وقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( التقوى هاهنا )) ويشير إلى صدره ثلاث مرات : فيه إشارةٌ إلى أنَّ كَرَمَ الخلق عند الله بالتقوى ، فرُبَّ مَن يحتقره الناسُ لضعفه وقلة حظه مِن الدنيا ، وهو أعظم قدرًا عند الله تعالى مِمَّن له قَدرٌ في الدنيا ، فإنما الناسُ يتفاوتون بحسب التقوى ، كما قال الله تعالى : (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ )) الحجرات/13 ، وسُئِلَ النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( مَن أكرم الناس ؟ قال : أتقاهم لله عز وجل )) مُتفقٌ عليه ، وفي حديثٍ آخر : (( الكرمُ التقوى ))صحيح : الترمذىّ .. والتقوى أصلها في القلب ، كما قال الله تعالى : (( ومَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ )) الحج/32 .
وإذا كان أصلُ التقوى في القلوب ، فلا يَطِّلعُ منكم أحدٌ على حقيقتها إلاَّ الله عز وجل ، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( إنَّ الله لا ينظرُ إلى صوركم ، ولا إلى أموالكم ، ولكنْ ينظرُ إلى قلوبكم وأعمالكم )) رواه مسلم .. وحينئذٍ فقد يكونُ كثيرٌ مِمَّن له صورةٌ حسنة أو مالٌ أو جاهٌ أو رياسةٌ في الدنيا قلبُه خرابٌ مِن التقوى ، ويكونُ مَن ليس له شيءٌ مِن ذلك قلبُه مملوءًا مِن التقوى ، فيكونُ أكرمَ عند الله تعالى ، بل ذلك هو الأكثر وقوعًا ، كما في الصحيحين عن حارثة بن وَهب عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( ألَا أخبركم بأهل الجنة ؟ كُلُّ ضعيفٍ مُتضَعَّفٍ لو أقسم على الله لأبره ، ألَا أخبركم بأهل النار ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُستكبِر )) مُتفقٌ عليه .