ حينما كبرت إلى حضور عقد قرانها ، فلما ألقيت كلمة في هذا العقد ، سألت أباها : هي ؟ هي ؟ قال لي : هيَ هي ، مرض جاء إلى أسرة ردّ الأب والأم إلى الله وانسحب ، هذا فعل الله عز وجل .
هناك إنسان لا يأتي طواعية ، بيسر ، وبرخاء ، يأتي بالشدة ، وهذه نعمة كبيرة أيضاً ، لذلك قالوا : من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر .
نحن في قبضة الله ، والإنسان كل مكانته ، وهيمنته ، وسيطرته ، وقدرة منوطة بقطر شريانه التاجي ، ميلي وربع ، وكل مكانته وهيمنته وسيطرته منوطة بسيولة دمه ، وكل مكانته وهيمنته وسيطرته منوطة بنمو خلاياه ، فإذا نمت نمواً عشوائياً انتهت حياتُه .
إذاً : نحن في قبضة الله عز وجل ، أحيانا حادث سير ينهي حياة الإنسان ، والأصعب ألاّ تنتهي حياته ، بل يصبح مشلولا طول حياته بحادث سير ، وأنت تمشي على اليمين ، وفي أعلى درجات الانضباط ، والآخر نائم ، فنحن تحت رحمة الله ، نحن في قبضته ، فما دام الله قاهراً فينبغي أن ننصاع له ، أن نؤمن به ، أن نستقيم على أمره ، أن نعمل صالحاً ، هذا المعنى .
استمداد القوة من الله :
هناك معنى آخر : ماذا ينبغي أن تتخلق بهذا الاسم ؟ قال تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
( سورة الشورى )
لا تكن ضعيفاً ، لا تكن خنوعاً ، لا تكن مستسلماً :
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
استمد من الله القوة .
هناك إنسان يضعف عن أن يأخذ حقه ، يضعف لأقلّ تهديد ، أما المؤمن فيعتز بالله .
﴿ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾
( سورة المائدة الآية : 54 )
أما الآية الدقيقة :
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
لكن لا تَكِل له الصاع أصوعاً .
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾
أما أروع ما في الآية :
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
( سورة الشورى )
إذا غلب على ظنك أن عفوك عن هذا الذي أساء إليك يقربه إلى الله فاعفُ عنه ، ويا عبدي أجرك عندي .
أحيانا سائق سيارة يمشي بأعلى درجات الانضباط ، قفز طفل أمام السيارة ، ودُهس ، الأب يقرّر أن يقيم عليه دعوى ، وأن يضعه في السجن ، لكن معطيات الحادث أن السائق بريء وفقير ، والخطأ من الابن ، لكن تسبب هذا السائق في موت الطفل الصغير ، قال تعالى :
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
أما إذا كان أرعن ويتحدى الناس فلا بد من معاقبته ، أما إذا ما كان الخطأ مِن قِبَله فيعاقَب ، وهناك حالات كثيرة يكون الخطأ فيها مدمرًا ، لكن صاحب الخطأ ليس ملوماً عند أحد ، قال تعالى :
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
كلما عفوت عن أناس وعفوك عنهم يصلحهم ، فاعف عنهم ، وتوكل على الله .
والحمد لله رب العالمين