3- واستجابة لطلب حاتم خلع والده حذائه الآخر وصوبه عليه .... ليجري حاتم مفزوعا لغرفته وهو يقفل الباب خلفه .... وهو يقول : خلاص يا عم الضمير ... مكنتش كلمة دي .
إختبأ سريعا تحت لحافه وهو يرتعد ..... وندم كثيرا أن والداه تركاه في المنزل وحيدا ... لقد كان منذ ساعات قليلة سعيدا بخلو المنزل ... أما الآن فقد تمنى وصول والديه على وجه السرعة .... مضت الساعات عليه وهو مختبأ تحت لحافه مترقبا لأي حركة فجائية لضيوفه الذي لا يراهم ... كلما سمع صوتا نظر خلسة من تحت اللحاف في خوف شديد .... وظل على ذلك ساعات حتى غلبه النوم .
في الخارج كانت والدته شديدة القلق عليه , فقد شاهدته وهو يجري مفزوعا بعد أن أصابه حذاء صاروخي من والده .... لكن فريد طمأنها بأن غدا عندما يستيقظ سيخبره بالحقيقة .
في الصباح ... إستيقظ حاتم من نومه مبكرا , لا لكي يلحق أول محاضرة له , بل ليقابل هناء ... فالكلية بالنسبة له ( كرسيين على كافتريا .... كرسي ليه وكرسي لهناء ) ... ولولا أنه يذهب لمقابلة هناء لم يكن ليستيقظ في هذا الوقت الباكر .... نزل من المنزل مسرعا وقد حاول جاهدا أن يتناسى ما حدث له بالأمس ....
على غير العادة ... الطريق يخلو من المارة ... تعجب حاتم كثيرا ... فهذا الوقت هو وقت ذهاب العاملين إلي عملهم والطلبة إلي مدارسهم وكلياتهم ... وأخرج موبايله ليتأكد من تاريخ اليوم ... ( إنهارضه الإتنين يعني ! ... أمال مفيش حد في الشارع ليه ؟! ..... هوإنهارضه 6 أكتوبر ... لا لا إحنا في شهر يناير ... آآه يبقى أكيد إنهارضه 23 يوليو .... 23 يوليو ! ... إيه الغباء إلي أنا فيه ده ... ثورة 23 يوليو مكنتش في يناير على حد علمي .... وبعدين إحنا عمرنا ما خدنا 23 يوليو أجازة عشان بتبقى أصلا في الأجازة ....... في حاجة مش طبيعية بتحصل ... أما أتصل بهناء )
- ألو إزيك يا هناء ... إيه الأخبار ... بقولك إيه ؟ ... هو إنهارضه فيه أجازة ؟
- أجازة إيه يا حاتم ... إنهارضه يوم عادي ... إنت إتغيرت أوي على فكرة من ساعة التلفون بتاع إمبارح .
- إنتي متأكدة إن النهارضة مش أجازة ؟
- جرالك إيه يا حاتم ... وإيه أصلا إلي خلاك تقول كده ؟
- الشارع عندنا فاضي ومفيهوش ولا بشر علي غير العادة .
- غريبة ... إحنا عندنا في شارعنا عادي ... فيه ناس زي أي يوم ... الظاهر إنك تعبان شوية يا حاتم ... بقولك إيه ؟ ... ماتريح النهارضه في البيت وبلاش كلية .
- لا لا ... أنا لازم أقابلك إنهارضه .
في المنزل ... يسرع فريد إلي زوجته ويقول ( هو حاتم نزل الكلية ولّا إيه ؟ .... يادي المصيبة ... أنا إكتشفت إن الحباية مفعولها ممكن يوصل ل 24 ساعة ... إتصلي بيه حالا .... وتسرع الأم بالإتصال به لكن الموبايل خارج نطاق الخدمة ... يرتدي فريد ملابسه سريعا ليلحق حاتم قبل الذهاب للكلية )
على الرغم من علامات التعجب الكثيرة التي تطايرت حول حاتم ... إلا أنه كان في غاية السعادة بخلو الطريق من المارة ... ولأول مرة سيستطيع أن يجري في هذا الشارع بحرية دون أن يزعجه أيا من المارة ... تقمص حاتم دور أحد المتسابقين في سباقات العدو ... 3 ...2 ...1 .... إنطلق ....... أطلق حاتم ساقيه للريح ذاهبا إلي محطة المترو التي تبعد خمس دقائق من منزله ... وسط نظرات المارة المتعجبة من هذا المجنون الذي يظن نفسه في أحد السباقات ...
أحد الأطفال الممسك بيد أمه ينظر خلفه ويشاهد حاتم الذى يجري بسرعة الصاروخ ويقول - إلحقي يا ماما الواد هيخبط فينا .
- يا واد إهمد بقى ... خلينا نروح المدرسة ... عشان تلحق الطابور .
- يا ماما ... يا ماما .
- كتك مو في عينك ... هو إنت مش هتبطل بقى مغامرات توم وجيري إلي أنت قارفنا بيهم دول .
وقبل أن تكمل الأم ... أمسك الطفل بيد أمه سريعا ليبعدها عن طريق حاتم الذي كان الطريق فارغا بالنسبة له ..... لتلقي عليه جميع أنواع السباب ووصلات الردح الحريمي ( والتي قام الرقيب بحذفها على الرغم من عدم ذكري إلا عشرين شتيمة فقط من الخمسين شتيمة التي ذكرتها هذه السيدة )
وصل حاتم أخيرا للمترو ... وهو يقفز فرحا فقد قطع الطريق في دقيقة واحدة فقط ... ويالها من مفاجئة عظيمة كانت في إستقبال حاتم ... فعندما فُتح باب المترو ... لم يجد أيا من الركاب ... ترقرقت عيناه بالدموع متأثرا بهذا المشهد الذي لم يحدث له على مدار العشرين سنه التي عاشها .... ( مش معقولة ! ... أنا في حلم ولا في علم يا ناس ..... المترو فاضي ! ...... هيييييييييييييه ..... هيييييييييه ... هههه ... أنا مش مصدق نفسي ... حد يقرصني .. حد يقرصني )
ومع الزحام الكثير الذي في المترو وصراخ حاتم ... إستشاط أحد الركاب غيظا ونزل على حاتم بلكمة قوية وهو يقول ( ماتسكت ياض يا إبن ...... مترو إيه إلي فاضي يا إبن ال ...... الله يخرب بيت الإعلانات بتاعة الحكومة إلي بتجيب القطارات فاضية لغاية ما الناس صدقوهم .... يا رجااااالة يا رجااااالة الشاب ده يخص حد فيكو ...... لم يرد أحد ...... لذلك قام الرجل بتفريغ كل كبته في حاتم وساعده ما يقرب من 120 شخص من راكبي المترو في مهمته البطولية لتأديب هذا العميل )
لم يشعر حاتم بما حدث له ... لأنه قد فقد الوعى عند أول لكمة .... وعندما أفاق وجد نفسه جالسا على أحد كراسي الإنتظار في محطة المترو ... ويتعجب من ملابسه التي تقطعت وينظر في ساعته وهو يقول ... أنا إتأخرت كتير على هناء ... أنا مش هينفع أروحلها كده ... أنا هتصل بيها أعتذرلها ... أنا لازم أروح حالا ..... آآآآآآآآه ياني ..... آآآآآآآآآآه ... أنا إيه إلي حصلي ؟ ... أنا شكلي خدت علقة جامدة أوي ....... آآآآآآه ... آآآآه ....
يتبع