بارك الله فيك
بارك الله فيك
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
أحيانا يمضي الإنسانُ سنوات طويلةً في الدراسة في بلد أجنبي ، ولا دخل له ، ووالده فقير ، فيشتغل هذا الطالب في مطعم ، أو يشتغل حارسا ، ويدرس في النهار ، وضعه المنظور مؤلم جداً ، لكن هذا مستقبله مشرق جداً ، حينما ينال الشهادة ، ويعود إلى بلده ، ويعيّن بمنصب رفيع ، وله دخل وفير ، وله مكانة اجتماعية ، ينسى كل التعب الذي أصابه ، فلذلك :
﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ .
( سورة الضحى ) .
أحيانا يقول الطبيب للمريض : تحمّل الآلام ، إن شاء الله هناك شفاء مع الآلام .
الإنسان بين يدي ربه مستسلم
﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾
هذه الآية لرسول الله عليه الصلاة والسلام ، ولكنها تنسحب على كل مؤمن بقدر إيمانه واستقامته وإخلاصه
﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ .
الآن : عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ :
(( آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً ، فَقَالَ لَهَا : مَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ : أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا ، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا ، فَقَالَ : كُلْ ، قَالَ : فَإِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ : مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ ، قَالَ : فَأَكَلَ ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ ، قَالَ : نَمْ ، فَنَامَ ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ ، فَقَالَ : نَمْ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ، قَالَ سَلْمَانُ : قُمْ الْآنَ فَصَلَّيَا ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَدَقَ سَلْمَانُ )) .
6 – أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ
أنت تتلقى من الله العطاء ، لكن ينبغي أن تتخلق بهذا الكمال الإلهي ، أن تعطي ، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، المؤمن كريم ، والكرم أحد أساسيات إيمانه ، لأنه أيقن أن الدنيا ممر للآخرة ، وأن ثمن الآخرة العمل الصالح ، وأن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، فبقدر تضحياتك ترقى عند الله .
والله أنا ألتقي مع بعض الأشخاص يرسل من ماله الشيء الوفير للحق ، للدعوة ، لنشر الحق ، لإطعام الفقراء والمساكين ، والله أقول له كلمة : أنت تعمل بذكاء وبعقل ، لأنك آمنت بالآخرة ، وتعمل الآن لها .
((فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ )) .
" إن لله عملاً بالليل لا يقبله في النهار ، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله في الليل " .
الله عز وجل يحاسبك على زوجتك ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ :
(( دَخَلَتْ عَلَيَّ خُوَيْلَةُ بِنْتُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السُّلَمِيَّةُ ، وَكَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ ، قَالَتْ : فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَذَاذَةَ هَيْئَتِهَا ، فَقَالَ لِي : يَا عَائِشَةُ ، مَا أَبَذَّ هَيْئَةَ خُوَيْلَةَ ! قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا ، يَصُومُ النَّهَارَ ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ ، فَهِيَ كَمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا ، فَتَرَكَتْ نَفْسَهَا ، وَأَضَاعَتْهَا ، قَالَتْ : فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَجَاءَهُ ، فَقَالَ : يَا عُثْمَانُ ، أَرَغْبَةً عَنْ سُنَّتِي ؟ قَالَ : فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أَطْلُبُ ، قَالَ : فَإِنِّي أَنَامُ وَأُصَلِّي ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ ، فَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ ، وَصَلِّ وَنَمْ )) .
[ أحمد ]
(( وجاءت في اليوم التالي عطرة نضرة ، فسألتها السيدة عائشة ، ما الذي حصل ؟ قالت : أصابنا ما أصاب الناس )).
[ الطبراني عن أبي موسى الأشعري ]
حقوق العباد مبنية على المشاححة ، وحقوق الله مبنية على المسامحة ، فالزوجة لها حق ، والابن له حق ، وأنت كطبيب هذا المريض له حق عندك ، يجب أن تنصحه ، وأنت كمحامٍ هذا الموكل له حق عندك ، وأنت كمدرس هذا الطالب له حق عندك .
((فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ )) .
7 – لابد أن يكون العطاء لله والمنع لله :
لكن في النهاية عندنا معنى دقيق جداً : من أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ، المؤمن عطاءه وفق مبادئه ، يعطي لله ، ويمنع لله ، يرضى بحسب مبادئه ، يرضى ويغضب ، يرضى لله ، ويغضب لله ، يصل لله ، ويقطع لله ، ليس عنده عمل عشوائي ، وعادات وتقاليد مسيطرة عليه ، يتحرك وفق مبادئ وقيم .
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
(( مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ ، وَأَعْطَى لِلَّهِ ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ )) .
[ أبو داود ]
الله عز وجل يعطي الصحة والذكاء ، والمال والجمال والقوة للكثيرين من خَلقه ، ويعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين ، ويعطي الحكمة بقدر ، ويعطي الرضى بقدر ، ويعطي الشعور بالفوز بقدر ، الله عنده عطاءات دنيوية ، وعطاءات أخروية ، وعطاءه غير محدود .
وإذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعك
الخلاصة الجامعة :
والعطاء متعلق بالتوحيد ، كل هذه المعاني الأولى متعقلة باسم الله ( المعطي ) ، لكن ينبغي أن تتخلق بخلق العطاء ، النبي عليه الصلاة والسلام سأله أحد رؤساء القبائل : لمن هذا الوادي من الغنم ؟ قال له : هو لك ، قال : أتهزأ بي ؟ قال له : لا والله ، هو لك فقال : أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، وأنت إذا أعطيت أعطاك الله .
(( أنفق ، أنفق عليك )) .
[ متفق عليه ] .
(( أنفق يا بلال ، ولا تخشى من ذي العرش إقلالا )) .
[ أخرجه السيوطي عن بلال] .
والصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير .
(( باكروا بالصدقة ، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة )) .
[ أخرجه البيهقي عن أنس ] .
والله عز وجل يسترضى بالصدقة ، هذه خبرة عند المؤمنين ، والله عز وجل حينما ترجو منه شيئاً ، وتتوسل لهذا الرجاء بصدقة تنفقها على نية التوفيق ، أو تحقيق ما تصبو إليه ، فالله عز وجل يسترضى .
إذاً : كما أن الله أعطاك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمى الهدى والرشاد ينبغي أن تبني حياتك على العطاء ، والناس كما تعلمون على اختلاف مللهم ونحلهم ، وانتماءاتهم وأعراقهم وأنسابهم وطوائفهم لا يزيدون على رجلين ؛ رجل عرف الله فانضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه ، وبنى حياته على العطاء فسعد في الدنيا والآخرة ، ورجل غفل عن الله ، وتفلت من منهجه ، وأساء إلى خلقه ، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة ، والآية :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ .
( سورة الليل ) .
المكافأة الإلهية :
﴿ مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ .
﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾ .
( سورة الليل ) .
والحمد لله رب العالمين
جزانا الله واياك
http://img488.imageshack.us/img488/9454/15uc1.gif
اسم الله : الديان(1)
1 –
1-ورودُ اسم ( الديَّان ) في السنة النبوية :
أيها الإخوة الكرام ، مع اسم من أسماء الله الحسنى ، و الاسم اليوم ( الديان ) ، ولم يَرِد هذا الاسم في القرآن ، ولكنه ورد في حديث النبي العدنان ، ورد دالاً على العلمية وعلى كمال الوصف .
عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن أُنَيْسٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَوْ قَالَ : الْعِبَادُ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ، قَالَ : قُلْنَا : وَمَا بُهْمًا ؟ قَالَ : لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ : أَنَا الْمَلِكُ ، أَنَا الدَّيَّانُ ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ ، وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ ، حَتَّى اللَّطْمَةُ ، قَالَ : قُلْنَا : كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ؟ قَالَ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ )) .
[ أحمد في المسند بسند حسن ]
1 – معنى : الديَّان :
و ( الديان ) مِن دانَ يدين ، أي جاز يجازي ، ويوم الدين هو يوم الجزاء .
طريقة الإيمان باليوم الآخر :
دائرة المحسوسات ودائرة المعقولات ودائرة الإخباريات :
ولا بد من وقفة متأنية حول طريقة الإيمان بيوم الجزاء ، بيوم الدين ، ونحن في سورة الفاتحة نقرؤها كل يوم عشرات المرات :
﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ .
( سورة الفاتحة ) .
الحقيقة أن هناك دوائر ثلاث ، دائرة المحسوسات ، وأداة اليقين بها الحواس الخمس ، ودائرة المعقولات ، وأداة اليقين بها العقل ، ودائرة الإخباريات ، وأداة اليقين بها الخبر الصادق .
في الدين حينما نضع كل قضية ، أو كل مقولة في مكانها الصحيح يسهل البحث فيها .
1 – دائرة المحسوسات :
فالمحسوسات شيء ظهرت عينه وظهرت آثاره ، ظهرت عينه أو ذاته ، وظهرت آثاره ، فأداة اليقين بها الحواس الخمس .
هناك ضوء متألق تراه بعينك ، صوت مسموع تسمعه بأذنك ، لون أبيض تدركه بالعين ، شيء خشن تحسه باللمس ، طعم مر تكتشفه بالذوق .
الله عز وجل أودع فينا الحواس الخمس ، والعلوم حينما تطورت صنعت استطالات للحواس الخمس ، فالمجهر استطالة للعين ، والتلسكوب استطالة للعين ، وتكبير الصوت استطالة للأذن .
إذاً : الدائرة الأولى دائرة المحسوسات ، أداة اليقين بها الحواس الخمس ، فأية قضية تعني شيئاً ظهرت عينه وآثاره أداة اليقين بها الحواس الخمس ، هذه قضية لا خلاف فيها ، ونحن نشترك فيها مع بقية المخلوقات .
إن الدابة حينما ترى حفرة تقف ، الحواس الخمس أداة اليقين بها ، الحواس الخمس نشترك فيها مع بعض المخلوقات .
2 – دائرة المعقولات :
ولكن الدائرة التي يتميز بها الإنسان هي دائرة المعقولات ، وتعني شيئاً غابت عينه ، وبقيت آثاره .
أنت ترى من التنظيم المنظِّمَ بعقلك ، وترى من التسيير المسيِّر ، وترى من الحكمة الحكيم ، وترى من الخلق الخالق .
الدائرة الثانية دائرة المعقولات ، وهي جهة غابت عينها وبقيت آثارها ، وهذا مجال العقل .
إن هذا الكون أثر من آثار الله ، بل هو الثابت الأول في العقيدة ، كون ينطق بوجود الله ، وأعيننا لا ترى الله .
﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَار ُ﴾ .
( سورة الأنعام الآية : 103 ) .
ولكن العقول تصل إليه ، فالذات الإلهية غابت عن حواسنا ، ولكن الله سبحانه وتعالى أودع فينا عقولاً نستطيع من خلال هذه العقول لا أن نحيط ، بل أن نصل ، وفرق كبير بين الإحاطة والوصول ، أنت بمركبتك تصل إلى البحر ، لكن بهذه المركبة لا تستطيع أن تخوض بها البحر ، فعقولنا تصل إلى الله .
وفي كل شيء آية تدل على أنه واحد
***
إذاً : الدائرة الثانية دائرة المعقولات ، يمكن أن تؤمن الإيمان الصحيح من خلال العقل ، فالكون يدل على الله ، يدل على الله موجوداً ، وواحداً ، وكاملاً ، وأسماء الله الحسنى ظاهرة في الكون ، بل إن الكون مظهر لأسماء الله الحسنى ، بل إن الكون يشفّ عن أسماء الله الحسنى ، فبإمكانك أن تصل إلى الله من خلال الكون ، أن تصل إليه مؤمناً بوجوده ، ووحدانيته ، وكماله .
ويمكن أن تصل من خلال العقل إلى أن هذا القرآن كلامه ، ولاسيما من خلال وقوع الوعد والوعيد ، ومن خلال إعجازه ، فوقوع الوعد والوعيد دليل قطعي على أن هذا الكلام كلام الله ، وإعجاز القرآن الكريم دليل أيضاً على أن هذا الكلام كلام الله .
ويمكن أن تؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال العقل ، لأن الذي جاء بهذا الكتاب المعجز لا بد من أن يكون رسول الله ، القضية واضحة جداً ، أنت بعقلك تؤمن بوجود الله ووحدانيته ، وكماله من خلال الكون .
وبعقلك تؤمن بأن هذا القرآن كلام الله من خلال الإعجاز ، ومن خلال وقوع الوعد والوعيد ، وأنت بعقلك تؤمن أن هذا الإنسان الذي اسمه محمد بن عبد الله هو رسول الله من خلال القرآن ، وهنا ينتهي دور العقل ، وأي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به .
مثلاً : هناك ميزان في أعلى مستوى ، وفي أعلى أداء ، إلا أنه مصمم لمكان أو لدكان ، أو لبقالية تستخدمه ما بين خمسة غرامات ، إلى خمسة كيلوات ، فيه ذواكر كثيرة و تعقيدات مذهلة ، ودقة بالغة ، إلا أن هذا الميزان مهمته محدودة ، بين خمسة غرامات وخمسة كيلوات ، مادام استخدامه ضمن هذين الحدين فهو يؤدي نتائج رائعة .
ويجب أن تؤمن أن العقل محدود بمهمة محدودة ، ما دام استخدامه في هذا المجال فالعقل يؤدي نتائج رائعة .
3 – دائرة الإخباريات :
إلا أنك إذا استخدمت العقل في شأن غيبي ، في شأن غابت عينه وآثاره فالعقل لا يفلح .
إذاً : أيّ شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به ، أخبرك الله بالقرآن الكريم عن الماضي السحيق ، عن بدء الخليقة ، أخبرك القرآن الكريم ماذا بعد الموت ، عن اليوم الآخر ، عن الحساب ، عن الجزاء ، عن الجنة ، عن النار ، عن الصراط ، أخبرك الله عن أسمائه الحسنى .
إذاً : ما دام البحث وفق هذا النظام ففي القضية الحسية أداة اليقين بها الحواس الخمس ، وفي القضية العقلية أداة اليقين بها العقل ، وفي القضية الإخبارية أداة اليقين بها الخبر الصادق .
القضية الأولى : ظهرت عين الشيء وآثاره .
القضية الثانية : غابت عين الشيء وظهرت آثاره .
القضية الثالثة : غابت عين الشيء وآثاره .
حينما تضع كل قضية في الدين في مكانها الصحيح تجد يسراً في الفهم ، ويسراً في اليقين ، ويسراً في التعامل معها ، فالقضايا التي غابت عينها وآثارها أداة اليقين بها الخبر الصادق .
يوم الدين من الدائرة الثالثة .
أنا أنصح كل الإخوة المؤمنين إذا تحاوروا مع إنسان اهتزت عنده بديهيات الإيمان ألا يطرحوا معه قضايا من النوع الثالث ليس لها دليل عقلي ، وليس لها دليل حسي ، دليلها الوحيد الإخباري ، وهو لا يصدِّق هذا الخبر الذي جاء به القرآن الكريم .
إذاً : يوم الدين من الدائرة الثالثة ، من دائرة موضوعاتها غابت عينها وآثارها ، وسبيل اليقين بها الخبر الصادق ، فنحن آمنا بالله من خلال الكون ، وآمنا بالقرآن من خلال الإعجاز ، وآمنا بالنبي الكريم من خلال القرآن ، وانتهى دور العقل ، وجاء دور النقل .
النقل أخبرنا أن هناك يومًا آخر ، يوما تسوى فيه الحسابات ، يوما تؤخذ من القوي إلى الضعيف من الظالم للمظلوم ، يوما يعطى لكل ذي حق حقه ، يوما يقوم الناس فيه لرب العالمين ، يأتي الناس ربهم فرادى ، هذا اليوم أساسي جداً في الإيمان .
الإيمان بالله واليوم الآخر ركنان متلازمان :
لذلك : ما اقترن ركنان من أركان الإيمان في القرآن كما اقترن الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر .
إن الإيمان بالله ينبغي أن يحملك على طاعته ، والإيمان باليوم الآخر ينبغي أن يمنعك من أن تؤذي مخلوقاً ، وما لم يحملك إيمانك بالله على طاعته ، وما لم يحملك إيمانك باليوم الآخر على البعد عن إيذاء خلقه فالإيمان لا قيمة له إطلاقاً .
بل قد أقول لكم إبليس حينما قال :
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾ .
( سورة ص الآية : 82 ) .
آمن بالله رباً وعزيزاً ، ولكن لأنه استكبر وعصى فهذا الإيمان لا قيمة له .
إذاً : لا قيمة للإيمان الذي لا يحملنا على طاعته ، ولا قيمة للإيمان باليوم الآخر الذي لا يحملنا على اتقاء أن نؤذي مخلوقاً .
قد يكون الإيمان باليوم الآخر من دائرة المعقولات :
أيها الإخوة ، إلا أن عالماً كبيراً من علماء المسلمين وهو ابن القيم رحمه الله تعالى يرى أن الإيمان باليوم الآخر من الدائرة الثانية ، دليله عقلي ، لأن العقل لا يقبل أن كوناً عظيماً يشفُّ عن خالق عظيم ، عن خالق قوي ، عن خالق كامل ، عادل ، رحيم أن يخلق إنسان قوياً وضعيفاً ، والقوي يأكل الضعيف ، وينتهي الأمر .
إنسان غني يستغل الفقير ، ويأتي يوم الدين ، وينتهي الأمر ، لا يعقل ، ولا يقبل ألاّ تسوى الحسابات ، لا يعقل ولا يقبل ألا يكون هناك يوم تسوى فيه الحسابات ، يؤخذ للضعيف من القوي ، للمظلوم من الظالم .
لذلك ورد في القرآن الكريم قوله تعالى :
﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾
( سورة مريم الآية : 71 ) .
أي النار ، وقد قال العلماء : ورد النار غير دخولها ، دخول النار دخول جزاء ، أما ورود النار فورود إطلاع ، فمِن أجل أن تتحقق من عدل الله الإنسان يرد النار يوم القيامة ، ولا يتأثر بوهجها ، ليرى تحقيق اسم الله العدل .
تحقيق اسم العدل كاملا يوم القيامة :
بالمناسبة ، أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا ، إلا أن اسم العدل محقق جزئياً ، فالله سبحانه وتعالى يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين ، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين ، ولكن تسوية الحسابات ، وختام الحسابات :
﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 185 ) .
إذاً : يمكن أن يكون الإيمان باليوم الآخر عن طريق العقل ، لأن كمال الخلق يدل على كما التصرف ، لا يعقل لإله عظيم ، قوي كريم ، رحمن رحيم أن يدع عباده من دون حساب ، قال تعالى :
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ .
( سورة المؤمنون الآية : 115 )
مستحيل وألف ألف مستحيل أن يُخلق الإنسان عبثا ، العبثية تتناقض مع وجود الله ، إما أن تؤمن بوجود إله كامل وعادل ، أو أن تؤمن بالعبثية ، لذلك الشر المطلق لا وجود له في الكون ، هناك شر نسبي ، موظف للخير المطلق ، أما الشر مطلق فلا يوجد ، لذلك :
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 26 )
لم يقل : والشر .
﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
لأن إيتاء الملك خير ، وأحياناً يعد نزع الملك خيرا ، خيراً للأمة ، وخيرا لمن أدبه الله بهذا ، والإعزاز خير ، والإذلال خير .
لذلك : يرى علماء التوحيد أنه لا يجوز أن تقول : الله ضار ، والضار من أسمائه ، بل ينبغي أن تقول : الله ضار نافع ، خافض رافع ، مذل معز ، أي هو يضر لينفع ، ويخفض ليرفع ، ويذل ليعز .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ )) .
[ رواه البخاري ]
حينما تؤمن بكمال الله ، ووحدانيته ترى أن الشر النسبي موظف للخير المطلق .
معنى صيغ المبالغة الواردة في صفات الله تعالى :
لذلك : ( الديان ) صيغة مبالغة ، وماذا تعني المبالغة إذا ارتبطت بأسماء الله الحسنى تقول : غفور ، وزن فعول من صيغ المبالغة ، يعني يغفر أكبر ذنب ، ويغفر مليون ذنب ، يغفر كماً ونوعاً .
إنّ صيغ المبالغة إذا تعلقت بأسماء الله الحسنى فتعني شيئين ، تعني المبالغة في الكمّ ، والمبالغة في النوع ، فالله عز وجل ( ديان ) ، بمعنى أنه سيحاسب عن كل الذنوب مهما كثرت ، و ( الديان ) سيحاسب عن أكبر الذنوب مهما كبرت ، لذلك :
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ .
( سورة الحجر ) .
النبي عليه الصلاة والسلام في عدد من أحاديثه ورد في نصوصه اسم ( الديان ) :
(( أنا الملك ، أنا الديَّان )) .
[ رواه أحمد عن أنيس رضي الله عنه ] .
(( والبر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ، والديان لا يموت ، اعمل كما شئت ، كما تدين تدان )) .
[ أخرجه عبد الرزاق في الجامع عن أبى قلابة ، وفي سنده ضعف ]
العاقل مَن يعيش مستقبله :
البطولة ألاّ تعيش الحاضر كشأن معظم الناس الغافلين ، البطولة أن تعيش المستقبل ، وفي المستقبل حساب دقيق :
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ )) .
[ رواه أحمد في مسنده عن عائشة ] .
وسيدنا عمر يقول : << والله لو تعثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها ، لمَ لمْ تصلح لها الطريق يا عمر ؟ >> .
أرجح الناس عقلاً من خاف من الواحد الديان ، أرجح الناس عقلاً من هيأ جواباً للملك العادل رب العالمين ، أعقل الناس من عاش المستقبل ، من عاش يوم الحساب .
لذلك سئُل طالب نال الدرجة الأولى في الامتحان : " لمَ نلت هذا التفوق ؟ قال : لأن لحظة الامتحان لن تغادر مخيلتي طوال العام " .
والمؤمن الصادق قبل أن يعطي ، قبل أن يمنع ، قبل أن يغضب ، قبل أن يرضى ، قبل أن يصل ، قبل أن يقطع ، قبل أن يطلّق ، قبل أن يتّهم ، قبل أن يفتري ، قبل أن يضرب ، قبل أن يفعل أيّ شيء نقول له : أعندك جواب لله عز وجل ؟
لو أن الله أوقفك يوم القيامة بين يده وقال لك : لمَ فعلت كذا ؟ منحتك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، لمَ فعلت كذا ؟ لمَ طلقت زوجتك ؟ لمَ أخرجت شريكك من الشركة ؟ لمَ ؟ لمَ لم تعتنِ بابنك ؟ كل شيء سوف نُسأل عنه ، والبطولة لا أن تعيش الحاضر كما يعيشه معظم الناس ، البطولة أن تعيش المستقبل .
فلذلك أيها الإخوة ، ما من إنسان أعقل ممن عاش اليوم الآخر ، لذلك يجب أن ننقل اهتماماتنا نقلاً حقيقياً من هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية ، يجب أن نُهيئ لكل سلوك جواباً له يوم القيامة .
يقول لي أحدهم : أنا أعطيت ابني هذا البيت ، أقول له : إذا كان معك جواب يوم القيامة فلا مشكلة أبداً ، أنت مالِك ، والمالك يهب ، والهبة جائزة في الشرع ، أما أحياناً تعطي عطاءً فيه محاباة ، وفيه ظلم .
فالبطولة قبل أن تفعل ، قبل أن تتحرك ، قبل أن تعطي ، قبل أن تمنع ، قبل أن تغضب ، قبل أن ترضى ، قبل أن تصل ، قبل أن تقطع ، هيئ لربك جواباً ، هيئ جواباً ليوم الدين ، وتقرأ في الفاتحة كل يوم :
﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾
والعقل أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه ، ومِن نعم الله العظمى هذا الخيال ، فالخيال يتيح لك أن تعيش المستقبل ، الخيال يتيح لك أن تصل إلى المستقبل قبل أن تصل إليه بل إن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بيّن لك مشاهد من يوم القيامة .
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ *يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى َنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ﴾ .
( سورة الحاقة )
الخاتمة :
إخوتنا الكرام ، أزمة أهل النار في النار أزمة علم ، والدليل :
﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ .
( سورة الملك ) .
فإذا أردنا الدنيا فعلينا بالعلم ، وإذا أردنا الآخرة فعلينا بالعلم ، وإذا أردناهما معاً فعلينا بالعلم ، والعلم لا يعطينا بعضه إلا إذا أعطيناه كلنا ، فإذا أعطيناه بعضنا لم يعطِنا شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، وطالبُ العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، والجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
والحمد لله رب العالمين
اسم الله : الديان (2)
أيها الإخوة الكرام ، من أسماء الله الحسنى اسم ( الديان ) ، والديّان هو المُجازي ، ويوم الدين يوم الجزاء .
1 – معرفةُ كونِ اللهِ ديَّانًا مُجازيًا تحمل العبد على الاستقامة :
الله سبحانه وتعالى يعلم ويحاسب ويعاقب ، ففي اللحظة التي يوقن فيها الإنسان أن أعماله كلها مسجلة عند الله عز وجل ، وأن الله سيحاسبه وَفق موازين دقيقة جدا ، وسوف يعاقبه ، لابد من أن يستقيم الإنسان على أمره .
2 – الكون مَظهرٌ لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى :
الله عز وجل يقول :
﴿ للَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ .
( سورة الطلاق ) .
هذه آية ذات أبعاد دقيقة جداً ، علة خلق السموات والأرض أن نعرفه :
﴿ لِتَعْلَمُوا ﴾ .
لذلك : التفكر في خلق السموات والأرض طريق لمعرفة الله ، بل إن التفكر في خلق السموات والأرض أقصر طريق إلى الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله :
﴿ للَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
هذه اللام لام التعليل ، هذا الكون مظهر لأسماء الله الحسنى ، وصفاته الفضلى ، هذا الكون يشفّ عن أسماء الله الحسنى وعن صفاته :
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ .
الحقيقة أن أسماء الله الحسنى كثيرة ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
(( إنَّ لِلَّهِ تَعالى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْما ً، إِلاَّ وَاحِداً ، مَنْ أحْصَاها دَخَلَ الجَنَّةَ )) .
[ متفق عليه ] .
وإحصاء الأسماء شيء ، وعدُّها شيء آخر .
﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا﴾ .
( سورة مريم ) .
لذلك : اختار الله من بين أسماءه الحسنى اسمين فقط :
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ .
هذان الاسمان وحدهما يكفيان كي تستقيم على أمر الله ، أي أن علم الله يطولك ، وأن قدرته تطولك .
نوضِّح هذه الحقيقة بمثل : إنسان في المجتمع المدني يركب مركبة ، وقد وقف على إشارة المرور الحمراء ، وأمام هذه الإشارة شرطي يراقب ، وشرطي على دراجة نارية يلاحق ، وضابط المرور في مركبة أيضاً يشرف ، وأنت مواطن من المواطنين ، لا تمتاز عن غيرهم بأية ميزة ، لا يعقل أن تتجاوز الإشارة ، بل مستحيل أن تتجاوزها ، لأنك موقن أن واضع قانون السير علمُه يطولك من خلال هذا الشرطي ، وقدرته تطولك من خلال حجز المركبة ، وسحب الإجازة ، ما دمت موقنا أن واضع قوانين السير علمه يطولك ، وقدرته تطولك لا يكمن أن تعصيه .
وصدقوا أيها الإخوة ، في اللحظة التي توقن بها أن علم الله يطولك ، وأن قدرتك تطولك لا يمكن أن تعصيه ، وحينما تعلم أن الله يعلم لن تعصِ أمره ، لا يعصي أمره إلا من فقد عقله .
بين العاقل والذكي :
النبي عليه الصلاة والسلام كان يمشي مع أصحابه في طرقات المدينة ، فإذا بمجنون ، فسأل سؤال العرف :
(( من هذا ؟ قالوا : هذا مجنون قال : لا ، هذا مبتلى ، المجنون من عصى الله )) .
[ ورد في الأثر ]
لذلك : ما كل ذكي بعاقل ، ينبغي أن نفرق بين الذكي والعاقل ، قد تملك أعلى اختصاصًا في العالم ، وقد تكون متبحراً في هذا الاختصاص ، بل قد تكون متفوقاً فيه ، ومع ذلك ربما لا يكون صاحب هذا الاختصاص عاقلاً ، قد يكون ذكياً ، وليس عاقلاً ، لأن الذكاء متعلق بالجزئيات ، هناك اختصاصات نادرة ، فيزياء نووية ، فيزياء حركية ، علم الحركة ، كيمياء عضوية ، هناك اختصاصات نادرة ، في علم الفلك اختصاصات نادرة ، فمن تبحر بهذه العلوم ، وتفوق بها فهو ذكي جداً ، أما إن كان لا يعرف ربه ، إن لم يعرف سبب وجوده ، إن لم يعرف غاية وجوده ، إن لم يجب عن هذه الأسئلة : من أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ فلا يعد عاقلاً .
فلذلك : هناك أمية عند العلماء ، كيف ؟ قد يكون العالم متفوقاً في اختصاصه ، لكن لأنه غفل عن الحقائق الكبرى التي ينبغي أن يعرفها فهو ليس بعاقل ، إذاً نقول : ما كل ذكي بعاقل .
وكما أن الطبيب قد يكون أمياً في شؤون الدين ، قد يكون عالمُ الدين أمّيًّا في شؤون الطب .
لابد من العلم بالله وأسمائه الله الحسنى وصفاته الفضلى :
إذاً : لا بد من علم يعد فرضاً عينياً على كل مسلم ، لا بد من علم يجب أن يعلم بالضرورة .
هذا المظلي قد يجهل شكل المظلة ، ولا شيء عليه ، يا ترى بيضوي ؟ مربع ، مستطيل ؟ على شكل شريط ؟ وقد يجهل نوع قماشها ، وقد يجهل عدد الحبال ، وقد يجهل نوع الخيوط ، قد يجهل معلومات كثيرة جداً ، ولا تثريب عليه ، أما إذا جهل طريقة فتح المظلة نزل ميتاً ، فهذا المظلي له أن يجهل ، لكن ليس له أن يجهل طريقة فتح المظلة .
يجب أن نعلم أيها الإخوة ، أن هناك علماً يجب أن يعلم بالضرورة ، أحياناً يركب الإنسان مركبته ، فيتألق على لوحة البيانات ضوء أحمر ، إذا فهم هذا التألق تزينياً احترق المحرك ، وتعطلت الرحلة ، وكلفه إصلاح مركبته مبلغاً فلكياً ، أما إذا فهم هذا التألق تألقاً تحذيرياً ، فأوقف المركبة ، وأضاف الزيت سلم المحرك ، وتابع الرحلة .
إذاً : الجهل قاتل ، ومن الجهل ما قتل ، هناك معلومات يمكن أن تستغني عنها ، يحتاجها أولو الاختصاص ، كيف أن في الدين دعوة إلى الله تعد فرضاً عينياً ، وهناك دعوة تعد فرضاً كفائياً ، والتبحر والتعمق والتفرغ فرض كفاية .
﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 104 ) .
أما أن تدعو إلى الله في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، فهذا فرض عيني ، لقوله تعالى :
﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ .
( سورة يوسف الآية : 108 ) .
إذاً : علة خلق السماوات والأرض أن تعلم أن الله يعلم ، وأفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه ، لذلك أعلى درجات الإيمان أن تعبده كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
لاحظوا أيها الإخوة ، إذا كنت في حضرة إنسان محترم من أقاربك ، له مكانة ، فإنك تنضبط في حركاتك ، وسكناتك ، وفي ارتداء ثيابك ، وفي نطقك ، وفي اختيار كلماتك ، وحينما تعلم أن الله يعلم فقد قطعت مرحلة واسعة جداً في معرفة الله .
لابد من الإيمان الحقيقي بالله وأسمائه الله الحسنى وصفاته الفضلى :
لا شك أيها الإخوة أن معرفة الله من الأسماء الحسنى هي جزء من العقيدة ، بل هي صلب العقيدة ، ذلك لأن الشيطان في ظاهر الآيات قال :
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾ .
( سورة ص الآية : 82 ) .
وقال :
﴿ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ .
( سورة الأعراف ) .
وقال :
﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ ﴾ .
( سورة الأعراف الآية : 12 ) .
كأن الشيطان في هذه الآيات آمن بالله خالقاً ، وآمن به رباً ، وآمن به عزيزاً ، وآمن باليوم الآخر ، ولكن لأنه ما عرف أسماءه الحسنى ، ولا صفاته الفضلى ، ما عرفه ، إذاً : ما عبده .
لذلك يوم القيامة الآية الكريمة :
﴿ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾ .
( سورة الحاقة ) .
العظيم مركز الثقل في الآية ، لأن أي إنسان يؤمن بالله ، وقلّما يكفر أحد بالله ، حتى الذين يعبدون الأصنام يقولون :
﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾
( سورة الزمر الآية : 3 ) .
فالإيمان بالله إيمانا بدائياً فطرياً عند كل الناس ، لكنك إن لم تؤمن بالله العظيم لم تؤمن الإيمان الحقيقي .
كيف أن الآية الكريمة :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً ﴾ .
( سورة الأحزاب ) .
التركيز على كلمة ( كثيرًا ) ، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً ، المنافق يذكر الله ، لكنه يذكره قليلا .
إذاً : حينما يقول الله عز وجل :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً ﴾
المطلوب الذكر الكثير ، والإيمان بالله المطلوب منه أن تؤمن بالله العظيم .
بالمناسبة أيها الإخوة ، الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله لا ينجي صاحبه ، والإيمان باليوم الآخر الذي يمنعك أن تؤذي مخلوقاً لا قيمة له إطلاقاً .
كأن ثمة دائرة كبيرة جداً كل ، من آمن بوجود الله ضمن الدائرة ، حتى الإنسان المتفلت يخفف من تفلته في رمضان ، معنى ذلك هو على شيء من الإيمان ، فأي إنسان أقر بوجود الله فهو مؤمن بهذا المعنى الواسع ، لكن الذي حمله إيمانه على طاعة الله دخل في دائرة ضمن دائرة .
الدائرة الأولى : كل من أقر بوجود الله مؤمن .
الدائرة الثانية : كل من حلمه إيمانه على طاعته فهو مؤمن ناجٍ ، لكن هذه الدائرة في مركزها الأنبياء والمرسلون المعصومون ، والذي لا يؤمن بوجود الله أصلاً خارج هذه الدائرة ، وكل من أقر بوجوده هو داخل هذه الدائرة ، وفي وسط هذه الدائرة كل من حمله إيمانه على طاعة الله دخل في الدائرة الثانية ، وفي مركز الدائرة الأنبياء والمرسلون .
فلذلك :
﴿ للَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
عدم تلبية حاجات الروح نزولٌ إلى مرتبة الحيوان :
لذلك أودع الله في الإنسان قوة إدراكية ، وما لم يلبِّ هذه الحاجة العلية سقط من مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، قال تعالى :
﴿ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء ﴾ .
( سورة النحل الآية : 21 ) .
قال تعالى :
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ .
( سورة الفرقان ) .
قال تعالى :
﴿ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾ .
( سورة المنافقون الآية : 4 ) .
فالإنسان حينما يتخلى عن طلب العلم ، حينما لا يعرف سر وجوده وغاية وجوده هبط عن مستوى إنسانيته ، وفي الإنسان كما تعلمون حاجات عليا ، وحاجات دنيا ، نحن وبقية المخلوقات في الحاجات الدنيا سواء ، لكن الإنسان ميزه الله بهذه الحاجة العليا ، لذلك قال تعالى :
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ .
( سورة الرحمن ) .
أيعقل أن يُعلم الإنسان القرآن قبل أن يُخلق ؟ لا ، الترتيب بالآية ترتيب رتبي ، فلا جدوى ، ولا معنى من وجود الإنسان من دون منهج يسير عليه ، لا جدوى لحياته .
3 – الديَّان يقيم الحُجّة على عقاب المذنب :
إذاً : لتعلموا أن الله يعلم ، وحينما تعلم أن علم الله يطولك ، هو ( ديّان ) ، يقيم عليك الحجة والبرهان .
الحاكم العادل يحاكم المذنب محاكمة أصولية ، ويدينه بأخطاء ثابتة ، فحينما يحكم عليه بعقاب أليم هذا العقاب مبرَّر ، بطولة الحاكم أن يقدم له الدليل على أنه مذنب ، هذا شيء ، والقمع شيء آخر .
لذلك الله عز وجل ( ديّان ) ، يعني يقيم على العبد المذنب الحجة .
﴿ اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ .
( سورة الإسراء ) .
لذلك أيها الإخوة ، حينما توقن أن الله يعلم ، وسيحاسب ، وسيعاقب لا يمكن أن تعصيه ، إذا عرفت اسم ( الديان ) .
﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ .
( سورة النساء ) .
والله لو أُبلِغ إنسان أن خطه الهاتفي مراقب لحاسب نفسه حساباً غير معقول في أثناء حديثه بالهاتف ، لو أُبلغ الإنسان أن حركته مراقبة لتحاشى أن يسير على رصيف فيه سفارة ، على الرصيف الثاني فيه الاحتياط ، فحينما يراقبك إنسان تنضبط أشد الانضباط ، فكيف إذا كان الواحد الديان يراقبك ؟
ما من معصية يقترفها الإنسان إلا بسبب ضعف مراقبته لله ، الله مع الإنسان ، لذلك قال تعالى :
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ ﴾ .
( سورة الحديد الآية : 4 ) .
قال علماء التفسير : ﴿ هُوَ مَعَكُمْ ﴾ ، لكن معية لطيفة ، فلو رافقك رجلٌ مدّةً طويلة تخرج من جلدك ، تقول له : دعني وشأني ، لكن الله سبحانه وتعالى معنا ، معك في بيتك .
﴿ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا * وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا * وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ .
( سورة الإسراء ) .
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنذِرْ عَشِيرَتَك الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ .
( سورة الشعراء ) .
والله أيها الإخوة ، ما من حال يسمو بالمؤمن كحال المراقبة
4 – من لوازم الديَّان العلم وإقامة الحُجّة والحساب :
الله ( ديّان ) ، أي يعلم ، و( ديان ) يقيم عليك الحجة ، و( ديان ) سيحاسب ، لمَ فعلت كذا ؟ و( ديان ) سيعاقب ، ثلاث كلمات لو تحققنا منها لما خرج أحد منا عن منهج الله ، الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب .
﴿ للَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ .
( سورة الإسراء الآية : 12 ) .
اختار من أسمائه اسم العليم والقدير ، فعلمه يطولك ، وقدرته تطولك .
أنت مواطن عاديّ ، والشرطي واقف ، الإشارة حمراء ، شرطي على دراجة نارية ، ضابط في سيارة ، مستحيل أن تخالف ، لكن متى تخالف ؟ تخالف إذا سرت الساعة الثالثة ليلاً ، ليس هناك شرطي ، إذاً : علم واضع القانون لا يطولك ، أو تخالف إذا كنت أقوى من واضع القانون ، قدرته لا تطولك ، هذا كلام دقيق ، إذا أيقنت أن علم واضع القانون يطولك ، وأن قدرته تطولك لم تعصِه .
﴿ للَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ .
( سورة المؤمنون الآية : 115 ) .
لا يمكن أن يجتمع إيمان بالله مع توهم العبثية .
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾
إنّ جامعة كلفت مبالغ طائلة ، وما فيها امتحان ؟! هذا مستحيل ! كل هذه النفقات ، وهذه العناية ، والتدريس ، والمخابر ، والمحاضرات ، والنفقات الباهظة ، بلا حساب ؟ بلا امتحان ؟
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾
لا يمكن أن يرتاح الإنسان لفكرة العبثية ولا للحظة .
وقد بينت لكم من قبلُ أن أحد العلماء يرى أن الإيمان باليوم الآخر إيمان عقلي ، لأنه لا يعقل ، ولا يقبل أن يُخلق هذا الكون بهذه الدقة ، وهذه العظمة ، من دون يوم تسوى فيه الحسابات :
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾
أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى
شيء آخر .
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴾ .
( سورة القيامة ) .
هل من المعقول من وجودِ قوي وضعيف وتنتهي الحياة ؟ ولا شيء بعد الحياة ؟ غني وفقير ؟ ظالم ومظلوم ؟ مُستَغِل ومُستَغَل ، قاهر ومقهور ، هذا الذي يُرى في الأرض ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( تُمْلَأُ الْأَرْضُ جَوْرًا وَظُلْمًا ، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي يَمْلِكُ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا )) .
[ أحمد ]
لذلك أعظم شيء يعزي المؤمن أن الله سيحاسب الخلائق يوم الدين .
أنت في سورة الفاتحة تقرأ :
﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ .
( سورة الفاتحة ) .
يحاسب ويعاقب .
5 – من لوازم الديَّان خضوعُ الخلائق له :
( الديان ) هو الذي خضعت له الخلائق خضوع إقرار ، وخضوع قوة .
أحيانا يكون الإنسان قويا ، لكن ليس معه حجة ، هذا قمعي ، و أحيانا معه حجة ، ولكنه ضعيف ، لا يستطيع أن يأخذ الحق من القوي إلى الضعيف .
لذلك ربنا عز وجل قوي ، والحجة قائمة منه على عباده .
﴿ قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ﴾ .
( سورة الأنعام الآية : 149 ) .
الله عز وجل ( ديان ) ، أخْضَع الخلائق لحسابه الدقيق ، وخضعوا لقدرته ، لذلك جاء أعرابي النبي عليه الصلاة والسلام ، قال : يا رسول الله عظني ولا تطل ، بهذه البساطة ، فتلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم الآية الكريمة :
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ .
( سورة الزلزلة ) .
قال : كُفيت ، آية واحدة اكتفى بها ، فالنبي تأثر ، قال : فقُه الرجل ، وفقُه في اللغة لا تعني أنه عرف الحكم ، تلك فقِه ، أما فقُه أصبح فقيهاً ، آية واحدة :
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾
فقال : فقُه الرجل .
وفي رواية ثانية أن أعرابياً آخر قال : يا رسول الله عظني وأوجز ، فتلا عليه هذه المقولة :
(( قلْ آمَنْتُ باللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ )) .
[ رواه مسلم عن سفيانَ بن عبد اللّه رضي اللّه عنه ] .
لما قال : ثم استقم ، قال : أريد أخف من ذلك ، قال : إذاً فاستعد للبلاء ، إن أردت أخف من ذلك فاستعد للبلاء ، لأن الله سبحانه وتعالى عدل ، ورحيم في آنٍ واحد .
6 – من لوازم الديَّان أنْ لا أحدَ يفلت من العقاب :
شيء آخر :
﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ .
( سورة الأعراف ) .
المتانة صفة توصف بها الأشياء التي تقاوم قوى الشد ، كقولك : حبل متين ، وأمتن شيء في حياتنا الفولاذ المضفور ، فالمصاعد والتليفريك والجسور كلها مربوطة بحبال من فولاذ مضفور ، لأنه أمتن شيء ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
هذا العاصي المتفلت مربوط بطريقة لا يمكن أن يتفلت من عقاب الله ، والآية الكريمة :
﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ ﴾ .
( سورة الأنفال الآية : 59 ) .
معنى سبقوا ؛ أي لا يحسبن الذين كفروا أنهم يمكن أن يتفلتوا من عقاب الله ، فالخلق كلهم في قبضة الله عز وجل ، لكن الحبل مرخى ، في أية لحظة يشد الله الحبل ، والذي هدم سبعين ألف بيت في غزة في ثانية فقدَ الوعي والحركة ، ولا يزال كما هو من سنتين ، الإنسان في قبضة الله ، في ثانية ينتهي كل شيء .
لذلك يقول عليه الصلاة والسلام في بعض أدعيته كما في حديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ )) .
[ مسلم ]
إذًا :
﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ ﴾
أي أنهم تفلتوا من عقاب الله ، أو أنهم فعلوا شيئاً ما أراده الله .
خاتمة :
إن والإنسان يخضع كما تعلمون ، ويحب الكمال والجمال والنوال ، يحب الكمال المطلق ، ويحب الجمال ، ويحب العطاء ، وهي مجتمعة في ذات الله عز وجل ، فهو كامل ، ذاته كاملة ، وهو محسن .
﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ .
( سورة الرحمن ) .
بقدر ما هو عظيم تجله ، بقدر ما هو كريم تحبه .
والحمد لله رب العالمين
((اللهم اجعل عمله كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لاحد فيه غيرك شيئا))
((اللهم اجعل عملنا كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لاحد فيه غيرك شيئا))
((اللهم اجعل عملنا كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لاحد فيه غيرك شيئا))
((اللهم اجعل عملنا كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لاحد فيه غيرك شيئا))
((اللهم اجعل عملنا كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لاحد فيه غيرك شيئا))
((اللهم اجعل عملنا كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لاحد فيه غيرك شيئا))
اسم الله : المحسن(1)
1 – ورودُ اسم ( المحسن ) في السنة النبوية :
قد ورد هذا الاسم في السنة النبوية دالاً على كمال الوصفية مرادا به العلمية ، فقد ورد عند الطبراني من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله على وسلم قال :
(( إذا حكمتم فاعدلوا ، وإذا قتلتم فأحسنوا ، فإن الله عز وجل محسن يحب الإحسان )) .
[ الجامع الصغير بسند حسن ]
2 – الإسلام أمَرَ بالإحسان مطلقًا :
التعذيب ممنوع ، لو رأيت عقربا يجب أن تقتله بضربة واحدة ، أما أن تفنن في تعذيبه فهذا مناقض لمنهج الله عز وجل .
وقد ورد من حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ : ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ :
(( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ِ)) .
[ مسلم في صحيحه ]
صورة نبوية لسيدنا إبراهيم في الإحسان إلى الضيف :
أيها الإخوة ، قضية الإحسان أن يأتي فعلك كاملاً ، لو أنك دعوت إنسان إلى طعام فقد علّمنا القرآن آداب الدعوة ، فقال عز وجل :
﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء﴾
( سورة الذاريات الآية : 26 ) .
سيدنا إبراهيم راغ ، أي انسلّ خفية ، لم يستأذن الضيف في إحضار الطعام ، لأن الضيف يستحي ، لو عرضت على أن تأتيه بالطعام لتعفف ، يقول لك : لست جائعا .
لذلك من كمال أدب الضيافة ألاّ تستأذن الضيف في إحضار الطعام :
﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء﴾
أي انسل خفية .
﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ .
( سورة هود) .
لم يكن إحضار الطعام متأخراً ، جاء الطعام سريعاً ، وهذا من كمال الدعوة ، وجاء بطعام نفيس :
﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾
أي طيب .
الآن :
﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ﴾ .
( سورة الذاريات الآية : 27 ) .
أحياناً يكون طبق الطعام بعيدا عن الضيف ، يستحي أن يتمطى ليصل إليه ، يجب أن تقرب له الطعام ، وهناك إنسان أحياناً يضع الطعام أمام الضيف ، أو يضع الفاكهة أمام الضيف ، ولا يدعوه إلى تناول الطعام ، حديث ممتع ، أو حديث خطير ، فالطعام أمامه ، أو الفاكهة أمامه ، ولا يقول له : تفضل ، والضيف يستحي أن يمد يده قبل أن يدعى .
﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء﴾
﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾
﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ﴾ .
﴿ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾
( سورة الذاريات )
كمال الإحسان في الدعوة ألا تستأذن الضيف ، وأن يأتي الطعام سريعاً ، وأن يكون الطعام طيباً ، وأن يقرب الطعام إلى الضيف ، وأن يدعى إلى تناول الطعام .
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ
كلمة إحسان واسعة جداً ، الله عز وجل قال :
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ .
( سورة السجدة الآية : 7 ) .
الإحسان في خَلق الإنسان :
جعل لك عينين ، ولولا العينان لما أدركت البعد الثالث ، أنت بعين واحدة ترى بعدين سطحيين ، لكنك في العين الثانية ترى البعد الثالث ، ترى العمق .
وجعل لك أذنين ، وبأذن واحدة يصل الصوت إليك ، لكن بالأذنين تعرف جهة الصوت .
وجعل العين في محجر لتكون في حرز حريز ، وجعل الدماغ في صندوق عظمي بالجمجمة ، وجعل النخاع الشوكي في العمود الفقري ، وجعل أخطر معمل معامل الكريات الحمراء في نقيِ العظام .
جعل الرحم في عظم الحوض .
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ .
وفي الشَّعر ، جعل لكل شعرة وريدا ، وشريانا ، وعصبا ، وعضلة ، وغدة صبغية وغدة دهنية ، وليس في الشعر أعصاب حس ، من أجل أن تهذب شعرك من دون مستشفى ، ولولا أن الشعر خالٍ من أعصاب الحس لاضطر الإنسان إن أراد أن يهذب شعره إلى تخدير شامل في المستشفى .
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ .
قرنية العين جعلها شفافة ، إذاً : لابد من أن تغذى قرنية العين بطريقة فريدة ، لا عن طريق الأوعية ، بل عن طريق الحلول ، من أجل أن تكون الرؤية شفافة شفافية مطلقة أودعت العين مادة مضادة للتجمد ، لو أن ماء العين كان صاحبه في مكان الحرارة دون الصفر لفقد بصره ، لكن أودع الله في ماء العين مادة مضادة للتجمد .
أعظم هذا التصريف احترافية رقمية في ـ المليمتر ـ عشرة آلاف مستقبل ضوئي ، أما في شبكية العين في المليمتر مئة مليون مستقبل ضوئي
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
الله ( محسن ) ، من أجل أن تفرق بين 8 ملايين لون ، ولو درجت اللون الواحد إلى 800 ألف درجة لكشفت العين السليمة الفرق بين الدرجتين :
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
القلب يضخ ثمانية أمتار مكعبة من الدم كل يوم ، قد يحتاج الإنسان إلى متر مكعب من الوقود السائل طوال الشتاء ، أما القلب فيضخ ثمانية أمتار مكعبة من الدم كل يوم بلا كلل وبلا ملل .
الحديث عن الجسم لا ينتهي ، المعدة ، الأمعاء الدقيقة ، الكليتان ، جهاز التصفية ، العضلات الملساء والمخططة ، الإرادية واللاإرادية ، والأوعية ، الشرايين عميقة ، والأوردة سطحية ، لو عكست الآية ، وجُرح الإنسان لخرج دمه كله .
حدثني طبيب جراح قطع معه في أثناء عمل جراحي شريان ، أقسم لي أن الدم وصل إلى سقف الغرفة من الضغط ، فالأوعية خارجية ، أما الشرايين فعميقة .
لو دققت في خلق الإنسان لوجدت العجب العجاب ، حتى في الحواس الخمس .
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾
( سورة القمر ) .
كأس الماء لو رأيت ما فيه من بكتريات لما شربته ، جعل للبشر عتبة لا ترى أكثر مما ينبغي أن تراه ، ولا تسمع أكثر مما ينبغي أن تسمعه .
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ .
لذلك كلمة محسن تعني أنه محسن في خَلقه ، محسن في التصميم ، محسن في الأجهزة ، محسن في الحواس ، محسن في قوام الإنسان .
هذا المفصل داخلي ، أما الركبة فخارجة ، تصور العكس ، تصور لو لم يكن هذا المفصل كيف يأكل الإنسان ؟ يجب أن يأكل كالهرة تماماً ، ينبطح ويتناول الطعام بلسانه من الطبق مباشرة .
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ .
( سورة التين ) .
الإحسان في خلق الفواكه :
انظر إلى التفاحة بحجم مناسب ، وبقوام مناسب ، وبرائحة مناسبة ، وبشكل مناسب ، وبمحتويات مناسبة ، فيها حديد ، فيها سكر ، فيها معادن ، فيها كالسيوم ، فيها مغنزيوم :
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
3 – معنى ( المحسن ) :
لذلك : ( المحسن ) شيء دقيق جداً ، ( المحسن ) اسم فاعل من أحسن يحسن إحساناً ، فهو محسن ، والحسن ضد القبح ، وحسن الشيء زينه ، يعني تصور إنسان بلا جلد منظره لا يحتمل .
تماماً كبيت على الهيكل ، أما كسوة البيت ، والطلاء ، والنوافذ ، والأرض ، والأثاث :
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
صوَرٌ من إحسان الله في مخلوقاته :
تصور الإنسان بلا شعر ، لكنه بشعر وجلد ، والجلد متماسك ، والأعضاء متناسقة ، تصور الإنسان بلا جهاز توازن ، يحتاج الإنسان إلى قاعدة استناد تزيد على سبعين سنتيمترًا حتى يبقى واقفا ، أما بقدم صغيرة لطيفة تبقى متوازنا ، فالتوازن سره في أجهزة التوازن ، ففي الأذن ثلاث قنوات ، فيها سائل ، فيها أهداب ، وأي ميل يبقى السائل مستوى يمس أهداب من جهة معينة ، فتدرك أنت أن هناك خللا في التوازن ، فتصحح الوضع ، ولولا جهاز التوازن في الأذن لما استطاع الإنسان أن يقف إطلاقاً .
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ .
انظر إلى طعامك ، لو أن المحاصيل القمح والشعير والعدس والحمص تنضج تباعاً كالفواكه ، شيء لا يحتمل ، تمسك سنبلة فتقول : يا ترى نضجت كي أقطعها ؟ المحاصيل تنضج في وقت واحد .
لو أن الفواكه تنضج في وقت واحد لكان شيئا غير محتَمل ! حقل البطيخ يعطيك لتسعين يوما على مدى أشهر الصيف ، كل الفواكه والخضروات تنضج تباعاً ، ولو أن كل الفواكه يبدأ نضجها في وقت معين لكان الأمرُ صعبًا ، لكن تبدأ بفاكهة ، بعد شهر فاكهة ثانية ، آخر شيء العنب في الخريف ، قبله التين ، قبله الإجاص ، قبله الدراق ، قبله الكرز ، أيضاً الفواكه موزعة في الصيف توزيعا مريحا ، على مدى الصيف ، كل أسبوعين أو ثلاثة أو شهر ينضج نوع من الفاكهة ، هذا من الإحسان .
البقرة تعطيك من الحليب ما يفوق ثمن الطعام ، لو أنها تعطيك من الحليب أقلّ من ثمن الطعام فلا أحد يقتني بقرة ، لو أن الدجاجة تعطي في الشهر بيضة واحدة لكانت مكلفة ، وأصبحت غير اقتصادية ، كل يوم لها بيضة ، وطعام الدجاج لا يساوي الإنتاج الذي ينتجه من البيض ، وهذا من الإحسان .
لو أن هذا الفكر بدأ يجول في خلق الله عز وجل لتعرف على الله ، لذلك أرقى عبادة هي التفكر :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ .
( سورة آل عمران ) .
صفة الإحسان تتجلّى في جهاز المناعة المكتسب :
أنت معك جهاز مناعة عبارة عن جيش بكل معاني الكلمة ، فيه خمس فرق : فرقة الاستطلاع ، فرقة مهمتها استخبارية فقط ، يدخل الجرثوم إلى الجسم فتتجه كريات بيضاء من فرقة الاستخبارات ، وتأخذ شفرة الجرثوم ولا تقاتله ، تأخذ هذه الشفرة إلى مركز صنع المصول ، إلى مركز معامل الدفاع في العقد الليمفاوية ، وتعطي العقد تركيب الجرثوم ، وصفاته الكيماوية ، هذه المراكز معامل أسلحة تصنع المصل المضاد لهذا الجرثوم ، المعامل أو العقد الليمفاوية تشكل معامل للسلاح ، والفرقة الاستطلاعية تشكل جهاز المخابرات في الجسم ، وهناك فرقة المقاتلين ، وهي الفرقة الثالثة ، هذه الفرقة تحمل المصل المضاد ، وتتجه إلى الجرثوم فتقاتله ، وينشب بينهما قتال ، وقد ينتصر الجرثوم ، وربما لا ينتصر .
عندنا فرقة رابعة ، وهي فرقة الخدمات ، هذه الفرقة تنظف أرض المعركة ، وتدفن الجثث ، وأحياناً يرى الإنسان كتلة بيضاء في جلده ، هذه أثر معركة بين الجراثيم وكريات الدم الحمراء ، هذا تصميم من ؟
هناك فرقة أخرى خامسة ، وهي فرقة تكتشف الخلية السرطانية في وقت مبكر جداً وتلتهمها ، وفي الإنسان ملايين الخلايا السرطانية ، لكن لكل خلية سرطانية قامع يمنعها أن تكون فعالة ، وهناك أشياء تفك هذا القامع ، الشدة النفسية ، والمواد البترولية ، والمواد البلاستيكية ، والإشعاع النووي هذه أسباب السرطان ، فجهاز مناعة مكتسب جهاز مذهل .
الدماغ موضوع في صندوق عظمي ، بين الدماغ والصندوق سائل ، هذا السائل من أجل امتصاص الصدمات ، لو أن طفلا وقع على رأسه هذا الاهتزاز الشديد السائل يوزعه على كامل مساحة الدماغ ، يبقى الطفل سليماً .
التفكر في خلق السموات والأرض يجعلك تقف أمام عظمة الله عز وجل ، وأمام الإحسان .
لذلك الله عز وجل يصف نفسه عن طريق نبيه بأنه محسن كاسم ، أما كفعل :
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
كمعنى :
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
في أكمل حالة .
إحسان الله يتجلى في عظام الإنسان :
في خلق الإنسان شيء عجيب ، مثلاً : الخلية العظمية هذه تنمو ، فإذا وصل الإنسان إلى المستوى الكامل يقف النمو .
من أسماء الله عز وجل ( القابض ) و (الباسط ) ، يقف النمو ، وتنام الخلية العصبية ، وبعد سبعين سنة من نومها إذا حصل كسر تستيقظ كي يلتئم العظم ، هذا صنع مَن ؟ قدرة مَن ؟
العظام متينة جداً ، أنت ماذا تأكل ؟ تأكل الحديد ، فإذا به عظم ، عنق الفخذ يتحمل قوة ضغط تساوي تقريباً 250 كغ ، كل عنق فخذ يتحمل ربع طن ، العنقين نصف طن ، هذا العظم المتين من أين جاءته المتانة ؟! .
ميناء الأسنان ثاني أقسى عنصر في الكون ، الأول الماس ، بعده ميناء الأسنان ، من أين جاءت هذه ؟ .
أيها الإخوة ، هذا من كمال خلق الله :
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
3 – ينبغي لك أن تكون محسنًا :
الآن أنت أيها الإنسان ، من أجل أن تتخلق بكمال مشتق من كمال الله ينبغي أن تكون محسنا ، لذلك قال الله عز وجل :
﴿ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾
( سورة لقمان الآية : 22 ) .
كما أن الله محسن إليك ، منحك نعمة الإيجاد ، ومنحك نعمة الإمداد ، ومنحك نعمة الهدى والرشاد ، ينبغي أن تكون محسناً ، وكلمة محسن هي ألصق صفة بالإنسان المؤمن ، محسن في كلامه ، فلا بذاءة ، ولا تهجم ، ولا سخرية ، ولا فحش ، ولا طرف قبيحة محرجة تُحمّر الوجه ، بل الكلام منضبط ، محسن في تصرفاتك ، محسن في زيارتك ، محسن في قيادة مركبتك ، محسن في تنظيم عملك .
4 – الإحسان صفة جامعة شاملة :
الإحسان صفة الواحد الديان ، وكل إنسان مؤمن ينبغي أن يشتق هذه الصفة من الله عز وجل ، محسن في تربية أولاده ، محسن في علاقاته ، محسن في مواعيده ، محسن في دعواته ، محسن في أفراحه ، محسن في أحزانه ، الإحسان صفة جامعة مانعة ، فكما أنك تكتشف إحسان الله من خلال خلقه ، يجب أن تكون أنت محسناً تجاه الخلق .
الزوج يجب أن يكون محسناً لزوجته :
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ .
( سورة النساء الآية : 19 ) .
محسن في تربية أولاده :
(( علموا ، ولا تعنفوا ، فإن المعلم خير من المعنف )) .
[ الجامع الصغير بسند ضعيف عن أبي هريرة ]
محسن في عمله ، عمله متقن .
(( إن الله يحب من العبد إذا عمل عملا أن يتقنه )) .
[ الجامع الصغير بسند حسن عن عائشة ]
أنا لا أصدق أن هناك صفة شاملة إلى درجة لا تصدق ، هناك إحسان في الكلام ، إحسان في المعاقبة ، اتق الوجه ، أردت أن تؤدب ابنك فاتقِ الوجه ، لأنه كرامة الإنسان ، فالنبي نهي عن ضرب الوجه ، هناك ضرب معتدل ، ليس القصد إيقاع الألم الشديد ، القصد لفت نظره .
مرة النبي الكريم أرسل غلاما في حاجة ، وتأخر كثيراً ، فغضب ، النبي بشر ، معه سواك ، قال له :
(( لولا القصاص لأوجعتك بهذا السواك )) .
[ الجامع الصغير بسند ضعيف عن أم سلمة ]
محسن في تربية أولاده ، إذا كنت مدير مؤسسة فكن محسنًا في معاملة الموظفين .
كلمة ( محسن ) واسعة اتساعا يفوق حد الخيال ، الاحتفال فيه إحسان ، وأحيانا يكون الاحتفال في أربع ساعات ، والله فيه إساءة ، والوقت ثمين جداً ، أما احتفال منظم في ساعة ونصف فيه إحسان خيرٌ ، وهناك تعزية ما فيها إحسان ، في بعض البلاد التعزية تقريباً عشرين ساعة بغير كلام ، ولا قرآن ، كلام فقط ، حديث عادي .
قضية الإحسان تشمل الأفراح والأتراح ، وتربية الأولاد ، حتى في الثياب إحسان ، ثياب نظيفة ، ألوانها متناسقة ، بسيطة ، ما فيها تعقيدات ، حتى في مكان عملك فيه نظام ، ونظافة ، وترتيب بالدكان ، هذا أيضاً إحسان .
في علم النفس تعلّمنا أن هناك صفات وسمات ، السمات عميقة جداً ، مثلاً : سما ، والضبط يظهر في مواعيد مضبوطة ، والضبط يظهر في هندام منضبط ، والضبط يظهر في مشروع منضبط .
الآن هناك برامج كمبيوترية ، يمكن أن تبدأ بالبناء فما تضيع ثانية ، الموضوع مدروس دراسة دقيقة جداً ، كل شيء يحتاج إلى جفاف ، وإلى استواء ، يعطيك ماذا تفعل من أجل أن لا تضيع ثانية واحدة ، والإنسان كلما تقدم صان وقته ، وأدار وقته .
هناك إحسان يكون في إدارة في الوقت ، أحياناً إلغاء الروتين إحسان ، تخفيف الأعباء على مواطن إحسان ، هذا يشمل الأنظمة التي تنظمها الدولة ، أحيانا تجمع حاجات المواطنين في بناء واحد ، هذا إحسان .
كلمة إحسان واسعة بشكل غير معقول ، يمكن أن تكون محسناً في كلامك ، وفي تصرفك ، وفي تربية أولادك ، وفي معاملتك لزوجتك ، وفي عملك ، وفي أفراحك ، وفي أتراحك ، في كل شيء .
إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، والمؤمن محسن ، والمؤمن يشتق هذه الصفة العالية من الله عز وجل :
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ .
( سورة الأعراف الآية : 180 ) .
أي تقربوا من الله بكمال مشتق من كمالات الله .
والحمد لله رب العالمين
اسم الله : المحسن (2)
1 –
1-إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ :
أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا مع اسم الله ( المحسن ) ، فقد ورد في صحيح مسلم من حديث شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ )) .
حتى لو قتلت حية ، أو قتلت عقرباً .
(( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ )) .
2 – الحسنى هي الجَنة ، لأن فيها كمال مطلقٌ :
أيها الإخوة ، الإنسان خُلق للجنة .
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ .
( سورة الليل ) .
صدق أنه مخلوق للجنة ، وهذه الدنيا دار أعداد ، دار تكليف ، سمّى الله الجنة ﴿ ِالْحُسْنَى ﴾ ، لأن فيها الكمال المطلق .
﴿ لَهُم مَّا يَشَاءونَ فِيهَا ﴾ .
( سورة ق الآية : 35 ) .
أما الدنيا فطبيعتها الكدح .
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ .
( سورة الانشقاق ) .
نظام الدنيا شيء ، ونظام الآخرة شيء آخر ، نظام الدنيا هي دار تكليف ، نظام الآخرة دار تشريف ، نظام الدنيا دار عمل ، نظام الآخرة دار جزاء ، الحسنى مبنية على قوله تعالى :
﴿ لَهُم مَّا يَشَاءونَ فِيهَا ﴾
﴿ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾
( سورة ق ) .
أي شيء تطلبه وأنت في الجنة هو بين يديك :
﴿ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾
لأن الإنسان دفع ثمن الجنة في الدنيا ، في الدنيا أودع الله فيه الشهوات ، أعطاه الاختيار ، سخره له ما في السموات وما في الأرض ، فيه قبضة من قبضات الأرض ، وفيه نفخه من نفخات الله ، فلذلك عندما تنجح في الدنيا تستحق الجنة .
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾ .
( سورة يونس الآية : 26 ) .
فالذي صدق أنه مخلوق للجنة يتقي أن يعصي الله ، ويبني حياته على العطاء .
المكذِّب بالحسنى مؤمن بالدنيا فقط :
لو سألتني عن فرق صارخ بين المؤمن وغير المؤمن فإن المؤمن حياته مبنية على العطاء ، قمة سعادته في أن يعطي ، لا أن يأخذ ، وغير المؤمن قمة سعادته في أن يأخذ .
لذلك الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا :
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾ .
( سورة الليل ) .
الذي كذب أنه مخلوق للجنة ، واعتقد أنه مخلوق للدنيا استغنى عن طاعة الله ، وبنى حياته على الأخذ ، وأنت ببساطة يمكن أن تكتشف ما إذا كنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة ، فإذا أسعدك أن تأخذ ، وتتوهم أنك ذكي جداً حينما تأخذ ما ليس لك فأنت من أهل الدنيا ، وتسمى عند الناس ذكيًّا ، أما إذا أسعدك أن تعطي فأنت من أهل الآخرة .
إذاً : الحسنى هي الجنة ، ثمن الجنة :
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾
3 – ينبغي للمؤمن أن يتحلى بصفة الإحسان :
كما أن الله محسن ينبغي أنت أيها المؤمن ينبغي أن تتخلق بهذا الكمال ، أي يكون عملك مشمولاً بالإحسان ، فإن أعطيت فأعطِ دون أن تمن ، وإنْ عاقبت فعاقب دون أن تحقد ، وإنْ عملت فاعمل عملاً متقناً ، وإن زرت فكن متواضعاً ، لا تصغر دنيا هذا الإنسان في نظره ، انقله إلى الآخرة .
4 – الإحسان شامل لكل شيء :
قضية الإحسان لا أعتقد أن شيء أوسع منها ، يمكن أن تحسن وأنت ، تعاقب أن تحسن وأنت تمنع ، أن تحسن وأنت تعطي ، أن تحسن وأنت تقاتل :
(( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ )) .
حتى ولو قتلت حيواناً مؤذياً أمرك الله بقتله فينبغي ألاّ تعذبه ، هذا شأن المؤمن .
إن المؤمن يحترم أن تكون السمكة في أعلى درجة الحركة ، ثم يأخذ أحشاءها وينظفها ، قبل أن تثبت وتموت ، قال تعالى :
﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ﴾ .
( سورة الحج الآية : 36 ) .
بعد أن تخرج روحها تماماً ، وتستقر ، وتثبت الآن نظفها :
(( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ )) .
5 – وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ
أيها الإخوة ، الآن الآية الكريمة :
﴿ مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ .
( سورة النساء الآية : 125 ) .
المعنى دقيق جداً ، لن تستطيع أن تقبل على الله إلا إذا كنت محسناً ، يقول لك أحدهم : لا أخشع في الصلاة ، إن كنت محسناً تخشع في الصلاة .
﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾
( سورة البقرة ) .
الذي استقام على أمر الله ، وخضع له في الصلاة يشعر بهذه الصلة ، الصلة لها ثمن :
﴿ مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾
المؤمن الخشوع سهل عليه ، والركوع سهل عليه ، لأنه أحسن في كل أعماله .
من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام :
6 – الإِحسَانُ أَنْ تعَبْدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ
(( الإِحسَانُ أَنْ تعَبْدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ )) .
[ مسلم عن أبي هريرة ]
لاحظ نفسك إن جاءك ضيف مِن علية القوم ، ضيف محترم جداً ، فهو على فهم ، وعلى علم ، وعلى قوة ، وعلى تفوق ، وعلى أخلاق ، جاءك زائراً هل يعقل أن تجلس أمامه بثياب غير متبذله ؟ هل يعقل أن تجلس أمامه ، وتضع رجلاً على رجل ؟ لا تستطيع ، هل يعقل أن تجلس أمامه وتعبث بالسبحة ، لا تستطيع ، هل يعقل أن تقول كلاما لا يليق ؟ لا تستطيع .
أنت أمام إنسان من علية القوم تضبط كلامك ، تضبط جلوسك ، تضبط ثيابك ، تضبط حركتك ، وهو إنسان دخل إلى بيتك فتلاقيه بالنظر إلى جهة واحدة ، لأنه ليس من أدب الضيف أن يزيغ البصر عنه .
﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ .
( سورة النجم ) .
لذلك الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه .
وأنا أقول لكم أيها الإخوة : أفضل حالة من حالات المؤمن أن تشعر أن الله معك لذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ )) .
[ الترمذي]
الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، هذا حال المراقبة .
والله أيها الإخوة ، هناك آيات في كتاب الله تكفي :
﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ .
( سورة النساء الآية : 1 ) .
تفعل هذا مع إنسانْ مثلِك فكيف برب العالمين ؟!!
أنت مع إنسان ، لو وصل إلى سمعك أنك مراقب مِن قِبَل إنسان فإنك تضبط حركتك ، إذا مشيت على رصيف وإلى جانب هذا الرصيف سفارة تنتقل إلى الرصيف الآخر ، لأنك مراقب ، هذا شأن المراقب .
حينما تشعر أن الله معك ، وأن الله يراقبك ، هذه درجة من الإيمان عالية جدا ، هذه الدرجة تقتضي الانضباط ، وحينما تشعر أن علم الله يطولك ، وأن قدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه ، ولا يمكن أن تعصيه ، بل تكون عندئذٍ محسناً .
وقد ضربت لكم من قبل هذا المثل : إنسان مواطن من الدرجة العادية أو الدرجة الثانية ، وقف عند الإشارة الحمراء ، والشرطي واقف ، والضابط واقف ، وشرطي آخر على دراجة واقف ، فالأول يضبطه ، فإذا خالف يلحقه الثاني ، والثالث لئلا يتواطأ هذا الشرطي مع هذا المواطن ، وهو من الدرجة الثانية هل يعقل أن يخالف ؟ مستحيل ، مع إنسان وضع قانون السير لا يمكن أن تخالفه ، لأنك موقن أن علمه يطولك ، عن طريق هذا الشرطي ، وعن طريق الشرطي الثاني ، وعن طريق الضابط في السيارة ، وأن قدرته تطولك ، تسحب منك الإجازة ، وتصادر السيارة ، مثلاً ، أنت مع إنسان من بني جلدتك ، لكن علمه يطولك ، وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه ، لكن بحسب الواقع في إنسان يخالف الإشارة في الساعة الثالثة ليلاً ، لأنه علم واضع القانون لا يطوله ، وقد يخالفها في رابعة النهار ، إذا كانت قدرة واضع النظام لا تطوله ، إن طالك علمك أو طالتك قدرتك فلا يمكن أن تعصيه ، أما إن توهمت أن علمه لا يطولك ، وأن قدرته لا تطولك فإنه يمكن أن تعصيه ، فكيف مع خالق السموات والأرض ؟ لا تخفى عليه خافية .
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾
( سورة غافر الآية : 19 ) .
كتوضيح لهذه الآية : طبيب أمامه مريضة ، وقد سمح له الشرع أن ينظر إلى مكان المرض ، لو اختلس نظرة إلى مكان آخر لا تشكو منه ، ليس في الأرض كلها جهة يمكن أن تضبط هذه الخيانة ، إلا الله ، فإنه :
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾
﴿ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ .
( سورة غافر ) .
فهو مطّلع عليك ، تتكلم يسمعك ، تتحرك يراك ، تضمر شيئاً يعلمه ، لا تخفى عليه خافية ، هذا مقام الإحسان ، حينما تشعر أن الله معك ، لكن معك بلطف ، سميع بصير عليم ، سميع إذا تكلمت ، بصير إذا تحركت ، عليم إذا أضمرت ، مقام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، هو محسن في كل شيء ، الدليل :
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ .
( سورة السجدة الآية : 7 ) .
صورٌ من إحسان الله في مخلوقاته :
هذا الفرخ الذي في البيضة ، ينشأ في منقاره نتوء مؤنف حاد يكسر بهذا النتوء البيضة ، فإذا خرج منها ضمر هذا النتوء ، هل هناك من إحسان أدق من ذلك ؟ في منقار الصوص ، وهو في البيضة ، كيف يخرج منها ، ينمو له نتوء مؤنف كالإبرة تماماً من أجل أن يكسرها ، يكسر القشرة بهذا النتوء ، فإذا خرج من البيضة ضمر هذا النتوء ، وتلاشى .
في طحال الرضيع كمية حديد تكفيه عامين ، الحليب ليس فيه حديد :
﴿ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
قرنية العين شفافة ، تنفرد بنظام تغذية خاص ، تتغذى لا عن طريق الشعريات ، بل عن طريق الحلول :
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
الماء بدرجة زائد أربع يتمدد ، ولولا تمدده لما كان هذا الدرس ، ولما كانت هذه البلدة ، ولما كان إنسان على وجه الأرض :
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
الصقر يرى ثمانية أمثال رؤية الإنسان ، يرى طعامه في الماء وهو في أعالي الجو ، الإنسان يرى ، أما الصقر فسوف يغامر ، ويسقط من أعالي السماء ليأكل ، فإذا لم يكن بصره حادًّا يرى طعامه على سطح الأرض وهو في أعالي السماء لا يكون خلقه حسنًا .
الحديث عن الآيات التي تؤكد أن الله ( محسن ) لا تنتهي :
هذا الصوان ، هذه السطوح ، والتجاويف لتغطي كل الاتجاهات ، أي صوت يتعامد مع سطح من سطوح الصوان بالأذن ، لو أن ثقب الأذن كان أوسع بقليل فإن الطفل دون أن يشعر يخرق غشاء طبله ، لكن ثقب الأذن أضيق من أي إصبع ، بل من أصغر إصبع .
أحيانا يحمل إنسان ابنه ، الأربطة هنا مدروسة بشكل أنها تحمل جسم الطفل ، وقد يكون الأب غضبان فيحمله بعنف ، الوزن تضاعف ، وأحيانا تقتني محفظة تملأها بالأغراض ، وتحملها فتنخلع يدها ، يقول لك : صناعة غير متقنة ، كيف أن الإنسان مدروس ، وأن وزنه متناسب مع متانة الأربطة التي في ذراعه :
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
7 – إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ
لذلك أيها الإخوة ، الآن عندنا أمر :
﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾ .
( سورة النحل الآية : 90 ) .
أنت مأمور بالعدل ، ومأمور مع العدل بالإحسان ، فأحياناً المشكلة تحل بالإحسان لا بالعدل ، فلان ليس له عندك شيء ، هذا صحيح ، لكنه بحاجة إلى مساعدتك ، فأنت حينما تفهم هذه الآية يمكن أن تحل بهذه الآية آلاف المشكلات ، القضية التي لا تحل بالعدل يجب أن تصرفه ، يجب أن تدمره ، يجب أن تفضحه ، أما بالإحسان فيجب أن تعينه على الشيطان .
لذلك التوجيه الدقيق أن تعين أخاك على الشيطان ، لا أن تعين الشيطان على أخيك ، بالإحسان طبعاً .
أحيانا يكون للإنسان جار سيئ جداً ، يستطيع أن يقطع لسانه ، لا بالمقص ، بل بالإحسان ، الإحسان يسكت ، وأنا أنصح إنسانا عنده جار سيئ أن يقدم له هدية ، تجد الأمور كلها انضبطت ، من يقطع لسانه ؟ مَن يحسن إليه حتى يسكت ؟ بالبر يستعبد الحر.
والله أيها الإخوة ، موضوع الإحسان يدور مع الإنسان في كل حياته .
سمعت عن قاضٍ أمر يحجز حرية إنسان ، والمحامي طلب إطلاق سراحه ، ما استجاب القاضي ولم يقتنع ، قدم طلبا ثانيا ، وطلبا ثالثا ، وطلبا رابعا ، وطلبا خامسًا ، القاضي ما استجاب ، فموكِّلو المحامي عزلوه ، وعينوا محامياً جديداً ، القاضي بعد أن عُين محامي جديد بدا له أن يطلق سراحه ، فإن أطلق سراحه يسقط الأول ويتألق الثاني ، قال : ائتوني بالمحامي السابق ليقدم طلب إخلاء سبيل حتى أخلي سبيله ، ما قَبِل أن يخلي سبيله إلا بطلب من المحامي السابق ، هذا منتهى الإحسان ، وقد كان غير قانع بإطلاق سراحه ، ما استجاب لخمس طلبات ، أما لما بدا له وهو يطلق سراحه عيِّن محامٍ جديدٌ ، سوف يصول ويجول ، ومن أول طلب أطلق سراحه ، قال : ائتوني بالمحامي السابق ليقدم طلبا لإطلاق سراحه حتى أطلق سراحه .
الإحسان أن تفكر ، وقد تكون ابتسامة في غير مكانها فيها إساءة ، أو جلسة فيها كِبر ، أو سؤال ، ماذا قدم لك زوجك في العيد ؟ هو يحبها وهي تحبه ، وزوجها فقير ، ضعضعها وحجّمها بسؤاله ، وأربكها ، ثم هي تألمت لأنه ما قدم لها شيئًا فعلاً ، هذا سؤال محرج .
أينما دخلت يجب أن تحبّب الناس بالله عز وجل ، لا أن تكرههم بحياتهم .
والله مرة أذكر أني دخلت بيتا بحجم غرفة الضيوف ، غير معقول إطلاقاً ، لا مكان للجلوس ، فخجل صاحب البيت ، قلت له : بالعكس ، سيد الخلق وحبيب الخلق غرفته لا تكفي لصلاته و نوم زوجته ، وهو قمة البشر ، فاستبشر .
إذا زرت أختك يجب أن تمتّن علاقتها بزوجها ، عن طريق الثناء على زوجها ، على أخلاقه ، لا على دخله ، لا تقل : كم دخله ؟ ما يكفيكم هذا المبلغ ، هذا عدم إحسان ، الإحسان أن تلاحظ نفسك على الخطرة ، على النظرة ، على الكلمة ، على الابتسامة ، أحياناً ابتسامتك تكون إساءة .
(( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ )) .
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾
( سورة التغابن )
النبي علّمنا أنك إذا وقفت أمام المرآة ، ورأيت خَلقك سليماً فقل :
(( اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي )) .
[ أحمد عن ابن مسعود ]
هناك عاهات ، ودمامة أحياناً ، ومشكلة ، وعضو مبتور ، (( اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي )) .
8 – فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
قال تعالى :
﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾
( سورة المؤمنون ) .
غسيل الدم بالأجهزة الصناعية يحتاج إلى ساعات ، أعتقد 6 ساعات ، كل الأسبوع ثلاث مرات ، وفي كل مرة تغرز إبرةٌ في مكان معيَّن ، لكن الله هيأ لك كُلية حجمها كالبيضة تعمل بلا صوت ، وبلا تعب ، وبلا مشقة ، وبلا أجر ، وتصفي تصفية تامة .
سمعت من أحد الأطباء أن الكلية الواحدة فيها عشرة أضعاف حاجتك ، والكليتان عشرون ضعفا ، هذا احتياط ، لذلك يمكن أن يستغني الإنسان عن إحدى كليتيه :
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
هذه الآية تدور مع الإنسان ، مع خلق الإنسان ، مع حاجاته ، مع طعامه ، مع شرابه .
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ ﴾ .
( سورة الطارق ) .
اللقاء الزوجي بحاجة إلى حوين واحد ، وأحيانا الزوج يفرز من 300 مليون إلى500 مليون حوين :
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾
كم مِن خالق ؟ خالقٌ واحدٌ ، لكن سمّى الصانع خالقا مَجازاً .
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
﴿ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ .
( سورة يوسف الآية : 23 ) .
جعلك من أبٍ ، هذه نعمة كبيرة ، لك أبٌ معروف ، لك أم طاهرة شريفة ، عندها أولاد ، بيتك مستقر ، هذه من نعم الله الكبرى .
9 – وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ
لذلك الآية الكريمة :
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾
( سورة القصص الآية : 77 ) .
أي شيء آتاك الله إياه ينبغي أن يوظف للآخرة كيف ؟ قال :
﴿ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾
لا تنس المهمة التي آتيت من أجلها .
﴿ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾
( سورة القصص الآية : 77 ) .
هذا أمر آخر :
﴿ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾
الله عز وجل صبر عليك حتى اهتديت ، فإذا كان عندك زوجة لم تستقم على أمر الله فاصبر عليها ، لا تأخذها بالعنف ، الله كان حليما عليك ، كيف أن الله صبر عليك ، فاصبر عليها ، كيف أن الله ذكرك فذكّر الآخرين .
﴿ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾
﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾
( سورة القصص الآية : 77 ) .
والحمد لله رب العالمين
بوركت ابني
وفقك الله ورعاك
جزاك الله خيرا
بارك الله فيك
جزانا الله واياكم
شكرا لمروركم
http://up.foraten.net/uploads/8ed986399a.gif
اسم الله : الشافي(1)
أيها الأخوة الأكارم ، الاسم اليوم " الشافي " ورد هذا الاسم في الحديث الشريف الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري ومسلم والحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا عاد مريضاً يدعو له ويقول :
((اذهب البأس رب الناس ، اشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقماً )) .
هذا الاسم أريد به العلانية ، ودلّ على كمال الوصفية ، وجاء معرف بأل .
ولكن لا بد من مقدمة كي تتضح ماذا تعني كلمة الشافي ؟.
حياتنا مفعمة بالقوانين الثابتة ولكن لحكمة بالغة حرك الله شيئين الصحة والرزق :
أيها الأخوة ، بادئ ذي بدء : الله سبحانه وتعالى قنن القوانين في الكون ، ثبت القوانين ، وكأن القانون علاقة ثابتة بين متغيرين ، ولولا القوانين ما استقرت الحياة ، ولا انتظمت الدنيا ، فخصائص المعادن ثابتة ، خصائص البذور ، دورة الأفلاك ثابتة ، أقول ولا أبالغ : مليارات القوانين ثابتة ، لمئات ملايين السنين ، يمكن أن يقال لك بحساب فلكي دقيق أن الشمس تشرق في عام ألفين و ثمانين في السادس عشر من شباط الساعة الخامسة وأربع دقائق مثلاً .
إذاً الله عز وجل ترسيخاً للنظم ، وإراحة للناس ، وتطميناً لهم ثبت القوانين ، تنشئ بناء ضخماً من الاسمنت المسلح ، لو أن الحديد غيّر صفاته لانهار البناء ، تشتري سبيكة ذهبية ، لو أن الذهب غيّر خصائصه ، لخسرت ثمنها ، تزرع بذرة معينة تنتج كما زرعت ، حياتنا مفعمة بالقوانين الثابتة ، وهذه من رحمة الله بنا ، ولكن لحكمة بالغة بالغةٍ أرادها الله حرك شيئين ، حرك الصحة ، وحرك الرزق ، قد تأتي الأمطار كثيرة وقد تشح السماء ، قد ينعم الإنسان بصحة ، وقد يفقد صحته .
تقنين الله عز وجل تقنين تأديب لا تقنين عجز :
السؤال الآن : أنه كان من الممكن أن لا يمرض الإنسان إطلاقاً ، أوضح مثل :
قد تقتني طاولة في بيتك في غرفة الضيوف ، مهمتها أن يضع الضيف عليها كأسا من الماء ، وقد يقف عليها الإنسان فتحمله ، ما معنى ذلك ؟ كأس الماء لا يزيد وزنه عن مئتي غرام ، وقد يقف عليها إنسان ، وإنسانان ، وثلاثة ، وتحملهم ، معنى ذلك أن الاحتياط فيها مئات الأضعاف ، لو كان في الإنسان لكل جهاز ألف ضعف احتياط ألغي المرض كلياً .
والدليل : أن تفجيراً نووياً كان في الصحراء في أفريقيا ، التفجير لصالح فرنسا بعد التفجير (والتفجير كما تعلمون ماحق من الضغط ، ومحرق من الحرارة) ، رؤوا عقرباً يمشي في أرض التفجير ، أجريت عليه بحوث لعشرات السنين ، تبين أن العقرب يستطيع أن يعيش من دون طعام وشراب ثلاث سنوات ، ويستطيع إذا غمسته في الماء أن يبقى حياً ثلاثة أيام ، من دون هواء ، ويتحمل من الإشعاع النووي ما يزيد ثلاثمئة ضعف ما يتحمله الإنسان ولو نقلته من حرارة الصحراء 60 فوق الصفر، إلى 10 تحت الصفر لم يتأثر ، كان من الممكن ألا يكون مرضاً على الإطلاق ، وكان من الممكن ألا يكون شح السماء على الإطلاق لأن بعض العلماء كشفوا في الفضاء الخارجي البعيد سحابة يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة كل يوم بالمياه العذبة ، فإذا قنن الله الأمطار فالتقنين تقنين تأديب لا تقنين عجز .
﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ .
( سورة الحجر ) .
الإنسان حينما يغفل عن الله يدفع ثمن أخطائه باهظة و يؤدبه الله في الدنيا قبل الآخرة :
إذاً كان من الممكن أن لا يكون هناك مرض إطلاقاً ، وكان من الممكن ألا يكون نقص في الرزق إطلاقاً ، ولكن شاءت حكمة الله أن يكون هناك تقنين رزق ، وأن يكون هناك تأخر صحة ، ولعل الصحة والرزق ، والإنسان حريص على صحته ، وعلى رزقه حرصاً لا حدود له ، لعل في هذا تأديباً لنا ، لماذا ؟ لأن الإنسان خُلق لجنة عرضها السموات والأرض وجيء به إلى الدنيا ليدفع ثمن الجنة ، جيء به إلى الدنيا ليعبد الله ، جيء به إلى الدنيا ليتحرك لمنهج الله ، ما أودع الله فيه شهوة إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، ليس في الإسلام حرمان ، ولكن في الإسلام تنظيم .
الإنسان حينما يغفل عن الله ، ويتحرك بدوافع شهواته ، بعيداً عن منهج الله ، يقع في شر عمله ، يدفع ثمن أخطائه باهظة ، ولأن الله رب العالمين ، ولأنه خلقه لجنة عرضها السموات والأرض ، يؤدبه في الدنيا ، هو رب .
سأوضح معنى كلمة رب : قد تكون مدير لمؤسسة ، وتعين موظفاً ، وتشترط عليه التجريب لستة أشهر ، أنت كمدير مؤسسة ، وعندك موظف مهمتك في هذا الوقت أن تحصي عليه أخطاءه ، فإذا تفاقمت اعتذرت عن تعيينه في المؤسسة ، لو أن ابنك في المؤسسة كلما أخطأ نبهته ، كان موقفك إحصاء أخطاء صار الموقف مع ابنك تقويم أخطاء .
الله عز وجل رحيم بعباده فإذا أخطؤوا يؤدبهم إما برزقهم أو بصحتهم :
لأن الله رحمن رحيم ، ولأن الله رب العالمين ، فإذا أخطأ العبد أدبه ، أدبه إما بصحته ، أو أدبه برزقه :
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾ .
( سورة الأعراف الآية : 96 ) .
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ .
( سورة الجن ) .
الآيات واضحة جداً .
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾ .
( سورة المائدة الآية : 66 ) .
إذاً الله عز وجل يؤدب عباده بتقنين الرزق ، قد يُحرم المرء بعض الرزق بالمعصية .
وفي موضوع يعالج في وقت آخر إن شاء الله كيف يزداد الرزق ؟ يزداد بالاستغفار ، بإقامة الصلوات ، بصلة الرحم ، بالتصدق ، بالأمانة ... إلخ .
المرض أحد أكبر أسباب تربية الإنسان :
أيها الأخوة ، إذاً كان من الممكن أن نمرض ، لو أن الله سبحانه وتعالى جعل في كل جهاز من أجهزتنا ، وفي كل عضو من أعضائنا احتياطات كبيرة جداً ، الطاولة في البيت تُستخدم لوضع كأس ماء ، وقد يقف عليها إنسان وزنه ثمانين كيلو ، وتحمله ، إذاً كأس الماء مئتي غرام وزن الإنسان 80 كغ ، كم احتياط يوجد ؟ ثلاثمئة احتياط ، لو أن كل عضو في جسم الإنسان أخذ هذا الاحتياط الكبير ألغي المرض إطلاقاً ، ولكن الله سبحانه وتعالى شاء لنا أن نمرض ليكون المرض أحد أكبر أسباب تربية الإنسان ، لأن الإنسان بحسب فطرته حريص على وجوده وعلى رزقه .
خلق الله كامل كمالاً مطلقاً ولكن أخطاء الإنسان تؤدي به إلى المرض :
أيها الأخوة ، الآن يوجد إشارة ثانية في القرآن دقيقة جداً ، متعلقة باسم " الشافي" قال تعالى :
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾ .
( سورة الشعراء )
دقق في السياق : ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾ الآية الثالثة بحسب السياق وإذا أمرضني فهو يشفيني ، لا ، قال :
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ ﴾ .
( سورة الشعراء الآية : 80 ) .
عُزي المرض إلى الإنسان ، بمعنى أن خلق الله كامل كمالاً مطلقاً ، ولكن أخطاء الإنسان قد تكون أخطاء فردية ، وقد تكون أخطاء في العصر ، في عصر الضجيج ، في عصر التلوث ، في عصر تغيير خلق الله ، معظم حياتنا فيها تغيير لخلق الله , نريد أن ينمو هذا الفروج إلى كغ بأربعين يوماً ، يجب ألا ينام ، هذا وضع غير طبيعي .
نريد أن نطعم البقر طحين الجيف ، فجن البقر واضطر الإنسان أن يحرق ثلاثين مليون بقرة ، ثمنها ثلاثة وثلاثين مليار جنيه إسترليني ، وما جنون البقر إلا من جنون البشر لما نغير خلق الله عز وجل .
لما ننام في النهار ونسهر في الليل ، هذا بخلاف منهج الله عز وجل ، لما نحاول أن نأكل كل شيء بكل الأوقات عن طريق زراعة محمية هذه لها أخطار ، طبيعة حياتنا فيها أخطار كبيرة جداً ، عندما نحاول أن نحفظ الطعام بمعلبات نضع مادة مضادة للفساد بنزوات الصوديوم ، والمادة مسرطنة .
عندما استخدمنا المبيدات الكيماوية رفعت ملوحة التربة ، لما استخدمنا الأدوية الكيماوية أيضاً ، الدواء الكيماوي يحل مشكلة من جهة ويخلق مشكلة من جهة ثانية ، هناك تغيير بخلق الله ، أكثر ما يعانيه الناس من الأمراض من التلوث ، من استخدام المبيدات ، من استخدام الأسمدة الكيماوية ، من استخدام مشتقات البترولية ، والآن الخبر الأول في العالم ارتفاع الحرارة ، الاحتباس الحراري بسبب ثاني أوكسيد الكربون .
من طبق القواعد الصحية التي جاءت بها رسالات الأنبياء تمتع بصحة جيدة طوال حياته :
إذاً المرض يعزى إلى الإنسان ، الخطأ من الإنسان ، لو تصورنا أن الإنسان اتبع القواعد الصحية التي جاءت بها رسالات الأنبياء ، لقلّ المرض إلا أن يكون قضاءً وقدراً أقول كلاماً دقيقاً ، أحياناً يأتي المرض قضاء وقدر، لكن في الأعم الأغلب يكون المرض عقب تقصير في تطبيق التعليمات التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام .
هناك مستشفى بألمانيا كتب عليها : نحن قوم لا نأكل حتى نجوع ، وإذا أكلنا لا نشبع عن محمد بن عبد الله ، هذا الكلام يعد كلاماً أساسياً في الطب الوقائي ، نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع .
إذاً لو أن الإنسان طبق التعليمات لتمتع بصحة جيدة طوال حياته ، وقد تلاحظ أحياناً إنسان يحرص على تطبيق التعليمات الصحية حرصاً بالغاً في الأعم الأغلب يتمتع بصحة عالية جداً .
وكان هذا العالم الجليل الذي رؤي في الثالثة والتسعين ، وكان منتصب القامة ، حاد البصر، مرهف السمع ، إذا سُئل يل سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟! يقول : يا بني حفظناها في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً .
الله عز وجل ثبت أشياء استقراراً للنظام وحرك شيئين تأديباً لنا :
إذاً الله عز وجل ثبت أشياء استقراراً للنظام ، وحرك شيئين ، حرك الرزق وحرك الصحة ، ليكون هذا التحريك أداة تأديب لنا .
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ .
( سورة البقرة ) .
ها هو التأديب ، وهذه هي التربية . فلذلك :
﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ .
( سورة الشورى ) .
(( ما من عثرة ، ولا اختلاج عرق ، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم ، وما يغفر الله أكثر )) .
[ أخرجه ابن عساكر عن البراء ]
الله عز وجل خلق لكل إنسان جهاز مناعة قوامه الكريات البيضاء و فِرقه هي :
1 ـ فرقة الاستطلاع :
لكن لو دخلنا في تفاصيل اسم "الشافي" من الزاوية العلمية ، الله عز وجل وضع فينا جهاز المناعة ، وجهاز المناعة يكاد يكون جيشاً بكل ما في هذه الكلمة من معنى ، قوام هذا الجيش الكريات البيضاء ، هذه الكريات مجموعة فرق ، هناك فرقة الاستطلاع ، فرقة معلومات استخبارات ، أو اسمها في بعض الجيوش الاستطلاع ، مهمتها معلوماتية فقط فإذا دخل إلى الجسم جرثوم تتجه كريات بيضاء من فرقة الاستخبارات ، تقترب من هذا الجرثوم تأخذ شفرته الكيماوية وتعود لا تقاتله ، إلا أنها تستكشف خصائصه (شفرته الكيماوية) وتذهب إلى مؤسسة معامل الدفاع .
2 ـ فرقة تصنيع السلاح :
فرقة ثانية مهمتها تصنيع السلاح ، متواجدة في العقد اللمفاوية ، فالكريات البيضاء من فرقة الاستطلاع ، تأخذ شفرة الجرثوم الكيماوية وتتجه إلى العقد اللمفاوية ، في العقد يصنع المصل المضاد للجرثوم ، لكن أعظم ما في الفرقة الثانية تصنيع المصول .
قد نعطي الطفل مثلا لقاح الكوليرا ، يعني جرثوم مضعف ، فكما هي العادة الكرات البيضاء الاستطلاعية تأخذ شفرته الكيماوية وتذهب إلى العقد اللمفاوية في فرقة تصنيع المصل ، وتعطى الشفرة ، وتصنع المصول المضادة لهذا الجرثوم ، وتحفظ في ذاكرة هذه الفرقة ، فإذا عاد الجرثوم بعد سبعين عاماً الملف جاهز .
لذلك لولا ذاكرة فرقة تصنيع المصول لما كان من معنى إطلاقاً للقاحات في الأرض ، لا قيمة للقاحات أساساً من دون ذاكرة مودعة في فرقة تصنيع المصول .
3 ـ فرقة المقاتلين :
الفرقة الثالثة فرقة المقاتلين ، هذه الفرقة مهمتها أن تأخذ المصل المضاد وتتجه إلى الجرثوم ، وتجري معركة بين الكريات البيضاء المقاتلة (هذه الفرقة الثالثة) ، وبين الجرثوم .
4 ـ فرقة التنظيف :
أحياناً الإنسان يرى ورما خفيفاً ، ثم بقعة بيضاء من القيح ، هذه نتائج المعركة معركة تجري في الجسم بين الكريات البيضاء المقاتلة وبين الجراثيم ، فإذا حُسمت المعركة لصالح الكريات البيضاء ، في فرقة الخدمات ، تنظف أرض المعركة ، وتزيل آثار العدوان .
5 ـ فرقة المغاوير :
اكتشف بعض العلماء فرقة خامسة اكتشفها في عام 1967م " اسمها فرقة المغاوير " بالتعبير الأجنبي كومندوس ، هذه الفرقة تستطيع أن تكتشف الخلية السرطانية في وقت مبكر جداً وتلتهما .
الشدة النفسية سببها ضعف التوحيد :
ثبت أن كل إنسان في دمه ملايين الخلايا السرطانية ، لكنها غير مفعلة عليها قامع يقمعها ، يمنع تفعيلها ، فإذا ذهب القامع عن بعضها الفرقة الخامسة المغاوير تكتشف هذه الخلية السرطانية فتلتهما ، وينجو الإنسان من الورم الخبيث .
قال : هذا القامع ما الذي يفكه ؟ الشدة النفسية ، الخوف ، القلق ، الحقد ، لذلك قال تعالى :
﴿ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 119 ) .
الغيظ مميت ، الآن المرض الأول في العالم الشدة النفسية ، خوف ، تهديد قد يكون سلامة لكن ما في أمن .
لذلك قالوا : أنت من خوف المرض في مرض ، يعني أحياناً تأتي أمراض القلب من خوف مرض قلب ، أنت من خوف المرض في مرض ، ومن خوف الفقر في فقر وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها ، أنت من خوف التهديد في مرض ، من خوف شبح الحصار الاقتصادي في مرض ، من خوف شبح الاجتياح في مرض ، هذه كلها أمراض الإنسان الآن يتحمل من الضغوط ما لا يحتمله إنسان في عصور سابقة .
لذلك : ما في حل إلا التوحيد ، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، ما في حل إلا أن ترى أمرك بيد الله ، وأن الذي خلقك لن يسلمك إلى أحد غيره .
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾ .
( سورة هود الآية : 123 ) .
ارتفاع نسبة السرطان في عصرنا إما لضعف في نفوسنا أو ضعف في إيماننا :
ما لم توقن أن أمرك وسلامتك وأهلك وأولادك ورزقك وصحتك بيد الله ، وأنك إذا كنت مع الله كان الله معك ، وإذا عبدت الله أنشأ الله لك حقاً عليه ألا يعذبك ، هذه المعاني الناس في أمس الحاجة إليها ، قال تعالى :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ .
( سورة الأنعام ) .
الفرقة الخامسة إذاً فرقة مغاوير ، ما الذي يفك القامع ؟ الشدة النفسية ، والإشعاع النووي ، وصول مشتقات البترول إلى جوف الإنسان ، هذا الذي يغسل المحركات بالبنزين إذا أكل بيديه قل أن يغسلهما جيداً عنده احتمال وصول المشتقات إلى جوفه ، وهذه تسبب الأورام .
وشيء آخر كما قال العلماء : التوسع في استخدام البلاستيك ، البلاستيك يجب أن نبتعد عن استعماله مع الحرارة الشديدة ، أو مع المواد الحامضة ، أو أن يدخل إلى جوفنا بعض منه عن طريق التيفال ، وعاء تيفال بعد سنتين يصبح حديداً ، المادة أين ذهبت ؟ أكلناها ، فمشتقات البترول ، والتوسع في استخدام البلاستيك ، والإشعاع النووي والشدة النفسية ، تفك القامع .
لذلك ارتفاع نسبة السرطان أصبحت إلى عشرة أمثال ، لخطأ في عصرنا ، أو ضعف في نفوسنا ، أو ضعف في إيماننا ، هذه حقيقة أيها الأخوة .
جهاز المناعة جيش يقويه الأمن والحب والود و يضعفه الخوف والقلق والحقد :
الآن في غدة اسمها " التايموس " اكتشفت أخيراً أنها غدة لا وظيفة لها هكذا قال الأطباء ، ثم اكتشف أنها أخطر غدة في جسم الإنسان ، قال هذه مدرسة حربية ، تدخلها الكريات البيضاء وتبقى فيها سنتين ، تتعلم من هو الصديق ، ومن هو العدو ، كريه بيضاء معها سلاح خطير ، الكريه المحاربة الفرقة الثالثة ، هذه سموها الخلية التائية الهمجية جاهلة تدخل في هذه الغدة وتبقى سنتين ، لما كُبّرت مئات المرات بدت وكأنها مدرج روماني ، وهذه الخلايا التائية الهمجية كأنهم طلاب علم ، تبقى الخلية التائية الهمجية سنتين وبعدها تمتحن هناك مخرجان امتحانيان ، الأول تعطى هذه الكريه الممتحنة عنصراً صديقاً فإذا قتلته ترسب وتقتل ، وإذا لم تقتله تنجح وتتخرج ، ثم تمتحن امتحاناً آخر تعطى عنصراً عدواً فإذا لم تقتله ترسب وتقتل ، وإذا قتلته تنجح وتتخرج .
قال بعد سنتين تضمر هذه الغدة ضموراً كلياً ، الأمر الذي جعل بعض الأطباء أن يقولوا لا وظيفة لها ، تبين أن الجيل المتخرج يتولى إلى نهاية الحياة تعليم الأجيال الصاعدة فصار أول جيل تخرج من هذه الكلية الحربية ، يتولى تعليم الأجيال الصاعدة ، لكن بعد الستين أو السبعين يضعف التعليم ، مع ضعف التعليم ينشأ شيء اسمه " الخرف المناعي" منها التهاب المفاصل الرثوي ، منها سبعة أمراض تقريباً ، يعني ما معنى التهاب مفاصل ؟ يعني ضعف التعليم ، صار العنصر القوي الكرية البيضاء تقتل الصديق ، أي أصبح حرباً أهلية ، فالتهاب المفاصل الرثوي نتيجة حرب أهلية داخل الجسم .
أيها الأخوة ، جهاز المناعة هذا الجهاز يؤكد اسم " الشافي " جيش بكل معاني هذه الكلمة ، هذا الجيش يقويه الأمن والحب والود ، يضعفه الخوف والقلق والحقد .
والحمد لله رب العالمين
اسم الله : الشافى(2)
أيها الأخوة الكرام ، لازلنا في اسم " الشافي " ، فالنبي عليه الصلاة و السلام كان إذا عاد مريضاً يقول له : (( اذهب البأس رب الناس ، اشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقماً )) .
العلامات من تمام رحمة الله بنا :
الحقيقة أن الله سبحانه و تعالى جلّت حكمته لولا أن جعل للأمراض أعراضاً لما أمكن الشفاء منها ، و قال تعالى :
﴿ وَعَلامَاتٍ ﴾ .
( سورة النجم الآية : 16 ) .
هذه آية واسعة جداً ، لولا الأعراض لما اهتدى الإنسان إلى مرضه .
لذلك تعد أخطر الأمراض الآن الأمراض التي لا أعراض لها ، كالأورام أحياناً فلذلك رحمنا الله عز وجل أن للأمراض أعراضاً ، و هذا طريق إلى الشفاء منها ، و هذه واحدة .
لو توسعنا قليلاً في فهم العلامات ، نضج الفواكه لها علامات ، وأي شيء في الأرض له علامات ، وأي حدث في الأرض له علامات ، فالعلامات من تمام رحمة الله بنا .
التوحد في بنية الإنسان التشريحية :
شيء آخر : الإنسان له بنية موحدة ، أي إنسان في أي زمان و مكان بنيته التشريحية واحدة ، فقد يدرس الطبيب الطب في أمريكا ، و يعالج المرضي في الصين ، مكان الشريان ، مكان العصب ، بنية الأجهزة ، البنية التشريحية للإنسان في أدق أدق التفاصيل واحدة ، أماكن الأوعية ، أماكن الأعصاب ، أماكن الأجهزة ، النسج كلها موحدة و لولا هذا التوحد في بنية الإنسان التشريحية لما أمكن أن نتابع الطب في بلد ، وأن نعالج المرضى في بلد ، وأن نصنع الدواء في بلد ، وأن نستخدمه في بلد ، هذا كله ينضوي تحت اسم "الشافي " .
التئام النسج من آيات الله الدالة على عظمته :
شيء آخر : ثبات قوانين الجسم ، الجسم له قوانين دقيقة جداً ، فلولا هذا التوحد في الخلق لما أمكن أن يكون الشفاء للإنسان .
ذلك لأن الله سبحانه وتعالى كما بينت في لقاء سابق أن هذا المرض أحد الوسائل التي تكون ناجعة في تأديب الإنسان ، وفي تربيته ، وفي تقريبه من الله عز وجل .
شيء آخر : هناك قوانين دقيقة في الجسم ، هذه القوانين أساسها أن النسج تلتئم إذا تمزقت ، من قنن هذا القانون أن النسيج يلتئم إذا تمزق أحياناً ؟ ذلك أن بعض النسج في جسم الإنسان التي تؤكد عفة الفتاة لا تلتئم أبداً ، فالتئام النسج من رحمة الله بنا ، يكون الجرح يأتي الطبيب ويخيط هذا الجرح بعد حين يلتئم الجرح ، جميع النسج تلتئم بسبب أن الهر قنن هذا القانون فهو " الشافي " .
العظم يلتئم ، الخلية العظمية قد تنام ستين عاماً ، فإذا صار كسر تستيقظ هذه الخلايا وتلتئم ، ما دور الطبيب العظمي ؟ يضع العظمة على العظمة فقط ، وانتهى دوره ، و تأتي هذه الخلايا ويستيقظ و تسهم في التئام الجروح و الكسور .
قضايا دقيقة جداً ، ولقطات مؤثرة جداً نكتشفها حينما نقول أن الله سبحانه وتعالى هو " الشافي " فالتئام النسج من آيات الله الدالة على عظمته ، ألا يوجد إنسان عنده مركبة وتصاب بكسر في بعض أجزائها ، يقول لك الخبير في إصلاحها : دعها تلتئم وحدها ، هذا لا يكون في عالم المعادن إطلاقاً ، أما في عالم خلق الإنسان ، ولأن الله هو " الشافي " النسج تلتئم .
القوانين التي أودعها الله في الإنسان كلها تؤكد اسم الشافي :
الذي يلفت النظر كما قلت قبل قليل : أن بعض النسج لا يلتئم أبداً ، لأن تمزقها دليل ، ولا يمكن أن يلغى هذا التمزق .
هناك أشياء كثيرة نستفيدها من اسم " الشافي " مثلاً : الاحتياط الذي جعله الله في بعض الأجهزة ، الكلية مثلاً فيها احتياط كبير ، يستطيع الإنسان أن يعيش بكلية واحدة والثانية احتياط كبير ، أنا أتمنى الإنسان حينما يدرس الطب يدرسه في ضوء الإيمان ، يجد أن هذه القوانين التي أودعها الله في الإنسان كلها تؤكد اسم " الشافي " .
من قال إن القلب إذا أردنا إصلاحه بعلمية جراحة و أوقفناه عن طريق التبريد و بعد انتهاء العملية يعطى القلب صعقة فيعود و يعمل ، لو أن القلب إذا توقف لا يعمل انتهى العمل الجراحي كله ، انتهي كل شيء اسمه عمليات القلب المفتوح ، عمليات القلب المفتوح لولا أن الله أعطى القلب هذا القانون أنه إذا توقف أو إذا أوقف بفعل التبريد فالله سبحانه و تعالى سمح له أن يعمل بعد أن تأتيه صعقة كهربائية ، لولا هذه القاعدة لألغي الطب في شأن جراحة القلب .
من تفكر في خلق السماوات و الأرض وصل إلى الله سبحانه و تعالى :
إذاً لو أردت أن تتفكر في خلق السماوات و الأرض لرأيت اسم " الشافي " واضحاً جداً في كل قانون قننه الله عز وجل ، و في كل نسيج صممه الله عز وجل ، و في كل خصيصة لأي عضو من أعضاء الجسم أودع الله فيه هذه الخاصة .
يعني أحياناً يقول طبيب قلب جراح : إن في القلب شرياناً يبدو أنه لا فائدة منه لكن حينما تسد بعض الشرايين يؤخذ هذا الشريان وهو من أمتن الأوعية ، ويوضع مكان الشريان التالف ، وكأن الله سبحانه و تعالى و ضع في جسم الإنسان بعض قطع الغيار ، و هذا من تمام خلق الله عز وجل ، تؤخذ بعض الشرايين من مكان وتوضع في مكان ، و حتى في الهيكل العظمي هناك أجزاء يمكن أن تستخدم كقطع غيار ، هذا الخلق الدقيق العظيم .
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ .
( سورة التين ) .
قال تعالى :
﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ .
( سورة الذاريات ) .
الإنسان لو تفكر في خلق السماوات و الأرض و صل إلى الله ، وصل إلى الله معظماً ، مكبراً ، خاشعاً ، فإذا تفكر في جسمه فهو أقرب شيء إليه .
من رحمة الله بالإنسان أنه جعل لكل داء دواء :
والله يا أيها الأخوة ، لو أمضينا العمر كله في التدقيق في عجائب خلق الله في الإنسان لما اكتفى العمر للتفكر في خلق الإنسان ، والآية واضحة : ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ .
أحياناً من الذي جعل هذا الدواء يفعل فعله ؟ يعني الدواء من رحمة الله بنا أنه جعل لكل داء دواء ، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما قال :
(( لكل داء دواء )) .
[حديث صحيح رواه مسلم والإمام أحمد عن جابر]
هذا الحديث إذا قرأه إنسان مريض بماذا يشعر ؟ يمتلئ قلبه أملاً بالشفاء و إلهنا وربنا من خلال نبيه ورسوله يقول : (( لكل داء دواء )) ، ولو سمع هذا الحديث طبيب ماذا يفعل ؟ يجب أن يجتهد و يبحث عن الدواء ، فإذا سمع هذا الحديث المريض امتلأ قلبه أملاً بالشفاء ، وإذا سمع الطبيب هذا الحديث شعر بتقصيره حينما لا يجد لهذا الداء دواء ، وقد خلق الله لكل داء دواء .
حرص الإنسان على سلامة وجوده تقتضي أن يطبق تعليمات الصانع :
كما ذكرت من قبل الله عزّ وجل من خلال صحتنا يربينا ، يقربنا إليه ، الإنسان كما تعلمون حريصاً على وجوده ، وعلى سلامة وجوده ، وعلى استمرار وجوده ، وعلى كمال وجوده ، و قد بينت من قبل أن حرص الإنسان على وجوده يقتضي أن يحمي نفسه من الأخطار ، وأن حرصه على سلامة وجوده يقتضي أن يطبق تعليمات الصانع ، و أن حرص الإنسان على كمال وجوده يقتضي أن يقترب من الله عز وجل حتى يسعد بقربه ، وأن حرص الإنسان على استمرار وجوده يعني أن يربي أولاده ليكونوا استمراراً له بعد موته ، و الله عز وجل حينما برمج الإنسان وفطره على حبّ وجوده ، وعلى حبّ كمال وجوده ، وعلى حبّ سلامة وجوده ، وعلى حبّ استمرار وجوده ، من أجل أن يكون الإنسان في أعلى درجة من السلامة والسعادة .
الطبيب المؤمن حينما يرى من آيات الله في خلق الإنسان يكاد يذوب خشوعاَ لله :
أيها الأخوة حدثني بعض الأخوة الأطباء : أنه أحياناً إذا سدّ شريان في القلب تنمو مجموعة شُريانات في مجموع أقطارها تساوي الشريان المسدود ، و أنت لا تشعر ، يوجد بالجسم آلية الشفاء الذاتي ، فحينما يضعف عضو ينمو عضو آخر ، حينما يضيق شريان ينمو شريان آخر ، و هذا من آيات الله الدالة على عظمته ، و الطبيب المؤمن حينما يرى من آيات الله في خلق الإنسان يكاد يذوب خشوعاَ لله عز وجل .
شيء آخر : الكبد مثلاً ، الكبد يقوم بمئات الوظائف ، كل خلية من خلايا الكبد تقوم بكل وظائفه ، فلو تشمع الكبد وصل إلى ثلثي الكبد ، بل إلى أربعة أخماس الكبد وجاء الطبيب الجراح واستأصل أربعة أخماس الكبد ، الكبد يعيد بناء ذاته في ستة عشر أسبوعاً ، ذلك لأن كل خلية في الكبد تقوم بكل وظائف الكبد ، ولو تعطل كبد الإنسان لكان الموت محققاً لأنه المخبر ، والمعمل الكيماوي في الجسم .
إخوتنا الكرام ، التفكر في خلق السماوات و الأرض أقصر طريق إلى الله و أوسع باب ندخل منه على الله ، وأنت حينما تتعرف إلى أسماء الله الحسنى ، تقول " الشافي " الشافي جسمك مصمم للشفاء ، الأمراض لها أعراض ، البنية التشريحية للإنسان واحدة بشكل عجيب ، الإنسان له شكل .
الله عز وجل منح الإنسان أحد صفاته وهي الفردية لكرامته عند الله :
يقول بعض العارفين بالله : والله يا رب لو تشابهت ورقتا زيتون لما سميت الواسع ، يوجد بالأرض ستة آلاف مليون إنسان لا يوجد إنسان يشبه الآخر ، الإنسان فرد ، وقد منح الله جلّ جلاله الإنسان أحد صفاته وهي الفردية لأن الإنسان كريم عليه ، لكرامة الإنسان عند الله ، فالإنسان فرد في شكل وجهه ، وفي قوامه ، و في نمط حركته ، فرد في قزحية عينه ، لا يوجد قزحية عين في الأرض تشبه قزحية عين الآخر ، حتى إن بعض البلدان الآن تأخذ صورة قزحية العين وتضعها على الجواز ، ولا يمكن لهذا الجواز أن يزور ، بل إن بعض الأقفال التي صنعت لا تفتح إلا على قزحية العين ، ومعنى ذلك أن هذا القفل لا يفتح إلا من خلال صاحبه ، فقزحية العين هوية للإنسان .
رائحة جلده هوية له ، لا يوجد إنسان له رائحة جلد تشبه رائحة جلد إنسان آخر و على هذا الأساس يبنى عمل الكلاب البوليسية ، ولولا أن الإنسان يتميز برائحة خاصة لما استطعنا أن نستخدم الكلاب البوليسية التي تملك من حاسة الشم مليون ضعف عن حاسة شم الإنسان .
ونبرة الصوت هوية لك ، لا يوجد إنسان في الأرض تشبه نبرة صوته نبرة صوتك وهذا نستخدمه في الهاتف ، فلان تعرفه من نبرة صوته .
الآن بلازما الدم ، الزمرة النسيجية غير الزمرة الدموية ، لكل إنسان زمرته النسيجية ، هذا من تكريم الله للإنسان جعله فرداً ، فرد في قزحية عينه ، وفرد في شكل وجه ، وفرد في قوامه ، وفرد في رائحة جلده ، وفرد في نبرة صوته ، وفرد في زمرته النسيجية وفرد في بلازما الدم ، وفرد في بصمته ، واكتشف أخيراً أنه فرد بالنطفة التي يملكها ، لكل نطفة علامة يتميز بها ، عند الزوجة جهاز لاستقبال هذه العلامة ، فما دامت هذه العلامة تأتيها تباعاً فهذا زوجها ، فإذا جاءت علامة أخرى فهذا مؤشر لوجود مرض في الرحم إلا أن المرأة قادرة على أن تستقبل علامة أخرى بعد أربعة أشهر أي العدة .
الإنسان فرد متميز لا أحد يشبهه فالله عز وجل واحد و واسع :
إذاً أيها الأخوة الإنسان فرد ، أما من أجل أن نفهم اسم " الشافي " الآن هناك مفارقة ، هو فرد متميز لا أحد يشبهه ، وفي الوقت نفسه ستة آلاف مليون البنية التشريحية واحدة ، مكان الشريان ، مكان العصب ، لولا أن الأعصاب لها أماكن محددة جداًً أي عملية جراحية في الوجه تعني الشلل أحياناً ، لكن معروف العصب هنا مكانه ، الطبيب الجراح عنده مهارة فائقة في معرفة أماكن الأعصاب ، وأماكن الأوعية والشرايين .
إذاً البنية التشريحية الواحدة تؤكد اسم " الشافي " .
الآن الوظائف الفيزيولوجية في الإنسان تؤكد اسم " الشافي " ، الآن استجابة الجسم للدواء ، الجسم عضو نبيل يستجيب للدواء إذاً الله شافٍ ، ما أوقع المرض فينا إلا أن يكون المرض أداة قرب من الله عز وجل و يأتي بعده الشفاء ، فالله عز وجل شافٍ ، أي هذه الأدوية من صمم هذه العشبة لتهدئة القلب ، هناك أدوية مبطئة للنظم ، هناك أدوية موسعة للشرايين ، هناك أدوية مقوية لعضلة القلب ، هناك أدوية تعطي الإنسان راحة نفسية ، هناك أدوية مهدئة ، هناك أدوية مسكنة ، أي علم الأدوية علم قائم بذاته .
إذاً اسم " الشافي " تراه من وحدة الإنسان في بنيته التشريحية ، ومن وحدة الإنسان في وظائفه الفيزيولوجية ، بينما لكل إنسان هوية ، هذا شيء دقيق جداً ، أي وحدة تشابه البنية التشريحية ، والوظائف الفيزيولوجية في الإنسان تؤكد أن الله واحد ، أن الخالق واحد ، وأما التفاوت في شكل الإنسان ، وفي خصائصه ، وفي هوياته ، تؤكد اسم " الواسع " فالله واحد و واسع .
الله عز وجل قنن القوانين ليكون هناك أمل في شفاء الأمراض :
أيها الأخوة الكرام ، الدم له خصائص مذهلة ، يوضع هذا الدم في بنك باسم صاحبه ، بعد سنوات ، بعد عشر سنوات إذا تورمت بعض الخلايا أو تعطلت بعض الخلايا في مكان ، يوضع هذا الدم في المكان نفسه ، فإذا به يتشكل من الخلايا التالفة ، يعني إذا تعطلت خلايا نقي العظام المصنعة لكريات الدم الحمراء ، يوضع هذا الدم في نقي العظام ، وهذا الموضوع يمثل الخلايا الجذعية ، من أحدث الموضوعات ، أي مكان عندما استأصلنا بعض النسج وضعنا الدم مع الاستئصال تنمو خلايا من جنس الخلايا المحيطة بهذا الدم ، وهذا الدم له ثمن باهظ جداً ، والآن هناك بنوك للخلايا الجذعية .
إذاً الله عز وجل هو " الشافي " أي كل جهود الأطباء لولا أن الله قنن هذه القوانين ، أعطى هذه الخصائص لما كان من أمل في شفاء الأمراض . إذاً الله عز وجل هو " الشافي " .
تقدم علم الطب نتيجة كرامة الإنسان عند الله :
لذلك الحديث :
(( إن لكل داء دواء )) .
[حديث صحيح رواه مسلم والإمام أحمد عن جابر]
يقرأ هذا الحديث المريض فيمتلئ ثقة بالشفاء ، يقرأ هذا الحديث الطبيب فيشعر بالتقصير تجاه البشر ، ينبغي أن نبحث عن شفاء لهذا المرض ، الآن فإذا أصيب دواء الداء معنى الطبيب حينما يصيب في تشخيص الداء قطع نصف المرحلة ، فإذا أصيب دواء الداء قال برئ بإذن الله .
الطبيب له مهمتان ، المهمة الأولى : أن يصيب في تشخيص الداء ، وأن يصيب في وصف الدواء ، فإذا جاء التشخيص صحيحاً ، وجاء الدواء مناسباً برئ ، ولكن بإذن الله .
لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( داووا مرضاكم بالصدقة )) .
[ رواه الطبراني عن عبد الله بن مسعود]
أولاً أعطاك ثوابت ، أعطاك بنى تشريحية واحدة ، أعطاك وظائف فزيولوجية ، أعطاك أدوية لها فعل في الأمراض ، وهيأ أطباء ، والأطباء من رحمة الله بالإنسان ، و أنا أقول دائما أيها الأخوة إن تقدم علم الطب لكرامة الإنسان عند الله ، لأن الله هو الشافي إلا أن مرض الموت لا شفاء له ، هذا المرض لأنه بوابة الخروج ، الإنسان كيف يخرج ؟ يخرج بمرض الموت ، قد يكون في الكبد ، وقد يكون في الكلية ، وقد يكون في القلب ، وقد يكون في الدماغ ، وقد يكون بحادث ، تارة سكتة دماغية ، ومرة سكتة قلبية ، ومرة احتشاء ، هذه الأمراض التي هي أمراض الموت هي بوابة الخروج ، والإنسان حينما يرى أنه لابد من أن يخرج من الدنيا هذا من أعظم المواعظ و العبر .
على الإنسان أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء :
الآن (( إن لكل داء دواء )) فإذا أصيب دواء الداء برئ المريض بإذن الله ، إذاً ما الموقف الكامل حينما يصيب الإنسان المرض ؟ الموقف الكامل أن أبحث عن طبيب متفوق ، ولي مصطلح لطيف : ابحث عن طبيب مسلم حاذق ورع ، لأنه ينصح ، والدين النصيحة .
الآن هذا الطبيب يصيب في وصف تشخيص الداء ، ويصيب إن شاء الله في وصف الدواء ، ثم توجه إلى الله أن يسمح لهذا الدواء أن يفعل فعله في الداء ، هذا الموقف الكامل .
لذلك هذا ينقلنا إلى شيء مهم جداً في الإيمان ، أنت يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، هذه بطولة ، أن تذهب إلى أفضل طبيب ، أن تستخدم بدقة بالغة تعليمات الطبيب ، ثم تتوجه من أعماق أعماقك إلى الله ، يا رب اشفِ أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقماً ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء من السهل جداً أن تأخذ بالأسباب ، وأن تعتمد عليها وتنسى الله ، وهذا واضح جداً في العالم الغربي ، ألهوا الأسباب ، يأخذون بالأسباب ويعتمدون عليها ، وينسون الواحد القهار ، لكن الله يقهرهم أحياناً ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
الأخذ بالأسباب من الدين :
الإنسان من ضعفه إذا أخذ بالأسباب يعتمد عليها وينسى الله ، و يوجد مسلمون مقصرون لا يأخذون بالأسباب ، وهم عصاة ، لذلك الطريق الأمثل هو طريق وادٍ سحيق و عن يساره وادٍ سحيق ، فالإنسان إذا أخذ بالأسباب و اعتمد عليها وقع في وادي الشرك ، و إن لم يأخذ بالأسباب و قع في وادي المعصية ففي حنين قال الصحابة :
(( لن نغلب من قلة )) .
[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عباس ]
معهم بسبب الكثرة فقال تعالى :
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾ .
( سورة التوبة ) .
فالأخذ بالأسباب من الدين :
(( إن الله يلوم على العجز ، ولكن عليكم بالكيس ، فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل )) .
[ أبو داود وأحمد عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ]
يجب أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، يجب أن تعالج عند الطبيب ، يجب أن تذهب إلى طبيب متفوق ، أن تستخدم الدواء بعناية بالغة ، وفي الوقت نفسه يجب أن يمتلئ القلب رجاء من الله عز وجل أن يسمح للدواء أن يفعل فعله .
الله تعالى إذا أخذ من المؤمن بعض صحته عوضه عليها أضعافا ًمن القرب منه :
فلذلك :
(( لكل داء دواء ، فإذا أصاب الدواء الداء برئ بإذن الله)) .
[حديث صحيح رواه مسلم والإمام أحمد عن جابر]
هذا الذي يقتضي الدعاء ، والتوسل إلى الله عز وجل ، ودفع الصدقات ، مع الأخذ بالأسباب هذا الموقف الكامل .
هناك مثل يقرب الحقيقة : عندك سفر ، راجعت المركبة مراجعة تامة ، راجعت كل شيء فيها ، وكلها جاهزة ، الآن أخذت بالأسباب ، الآن تتوجه بكل أعماقك إلى الله ، يا رب ، أنت الحافظ ، أنت الموفق ، أنت المسلم في هذا السفر ، أنت الرفيق في السفر ، هذا شأن المؤمن في كل شيء يأخذ بالأسباب و كأنها كل شيء ، و يتوكل على الله و كأنها ليست بشيء .
شيء آخر الحديث القدسي الصحيح :
(( يا ابنَ آدمَ مَرِضْتُ فلم تَعُدْني ، قال : يارب كَيْفَ أعُودُكَ وأنتَ ربُّ العالمين ؟ قال : أمَا علمتَ أنَّ عبدي فلاناً مَرِضَ فلم تَعُدْهُ ؟ أما علمتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لوجَدتني عنده ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة]
و الله أيها الأخوة ، بالحديث ملمح يذيب محبة لله ، الله عز وجل إذا أخذ من المؤمن بعض صحته عوضه عليها أضعافاً مضاعفة من القرب من الله .
(( أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده )) .
كل شيء في خلق الإنسان يؤكد اسم الشافي :
الحقيقة ماذا نستطيع أن نقول في اسم " الشافي " ؟ كل شيء في خلق الإنسان يؤكد اسم " الشافي " ، كل شيء حول الإنسان يؤكد اسم " الشافي " ، كل شيء في بنية الإنسان التشريحية يؤكد اسم " الشافي " ، كل شيء في وظائف الجسم يؤكد ، الفيزيولوجية تؤكد اسم " الشافي " ، كل دواء خلقه الله لهذا الإنسان يؤكد اسم " الشافي " .
والآن الأبحاث الطبية تؤكد هذه الحقيقة ، بعد حين يظهر دواء ناجح لبعض الأمراض المستعصية ، إذاً الله عز وجل شافٍ .
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ .
( سورة الشعراء )
والحمد لله رب العالمين
اسم الله : المبين(1)
1 –
1- ورودُ اسم ( المبين ) في القرآن الكريم :
مع اسم من أسماء الله الحسنى ، وهو اسم ( المبين ) ، وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في آية واحدة ، قال تعالى :
﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾
( سورة النور ) .
2 – ورودُ اسم ( المبين ) معرَّفًا بـ ( أل ) إشارة إلى الوصفية :
ورد هذا الاسم في القرآن الكريم معرفا بـ ( أل ) ، فلان اسمه راشد ، راشد اسم علم ، أما إذا عرفت الاسم لقلت : جاء الراشد ، أنت تريد أن تؤكد اتصاف هذا الإنسان بالرشد ، فحين يعرّف اسم العلم يقصد منه التعريف ، ودقة اتصاف صاحب الاسم بصفته ، إذا قلت : جاء راشد ، قد يكون جاء رجل اسمه راشد ، لكنه غير راشد ، كأن تقول : فلان سعيد ، اسمه سعيد ، وهو من أشقى الناس ، فلان كامل ، وفيه كمية نقص لا تعد ولا تحصى .
لذلك إذا عُرِّف الاسم العلم بـ ( أل ) أُشير إلى اتصاف صاحبه بهذه الصفة ، فاسم الله تعالى ( المبين ) ورد معرَّفا بـ : أل :
﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾
شيء آخر أيها الأخوة ، نحن نعلم في اللغة أن الكلمات معارف ونكرات ، المعرفة ما دلت على معين ، والنكرة ما دلت على غير معين ، تقول : عاصمة ، فهي غير معين ، نكرة ، أما دمشق فمعرفة .
قال بعض النحاة :
إن المعارف سبعة في قولنا كَمُل أنا صالح من ذا الفتى ابني يا رجل
الضمير معرفة ، اسم العلم معرفة ، اسم الإشارة معرفه ، اسم الموصول معرفة ، المُعرف بأل معرفة ، المضاف معرفة ، المنادى معرفة .
إن المعارف سبعة في قولنا كَمُل أنا صالح من ذا الفتى ابني يا رجل
3 – اسم ( المبين ) مفيدٌ للمدح والثناء :
هذا الاسم يفيد المدح والثناء ، والعبد عبد والرب رب ، شأن العبد الافتقار، وشأن الرب المدح والثناء ، لكن لو أن غنياً تواضع ، وقال لمن يسأله عطاءً : أنا لا أملك شيئًا ، ليس هذا المقام مقام تواضع ، مقام أن تذكر له أنك يمكن تساعده ، فشأن الله المدح والثناء ، وشأن العبد الافتقار .
غزوة بدرٍ وحنين درسان بليغان :
في حياة الناس درسان بليغان ، الدرس الأول درس بدر ، والدرس الثاني درس حنين .
النبي عليه الصلاة والسلام مع أنه سيد الخلق وحبيب الحق ، وهو قمة البشر وقد اختاره الله ، واختار له أصحابه ، قال :
(( إن الله اختارني واختار لي أصحابي )) .
[ الجامع الصغير بسند ضعيف عن أنس ]
أصحابه والنبي على رأسهم في بدر افتقروا إلى الله في بدر فقال تعالى :
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 123 ) .
النبي نفسه ، وهو في أعلى درجات القرب والافتقار إلى الله ، لكن أصحابه في حنين قالوا :
(( لن نغلب من قلة )) .
[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم ، عن ابن عباس ]
فتخلى الله عنهم ، قال تعالى :
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾
( سورة التوبة الآية : 25 ) .
لا تقل : أنا ، لي ، عندي :
درْسا بدر وحنين يحتاجهما المؤمن في كل يوم ، بل في كل ساعة ، فإذا قلت : أنا ، تخلى الله عنك ، وإذا قلت : الله ، تولاك ، قل : أنا ابن فلان ، يتخلّ الله عنك ، قل : أنا عندي علم يتخلّ الله عنك ، قل : أنا عندي تجربة غنية في هذا الموضوع ، قل : أنا أعلم من حولي يتخلّ الله عنك ، إياك أن تقول : أنا ، قالها إبليس :
﴿ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ ﴾
( سورة الأعراف الآية : 12 )
فأهلكه الله ، وقالها قوم بلقيس :
﴿ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾
( سورة النمل الآية : 33 )
وقالها قارون :
﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ﴾
( سورة القصص الآية : 78 )
فخسف به الأرض ، وقال فرعون :
﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾ .
( سورة الزخرف الآية : 51 ) .
فدمره الله ، أنا ، ونحن ، ولي ، وعندي كلمات مهلكات ، فإذا قلت أنا تخلى الله عنك ، وإذا قلت الله تولاك الله ، ونحن جميعا بحاجة ماسة لهذين الدرسين في كل ساعة من حياتنا .
هناك طبيب جراح نسائي في بلد عربي متفوق ، له زميل طبيب من المستوى نفسه ، له زوجه في حملها إشكال ، فذهب إليه ، واتفق أن تكون الولادة عنده ، ثم سأله زميله : هل ترى أن نسأل طبيبا آخر؟ قال : أنا أعلم مَن في هذه المدينة بهذا الاختصاص ، بكل كِبْر ، القصة طويلة ، لكن مغزاها أن هذا الطبيب ارتكب خطأ فادحا جداً لا يرتكبه ممرِّض ، الأمر الذي وجب على القائمين على شؤون الصحة أن يسحبوا منه الشهادة لأول مرة في تاريخ البلد العربي بعد النهضة والاستقلال .
لا تقل : أنا ، لا تقل : ليس هناك من هو أعلم مني .
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾
( سورة يوسف )
إن شاب ناشئًا ألقى درساً فتحلق والتف الناس حوله ، وأحبوه ، ورجل آخر مِن أهلِ العلم آلمه هذا الإقبال على هذا الشاب ، فجاء إليه ، وأراد أن يصغّره ، فحضر درسه ، فلما انتهى الدرس ، سأل هذا الفتى : وقال له : يا هذا ، هذا الذي قلته ما سمعناه ، تصغيرا له ، فالشاب مؤدب جداً ، قال : يا سيدي ، وهل تعلمت العلم كله ، فإذا قال : نعم ، فقد خالف قوله تعالى :
﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾
( سورة الإسراء )
قال : لا ، قال : كم تعلمت منه ؟ قال : شطره ، قال : يا سيدي هذا الذي قلته من الشطر الذي لا تعرفه .
إياك أن تقول : أنا ، قل : بفضل الله ، الله مكني أن أنال هذه الشهادة ، الله مكني أن أتقن هذه الحرفة ، الله مكني أن ألقي هذه الكلمة ، الله مكني أن تنجح هذه العلمية .
أعرف طبيبا جراحاً عصبياً ، المريض على الطاولة ، يصلي أمامه ركعتين ، ويقول : يا رب ، ألهمني الصواب ، أنا مفتقر إليك .
عوِّد نفسك في كل عمل تقدم عليه أن تقول : اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي ، والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا المتين ، شأن العبد أن يفتقر، وشأن الرب أن تثني عليه ، وأن تمدحه ، كي نطمع بفضله ، وكي نقبل عليه ، وكي نلجأ إليه ، وكي نعتمد عليه .
لا تُظهِر نفسَك وتعتِّم على غيرك :
أيها الإخوة ، لكن بالمناسبة ، إذا مُدح المؤمن ربَا الإيمان في قلبه ، وهناك إنسان بطبيعته لا يُظهِر مَن حوله إطلاقاً ، تعتيم شديد على مَن حوله ، وتسليط للإضاءة شديد على شخصه ، هو يكبُر ومَن حوله يصغرون ، ليس هذا من شأن النبي عليه الصلاة والسلام .
(( لو كان نبيا بعدي لكان عمر )) .
[ أخرجه الترمذي عن عُقْبَةَ بنِ عامرٍ ]
سيدنا الصديق ما ساءني قط ، وما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر .
سيدنا ابن الجراح أمين هذه الأمة ، كل صاحبي أعطاه النبي حقه ، هذه بطولة أن تُظهِر مَن حولك ، لا أن تعتم من حولك .
فذالك أيها الإخوة ، إذا مُدح المسلم رَبا الإيمان في قلبه ، والمؤمن الصادق إذا مُدح والله يزداد تواضعاً لله ، يزداد محبة له ، يقول : يا رب ، إني تبرأت مِن حولي وقوتي ، والتجأت إلى حولك وقوتك ، يا ذا القوة المتين ، يا رب ، هذا فضلك ، يا رب ، هذا توفيقك يا رب ، هذا من عندك ، يا رب ، هذا من تأييدك .
المؤمن الصالح إذا مُدح ربا الإيمان في قلبه ، وهناك أشخاص إذا مدحتهم ، يصدقون ، ويستعلون ، ويتغطرسون ، ويعانون من أمراض نفسية كانوا في غنىً عنها .
إذاً : أنت أيها الأخ المؤمن كن حكيما ، إذا كان مدحك يسوق الإنسان إلى الفجر فإياك أن تمدحه ، لذلك ورد أيضاً :
(( احْثُوا التُّرَابَ فِي وُجُوهِ المَدَّاحِينَ )) .
[ أخرجه مسلم المقداد بن الأسود ]
ورد النهي عن المديح ، وورد الثناء على المديح ، هذا بحسب حال الممدوح ، فإذا كان مؤمناً ربا الإيمان في قلبه ، وإن كان غير مؤمن ازداد كبراً وغطرسة واستعلاء .
علاقة التوكل بالأخذ بالأسباب :
أيها الإخوة ، قضية التولي والتخلي ، أخطر شيء في حياتنا ، قل : الله ، حقيقة المؤمن أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، سهل جداً أن تأخذ بالأسباب ، وأن تعتمد عليها ، وأن تؤلهها ، وأن تنسى الله معها ، وهذا شأن العالم الغربي ، وسهل أيضاً ألا تأخذ بها جهلاً وتواكلاً وتقول : توكلنا على الله .
سيدنا عمر رأى أناساً يتكففون الناس في الحج ، سألهم : << من أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال : كذبتم ، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ، ثم توكل على الله >> .
يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذا شيء مهم جداً أيها الإخوة .
إذاً : المؤمن الصادق يأخذ بالأسباب ولا يعتمد عليها ، يعتمد على الله ، وقبل أن يسافر يراجع مركبته مراجعة دقيقة ، ثم من أعماق أعماقه يقول : يا رب ، أنت الحافظ ، أنت الموفق ، أنت المسلم ، أما ألاّ يأخذ بالأسباب ، ولا يراجع المركبة ، ولا يتفقد مكابحها ، ولا أجهزتها ، ولا وسائلها ، ويقع الحادث ، ثم يقول : هذه مشيئة الله ، فهذا افتراء على الله ، هذه نتائج التقصير ، ولو فهِم المسلمون أن الأخذ بالأسباب من الدين ، بل هو من صلب الدين لما كانوا فيما هم فيه الآن من ضعف ، لكن العالم الغربي وقع في متاهة أخرى ، أخذ بالأسباب واعتمد عليها ، ونسى الله ، وتغطرس ، فأدبه الله عز وجل .
الإنسان يؤدَّب مرتين ، مرة إذا أخذ بالأسباب واعتمد عليها ، وأشرك مع الله ، وينسي ربه ، ومرة إن لم يأخذ بها ، ففي الحالتين يؤدب ، لذلك البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست شيء .
الكون مسخَّر للإنسان تعريفًا وتكريما :
أيها الإخوة ، الكون كما تعلمون مسخر تسخير تعريف وتكريم ، تماماً لو قدم لك أحدهم هاتفا متطورا جداً ، وفيه خدمات كبيرة جداً ، قدمه لك أحدهم هدية ، وهذا الجهاز من اختراعه ، أنت بماذا تشعر ؟ تشعر بإكبار لهذا الإنجاز العلمي ، وتشعر بامتنان ، لأنه أعطاك إياه هدية ، هذا مثل للتبسيط .
هذا الكون الذي سخره الله للإنسان ، سخره له تسخير تعريف وتكريم ، من أين جئنا بهذا المعنى ؟ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ :
(( هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ، هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ، هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ )) .
[ رواه أبو داود وفي سنده ضعف ]
هلال خير أنتفع به ، وهلال رشد يرشدني إلى ربي ، هذا منهج .
الطعام أمامك ، طعام خير ورشد ، تنتفع به ، وتتعرف إلى خالقه ، نظرت إلى السماء ، نظرت إلى النجوم ، إلى البحار ، إلى الجبال ، نظرت إلى الأسماك ، إلى الأطيار كل شيء سخره الله لنا تسخير تعريف وتكريم ، فردُّ فعل التعريف أن تؤمن ، وردُّ فعل التكريم أن تشكر ، وحينما تؤمن ، وحينما تشكر فقد حققت الهدف من وجودك ، وإنْ آمنت وشكرت توقفت المعالجة ، الدليل قال تعالى :
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾
( سورة النساء )
في اللحظة التي تؤمن بها بالله ، وتشكره على نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ونعمة الهدى والرشاد ، فقد حققت سر وجودك وغاية وجودك ، واعلم علم اليقين أنه ربما وفي العمل الأغلب وإن شاء الله تتوقف كل المعالجات ، لذلك ورد في بعض الأحاديث عَنْ سَلْمَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ )) .
[ أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك ]
إذا دعوت وأنبت ، واستقمت ، وتبت يتوقف كل شيء في حقك ، وهذه بشارة كبيرة جداً .
التوحيد لا يغفي من المسؤولية :
أيها الإخوة ، ولكن كما تحدثت عن التوحيد لا بد من التنويه أن الله عز وجل حينما سمح لموضوع حديث الإفك أن يكون ، قال في القرآن الكريم :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾
( سورة النور الآية : 11 )
لأن كل شيء وقع أراده الله ، ولأن كل شيء أراده الله وقع ، ولأن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، ولأن حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، فخير ، لكن لئلا يتوهم الإنسان أن القضاء والقدر يعفيه من المسؤولية ، قال تعالى :
﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
( سورة النور )
كي أترجم هذه الفكرة إلى حياتنا : طبيب اشتغل مع ممرضة في المستشفى بحديث غزلي ، جاء إنسان في الإسعاف ، قال لهم : انتظروا ، حتى مات ، فالطبيب مسؤول ، ولا يقل : سبحان الله ! مات بأجله ، لا ، أنت مسؤول ، الدليل : عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ )) .
[ أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم ]
التوحيد لا يلغي المسؤولية .
4 – الاشتقاق اللغوي لاسم ( المبين ) :
أيها الإخوة ، المبين اسم فاعل من المشتقات نحن لغتنا لغة اشتقاق ، وهي من أرقى اللغات ( المبين ) اسم فاعل ، نحن في لغتنا اللغة أُسَر ، هناك أسرة جدها بانَ ، فيها اسم فاعل بائن ، فيها فعل رباعي ، أبان ، فيها اسم فاعل رباعي مبين ، وهناك بينونة ، عندنا فعل ماضٍ ، وفعل مضارع ، وفعل أمر ، واسم فاعل واسم مفعول ، وصفة مشبهة باسم الفاعل ، واسم تفضيل ، اسم مكان ، واسم زمان ، واسم آلة ، لغتنا من أرقى اللغات ، ويكفي أن الله سبحانه وتعالى اختارها لكلامه :
﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾
( سورة الشعراء )
وفي اللغة لقطات مذهلة ، اللغة العربية تتسع اتساعاً مذهلاً ، فهناك كلمة نظر ، وحدّج ، حدج نظر مع المحبة ، وفي الحديث الشريف :
(( حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم )) .
هناك نظر شزراً ، مع الاحتقار ، وهناك شَخَص مع الخوف ، وحَدج ، وهناك بَحْلق مع التحديق ، وحملق ، ظهر حملاقُ العين ، واستشرف مع التمطي ، واستشف مع اللمس ، ولَمَح ، نظر ، وأعرض ، هناك ولّى ، وظهر ، واختفى .
العربية من أرقى اللغات الإنسانية ، لكن اللغة تضعف بضعف أهلها ، وتقوى بقوتهم ، وفي العربية مثلا : كتب ، ومكتب ، وكتابة ، وكتاب ، من أسرة واحدة ، وفي اللغة الإنجليزية Write , book , table ، كل كلمة من اشتقاق ، نحن كتب ، يكتب ، كاتب ، مكتوب ، مكتب ، كتاب ، هل نظرت إلى النظام ؟
فلذلك ( المبين ) اسم فاعل من أبان ، أظهر ، أما بائن مِن بان ، وهو فعل لازم ، اسم فاعله بائن ، أما أبان : اسم فاعله مبين .
بانت المرأة ؛ انفصلت عن زوجها ، وفي الطلاق الثالث تكون البينونة الكبرى .
5 – معنى اسم ( المبين ) :
شيء الآخر ، ( المبين ) الواضح :
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾
( سورة الأعراف )
السحرة جاءوا بأنابيب ، وطلوها على شكل ثعبان ، ووضعوا فيها زئبقًا ، ثم وضعوها على مكان ساخن ، تمدد الزئبق ، تحركت هذه الأنابيب المطاطية
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾
﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ .
( سورة الشعراء )
شيء رائع جداً :
﴿ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾
أي : واضح .
﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
( سورة الدخان )
حينما يرى الإنسان أنه خسر الأبد ، وخسر الآخرة قال تعالى :
﴿ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾
( سورة الزمر )
الخسارة الحقيقية أن تخسر الله ، أن تخسر الجنة ، أن تخسر الأبد .
لذلك أبان ؛ أظهر ، والبيان ؛ الفصاحة .
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
( سورة الرحمن )
البيان أرقى أداة اتصال بشري :
البيان أرقى أداة اتصال بشري ، فلو فرضنا دولة فيها نظام ، لكن ما فيها لغة ، وأراد حاكم هذه البلدة أن يمنع التجول ، ماذا يفعل ؟ يحتاج على شرطي لكل مواطن يدفعه إلى البيت ، لكنه يصدر بلاغا في أربع كلمات لا تجد بعد ذلك إنسانا في الطريق .
أرقى أداة اتصال بين البشر اللغة ، قال تعالى :
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ .
أيضا البيان شفهي للتواصل المباشر ، وكتابي للتواصل الغير مباشر .
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾
البيان الكتابي ينتقل من جيل إلى جيل ، ومن عصر إلى عصر، والبيان الكتابي مع الترجمة ينتقل من أمة إلى أمة ، ومن ثقافة إلى ثقافة ، والإنسان خُص بالبيان :
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
(( وإن من البيان لسحرا )) .
[ أخرج مالك أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عمر ]
(( إنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً )) .
[ أخرجه البخاري عن أُبي بن كعب ]
وسوف نتابع هذا الموضوع في لقاء آخر إن شاء الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله رب العالمين
اسم الله : المبين(2)
1 –
1-اسم (المبين ) وصف للذات والأفعال :
الحقيقة أن هذا الاسم فيه وصف للذات ، فالله سبحانه وتعالى بائن ؛ أي ظاهر ، من بان واسم الفاعل من هذا الفعل بائن .
أما إذا بيّن الله للناس آياته فهو ( المبين ) ، وهذا وصف للأفعال ، فاسم ( المبين ) بين أن يكون وصفاً للذات ، وبين أن يكون وصفاً للأفعال .
2 – الله يبيِّن الآيات :
﴿ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ ﴾
( سورة البقرة الآية : 242 )
جاءت آيات كثيرة :
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ .
( سورة البقرة )
﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾
( سورة البقرة ) .
﴿ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ .
( سورة البقرة ) .
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتّقُونَ ﴾ .
( سورة البقرة ) .
﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ .
( سورة الحج ) .
إذاً : الله جل جلاله يبيّن لخلقه آياته ، لعل هؤلاء الناس يعرفون الحقيقة ، لعلهم يتفكرون ، لعلهم يعقلون ، لعلهم يهتدون ، لعلهم يتقون ، لعلهم يشكرون .
ما هي آياتُ الله عزوجل ؟
فما هي آيات الله عز وجل ؟ قال العلماء : هناك آيات كونية ، وهي خَلْق الله عز وجل ، وهناك آيات تكوينية هي أفعاله ، وهناك آيات قرآنية أي كلامه ، فمن أجل أن نعرفه ، ومعرفة الله أصل الدين ينبغي أن نتفكر في آياته الكونية ، وأن ننظر في آياته التكوينية ، وأن نتدبر آياته القرآنية .
لو وقفنا وقفة متأنية عند آياته الكونية ، فالله سبحانه وتعالى يأمرنا أن ننظر في السماوات ولأرض ، وكما تعلمون كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، لأن الله عز وجل جعل التفكر من أعلى درجات العبادة ، فقال تعالى :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران )
نماذج من آيات الله الكونية :
سرعة الضوء :
من بعض آياته الكونية : أن بين الأرض وأقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية ، والضوء يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كم ، كم يقطع في الدقيقة ؟ ضرب 60 ، كم يقطع في الساعة ؟ ضرب 60 ، كم يقطع في اليوم ؟ ضرب 24 ، كم يقطع في السنة ؟ ضرب 365 يوما ، كم يقطع في أربع سنوات ؟
إن طالبا من طلابنا في المرحلة الإعدادية يحسب كم يبعد هذا النجم الذي هو أقرب نجم ملتهب إلينا عن أرضنا ، فإذا كان لهذا النجم طريق سالك ، ومعنا مركبة أرضية ، وسرنا بسرعة مئة في الساعة ، لو قسمنا المسافة على مئة يكون الجواب كم ساعة تستغرق الرحلة ، لو قسمنا الناتج على 24 نجد كم من يوم تستغرق الرحلة ؟ لو قسمنا الناتج على 365 كم من عام ، من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض بمركبة أرضية نحتاج إلى خمسين مليون عام ، متى نصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا 4000 سنة ضوئية ؟ بل متى نصل إلى مجرة المرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية ، ومتى نصل إلى بعض المجرات التي اكتشفت حديثاً ، وتبعد عنا 20 مليار سنة ضوئية ، إذا فتحت كتاب الله ، وقرأت قوله تعالى :
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
( سورة الواقعة )
لذلك أيها الإخوة :
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
( سورة فاطر الآية : 28 )
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم .
ولكن في الآية الكريمة ملمح دقيق :
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾
إنها كلمة مواقع ، الموقع يعني أن صاحب الموقع قد لا يكون في الموقع ، لأن هذا النجم ، أو هذه المجرة ، أو هذا النجم الذي يبعد عنا عشرين مليار سنة كان في هذا المكان ، وأرسل ضوءه إلى الأرض ، وبقي الضوء يقطع في الفضاء الخارجي مسافة يستغرق قطعها 20 مليار سنة ، النجم أين هو الآن ؟ ليس في هذا المكان ، سرعته تقترب من سرعة الضوء .
لذلك إذا تأمل عالم فلك في كلمة : ﴿ بِمَوَاقِعِ ﴾ ، لخر ساجداً لله .
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾
لو أن الآية : لا أقسم بالمسافات بين النجوم ، فهذا ليس قرآناً :
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
برج العقرب :
إخوتنا الكرام ، الأرض تدور حول الشمس ، بين الأرض والشمس 156 مليون كم ، يقطعها الضوء في 8 دقائق ، الشمس تكبر الأرض بمليون و300 ألف مرة ، أي أن جوف الشمس يتسع لمليون و300 ألف أرض ، وبينهما 156 مليون كم ، وحينما قال الله عز وجل :
﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾ .
( سورة البروج ) .
أحد أبراج السماء اسمه برج العقرب ، برج العقرب فيه نجم صغير متألق اسمه قلب العقرب ، هذا النجم الصغير المتألق يتسع ـ دققوا الآن ـ يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، أهذا الإله العظيم يُعصى ؟! ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
( سورة يونس الآية : 101 )
البعوضة :
لو انتقلنا نقلة فجائية من المجرات ، ومن السماوات إلى أحقر مخلوق عند الإنسان إنه البعوضة ، البعوضة بعد أن وضعت تحت المجهر تبين أن في رأسها مئة عين ، وفي فمها 48 سناً ، وفي صدرها 3 قلوب ، قلب مركزي ، وقلب لكل جناح ، وفي كل قلب أذينان وبطينان ودسامان ، وتملك البعوضة جهازا استقباليا حراريا لا تملكه الطائرات ، إنها ترى الأشياء لا بأشكالها ، ولا بأحجامها ، ولا بألوانها ، ولكن ترى الأشياء بحرارتها فقط ، وحساسية هذا الجهاز الحراري واحد على ألف من الدرجة المئوية .
وتملك جهاز تحليل دم ، فما كل دم يناسبها ، وتملك جهازاً آخر ، جهاز تمييع للدم ، لأن لزوجة دم الإنسان لا تسري في خرطومها ، وتملك جهاز تخدير .
أما خرطومها ففيه ستة سكينان ، أربع سكاكين لإحداث جرح مربع ، وسكينان يلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم ، فإذا قال الله عز وجل في قرآنه :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾
( سورة البقرة الآية : 26 )
هذه الآية تندرج تحت الإعجاز العلمي في القرآن الكريم .
في أرجل البعوضة مخالب ، إن أرادت أن تقف على سطح خشن ، وفي أرجل البعوضة محاجم ، إن أردت أن تقف على سطح أملس .
﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
( سورة يونس الآية : 101 )
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
أيها الإخوة الكرام ، الآيات التي تتحدث عن العلم ، وعن التفكر ، وعن العقل تقترب من ألف آية في القرآن الكريم ، والآيات التي تتحدث عن الكون تقترب أيضاً من ألف آية ، لذلك سبيل معرفة الله التفكر في آياته ، فالله عز وجل حينما قال :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة الجاثية )
الله عز وجل مبين ، بيّن هذه الآية ، والله عز وجل ظاهر ، بل إن كل شيء في الكون ينطق بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، هذا عن آياته الكونية .
من آيات الله التكوينية :
فماذا عن آياته التكوينية ؟ نحن مأمورون أن نتفكر بآياته الكونية ، أما آياته التكوينية فهي أفعاله .
تصوروا فرعون ، وما أدراكم من فرعون ، بجبروته ، بقوته ، باستعلائه ، باستكباره ، بقسوته ، بظلمه ، بطغيانه ، هذا فرعون رواء سيدنا موسى بقوته ، سيدنا موسى معه شرذمة قليلون من بني إسرائيل ، وصلوا إلى ساحل البحر الأحر .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
( سورة الشعراء )
احتمال النجاة صفر ، فرعون بأسلحته ، بحقده ، بطغيانه ، باستعلائه ، باستكباره ، وراء نبي كريم مع شرذمة من بني إسرائيل .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
( سورة الشعراء )
والقصة معروفة لديكم ، حيث إن هذا النبي الكريم ضرب البحر بعصاه فأصبح طريقاً يبساً ، سار فيه موسى ومن معه ، تبعهم فرعون ، وكان موسى قد خرج من الطرف الآخر ، وفرعون في منتصف البحر ، فغرق ، وكان إغراق فرعون آية من آيات الله عز وجل .
وهذه القصة لنا من أجل ألا نيأس ، من أجل أن نثق بالله عز وجل ، وأن الله سبحانه وتعالى لا يتخلى عن عباده المؤمنين .
﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
هذه آية من آياته التكوينية ، قال تعالى :
﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
( سورة الأنعام )
هؤلاء الذين عارضوا النبي الكريم ، أين هم الآن ؟ في مزبلة التاريخ ، أبو جهل وأبو لهب ، هؤلاء الذين وقفوا معه أين هم ؟ في أعلى عليين .
﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
وفي آية أخرى :
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا ﴾
( سورة النمل الآية : 69 )
أحياناً يأتي التدمير سريعاً ، وقد يأتي متأخراً لحكمة أرادها الله عز وجل ، فآياته الكونية أُمرنا أن نتفكر فيها ، وآياته التكوينية أُمرنا أن ننظر فيها .
الآيات القرآنية :
بقيت آياته القرآنية أُمرنا أن نتدبر آياته القرآنية ، والقرآن الكريم يُقرأ ، والأولى أن يُقرأ قراءة صحيحة ، وفق قواعد اللغة ، لأن هذا القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين ، وإن أمكن ينبغي أن يُقرأ قراءة وفق أحكام التجويد ، هذا مندرج تحت قوله تعالى :
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 121 )
ثم ينبغي أن نفهمه ، ثم ينبغي أن نتدبره ، ما الفرق بين أن نفهمه وأن نتدبره ؟ أن نفهمه أي نفهم المعنى الذي أراده الله عز وجل وفق علم الأصول ، أما التدبر فتقول : أين أنا من هذه الآية ؟ هل أنا مطبق لها ؟ دائماً وأبداً التدبر يعني أن تسأل نفسك : أين أنا من هذه الآية ؟ فلذلك القرآن الكريم يقول :
﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
هل أنا متوكل ؟ فالمؤمن الصادق حيث ما قرأ آية في كتاب الله يسأل نفسه : هل أنا مطبق لها ؟ هذا هو التدبر ، وأعلى شيء في تلاوة القرآن الكريم التطبيق ، إذاً :
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ﴾
بدءاً من تلاوته وفق أحكام اللغة العربية الصحيحة ، ثم قراءته وفق علم التجويد ، ثم فهمه ، ثم تدبره ، ثم تطبيقه .
(( ما آمن بالقرآن من استحل محارمه )) .
[ أخرجه الترمذي عن صهيب ] .
إذاً : الآيات الكونية أتفكر فيها ، والتفكر أمرٌ في القرآن الكريم ، بل إن هذا الأمر يعد من أوثق الأوامر ، لماذا ؟ جاء بفعل مضارع ، يتفكرون ، التفكر مستمر :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ .
والآيات التي تزيد على ألف آية في كتاب الله ، وتتحدث عن الكون هي في الحقيقة منهج لنا ، منهج للتفكر ، فأية آية كونية يجب أن تقف منها الموقف الذي أراده الله ، مثلاً :
ماذا تقتضي قراءة الآيات الكونية والتكوينية والقرآنية ؟
إذا قرأت آية فيها أمر ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تأتمر ، إن قرأت آية فيها نهي ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تنتهي ، إن قرأت آية فيها وصف لأهل الجنة ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تسعى لدخول الجنة بالعمل الصالح ، والتوبة ، والاستقامة ، وإن قرأت آية فيها وصف لأهل النار ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تبتعد عن النار .
(( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ )) .
[ أخرجه البخاري ومسلم ، عن عديّ بن حاتم رضي اللّه عنه ]
فإذا قرأت آية تتحدث عن الأقوام السابقة ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تعتبر .
الآن الشاهد : فإذا قرأت آية كونية ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تتفكر في خلق السماوات والأرض ، وربما كان التفكر عبادة يقوم بها الإنسان ، لأن التفكر طريق إلى معرفة الله ، وأصل الدين معرفته ، وحينما تعرف الآمر ، ثم تعرف الأمر تتفانى في طاعة الآمر ، أما حينما تعرف الأمر ، ولا تعرف الآمر تتفنن في التفلت من الأمر ، وهذه مشكلة المسلمين الأولى ، عرفوا الأمر ولم يعرفوا الآمر ، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله ، هان أمر الله عليهم لأنهم ما عرفوا من الآمر .
لذلك المرحلة المكية التي أمضى فيها النبي عليه الصلاة والسلام سنوات طويلة في تعريف أصحابه بالله ، ويغلب على الآيات المكية أنها كونية ، ويغلب على الآيات المدنية أنها تشريعية ، وفي الدعوة إلى الله لا بد أن تتمايز المرحلة المكية التي فيها تعريف لله عز وجل عن المرحلة المدينة التي فيها تعريف بأمره .
والمقولة التي أرددها كثيراً : أنت بالكون تعرفه ، وبالقرآن الكريم تعبده ، بالكون تعرفه ، وبالمنهج القويم الذي جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة تعبده ، بالتفكر تعرفه ، وبالطاعة تعبده ، والإنسان علة وجوده أن يعبد الله ، والعبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بحبحة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سادة أبدية .
أيها الإخوة ، الله عز وجل من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض نرى كمالاً ، ونرى عظمة ، ونرى رحمة ، ونرى حكمة ، ونرى قوة ، أسماء الله الحسنى نستشفها من التفكر في خلق السماوات والأرض ، قد نصل في نهاية المطاف إلى أن الله موجود ، وكامل وواحد ، وأـسمائه حسنى ، وصفاته فضلى .
الآن كمال الخلق يدل على كمال التصرف ، إذاً من مقتضيات كماله الذي وصلنا إلى هذه الحقيقة من خلال التفكر في خلقه ، أنه يبين لعباده ، يبين لهم الآيات من أجل أن يتفكروا ، يبين لهم الآيات من أجل أن يعقلوا ، يبين لهم الآيات من أجل أن يهتدوا ، من أجل أن يطيعوا ، من أجل أن يتقوا ، من أجل أن يشكروا .
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾
( سورة النساء الآية : 147 )
حينما تؤمن ، وحينما تشكر تحقق الهدف من وجودك ، ذلك لأن الكون مسخر لك أيها الإنسان تسخير تعريف وتكريم ، هذا يستنبط من قول النبي الكريم حينما رأى هلالاً قال :
(( هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْدٍ )) .
[ رواه أبو داود عن قتادة ]
ننتفع به ، يرشدنا إلى الله عز وجل ، وأي شيء من دون استثناء خلقه الله عز وجل له وظيفتان كبيرتان ، وظيفة إرشادية ، ووظيفة نفعية ، العالم الغربي حقق الوظيفة الثانية في أعلى مستوى ، انتفع من خيرات الأرض ، وخيرات السماء ، وما تحت الأرض ، بينما المسلم ينبغي أن يضيف إلى انتفاعه من خيرات ربه جل جلاله يضيف إلى استمتاعه بهذه الخيرات أنه يعرف الله من خلالها .
لذلك أي شيء خلقه الله عز وجل له وظيفتان ، وظيفة نفعية ، ووظيفة إرشادية .
إذاً : أن يبين الله لنا آياته هذا من لوازم كماله ، من هنا جاءت الرسالات السماوية والأنبياء ، والمرسلون ، وكل وسائل هداية الخلق هي تعبير عن محبة الله لنا ، وعن أنه خلقنا ليسعدنا .
3 – ماذا تستفيد من اسم ( المبين ) ؟ البيان يطرد الشيطان :
الآن أنت كمؤمن ماذا ينبغي أن تفعل حيال هذا الاسم ؟ ينبغي أن تبين النبي عليه الصلاة والسلام كان في معتكفه ، وجاءت السيدة صفية رضي الله عنها تتفقده ، وتقدم له بعض الحاجات ، جلست معه قليلاً ، ثم أرادت أن تنطلق إلى بيتها ، رافقها النبي عليه الصلاة والسلام ، لما رافقها النبي ، وهما في الطريق رأيا صحابيين ، فقال عليه الصلاة والسلام : على رسليكما هذه زوجتي صفية ، بين ، وضح .
لذلك قالوا : البيان يطرد الشيطان ، والمؤمن مِن تخلّقه بهذا الاسم العظيم يبيّن ، هناك حساب بينك وبين شريكك ، أنت أمين إلى أعلى درجة ، وجدت أن المدفوعات تساوي المصروفات ، قلت : الحساب مغلق ، انتهى ، لا يكفي ، لا بد من أن تقدم الحساب ، وتبين .
كلمة : " هذه زوجتي صفية " يُحمل عليها آلاف الحالات ، بيّن وضح .
أنت مسافر ، كلفت أخا زوجتك أن يتفقدها في غيبتك ، بلِّغ الجيران ، أنا مسافر ، وسيأتي أخو زوجتي يتفقد شؤون أخته ، لئلا يظن الناس أن هذا الإنسان غريب دخل إلى بيتك في غيبتك ، لذلك لا تضع نفسك موع التهمة ، ثم تلوم الناس إذا اتهموك .
البطولة أن كل عمل يقتضي تفسيرين يجب أن تبتعد عنه ، وإن كنت مضطراً فبيّن ماذا تريد من هذا العمل ، هذه من صفات المؤمن ، يبيّن ، هذه زوجتي صفية ، وهذا هو الحساب ، وهذا الذي جاء إلينا فلان ، فكلما بينت أزلت الشكوك ، وأبعدت نفسك عن التهم ، والمؤمن حريص على سمعته ، وعلى كلام الناس في غيبته ، ورحم الله عبداً جب المغيبة عن نفسه .
والحمد لله رب العالمين
°السٍَّـٍلاَمُ عَلَيكٍُـٍمُ وَرَحَّمٍـٍٍُة اللٍـٍْهِ وَبَرَكٍَـٍاْتُهْ°
جزاااك الله خيراااا
- اللهم اجعلنا ممن يحبك .. ويحب من يحبك .. ليُؤنسنا قربك ..
- اللهم ازرع شجرة حبك في قلوبنا .. لنرى النور في دمن ذنوبنا .. ونطهَّر من عيوبنا
اللهم آمين بحق محمد وآله الطاهرينا
اللهم اجعلنا من المقربين إليك ,اللهم اسعدنا بالدنيا واحسن خاتمتنا بالاخرة
اللهم امين اللهم امين اللهم امين
http://img89.imageshack.us/img89/1320/94262132se9.gif
اسم الله : القريب(1)
1 – ورودُ اسم ( القريب ) في القرآن الكريم مقترنا بغيره من الأسماء :
أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، وهو اسم ( القريب ) ، وقد ورد اسم الله ( القريب ) في القرآن الكريم مطلقاً منوناً ، مرادا به العلمية ، دالاً على كمال الوصفية ، ومقترناً باسم الله المجيب ، كما في قوله تعالى :
﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ﴾
( سورة هود )
واقترن باسمه السميع ، في قوله تعالى :
﴿ قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾
( سورة سبأ )
2 – ورودُ اسم ( القريب ) في القرآن الكريم مفرَدًا :
ورد هذا الاسم أيضاً مفرداً في قوله تعالى :
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 186 )
3 – قربُ الله قربُ علمٍٍ وقدرةٍ :
أيها الإخوة ، هذا الاسم له قرب من الإنسان شديد ، المعنى أنك إذا أيقنت الله معك فلن تستطيع أن تعصيه ، بل حينما تشعر أن قرب الله قرب علم ، وأن قرب الله قرب قدرة لا يمكن أن تتجاوز أمره
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
( سورة الطلاق )
فعلّة خلق السماوات والأرض أن تعلموا .
﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
( سورة الطلاق )
4 – قربُ الله يستلزم معيّته :
حينما توقن أن علم الله يطولك ، وأن قدرته تطولك ، وأن قرب الله قرب علم ، وأن قرب الله قرب قدرة ، أنت في قبضته ، وعلمه يطولك ، وقدرتك تطولك ، فكيف تعصيه ؟ حتى إنه قد قيل : أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان .
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾
( سورة الحديد الآية : 4 )
وهو مع المؤمنين بالحفظ ، والتأييد ، والنصر ، التوفيق .
فلذلك أيها الإخوة ، ورد في مرتبة الإحسان :
(( أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ )) .
[ مسلم عن عمر بن الخطاب ]
﴿ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾
( سورة الشعراء )
أحياناً يكون الإنسان قريباً منك ، يلازمك كظلك ، لا يفارقك ، مهما يكن محبوباً تضجر من قربه ، تقول : دعني وشأني ، أيّ إنسان إذا لازمك ورافقك لا تحتمل قربه ، تحتاج من حين لآخر ألا أن تنفرد بنفسك ، ومع أن الله معنا في كل وقت ، وفي كل حين ، وفي كل شأن :
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾
لكن معية لطيفة لا تشعر بثقل وجوده ، بل تشعر براحة وجوده .
5 – قربُ الله أكبر ضمان لاستقامة العبد :
فلذلك أعلى درجة من الإيمان أن تشعر أن الله معك ، وأكبر ضمانة للاستقامة أن تشعر أن الله معك ، وأكبر باعث للخشية أن تشعر أن الله معك ، وأكبر مُطمئِنٍ لك أن تشعر أن الله معك .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
( سورة الشعراء )
بالموازين الأرضية لا أمل ، فرعون بقوته ، بجيشه ، بطغيانه ، بحقده ، بجبروته ، يتابع نبياً مع شرذمة قليلين من بني إسرائيل ، إلى أن وصلوا إلى البحر ، وانتهى الأمر ، بالموازين الأرضية لا أمل في النجاة أبداً .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ .
( سورة الشعراء )
معية الله للمؤمنين معية النصر ، معية التوفيق ، معية التأييد ، معية الحفظ ، ومعية الله لأي إنسان كائناً من كان ، حتى ولو كان ملحداً فهو معه معية العلم :
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾
إما أن تكون المعية معية علم لكل خلقه ، وإما أن تكون المعية معية توفيق ، وحفظ ، وتأييد ونصر .
معية الله لها ثمن :
إلا أن المعية الخاصة لها ثمن ، ولا شيء بلا ثمن .
﴿ وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾
( سورة المائدة الآية : 12 ) .
معية الله عز وجل لها ثمن ، وأعلى درجة الإيمان أن تشعر أن الله معك ، قريب منك ، هو أقرب إليك من حبل الوريد ، قال بعض العلماء : أقرب إليك من روحك .
امسك قطعة كهربائية ، وضمها إلى صدرك ، وضمها ضماً شديداً ، مهما تكن قريباً منها ، ومهما تكن قريبة منك ، مهما شددت عليها ، الذي أقرب إليها منك القوة الكهربائية التي تحركها ، لكن الله سبحانه وتعالى ، ولله المثل الأعلى أقرب إليك من القوة التي تمدك بالحياة .
﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾
( سورة ق )
فهو معنا ، يطلع علينا ، يطلع على خواطرنا ، على نوايانا ، يطلع علينا ، إذا تكلمنا فهو يسمعنا ، يطلع علينا فهو يرانا ، يطلع على قلوبنا إذا أضمرنا ، لا تغيب عنه غائبة ، ولا تخفى عنه خافية ، هذا الإيمان إلى أن نصل إليه نكون قد حققنا تسعة أعشار الطريق إلى الله ، أن الله قريب :
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ .
( سورة الشعراء )
أيها الإخوة ، للتقريب : إن الإنسان لو زاره رجل من علية القوم ، من وجهاء الحي ، من أقرب الناس إليه ، في الأعم الأغلب يرتدي ثيابا جميلة ، في الأعم الأغلب يجلس جلسة مؤدبة ، في الأعم الأغلب ينتقي كلمات دقيقة ، في الأعم الأغلب يتجمل أمامه ، فإذا كان هذا حالنا مع كبراء القوم ، هذا مع علية القوم ، فكيف حال المؤمن مع خالق السماوات والأرض ؟ .
الحقيقة أن الخشوع يحتاج إلى إحساس بالقرب ، ودائماً وأبداً يشعر المؤمن أن الله معه ، فهو أولاً في طمأنينة ، وثانياً في مراقبة .
الأعرابي الذي سأل النبي عليه الصلاة والسلام ، قال : يا رسول الله ، عظني ولا تطل ، فتلا عليه قوله تعالى :
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ .
( سورة الزلزلة )
قال هذا الأعرابي : كُفيت ، فقال عليه الصلاة والسلام : فَقُه الرجل ، لم يقل فَقِه قال فَقُه ، يعني أصبح فقيهاً ، آية واحدة كفته .
صدقوا أيها الإخوة ، أن هناك آيات لا تعد ولا تحصى ، الواحدة منها تكفي .
﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
( سورة النساء )
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾
وهو قريب منكم .
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
أحياناً تدعو الله بقلبك ، ولا تحرك شفتيك ، ولا تنطق بكلمة .
حدثني رجل ، قال لي : والله انتهيت من أداء خدمتي الإلزامية ، ولا أملك من الدنيا شيئاً ، أعطتني أختي سوارا من الذهب ، فبعتها ، واشتريت بها بطاقة إلى بلاد الخليج ، وأنا راكب في الطائرة أضمرت في قلبي أن إذا أكرمني الله عز وجل سأبني له مسجداً في بلدتي ، قال لي : الله ما حركت شفتاي بهذا الكلام ، وبعد أعوام مديدة أنشأ هذا المسجد ، وصليت في المسجد ، وحدثني عن قصته .
لذلك الله عز وجل مطلع على خواطرك ، يمكن أن تدعوه بقلبك .
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا ﴾
( سورة مريم )
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي﴾
( سورة البقرة الآية : 186 ) .
الدعاء سلاح المؤمن ، وأنت بالدعاء أقوى إنسان ، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، إن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله .
أيها الإخوة :
(( ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف لك من نيته فتكيده السماوات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء بين يديه ، وأرسخت الهوى من تحت قدميه )) .
[ أخرجه ابن عساكر عن كعب بن مالك ]
فأنت إذا أيقنت أن الله قريب منك ، وأنه معك ، وأنه مطلع على سريرتك ، لأنه يسمع دعاءك ، ويرى حركتك ، ويعلم ما في قلبك ، لا بد من أن تستقيم على أمره ، ولا بد من أن تستحي منه .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ )) .
[ أخرجه أحمد ، والترمذي والحاكم ، والبيهقي ]
الإسلام والإيمان والإحسان :
إذاً : الموضوع أن تشعر أنه معك ، ومرتبة الإحسان ، وهذه في النصوص الصحيحة تأتي فوق مرتبة الإيمان ، هناك مرتبة الإسلام ، ومرتبة الإيمان ، ومرتبة الإحسان ، مرتبة الإسلام أن تخضع للواحد الديان ، أن تخضع جوارحك لمنهجه ، أن تؤدي زكاة مالك ، أن تصلي الفرائض ، أن تدفع الزكاة ، أن تحج البيت ، أن تغض البصر ، أن تكون صادقاً ، أميناً ، عفيفاً ، منجزاً للوعد ، راعياً للعهد ، هذا هو الإسلام .
﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾ .
( سورة الحجرات الآية : 14 ) .
فالإسلام أولاً ، مرتبة الإسلام خضوع الجوارح والأعضاء لمنهج الله عز وجل ، أما الإيمان فأن ينعقد مع هذا الخضوع صلة بالله عز وجل ، فتقبل عليه ، لذلك الإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالإقبال على الله ، وينقص بفتور العلاقة معه .
المرتبة الثالثة مرتبة الإحسان ، هذه متعلقة باسم ( القريب ) ، أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
أيها الإخوة ، أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان .
أيها الإخوة ، ورد في بعض الأحاديث عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا ، إِنَّهُ مَعَكُمْ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ )) .
[ متفق عليه ]
إنه معكم ، وأبرز ما يميز المؤمن خشوعه ، وأسباب خشوعه إيمانه أن الله معه ، وهناك قصص لا تعد ولا تحصى تبين أن الناس يتفاوتون بإيمانهم ، بقدر إدراكهم بقرب ربهم :
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾
6 – من معاني اسم ( القريب ) :
الآن ما معنى اسم ( القريب ) على التفصيل :
1 ـ القرب المكاني :
أول معنى هناك القرب المكاني ، القريب عكس البعيد ، القريب ليس بينك وبينه حجاب ، البعيد بكل معاني الكلمة ، هناك قرب المكان ، قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾
( سورة التوبة الآية : 28 )
من معاني القريب قرب المكان ، تؤكده هذه الآية الكريمة :
﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾
2 ـ القرب الزماني :
ومن معاني القريب قرب الزمان .
﴿ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾
( سورة الأنبياء )
إما قرب مكاني ، وإما قرب زماني .
3 ـ قُربُ النَّسب :
ومن معانيه القريب في النسب :
﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ﴾
( سورة النساء الآية : 7 )
عندنا قرب نسب ، وبالمناسبة : هناك قاعدة : الأقربون أولى بالمعروف ، من أدق هذه القواعد : القرب النسبي ، والقرب إلى الفقر ، والقرب إلى الإيمان ، عندك ثلاثة موازين في دفع صدقتك أو زكاتك ، إما أنه أفقر ، أو أنه أقرب إلى الإيمان ، أو أنه أقرب إليك نسباً .
إذاً :
﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ﴾
4 ـ قُرب الحظوة :
ومن معاني القرب قرب الحظوة ، أحيانا يكون الإنسان قريبا من إنسان يحتل مركزا مرموقا ، وله رجلٌ قريب جداً منه ، بإمكانه أن يدخل عليه بلا استئذان ، بإمكانه أن يبوح له بكل شيء ، هذا قربُ الحظوة ، وعندنا قرب مكان ، وقرب زمان ، وقرب حظوة ، هذا المعنى في قوله تعالى :
﴿ فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ﴾
( سورة الواقعة )
كيف هو قريب ؟ قال : هو قريب من خلقه كما شاء ، وكيف شاء ، هو القريب من فوق عرشه ، أقرب إلى عباده من حبل الوريد ، كما قال تعالى :
﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾
( سورة ق الآية : 16 )
﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ ﴾
( سورة الواقعة )
إنسان حضرته الوفاة ، أقرباءه ، زوجته ، أولاده ، إخوته حوله ، قريبون منه ، يضعون يدهم على جبينه ، وهذا على يده يقيس ضغطه ، كل هذا القرب قال تعالى :
﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ ﴾
لذلك حينما تصل إلى أن تؤمن أن الله معك دائماً ، تكون قد قطعت تسعة أعشار الطريق إلى الله ، والإحساس بقرب الله عز وجل أكبر باعث على طاعته ، وأكبر باعث على الخشية منه ، والإنسان حينما يرى أن الله معه يقبل عليه .
(( يا موسى أتحب أن أكون جليسك قال : كيف ذلك يا رب ؟ أما علمت أني جليس من ذكرني ، وحيثما التمسني عبدي وجدني )) .
[ ورد في الأثر ]
لذلك القرب من الله قمة التدين ، قمة الإيمان أن تكون قريباً من الله ، القرب من الله يعني الانضباط ، القرب من الله يعني الشعور بالأمن ، القرب من الله يعني الشعور بالسكينة ، القرب من الله يعني الشعور بالسعادة ، الشعور بالرضا ، هذه المعاني الدقيقة جداً لذلك في قوله تعالى :
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ .
( سورة العنكبوت الآية : 45 ) .
ذكر الله لكم وأنتم تتصلون به أكبر من ذكركم له ، وأنتم تعبدونه ، لأن الله إذا ذكر الإنسان منحه نعمة الأمن ، والأمن بشكل أو بآخر خاص بالمؤمنين ، قال تعالى :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾
( سورة الأنعام ) .
والله أيها الإخوة ، ما من نعمة أعظم عند الله من أن تشعر بالأمن ، من أن تشعر أن مصيرك بيد الله ، لا بيد زيد ، ولا بيد فلان أوعلان ، مصيرك بالله ، رزقك بيده ، صحتك بيده ، الأقوياء بيده ، أعداءك بيده ، أقرب الناس إليك بيده ، من له علاقة حميمة معك بيده .
لذلك : (( عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد )) .
هذا ما يعنيه القربُ من الله
لذلك القرب من الله يعني الشعور بالأمن ، سيدنا يونس وجد نفسه فجأة في بطن حوت ، بمقاييس الأرض الأمل صفر ، النجاة صفر ، بطن الحوت ، يقف المرء في فمه قائماً ، وجبته المعتدلة أربعة أطنان ، الإنسان كله خمسين كيلوا ، والحوت وجبته المعتدلة بين وجبتين أربعة أطنان ، نبي كريم يجد نفسه في بطن حوت ، في ظلمة الليل ، وفي ظلمة البحر ، وفي ظلمة بطن الحوت ، العلماء يقولون : تحت 200 متر ظلام دامس ، إذا أخرج يده لم يكد يراها ، فهو في ظلمة الليل ، وفي ظلمة بطن الحوت ، وفي ظلمة البحر .
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
لأنه يحس أن الله معه .
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء ) .
أروع ما في الآية أن التعقيب نقلها من قصة وقعت إلى قانون مستمر ، قال :
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
لذلك المؤمن سلاحه الدعاء ، إحساسه أن الله قريب منه ، وأن الدعاء أقوى ما يميزه عن غير المؤمن ، والدعاء له قوة لا يملكها خصمه .
7 – من ثمرات اسم ( القريب ) :
أيها الإخوة الكرام ، من ثمرات اسم ( القريب ) أنه ينصرك ، فلا تخشى بالله لومة لائم .
حينما أدى الحسن البصري واجب العلماء في التبيين ، وبيّن ، وسمع الحجاج مقالة الحسن البصري ، وغضب غضباً شديداً ، وتوعده بالقتل ، وقال لمن حوله : " يا جبناء والله لأروينّكم من دمه ، وأمر بقتله ، وجاء بالسياف ، وأرسل في طلبه ، دخل الحسن البصري إلى المجلس ، فإذا بالسياف ، وإذا بالنطع قد مد ، فحرك شفتيه ، لأنه يشعر أن الله قريب منه ، فحرك شفتيه ، وإذا بالحجاج يختلف أمره ، يقف له ، ويقول : أهلاً بأبي سعيد ، أنت سيد العلماء ، شيء غير متوقع ، ومازال يدنيه من مجلسه حتى أجلسه على سريره ، وسأله في بعض القضايا ، واستفتاه ، وضيفه ، وعطره ، وشيعه إلى باب القصر ، الذي صُعق السياف والحاجب ، فتبعه الحاجب ، قال : يا أبا سعيد ، لقد جيء بك بغير ما فُعل بك ، فماذا قلت بربك ؟ قال : قلت : يا ملاذي عند كربتي ، يا مؤنسي في وحشتي ، اجعل نقمته عليّ برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم " .
أنت حينما تشعر أن الله قريب منك تدعوه في أي وقت ، وفي أي مكان ، وفي أطباق السماء وأنت راكب الطائرة ، وفي أعماق البحار وأنت في غواصة ، وعلى سطح الأرض ، وعلى أي مكان في الأرض ، وفي أي حال .
لذلك الشعور بالقرب من الله شعور مُسعِد ، الشعور القرب من الله شعور مطمئن ، الشعور بالقرب من الله شعور السكينة التي تسعد بها ، ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء .
والحمد لله رب العالمين
اسم الله : القريب(2)
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 186 ) .
1 – صيغة ( يسألونك ) في القرآن الكريم :
وقبل أن نقف عند تفاصيل هذه الآية لابد من التنويه إلى أن في القرآن الكريم عدداً ليس بالقليل من الآيات تبدأ :
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 219 ) .
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 219 ) .
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 222 ) .
2 – استنباط لطيف من قوله تعالى : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ :
آيات كثيرة هذه صيغتها : ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ ﴾ ، ويأتي الجواب : ﴿ قُلِ ﴾ ، إلا في هذه الآية الوحيدة :
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ﴾ ، فليس هناك : قل .
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
استنبط العلماء أنه ليس بين الله وبين عبده وسيط أبداً ، فإذا قلت : يا رب تبت إليك ، يقول الله لك : وأنا قبلت يا عبدي .
3 – معنى : وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ :
لكن الآية الأخرى تقول :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ .
( سورة المائدة الآية : 35 ) .
ما معنى الوسيلة في هذه الآية ؟ قال العلماء : الوسيلة هي العلم ، اطلب العلم كي تعرف الله عز وجل ، والوسيلة هي العمل الصالح .
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾ .
( سورة الكهف الآية : 110 ) .
فالعمل الصالح وسيلة ، والعلم وسيلة ، وإنفاق المال وسيلة ، وصحبة الصالحين وسيلة ، لكن صحبة الصالحين لا تزيد على أن هذا الذي تجلس معه يجب أنْ يدلَّك على الله مقاله ، وينهض بك إلى الله حاله ، وفوق ذلك لا يُقبل إطلاقاً .
4 – لا أحد من البشر يعلم الغيب :
لأن الله عز وجل حينما خاطب نبيه عليه الصلاة والسلام قال له : قل :
﴿ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾ .
( سورة الأنعام الآية : 50 ) .
ليس على وجه الأرض إنسان بما فيهم النبي يعلم الغيب ، وأيّ إنسان يدّعي علم الغيب فهو كذّاب ، والآن هناك قنوات تؤكد أن هذا الذي تسأله يعلم الغيب ، يقول لك : بعد عشرين يوما سيكون كذا ، هذا كذب ودجل وبهتان ، فإذا كان سيد الخلق ، وحبيب الحق لا يعلم الغيب فلا يستطيع إنسان على وجه الأرض أن يدّعي أنه يعلم الغيب ، لذلك : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) .
[أخرجه أحمد ، والحاكم ]
عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ لَمْ يُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا )) .
[ أحمد ]
إذاً سيد الخلق ، وحبيب الحق لا يعلم الغيب .
﴿ قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ .
( سورة الأنعام ) .
ليس في الإسلام درجة إذا بلغها الإنسان لم تضره معصية بعدها ، مستحيل ، إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق يأمره الله أن يقول :
﴿ قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ .
إذاً : لا يجرؤ إنسان أن يدعي ذلك .
5 – لا أحد من البشر يملك ضرا ولا نفعا :
الآية الثالثة :
﴿ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾ .
( سورة الجن ) .
إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق ، لا يملك لنا نفعا ولا ضرا ، هل يستطيع إنسان أن يدعي ذلك ؟ الآن :
﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا ﴾ .
( سورة الأعراف الآية : 188 ) .
﴿ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾ .
إذا كان سيد الخلق ، وحبيب الحق لا يملك لنا نفعاً ولا ضرا فهل يستطيع إنسان أن يدعي ذلك ؟
﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا ﴾
إذا كنتُ لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرا فمن باب أولى أنني لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً .
لذلك أنت بهذه الآيات تركل بقدمك ألف قصة تخالف هذه الآيات ، والعلم سلاح ، والعلم وسيلة لمعرفة الله .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ﴾
والعمل الصالح وسيلة ، وإنفاق المال وسيلة ، وصحبة الصالحين وسيلة ، في حدود أن هذا الصالح لا تزيد مهمته على أن يرقى بك إلى الله حاله ، ويدلك على الله مقاله وفوق ذلك القدوة هو رسول الله .
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
(( مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ قَالَ : لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا )) .
[ البخاري ومسلم ]
هكذا كان ورع النبي عليه الصلاة والسلام .
قالوا : يا رسول الله مثل بهم كما مثّلوا بعمك ، قال :
(( لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً )) .
[ ورد في الأثر ]
بهذه الآيات يمكن أن تركل بقدمك ألف قصة تتناقض معها .
فلذلك : قال سيدنا علي : << يا بني ، العلم خير من المال ، لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ، يا بني ، مات خزان المال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة >> .
6 – ليس بين العبد وربِّه واسطة :
إذاً :
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
لم تأتِ في هذه الآية كلمة قل ، أي أنه ليس بين العبد وبين ربه وسيط .
إن معظم الناس يصدر خطأ منهم ، يقولون لك : أجرِ لي استخارة ، الاستخارة بينك وبين الله مباشرة ، ولا تكون الاستخارة نيابة وبالوساطة ، تقول : آنستي عملت لي استخارة ، أنتِ أجري استخارة فيما بينكِ وبين الله .
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
أنا معكم .
﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ .
( سورة ق ) .
أنا أسمع صوتهم ، وأرى حركتهم ، وأنا مطَّلع على ما في قلوبهم ، إن تكلموا فأنا سميع بصير ، إن تحركوا فأنا سميع بصير ، إن أضمروا فأنا مطلع عليهم ، لا تخفى عليه خافية ، فإنه علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون .
7 – الدعاء سلاح المؤمن :
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ﴾ .
أنت بالدعاء أقوى إنسان ، الدعاء سلاح المسلم ، يعني أنت حينما تقول : يا رب ، الله عز وجل الذات الكاملة ، المطلق لكل شيء ، علمه مطلق ، وقدرته مطلقة ، ورحمته مطلقة ، وحكمته مطلقة ، أنت تستعين بالله عز وجل ، مهما يكن عدوك كبيراً الله أكبر منه .
يعيش المؤمن حالة ثقة بالله لا تقدر ، ولا توصف ، لأنه يستعين بالله ، كفى بك قوة أن تدعو الله ، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، إن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله أوثق منك بما في يديك ، إن أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله ز
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
8 – معية الله الخاصة بالمؤمنين لها ثمن :
أنا معكم .
لكن كما قلت البارحة : هو معكم بلطف ، من دون أن تتضايقوا ، معكم وأنتم مرتاحون ، معكم بعلمه ، مع أي إنسان بعلمه .
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾ .
( سورة الحديد الآية : 4 ) .
بعلمي ، لكنني مع المؤمنين بالتوفيق ، وبالحفظ ، وبالتأييد ، وبالنصر ، هذه المعية الخاصة لها ثمن ، قال الله :
﴿ وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ ﴾ .
( سورة المائدة الآية : 12 ) .
المعية الخاصة لها ثمن ، وقال الله :
﴿ وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ ﴾
الثمن أن تقيم الصلاة ، وأن تؤتي الزكاة ، وأن تصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنْ في حياته ، أو بعد موته ، عن طريق تطبيق السنة .
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَان ِ﴾
إذا دعاني حقاً ، إذا دعاني مخلصاً ، إذا اتكل عليّ ، ولم يكن الدعاء شكلياً ، ولا أجوف ، دعاني وهو موقن أنني قادر على إجابته .
9 – شروط الدعاء المستجاب :
لذلك الدعاء يحتاج إلى عناصر ،أول عنصر أن توقن أن الله يسمعك ، موجود أولاً ، ويسمعك ثانياً ، وهو قادر على تحقيق دعائك ثالثاً ، وهو يحب أن يرفعك رابعاً فهو موجود ، ويسمع ، وقادر ، ويحبك ، لذلك قال تعالى :
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾ .
( سورة الفرقان الآية : 77 ) .
أي لا يكترث الله بكم لولا أنكم تدعونه ، لأن الدعاء هو العبادة .
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
من أجل أن يكون عبادي مستجابي الدعوة ، من أجل أن تكون أيها المؤمن مستجاب الدعوة ، من أجل أن يكون الدعاء سلاحك ، من أجل أن تكون أقوى الناس بالدعاء استجب لله بعد أن تؤمن به ، آمن به أولاً ، واستجب له ثالثاً ، عندئذٍ تغدو مستجاب الدعوة .
إذا آمنوا واستجابوا واخلصوا في دعائهم لعلهم يكونون من مستجابي الدعوة ، وهو مقام كبير ، ومن سلّم الإيمان ، فلان مستجاب الدعوة .
إلا أن العلماء استثنوا إنسانين من وجوب تحقق شروط الدعاء ، المضطر يستجيب الله له ، ولو لم يكن أهلاً للدعاء ، يستجيب له لا بأهليته ، ولكن برحمته ، والمظلوم يستجيب الله له لا بأهليته ، ولكن بعدله .
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ .
أيها الإخوة ، الله عز وجل قريب من كل مخلوق ، ولا تخفى عليه خافية ، والله عز وجل قريب من كل مؤمن ، بمعنى أنه يستجيب لك .
10 – الاعتداء والمعصية مانع من استجابة الدعاء :
الآية الأخرى :
﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ .
( سورة الأعراف ) .
مستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون معتدياً على خلق الله ، وتقول : له يا رب استجب لي ، لأن الله عز وجل من خلال هذه الآية يقول لك : لن أستجيب لك ، لأنك من المعتدين ، ولن تستطيع أن تسأل الله إلا إذا كنت محسناً ، لذلك :
﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ .
( سورة الأعراف ) .
الذي وقع في مخالفة شرعية ، وفي أكل مال حرام ، وفي تقصير في العبادات لا يستطيع أن يدعو الله ، يدعو الله شكلاً بلسانه ، لكن قلبه محجوب عن الله عز وجل ، وأكبر عقاب يعاقب به الإنسان أنه يحجب عن الله عز وجل .
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾ .
( سورة المطففين ) .
تروي الكتب أن شابا له شيخ ، سمع من شيخه هذه المقولة : إن لكل معصية عقاباً ، فزلّت قدمه يومًا ، فبحسب مقولة الشيخ هو ينتظر العقاب ، مضى يوم ، يومانا ، أسبوع أسبوعان ، لم يحدث شيء ، صحته طبيعية ، بيته ، أولاده ، زوجته ، مركبته ، القصة رمزية ، في أثناء المناجاة ، قال : يا رب لقد عصيتك فلم تعاقبنِي ، قال : قوقع في قلبه أن يا عبدي لقد عاقبتك ولم تدرِ ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ ألا تكفيك ذلك ؟.
المؤمن له صلة بالله ، يسعد بهذه الصلة ، فإذا زلت قدمه يحجب عن الله .
الآن الأب العظيم ، المربي الحكيم ، لا يحتاج إلى أن يضرب ابنه إطلاقاً ، يكفي أن يُعرض عنه ، يحترق الابن ، يكفي أن تسكت ، يكفي ألا تنظر إليه ، وهو على مائدة الطعام يكفي ألا تصغي إليه ، فتحرقه .
لذلك قالوا : من أطاع عصاك فقد عصاك ، يعني الذي لا يطيعك إلا إذا هددته فهو من أعدائك ، أما المحب فيخاف على محبة محبوبه .
لذلك أكبر شيء يدفع المؤمن إلى طاعة الله أنه يخاف أن تنقطع الصلة بينه وبين الله ، لماذا يستقيم ؟ لماذا يحاول أن يكون ورع تماماً ؟ لماذا يطبق الأمر تماماً ؟ لأنه ينعم بصلة بالله هي أثمن ما في الحياة .
لذلك قال بعض العلماء : " مساكين أهل الدنيا ، جاؤوا إلى الدنيا وغادروها ولم يذوقوا أطيب ما فيها ، إنها الصلة بالله " .
وهذا العالم نفسه قال : " ماذا يفعل أعدائي بي ؟ بستاني في صدري ، إن أبعدوني فبإعادي سياحة ، وإن حبسوني فحبسي خلوة ، وإن قتلوني فقتلي شهادة ، فماذا يصنع أعدائي بي ؟ بستاني في صدري " .
وقد قال هذا العالم أيضاً : " في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة " .
وبعضهم قال :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ .
( سورة الرحمن ) .
جنة في الدنيا ، وجنة في الآخرة .
إذاً : مساكين أهل الدنيا ، جاؤوا إلى الدنيا وغادروها ، ولم يذوقوا أطيب ما فيها إنها جنة القرب من الله عز وجل ، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى :
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ .
( سورة محمد ) .
ذاقوا طعمها في الدنيا .
11 – ليس مع الاتصال بالله شقاء :
والله أيها الإخوة ، مع الاتصال بالله ليس هناك شقاء أبداً ، في أي ظرف ، في أي مكان ، في أي بلد ، في أي نظام ، في أي ثقافة ، في أي ضغوط ، إن كنت مع الله كان الله معك ، إن كنت مع الله كنت في حماية الله .
أطع أمـرنا نرفع لأجلك حجبنا فإنا منحنا بالرضا مـن أحـبنا
و لذ بحمانا واحـــتمِ بجنابنا لنحميك مما فيه أشرار خـلقنا
وعن ذكرنا لا يشغلنـك شاغل وأخلص لنا تلقى المسرة والهنا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكن فما الـقرب والإبعاد إلا بأمرنا
أيها الإخوة ، القرب إما قرب علم لكل الخلق ، أو قرب إكرام بالمؤمنين ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ ، أي أنا معك .
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ .
( سورة طه ) .
أحيانا لا يكون هناك تناسب إطلاقاً ، شرذمة قلية مضطهدة ، تعامل معاملة في الدرجة العاشرة ، ليس لها أي حق ، عليها كل واجب ، شرذمة قليلة ، وفرعون بجبروته وقوته ، وحقده ، وأسلحته ، وإصراره على سحق هؤلاء ، لا تناسب .
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ .
سيدنا موسى وأخوه .
﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ .
﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ .
( سورة طه ) .
سيدنا موسى مع أصحابه .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ .
( سورة الشعراء ) .
انتهينا ، كم يقول من المسلمين الآن : انتهينا ؟ يقول : قوى الأرض تحاربنا ، العالم كله يحاربنا ، انتهينا .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ .
( سورة الشعراء ) .
والله أيها الإخوة ، أخشى ما أخشاه أن تضعف الهمم من الداخل ، أن نهزم من الداخل ، من الخارج لا قيمة لهذا الذي يجري ، إن شاء الله سحابة صيف .
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾ .
( سورة الأعراف الآية : 34 ) .
وينتهي أجل هؤلاء ، ويحق الله الحق ، ويبطل الباطل ، لكن الخطر أن نهزم من الداخل .
إذاً :
﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ .
12 – الله قريب فادعوه :
إخواننا الكرام ، النعمان بن البشير رضي الله عنهما قال : قال عليه الصلاة والسلام :
(( الدعاء هو العبادة )) .
وقرأ :
﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾
( سورة غافر الآية : 60 ) .
فقال أصحابه : يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه فنزلت :
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ .
13 – المحسن قريب من الله :
هذا عن قرب الله منك ، القرب الذي يعلمك سرك ونجواك ، وعن قرب الله القرب الذي يكرمك ، بالتوفيق ، والتأييد ، والنصر ، فماذا عن قربك منه ؟ هو قريب منك ، هل أنت قريب منه ؟ متى تقترب من الله ؟ اسمعوا الحديث الشريف ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنْ اللَّهِ ، قَرِيبٌ مِنْ الْجَنَّةِ ، قَرِيبٌ مِنْ النَّاسِ ، بَعِيدٌ مِنْ النَّارِ ، وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ ، بَعِيدٌ مِنْ الْجَنَّةِ ، بَعِيدٌ مِنْ النَّاسِ ، قَرِيبٌ مِنْ النَّارِ ، وَلَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَالِمٍ بَخِيلٍ )) .
[ الترمذي ]
﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
إن كنت محسناً فأنت قريب من الله ، الإحسان المطلق ، أن تحسن في بيتك ، النبي عليه الصلاة والسلام يستوصيك بالنساء خيراً ، أن تحسن إلى أولادك ، أن تحسن إلى جيرانك ، أن تحسن في عملك ، أن تقدم شيء جيد بسعر معتدل ، بمعاملة طيبة ، الإحسان واسع جداً .
(( إنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَ الإِحْسانَ على كُلَ شَيْءٍ ، فإذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ )) .
[ رواه مسلم عن شَدَّادِ بن أوسٍ رضي اللّه عنه ] .
صفة المؤمن أنه محسن ، وصفة غير المؤمن أنه مسيء ، وشتان بين الإحسان والإساءة ، فعمله يقيم إجمالاً ، ففي كلامه محسن ، في ابتسامته محسن ، في أخلاقه محسن ، مع أقرب الناس له ، مع زوجته محسن ، مع أولاده محسن ، مع بناته محسن ، فكأن المؤمن في قلوب الخلق ، هذا معنى قوله تعالى للتقريب :
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾ .
( سورة النحل الآية : 120 ) .
هناك إنسان ليس له عمل صالح أبداً ، الناس يستوحشون منه ، وهناك إنسان الناس جميعاً يحبونه .
لذلك من علامة حب الله لك أن يلقي محبتك في قلوب الخلق .
ينادى له في الكون أنا نحبه فيسمع من في الكون أمر محبنا
وهذا معنى قوله تعالى :
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً﴾ .
( سورة طه الآية : 39 ) .
يعني جعلت الخلق يحبونك ، وهناك إنسان مبغوض ، لا يحبه أحد ، متكبر ، أناني ، يحب ذاته ، يحب أن يأخذ لا أن يعطي ، يحب أن يستعلي لا أن يتواضع .
فلذلك صفات المؤمن تؤهله أن يكون محبوباً عند كل الخلق .
اسم الله ( القريب ) أيها الإخوة ، أي يجب أن يكون قريباً من المؤمن ، لأنه معك ، تسأله فيجيبك ، تتقرب منه فيقبلك ، تستعين به فيعينك ، تتوكل عليه ، فهو حسبك ، ونعم النصير ، لذلك من عرف الله عرف كل شيء .
(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء )) .
والحمد لله رب العالمين
متابعه حضرتك
جزاكم الله خيرا
http://www.muslmh.com/vb/uploaded/10131/1165238046.gif
يتبع مع اسم الله الجواد
اسم الله : الجواد(1)
1 –
1- ورودُ اسم ( الجواد ) في السنة النبوية :
وقد ثبت هذا الاسم في السنة الشريفة ، فقد سمّى النبي صلي الله عليه وسلم ربه علي سبيل الإطلاق ( الجواد ) مرادا به العالمية ، ودالاً على كمال الوصفية ، فقد ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنه :
أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :
(( إن الله جل جلاله جواد يحب الجود ، ويحب معالي الأخلاق و يكره سفاسفها )) .
[ أخرجه البيهقي عن ابن عباس ]
2 – نعمةُ الوجود وتسخيرُ الكون من لوازم اسمِ ( الجواد ) :
وبادئ ذي بدء ، الله عز وجل كل هذا الكون منحة منه ، وأنت أيها الإنسان منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، هذا الكون سخره لك ، لأن الله سبحانه وتعالى عرض الأمانة على المخلوقات في عالم الذر ، قال تعالى :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
( سورة الأحزاب الآية : 73 )
ولأن الإنسانَ قَبِل حمل الأمانة ، ولأنه قال : يا رب أنا لها ، استحق أن تُسخّر له السماوات والأرض .
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾
( سورة الجاثية الآية : 13 )
ولا شك أن المُسخَّر له أفضل عند الله من المُسَخَّر ، فأنت أيها الإنسان المخلوق المكرَّم ، لمّا قبِلتَ حمل الأمانة جعلك الله المخلوق المكرَّم .
قال الإمام علي : << رُكِّب الملَك من عقلٍ بلا شهوة ، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان >> .
إذاً : وجودنا على وجه العالم منحة من الله ، هذه المنحة اقتضت أن نُكلف أن نعبده فعلة وجودنا على وجه الأرض أن نعبد الله ، قال تعالي :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ .
( سورة الذاريات ) .
هذه علة وجودنا .
حينما تذهب إلى بلد لتنال الدكتوراه ، وهذا البلد كبير فيه حدائق ، فيه وزارات ، فيه ملاهٍ ، فيه دور سينما ، فيه متاحف ، فيه أسواق ، أنت في هذا البلد لك هدف واحد ، علة وجودك في هذا البلد أن تنال الدكتوراه ، وعلة وجود الإنسان في هذا الأرض أن يعبد الله ، الدليل :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
كلُّ شيء يقرِّب من الله فهو مشروعٌ :
أيها الإخوة ، ما دامت علة وجودنا أن نعبد الله فأيّ شيء في الكون يقربك من الله مشروع ، وأي شيء في الكون يبعدك عن الله غير مشروع ، هذه حقيقة كبرى .
لو أن الطالب ذهب إلى بلد ليدرس فأيّ شيء يقرّبه من تحقيق هدفه مشروع ، وأي شيء يبعده عن هدفه غير مشروع .
لذلك أيها الإخوة الكرام ، نحن في أمسّ الحاجة إلى فهم هذا المعني الدقيق :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
الإنسان هو المخلوق المكرَّم ، فإذا عرف الله ، واستقام على أمره سبق الملائكة المقرَّبين ، وإذا غفل عن الله ، وتفلت من منهجه انحط إلى أسفل سافلين .
الناس صنفان لا ثالث لهما :
هؤلاء البشر أيها الإخوة ، على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتمائهم ، وأعرافهم ، وأنسابهم ، ومذاهبهم ، وطوائفهم ، واتجاهاتهم ، وأطيافهم ، هم عند الله رَجُلان لا ثالث لهما : رجل عرف الله فانضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه ، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة ، ورجل غفل عن الله ، وتفلت من منهجه فشقي ، وهلك في الدنيا والآخرة ، ولا تجد نموذجا ثالثا ، هذا تقسيم رب السماوات والأرض .
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
هذا النموذج الأول :
﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
صدّق أنه مخلوق للجنة ، فلما صدّق أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله ، فلما اتقى أن يعصي الله بنى حياته على العطاء ، فهذه خصائص ثلاث : صدق بالحسنى ، والحسنى هي الجنة ، واتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء ، هي خصائص المؤمن ، جعل الآخرة أكبر همه ، وجعلها مبلغ علمه ، وجعلها منتهى آماله ، ومحط رحاله ، فنقلَ اهتماماته كلها إلى الآخرة ، عندئذٍ اتقى أن يعصي الله ، عندئذٍ أراد أن يدفع ثمن الجنة ، وثمن الجنة هو العمل الصالح .
الإنسان يسلَم بالاستقامة و يسعد بالعمل الصالح :
كما هو معلوم أن الإنسان بالاستقامة يسلم ، لكن بالعمل الصالح يسعد .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
( سورة فصلت الآية : 20 )
لكن :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
( سورة فصلت )
بالاستقامة يسلم ، وبالعمل الصالح يسعد .
لذلك أيها الإخوة ، إن الله جل جلاله ( جواد ) ، منح الخلائق الوجود ، فأنت موجود ، ووجودك منحة من الله ، لكن هذا الذي لا يفقه حقيقة وجوده إنسان شارد ، لماذا أوجدك ؟ ليسعدك .
﴿ إ لاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ .
( سورة هود الآية : 119 ) .
خلقهم ليسعدهم ، خلقهم ليرحمهم ، خلقهم ليسلمهم ، خلقهم ليجعل لهم جنتين : جنة في الدنيا وجنة في الآخرة .
3 – لابد من التخلُّقِ بصفة الجود :
إن الله جل جلاله ( جواد ) ، يحب الجود ، ولا أزال أركز على هذه النقطة ، يمكن أن تعبد الله بأن تتخلق بكمال مشتق من كماله ، هو ( جواد ) ، يحب الجود ، يحب العطاء ، فالمؤمن يبني حياته على العطاء .
أيها الإخوة ، دققوا : تقسيمات الأرض لا تنتهي ، دول الشمال ، دول الجنوب ، العرق الآري ، العرق الملوّن ، الأغنياء ، الفقراء ، الأقوياء ، الضعفاء ، الأصحاء ، المرضى ، تقسيمات البشر لا تنتهي ، أما البطولة فأن تعتمد تقسيمات خالق البشر ، خالق البشر عنده مؤمن أو كافر ، مستقيم أو منحرف ، يعطي أو يأخذ ، ينصف أو يجحد ، يصدق أو يكذب ، فإن الله ( جواد ) يحب الجود ، فإذا أردت أن تتقرب إلى الله تخلق بالكمال الإلهي .
لذلك الأنبياء جاؤوا إلى الدنيا فأعطوا ولم يأخذوا ، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا .
دقق ، في حياة المؤمن يحب أن يدعو إلى الله ، يحب أن ينفق ماله ، ووقته ، وخبرته ، وجهده ، بنى حياته على العطاء ، بالتعبير المعاصر استراتيجيته العطاء ، يعطي وهو في قمة السعادة ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء عاش الناس لهم ، الأنبياء عاشوا للناس ، الأنبياء ملَكوا القلوب ، الأقوياء ملكوا الرقاب ـ ودقق ـ الناس جميعاً من دون استثناء تبع لقوي أو نبي ، اسأل نفسك هذا السؤال : أنت لمن ؟ هل أنت تابع للأقوياء ؟ معك صلاحية ؟ تحتل منصبا ؟ قوي ؟ غني ؟ متبحر في العلم ، هذا التبحر يدر عليك دخلاً كبيراً ؟ أنت إذاً تابع للأقوياء .
هل أنت مؤمن ؟ تعطي من وقتك ، من خبرتك ، من جهدك ، من معلوماتك ، فإذا أسعدك أن تعطي فأنت من أهل الآخرة ، وإذا أسعدك أن تأخذ فأنت من أهل الدنيا ، ببساطة بالغة يمكن أن تقيّم نفسك ما إذا كنت من أهل الدنيا أو من أهل الآخرة ، فما الذي يُسعِدك أن تعطي أو أن تأخذ ؟ إن الله ( جواد ) يحب الجود .
ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها :
دقق الآن ، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها .
عَنِ الْمُغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا ، قِيلَ وَقَالَ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ )) .
[ متفق عليه ]
هناك إنسان ذو هموم عالية جدا ، وهناك إنسان تافه .
﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾
( سورة الكهف )
ما له وزن ، هؤلاء لهم :
﴿ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ ﴾
( سورة الأنعام الآية : 124 )
لا يبالي الله بأي أودية الدنيا هلك الإنسان الشارد ، لأنه غارق في ملذاته ، غارق في سفاسف الأمور ، في أشياء لا تقدم ولا تؤخر ، ما هو الضابط في هذا ؟
حينما تُقبل على شيء فهذا الشيء هل يصل معك إلى القبر ؟ أم يبقى عند شفير القبر ؟ هذا هو الضابط .
هناك إنسان يعتني ببيته عناية بالغة ، لم يرتكب معصية ، لكن هذه العناية البالغة التي امتصت كل وقته ، هل تكون معه في القبر ؟ لا ، لكن العمل الصالح يدخل معه في القبر .
يجب أن تكون الرؤية صحيحة موافقة للشرع :
أيها الإخوة الكرام ، القضية قضية مهمة جداً ، أنا ما الذي ينفعني في المستقبل ؟ عمل صالح ، طاعة لله ، تلاوة للقرآن ، دعوة إلى الله ، تربية للولد ، إعطاء من المال ، ما الذي يدخل معي في القبر ؟ هذه الأعمال .
إنّ الإنسان حينما يأتيه ملك الموت يقول :
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾
( سورة المؤمنون الآية : 100 )
البطولة ألا تندم ، متى لا تندم ؟ إذا عملت لأُخراك ، و متى تندم ؟ إذا عملت لدنياك ، لأن الدنيا تغر وتضر وتمر .
﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾
( سورة لقمان )
الدنيا تغر ، كيف ؟ تظنها بحجم أكبر من حجمها ، هذا الحجم الكبير في مقتبل الحياة ، بعد حين تراها بحجم أقلّ من حجمها ، لكنك عند مغادرة الدنيا لا ترى الدنيا شيئاً ، لا ترى إلا الله .
البطولة أن تصح رؤيتك وأنت في مقتبل حياتك حتى يأتي عملك صحيحاً .
(( يحب الله معالي الأخلاق و يكره سفاسفها )) .
دقق : أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ )) .
[ الترمذي ]
لذلك :
(( إن الله جل جلاله جواد يحب الجود ، ويحب معالي الأخلاق ، و يكره سفاسفها )) .
ورد في الحديث القدسي الصحيح :
(( أن الجن والإنس في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي خيري إلي العباد نازل ، وشرهم إليّ صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض منهم عني ناديته من قريب )) .
[ الجامع الصغير عن أبي الدرداء بسند ضعيف ]
وفي الحديث القدسي عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ :
(( يَا عِبَادِي ، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا ، فَلَا تَظَالَمُوا ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي ، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فَسَأَلُونِي ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ )) .
[ أخرجه مسلم ]
هذا منهج ، فإنْ جاءت الأمور كما تحب فيجب أن تحمد الله عز وجل ، وإن جاءت على غير ما تحب فلا تلومنّ إلا نفسك .
﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ .
( سورة الشورى ) .
الإنسان حينما يفقه حكمة المصيبة ينضبط ، حينما تفهم على الله فتنة المصيبة تكون قد قطعت أربعة أخماس الطريق إلى الله عز وجل .
إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ :
أيها الإخوة ، روي الترمذي في سننه من حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ )) .
[ الترمذي ]
إذا قدمت صدقة فلتكن من أطيب مالك ، إذا قدمت هدية لتكن من أطيب الهدايا ، لأن ((اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ )) .
هؤلاء الذين ينفقون شيئاً يكرهونه ، ينفقون طعاماً تعافه أنفسهم ، هؤلاء لا يتقربون إلى الله بهذا الشيء :
(( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ )) .
النظافة الأخلاقية في الإسلام :
(( نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ )) .
النظافة من الإيمان ، هناك نظافة جسمية ، ونظافة نفسية ، هناك إنسان صادق ، أمين .
ما أروع ما قاله سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما سأله النجاشي عن الإسلام ، وعن نبي الإسلام ، قال :
(( أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ ، وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ ، وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالصِّيَامِ ... )) .
[ أحمد عن أم سلمة ]
هذه هي الجاهلية الأولي ، قال تعالى :
﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾
( سورة الأحزاب الآية : 33 )
نفهم من هذه الآية أن هناك جاهلية ثانية ، هي أمرّ وأدهى ، يوم يؤتمن الخائن ، ويخوَّن الأمين ، يصدَّق الكاذب ، ويكذَّب الصادق ، يضام الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، موت كقعاص الغنم كما ترون ، لا يدري القاتل لمَ يَقتُل ؟ ولا المقتول فيمَ قُتِل .
(( يوم يكون المطر قيظا ، والولد غيظا ، ويفيض اللئام فيضا ، ويغيض الكرام غيضا )) .
[ رواه ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة ]
هذه الجاهلية الثانية ، الجاهلية الأولى التي قال عنها سيدنا جعفر : (( أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ ، وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ ، وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالصِّيَامِ ... )) .
ـ دقق ـ إنْ حدثك فهو صادق ، وإن عاملك فهو أمين ، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف ، هذه هي صفات المؤمن ، هذه أركان الاستقامة ، إن عاملك فهو أمين ، إن استثيرت شهوته فهو عفيف ، وتاج ذلك : نعرف نسبه ، فدعانا إلى الله لنعبده ، ونوحده ونخلع ما كان يعبد آبائنا من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء .
هذا هو الإسلام ، الإسلام مجموعة قيم أخلاقية ، أما حينما أقول : بني الإسلام علي خمس ، الخمس شيء ، والإسلام شيء آخر ، بني الإسلام ، الإسلام مجموعة قيم أخلاقية ، الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان .
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ .
( سورة القلم )
لا تُقبل الشعائر إلا بصحة المعاملات :
ما لم تكن أخلاقك صارخة ، ما لم يكن التواضع ، والحب ، والرحمة ، والصدق ، والأمانة ، والكرم ، والعطاء ، والعفو ، والحلم فلا ترقى إلى مستوى المؤمنين ، أما الصلاة والصيام والحج فهذه عبادات شعائرية ، لكن الأصل العبادة التعاملية ، بل إن العبادة الشعائرية لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادة التعاملية ، لذلك قال بعض العلماء : ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام ، فالصلاة عبادة شعائرية .
عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا )) .
[ ابن ماجه ]
انتهت الصلاة .
الصوم :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ ، وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ )) .
[ أخرجه أحمد و البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة ]
الحج :
(( من حج بمال حرام ، وقال : لبيك اللهم لبيك ينادى : أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك )) .
[ سلسلة الأحاديث الضعيفة ]
الزكاة :
﴿ قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ .
( سورة التوبة ) .
العبادات الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية .
فلذلك :
(( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ ، فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ ـ ساحات دوركم ـ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ )) .
[ الترمذي ]
مسكُ الختام :
ملخص الملخص : يجب أن تتخلق بكمال مشتق بكمال الله .
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية : 180 )
لا تقِس نفسك بالصلاة ، قس نفسك بالكمال ، هل أنت جواد ؟ هل أنت صادق ؟ هل أنت أمين ؟ هل أنت متواضع ؟ هل أنت محسن ؟ هل أنت منصف ؟ هذا يرفعك عند الله ، إذا ضُمَّ إلى عبادتك الشعائرية نجحت ، وأفلحت ، وفزت .
والحمد لله رب العالمين
اسم الله : الجواد(2)
1 –
1-معنى الجواد :
أيها الإخوة الكرام ، لازلنا في اسم الله ( الجواد ) ، والجواد من الجود ، والجود أن تأتي بالجيد من القول والعمل ، الله عز وجل صاحب الأسماء الحسنى :
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية : 180 )
المؤمن حسَنُ الأخلاق :
بشكل منطقي وحتمي الذي يتصل بصاحب الأسماء الحسنى يجب أن يكون أخلاقيا ، يعني الصفة الصارخة في المؤمن أنه إنسان أخلاقي ، وإن صح التعبير كلمة الإيمان مرتبة ، مرتبة علمية ، ومرتبة أخلاقية ، ومرتبة جمالية ، المؤمن صادق لأنه موصول بالله عز وجل ، يشتق منه الكمال ، المؤمن أخلاقي ، هذا المعنى ورد عن ابن القيم رحمه الله فقال : " الإٍيمان هو الخلق ، فمَن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان " .
لا تصدق أن يكون المؤمن مؤمناً إن لم يكون أخلاقيا .
فلذلك أيها الإخوة ، الجواد من الجود ، والجود أن تأتي بالقول الحسن والخلق الحسن ، والفعل الحسن ، والجود أيضا هو الكرم ، فالجواد معطاء سخيّ ، تسخُو نفسه في العطاء ، ويرتاح للعطاء .
هكذا الله عز وجل خلق الخَلقَ ليرحمهم ، قال تعالى :
﴿ إ لاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
( سورة هود الآية : 119 )
خلقهم ليرحمهم ، خلقهم ليسعدهم .
إذاً المعنى الأول : الجود من أتى بالجيّد من القول والعمل ، والجود هو الكرم العطاء .
2 – من صفات المؤمن الجود والعطاء :
لذلك الصفة الأولى للمؤمن : أنه يعطي ، يبني حياته على العطاء ، يشعر بالتفوق إذا أعطى ، يشعر بالنجاح إذا أعطى ، وإن أردت مقياسا دقيقا للمؤمن فالمؤمن يعطي ، وغير المؤمن يأخذ ، واسأل نفسك هذا السؤال الصعب : ما الذي يسعدك أن تعطي أم أن تأخذ ؟ المؤمن يسعده أن يعطي ، يعطي من وقته ، يعطي من ماله ، يعطي من جاهه ، يعطي من خبرته ، لأنه يعلم علم اليقين أنه إذا أعطى فإن الله سبحانه وتعالى سيغمره بالفضل ، هو ذكي جدا ، وفي نظر غير المؤمن يبدو المؤمن ليس ذكيا لأنه يعطي ، والطرف الآخر يأخذ .
لذلك أقول دائما : الأقوياء يأخذون ، والأنبياء يعطون ، والناس جميعاً تبعٌ لقوي أو نبي ، لأنك مؤمن فأساس حياتك العطاء ، تعطي بسخاء ، وتعطي بغير حساب ، ولا تسعد إلا إذا أعطيت ، تعطي كل شيء منحك الله إياه ، تبذله للناس ، والله عز وجل عدّ أيّ عطاء من قِبَل المؤمن لأيّ مخلوق قرضًا له ، قال تعالى :
﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾
( سورة البقرة الآية : 245 )
والله الذي لا إله إلا هو مِن حِكمِ الله العظمى أنك إذا أعطيت كافأك في الدنيا قبل الآخرة ، يعطيك عطاء يخجلك في الدنيا ، لأنه أكرم الأكرمين .
لذلك ( الجواد ) من الجود ، والجود أن تأتي بالجيد من القول والفعل ، أو الكرم العطاء ، السخاء ، الأريحية ، ورجل جواد أيْ كثير العطاء .
3 – الجودُ بالنفس أقصى غاية الجود :
لكن الجود بالنفس أن تلزم نفسك بالجهاد في سبيل الله ، والجهاد في سبيل الله أقصى غاية الجود ، والجود بالنفس أقصى غاية الجود .
لذلك الحديث عن الشهداء :
﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾
( سورة آل عمران )
الشهيد بذل أثمن ما يملك ، بذل حياته .
لكن كتعليق سريع كي تعرفوا خطورة حقوق العباد : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ )) .
[ أخرجه أحمد و مسلم عن ابن عمرو ]
الشهيد بذل حياته لله ، حقوق العباد مبنية على المشاححة ، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة .
4 – أعطِ مما أعطاك الله :
أيها الإخوة ، في صحيح البخاري من حديث أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول حينما جاءه رسول إحدى بناته ، برسالة أن ابنها يجود بنفسه ، سيغادر الحياة ، فقال عليه الصلاة والسلام ، وقد بعث إليها بالرسالة :
(( إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى )) .
[ متفق عليه ]
هذا كلام جامع مانع .
لذلك في بعض الأدعية عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ :
(( اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ ، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ ، اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ )) .
[ الترمذي ]
يا رب وفقني أن أجعل هذا الذي منحتني إياه في سبيلك ، وهذا مستنبط من قوله تعالى :
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾
( سورة القصص الآية : 77 )
آتاك علماً فابتغِ به الدار الآخرة ، آتاك فخلقاً فابتغِ به الدار الآخرة ، آتاك فصاحة فابتغِ بفصاحتك الدار الآخرة ، آتاك مالاً ، آتاك جاهاً ، آتاك خبرة ، آتاك وسامة ، أيّ شيء آتاك الله به فابتغِ .
أيها الإخوة ، المؤمن يوظف كل ما أعطاه الله في سبيل الله .
يروى أن رجلا من علماء القلوب سأله رجل عن الزكاة ، فقال : عندنا أم عندكم ؟ قال : سبحان الله ! ما عندنا وما عندكم ؟ قال : عندكم الزكاة ربع العشر ، أما عندنا فالعبد وماله لسيده ، وهذا مأخوذ من قوله تعالى :
﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة الأنعام )
قمة العقل والذكاء أن تعطي مما أعطاك الله ، لذلك :
(( إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى )) .
(( اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ )) .
كنت تتمنى بيتاً غير هذا البيت ، هذا البيت الذي منحك الله إياه ، كنت تتمنى زوجه غير هذه الزوجة .
(( اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ )) .
إذًا هناك شيء تحبه ، وما سمح لك أن تأخذه ، فالفراغ الناشئ عن انشغالك به هو ليكنْ في سبيل الله .
الإنسان يطمح أن يكون ذا دخل غير محدود ، لكن مشيئة الله ولحكمة بالغة ، جعله ذا دخل محدود ، فالمال الذي كان يمكن أن يشغله عن الله ، والوقت الناتج عن عدم انشغاله بهذا المال ليكنْ في سبيل الله ، ليطلب العلم .
إذاً :
(( إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى )) .
(( وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ )) .
(( الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن )) .
[ الجامع الصغير عن أبي هريرة بسند فيه مقال ]
الإيمان بالقدر نظام التوحيد .
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾
( سورة الشعراء )
قال :
(( وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ )) .
[ رواه مسلم عن أُسامة بن زيد رضي اللّه ]
معنى تحتسب أي فلتكتفِ بنصيب الصبر كأجر من الله عز وجل .
5 – من معاني الجود : سهولة البذل والعطاءِ :
من معاني الجود : سهولة البذل ، أحياناً الشحيح تقنعه ، تأتيه بالأدلة ، ترجوه ، تتوسل إليه أن يساهم بمشروع خيري ، بصعوبة بالغة ، بجهد جهيد ، ثم يعطيك النزر القليل ، لكن من معاني الجود : سهولة البذل والإنفاق ، وتجنب مالا يحمد من الأخلاق ، ويكون العبادة المتقنة ، ومن ثمرتها الجود .
أنا لا أصدق أن ترى مؤمنا شحيحاً ، لا أصدق أن ترى مؤمناً جباناً ، البخل والجبن يتناقضان مع أخلاق المؤمن ، المؤمن كريم وشجاع ، كريم لأنه يرى المعطي .
(( أنفق بلال ، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا )) .
[ رواه الطبراني ، عن ابن مسعود ]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِي :
(( أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ )) .
[ متفق عليه ]
والمؤمن شجاع ، يرى أن له عند الله أجلاً لا يتقدم ولا يتأخر ، وقد قالوا : " كلمة الحق لا تقطع رزقا ، ولا تقرِّب أجلاً " .
أيها الإخوة ، يكون الجود باشتقاق هذا الكمال من الله ، الاتصال ـ دققوا في هذا المعنى ـ لا يمكن أن تتصف بالرحيم إلا وأن تشتق منه الرحمة ، لا يمكن أن تتصل بالغني إلا وتشتق منه الغنى ، المؤمن عنده غنى ، عفيف ، لا يتضعضع أمام الغني .
6 – المؤمن عفيف :
ورد في الأثر: " من جلس إلى غني فتضعضع له ، يعني تمسكن أمامه ، ذهب ثلثا دينه .
المؤمن عفيف يؤمن أن الله لا ينساه من فضله ، والله مرة زارني إنسان قدمت له ضيافة قطعة حلوى ، فقطع أول لقمة وقبل أن يضعها في فمه قال : سبحان من قسم لنا هذا ولا ينسى من فضله أحدا ، كلمة ولا ينسى من فضله أحدا .
كن له كما يريد يكن لك كما تريد ، عبدي أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد ، كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد ، أتعبتك فيما أريد ، ثم ما يكون إلا ما أريد .
(( اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها )) .
[ أخرجه ابن عدي ، والديلمي عن أنس ]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ )) .
[ ابن ماجه ]
يا رب ماذا فَقَد مَن وجدك ؟ لم يفقد شيئا ، وماذا وجد مَن فَقَدك ؟ لم يجد شيئا ، وإذا كان الله معك فمَن عليك ؟ إذا كان الله معك سخر عدوك لخدمتك ، وإذا كان الله عليك تطاول عليك أقلُّ ما في الناس .
لذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
(( لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا ، وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي ، وَقَدْ اتَّخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا )) .
[ متفق عليه ، واللفظ لمسلم ]
الخليل هو الله .
7 – يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ :
يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ـ أي لا ينقصها ـ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ )) .
وفي الحديث القدسي :
(( يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فَسَأَلُونِي ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ )) .
[ أخرجه مسلم عن أبي ذر ]
أيها الإخوة الكرام ، يجب أن نؤمن إيماناً قطعيا يقينياً أن الله إذا قنّن على عباده ، قنّن بالأمطار ، قنّن بالأرزاق فلا يمكن إلا أن يكون تقنين الله عز وجل تقنين تأديب لا تقنين عجز .
لذلك أهل الدنيا يخيفون الضعاف ، هناك أزمة مياه بالعالم ، وأزمة غذاء ، هذا تخويف :
﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾
( سورة الحجر )
مرة اطلعت على بحث علمي أنه اكتشف في الفضاء الخارجي سحابة يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة في اليوم بالمياه العذبة ، ثم يقولون لك : حرب مياه ، تقنين الله عز وجل تقنين تأديب ، لا تقنين عجز ، أما نحن حينما لا تكفي الطاقة الكهربائية للاستهلاك في وقت الذروة نقطع الكهرباء ، قطع الإنسان للكهرباء تقنين عجز ، أما إذا قنن الإله فتقنينه تأديب ، وشتان بين التقنينين .
(( يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ )) .
8 – الله حكيم في عطائه عليم بمواضعه :
لكن الشيء الدقيق الدقيق جداً ، أن الله سبحانه وتعالى عليم بموقع جوده ، فقد تجد إنسانا جوادا سخيا ، لكن يعطي عطاء عشوائياً ، من قال له كلمتين يعطيه ، بتحقيق أو من دون تحقيق ، يستحق ، أو لا يستحق ، هذا المال قد يستعين به على معصية ، أو على طاعة ، لكن ليس عنده معلومات دقيقة ، لكن الله سبحانه وتعالى وهو أحكم الحاكمين ، يأتي عطاءه بحكمة بالغة ، وباستحقاق ، وبحكمة ، وبخيرية .
لكن هذا الشيء يذكرني أن النبي صلى الله عليه وسلم عقب بعض الغزوات استعرض الأسرى ، فقد كان من بين الأسرى امرأة وقفت وقالت : يا رسول الله ، هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن علي منّ الله عليك ، وخلِّ عني ، ولا تشمت بي أحياء العرب ، فإن أبي كان سيد قومي ، يفك العاني ، ويعفو عن الجاني ، ويحفظ الجار ويحمي الديار ، ويفرج عن المكروب ، ويطعم الطعام ، ويفشي السلام ، ويحمل الكَلَّ ، ويعين على نوائب الدهر ، وما آتاه أحد بحاجة فرده خائباً ، أنا سفانه بنت حاتم الطائي ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( يا جارية ، هذه صفات المؤمنين حقاً ، ثم قال : ارحموا عزيز قوم ذل وغني افتقر ، وعالم ضاع بين الجهال )) .
هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم :
(( ارحموا عزيز قوم ذل وغني افتقر وعالم ضاع بين الجهال )) .
فمنّ النبي عليها ، وأكرمها ، وحملها بما تحتاج ، وأرسلها إلى قومها ، فحينما رأت هذا العطاء وهذا الكرم ، استأذنته بالدعاء ، هنا الشاهد .
[ ذكر هذه القصة ابن هشام في سيرته ، والطبري في تاريخه ]
الله عز وجل كرمه بحكمة بالغة ، في موضوعه ، قالت سفانه : أصاب الله ببرك مواقعه ، ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة .
سُئل أحدهم : ما الذل ؟ قال : أن تقف بباب اللئيم ثم يردّك .
ما قال لا قط إلا في تشهده * لولا التشهد كانت لاءه نعم
[ قول الفرزدق يصف به النبي عليه الصلاة والسلام ]
المؤمن يخجل من كلمة ( لا ) ، بل يبذل كل ما عنده .
لذلك استأذنته بالدعاء ، فقالت هذه المرأة التي منّ النبي عليها ، وأطلق سراحها وأكرمها ، وأرسلها إلى أهلها : أصاب الله ببرك مواقعه ، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة ، ولا سلب نعمة عن كريم قوم إلا جعلك سبباً في ردها ، ورجعت إلى أهلها ، والتقت مع أخيها الذي نسيها ، فوقعت أسيرة ، فقالت لأخيها عدي بن حاتم : ائتِ هذا الرجل ، فإني قد رأيت هدياً ، وسمتاً ، ورأياً يغلب أهل الغلبة ، ورأيت فيه خصالاً تعجبني ، رأيته يحب الفقير ، ويفك الأسير ، ويرحم الصغير ، ويعرف قدر الكبير ، وما رأيت أجود منه ، ولا أكرم منه ، وإن يكن نبياً فللسابق فضله ، وإن يكن ملكاً فلا تزال في عزّ مُلكه .
الشاهد : أن الإنسان من علامات توفيق الله له أن يضع معروفه عند من يستحقه ، فقد تكرم إنسانا ، ثم يتنكر لك .
أعلـمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي فـلما قال قافية هجاني
***
هذا هو اللئيم ، اللئيم يرد على الإحسان بالإساءة ، لكن الكريم يرد على الكرم بكرم كبير .
9 – من معاني الجواد : الطُّرُق :
أيها الإخوة ، ( الجواد ) أيضاً : جمع جادة ، الطريق ، ( الجواد ) جمع جادة ؛ أي الطريق ، إذاً : الله جواد ، أي يهدينا إلى طريق سلامتنا ، يهدينا إلى طريق سعادتنا ، يهدينا إلى طريق سرورنا ، يهدينا إلى الجنة ، يهدينا إلى الإيمان .
لذلك الله عز وجل بيّن في كتابه الحلال والحرام ، الخير والشر ، الحق والباطل ، طريق التوبة ، وطريق الاستغفار ، ما أمرك أن تتوب إليه إلا ليتوب عليك ، ما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك ، ما أمرك أن تعود إليه إلا ليقبلك ، رسم الطريق الموصل إليه ، أعطاك وسائل التقرب إليه ، أعطاك المال ، أعطاك الصحة ، أعطاك الشهوات ، الشهوات ترتقي بها إلى رب الأرض والسماوات ، أودع في نفسك حب المرأة ، امرأة لا تحل لك غضضت بصرك عنها ، ارتقيت ، تزوجت ، تأملت في امرأة تحل لك ، سعدت ، فشكرت ، فالشهوات ترقى بها مرتين ، ترقى بها شاكراً ، وترقى بها صابراً .
إذاً : هو جواد هداك إلى طريقه ، إلى طريق يفضي إليه ، هداك إلى طريق طاعته ، هداك إلى طريق الجنة ، هداك إلى سلامتك ، هداك إلى سعادتك ، هذا معنى : ( الجواد ) ، أرشدك إلى الطريق ، فهو يهديهم :
﴿ سُبُلَ السَّلاَمِ ﴾
( سورة المائدة الآية : 16 )
المؤمن في سلام مع نفسه ، ما عنده اختلال توازن ، ما بنى مجده على أنقاض الآخرين ، ما بنى غناه على إفقارهم ، ما بنى عزه على إذلالهم ، متوازن ، المؤمن في قلبه من الراحة النفسية ما لو وزعت على أهل بلد لكفاهم ، هذا معنى ( الجواد ) ، الله عز وجل قال :
﴿ وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ ﴾
( سورة يونس الآية : 25 )
هذا الذي ترونه في العالم هذا مِن فعل الشيطان ، الله عز وجل يدعو إلى دار السلام ، الحروب ، والقتل ، والاجتياح ، والاعتقال ، والهدم ، هذا من فعل الشيطان ، إن هذا من عمل الشيطان :
﴿ وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ ﴾
﴿ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ .
( سورة يونس الآية : 25 )
﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾
( سورة هود )
أيها الإخوة الكرام ، من أسماء الله ( الجواد ) ، أن يهديك سبيل الرشاد ، يهديك سبيل السلامة .
رأيُ ابن القيم في معنى الجواد :
ابن القيم رحمه الله ، يرى أن ( الجواد ) ، أي أنه أعطاك الأوامر والنواهي لترقى بفعل الأوامر ، وترقى بترك النواهي ، بيّن لك الحلال والحرام ، لترقى بأخذ الحلال ورك الحرام ، الله عز وجل جواد أرادك أن تكون في جنة عرضها السموات والأرض .
فلذلك أيها الإخوة ،
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
أي تقترب إليه بكمال مشتق من كماله .
والحمد لله رب العالمين
اسم الله الحيى(1)
1 ـ ورود هذا الاسم في السنة فقط :
هذا الاسم لم يرد في القرآن الكريم ، ولكنه ورد في السنة ، فقد سماه النبي صلي الله عليه وسلم سمى ربه بالحيي :
(( النبي صلي الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل بلا إزار (بلا ثياب) ، فصعد المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال : إن الله عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر (أي عن نظر الآخرين) ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر ))
[ رواه أبو داود عن يعلى بن أمية]
الله عز وجل يستحي من عبده إذا سأله ألا يجيبه :
وقد ورد هذا الاسم مطلقاً مراداً به العالمية دالاً على كمال الوصفية :
(( إن ربكم تبارك وتعالي حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً ))
[ أخرجه أبو داود عن سلمان الفارسي]
أي الله يستحي من عبده إذا سأله ألا يجيبه ، إذا دعاه ألا يلبيه ، إذا استغفره ألا يغفر له ، إذا تاب إليه ألا يتوب عليه ، لذلك قالوا ما أمرنا أن نتوب إليه إلا ليتوب علينا وما أمرنا أن نستغفره إلا ليغفر لنا وما أمرنا أن نسأله إلا ليعطينا.
ورد في بعض الأحاديث الصحيحة أنه :
(( إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربكم إلي السماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له ؟ حتى يطلع الفجر))
[ أخرجه أحمد عن أبي هريرة]
بطولة الإنسان أن يسأل الله عز وجل عملاً صالحاً يتقرب به إليه :
المؤمن أيها الأخوة ، له مناجاة مع الله عز وجل .
إنما أشكو بثي وحزني إلي الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ، كلام سيدنا يعقوب فالإنسان حينما تلم به ملمة يلوح له شبح المصيبة ، يخاف شيئاً ، يخشى شيئاً الله عز وجل علمنا أن نسأله وأن ندعوه وأن نستغفره وأن نتوب إليه ، لأنه حيي كريم ، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً ، فكما أن الله يستحي منك ينبغي أن تستحي أنت منه والحياء من الإيمان.
مرة ثانية أيها الأخوة إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً ، لذلك البطولة أن تحسن أن تسأله ، اسأله ما يرضيه ، اسأله ما يقربك إليه ، اسأله خير الآخرة ، اسأله أن تعرفه ، اسأله أن تستقيم على أمره ، اسأله عملاً صالحاً تتقرب به إليه ، اسأله العلم لأن كرامة العلم أعظم كرامة .
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾
( سورة النساء )
أي الإنسان يسأل ملكاً ، الملك ماذا يعطي ؟ يعطي بيتاً ، يعطي مركبة ، تسأله قلماً ، البطولة أن تسأله بقدر كرمه ، أن تسأله بقدر غناه ، أن تسأله بقدر محبته لك ، أن تسأله لأنه على كل شيء قدير.
2 ـ من معاني الحيي : المتصف بالحياء :
أيها الأخوة ، الدعاء هو العبادة ، فإن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً ، الحيي المتصف بالحياء ، نحن تعلمنا ونذكر هذا كثيراً أن قوله تعالى :
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ .
( سورة الأعراف الآية : 180 ) .
يعني أنت لن تستطيع أن تتقرب إلى الله بأفضل من كمال مشتق منه ، هو حيي فأنت أيها المؤمن يجب أن تتخلق بهذا الخلق ، والحياء من الإيمان ، علامة الإيمان الحياء والحياء مؤشر على الإيمان .
فالحيي المتصف بالحياء ، صفة خلقية رقيقة لطيفة تمنع النفس عن أن تقترف شيئاً مناقضاً لما هو معروف عندها .
لكل إنسان فطرة تتفق مع منهج الله عز وجل :
أيها الأخوة ، قد لا ينتبه الإنسان إلى بعض المصطلحات سمى الله الأعمال الطيبة التي تنسجم مع الفطرة معروفاً لأن الفطر السليمة في أصل خلقها تعرفها ، القضاء البريطاني يأخذون عشرة من الطريق يعرضون عليهم جريمة بحسب الفطر السليمة قد يكشفون الحقيقة ، الإنسان له فطرة سليمة لذلك الحياء أن تمتنع عن فعل شيء تعرفه فطرتك السليمة بداهة ابتداءً من دون تعليل .
البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ، لك فطرة هذه الفطرة تتفق مع منهج الله مئة بالمئة ، يعني ما أمرك الله بشيء إلا وفطرتك وجبلتك ترتاح له ، وما نهاك عن شيء إلا وفطرتك وجبلتك تنفر منه .
لذلك سميت الأعمال الطيبة التي أودعت قيمتها في فطرة الإنسان معروفاً ، وسمي الشيء الذي تأباه الفطر السليمة منكراً ، من كلمة معروف ومنكر يعني هذا الشيء يتوافق مع فطرة النفس توافقاً تاماً الدليل :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾
( سورة الروم : 30)
لأن إقامة وجهك للدين حنيفاً ينقلب على فطرتك :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (30) ﴾
( سورة الروم : 30)
الإسلام دين الفطرة :
أن تقيم وجهك للدين حنيفاً ، إقامة وجهك للدين حنيفاً هو نفسه فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله :
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا {7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا {8} ﴾ .
( سورة الشمس ) .
المعنى الدقيق الإنسان حينما يفجر لا يحتاج إلى من يعلمه ولا إلى من يرشده ولا إلى من يذكره ولا إلى من ينصحه يكتشف بفطرته ذاتياً وبداهةً أنه أخطأ هذه الفطرة ، لذلك قالوا الإسلام دين الفطرة ، كل الأمر إلهي إن طبقته ترتاح نفسك فلذلك :
﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ (7) ﴾
( سورة الحجرات) .
الحياء علامة الإيمان :
الشيء الدقيق أن الإنسان حينما يصطلح مع الله يصطلح مع فطرته ، يرتاح ، هذه الراحة لا توصف ، والله بعد أن يتوب الإنسان كأن جبالاً أزيحت عن صدره ، صار خفيفاً انسجم مع فطرته ، تماماً كمركبة من أرقى الأنواع من أغلى الأنواع من أحدث الأنواع سرت بها في طريق وعر هذه المركبة السيارة مصممة للطريق المعبد لا تكتشف ميزاتها إلا في الطريق المعدل ، سهولة في الحركة ، نعومة في الصوت ، سرعة في المشي ، أما إذا سرت بها في طريق وعر كله صخور وأكمات تتكسر ، تماماً كالنفس ، الله عز وجل حيي ، هذه صفة من صفات الله عز وجل ، واسم من أسمائه ، حيي في ذاته وفي صفاته وقد فطرنا على الحياء فالإنسان إذا كان وقحاً يسقط من عين نفسه ، في تعبير معاصر ينهار داخلياً ، إذا وقح بذيء اللسان ، قاسي الكلمات .
يقول عليه الصلاة والسلام فيما ورد صحيح البخاري من حديث ابن مسعود :
(( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت ))
[ أخرجه البخاري عن ابن مسعود]
هذا الحديث دقيق جداً ، يعني الإيمان علامته الحياء ، فالذي لا يستحي لا خير فيه ولا جدوى منه ولا أمل في صلاحه ، علامة الإيمان الحياء .
3 ـ الفرق بين الحياء و الخجل :
لكن لابد من التفريق بين الحياء كفضيلة وبين الخجل كمرض نفسي ، الخجل مرض ، أحياناً الإنسان يخجل من أن يطالب بحقه ، يخجل أن ينطق بالحق ، يخجل أن يصرح بالحقيقة ، هذا مرض ، الخجل يعدّ نقيصة في شخصية الإنسان ، لكن الحياء فضيلة ، أنا أستحي ولكني أطالب بحقي بأدب ، أنا أستحي ولكنني لا أستحي من الحق ، لذلك:
(( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت ))
[ أخرجه البخاري عن ابن مسعود]
يوجد معنى آخر دقيق جداً ، أنك إذا كنت ترضى عن الله عز وجل لا تعبأ بكلام الناس ، هذا العمل إن لم تستحِ من الله (في بعض المجتمعات الإسلامية التعدد غير مقبول إطلاقاً لكن إنسان له أخ وتوفي و له خمسة أولاد وهو عمهم لو تزوج زوجة أخيه ورعى الأولاد وضمهم إليه لا يوجد مانع ) هذا يرضي الله عز وجل لكن لا يرضي الناس ، فإذا لم تستحِ من الله في شيء تفعله فاصنع ما شئت ، لا تعبأ بكلام الناس .
المنافق من أرضى الناس جميعاً :
المؤمن يتعامل مع جهة واحدة هي الله عز وجل ، المؤمن يخاف الله وحده ولا يعبأ بكلام الناس وإرضاء الناس غاية لا تدرك ، ومن أرضى الناس جميعاً فهو منافق ، في بحياته كلمة لا ، لا يستحي بها ، شيء يتناقض مع منهجه قد رفض دعوة فيها معاصي ، يعني الناس أحياناً يضحون بطاعتهم لربهم مراعاة لسمعتهم بين الناس هذا خطأ كبير، إذا لم تستح من الله كان عملك صحيحاً وفق المنهج تبتغي به رضوان الله عز وجل ، فاصنع ما تشاء ، شخص سأل النبي الكريم عندي يتيم أفأ ضربه ؟ قال : مما تضرب منه ولدك . إذا ابنك أردت أن تؤدبه لمصلحته لا عليك لا تعبأ ، ضرب يتيم ، هذا ابني ، كما أنني أؤدب ابني أؤدب اليتيم ، إذا لم تستح فاصنع ما تشاء ، إذا لم تستح من الله .
لذلك اعمل لوجه الواحد يكفك الوجوه كلها ، من جعل الهموم هما واحداً كفاه الله الهموم كلها .
4 ـ الحياء صفة عظيمة من صفات المؤمنين :
في حديث طويل لأبي سفيان مع هرقل يقول أبو سفيان : فوالله لولا الحياء من أن يؤثروا عليّ كذباً لكذبت عنه ، كان يعارض النبي عليه الصلاة والسلام ، فلما سأل هرقل عن رسول الله قال لولا الحياء من أن يؤثروا عليّ كذباً لكذبت عنه ، الحياء يردع ، والحياء ضمانة الذي عنده حياء فيه صفة عالية جداً .
سيدنا موسى كان حيياً :
﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (25) ﴾
( سورة القصص ) .
لو أنها قالت إن أبي يدعوك ، يقول لها ما هي المناسبة ؟ صار في حوار :
﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (25) ﴾
( سورة القصص ) .
لذلك :
﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) ﴾
( سورة الأحزاب) .
إذاً الحياء من صفات المؤمنين .
من لا يستحي لا خير فيه :
لذلك قالوا : العدل حسن لكن في الأمراء أحسن ، والحياء حسن لكن في النساء أحسن ، والسخاء حسن لكن في الأغنياء أحسن ، والصبر حسن لكن في الفقراءأحسن ، والتوبة حسن لكن في الشباب أحسن .
يعني الشاب ألزم ما يلزمه التوبة ، والمرأة ألزم ما يلزمها الحياء ، والغني ألزم ما يلزمه السخاء ، والفقير ألزم ما يلزمه الصبر ، والأمير ألزم ما يلزمه العدل ، ورد :
أحب ثلاثاً ، وحبي لثلاث أشد ، أحب الطائعين ، وحبي للشاب الطائع أشد ، أحب المتواضعين ، وحبي للغني المتواضع أشد ، أحب الكرماء ، وحبي للفقير الكريم أشد ، وأبغض ثلاثاً ، وبغضي لثلاث أشد ، أبغض العصاة ، وبغضي للشيخ العاصي أشد ، أبغض المتكبرين ، وبغضي للفقير المتكبر أشد ، أبغض البخلاء ، وبغضي للغني البخيل أشد .
فالحياء من الإيمان ، وإذا لم تستحِ فاصنع ما شئت على معنيين : إن لم تستحِ فلا خير فيك ، وإن لم تستحِ من الله فافعل ما شئت ولا تعبأ بكلام الناس .
في آيات دقيقة جداً من هذه الآيات :
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195) ﴾
( سورة البقرة )
إن لم تنفقوا أو : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة إن أنفقت كل أموالكم ، لذلك الإسلام وسطي .
حياء الشرع هو الحياء الذي يحفظ للعبد استقامته :
أيها الأخوة ، حياء الشرع هو الحياء الذي يحفظ للعبد استقامته هذا حياء الشرع لأن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ )) .
[ أخرجه أحمد ، والترمذي والحاكم ، والبيهقي عن عبد الله بن مسعود ]
أدخلت إليه طعاماً اشتريته بمال حلال لذلك يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، يقول العبد يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له .
ولحكمة بالغة بالغة بالغة جعل الله الحلال صعباً والحرام سهلاً ، لو عكس الآية لأقبل الناس على الحلال لا حباً في الله ولا رغبة في طاعته ولكن لأنه أسهل ، لكن لحكمة بالغة بالغة بالغة جعل الله الحلال صعباً ، يعني الإنسان يشتغل ساعات طويلة يأخذ مبلغاً معيناً ، يوجد إنسان آخر يأخذ هذا المبلغ في ربع ساعة ولكن بالحرام ، ففرق كبير بين الحلال والحرام .
بطولة الإنسان أن يبدأ من النهاية :
أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، البطولة أن تبدأ من النهاية ، الآن في دورات مشهورة جداً البرمجة العصبية اللغوية يعني في قاعدة فيها ابدأ من النهاية ، شيء دقيق جداً ابدأ من الموت ثم اعمل ، تؤسس عملاً ، تدرس ، تنال الدكتوراه ، تؤسس شركة ، ولكن لأنك بدأت من الموت أنت تراقب الله عز وجل لا تعصي الله وتسرع إليه ، ابدأ من النهاية وأن تذكر الموت والبلى ، فإن فعلتم ذلك فقد استحييتم من الله حق الحياء :
(( أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، البطولة )) .
[ أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود]
وفي كل دروس أسماء الله الحسنى البطولة أن تعرف أسماء الله الحسنى وأن تتخلق بكمالاتها ليكون هذا التخلق بكمالاته سبباً للاتصال به :
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ .
( سورة الأعراف الآية : 180 ) .
دين الإنسان الحقيقي في بيته و عمله :
مرة ثانية أيها الأخوة ، الدين الحقيقي ليس في المسجد ، في المسجد أن أجل أن تتلقى تعليمات الصانع في درس علم ، وفي المسجد من أجل أن تقبض ثمن استقامتك وأنت في الصلاة ، لكن دينك في مكتبك ، دينك في دكانك ، دينك في السوق ، دينك في بيعك وشرائك ، دينك في صناعتك ، في مواد مؤذية للإنسان توضع في الأغذية ، السعر يزداد والأرباح تزداد لكن على حساب صحة الناس ، في أشياء لا تعد ولا تحصى ، هرمونات ترش بها النباتات تصبح الحبة كبيرة جداً ولها ألوان زاهية لكنها مسرطنة الهرمونات ، فالإنسان دينه في عمله ، دينه في بيته ، خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي .
خاتمة :
لذلك أيها الأخوة ، الحياء أن تستحي من الله أن تعصيه ، أن تستحي من الله أن تستخدم جارحة من جوارحك في معصية الله ، الحياء أن ترى أن الله معك ، في رواية أخرى أن إنساناً ـ كما قال النبي الكريم ـ اغتسل أمامه عرياناً ، قال خذ إجارتك لا حاجة لنا بك إني أراك لا تستحي من الله .
فالحياء من علامات الإيمان ودائماً المؤمن يستر جسمه وغير المؤمن يكشف عورته ، الإنسان في بيته يرتدي ثياباً معقولة ، أما غيره إنسان يكون بالثياب الداخلية في بيته أمام أولاده ، أمام بناته ، ما في حياء ، والله في جامعة من جامعات الدول العظمى كانت ترفع شعار لا إله حدثني طالب قال دورات المياه مشتركة ما في حواجز بينهما إطلاقاً ، صالون كبير فيه خمسين ستين مكان لقضاء الحاجة بلا حواجز.
(( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى )) .
[ أخرجه أحمد ، والترمذي والحاكم ، والبيهقي عن عبد الله بن مسعود ]
والحمد لله رب العالمين
اسم الله الحيى (2)
أيها الأخوة الكرام ، لازلنا في اسم الحيي ، فالحياء وصف لكمال الله عز وجل ، فالله عز وجل ذات كاملة لا يتعارض مع حكمته ، ولا يتعارض مع بيان الحق ، ولا مع بيان الحجة ، هذا ينقلنا إلي معنى دقيق يجب أن يكون في المؤمن ، فالمؤمن حيي يشتق حياءه من كمال الله عز وجل ، لكن حياءه لا يمنعه أن يدلي بالحجة وأن يصدح بالحق وأن يقول الحق ولو كان مرّاً ، فإذا منعه شيء ما أن ينطق بالحق أو أن يكون منصفاً فهو نقيصة في الإنسان يمكن أن تسمى الخجل ، الخجل أن تمتنع أن تنطق بالحق ، تسكت ، وقد يكون هذا المرض منتشراً في العالم الإسلامي ، لا أحد ينهى عن المنكر ، لذلك ورد في الحديث الصحيح :
(( إن الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة]
أفضلها التوحيد وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
معاني التوحيد :
الإيمان شيء والتوحيد شيء آخر ، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً ، أن ترى أن يد الله تعمل وحدها ، التوحيد أن ترى أن الله في السماء إله وفي الأرض إله ، التوحيد أن تؤمن بما قال الله عز وجل :
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) ﴾
( سورة الكهف)
التوحيد أن ترى أنه لا معطي ولا مانع ولا خافض ولا رافع و لا معز ولا مذل إلا الله ، التوحيد أن تجعل علاقتك بالله وحده ، التوحيد أن تعمل لوجه واحد عندئذ يكفيك الهموم كلها ، التوحيد ألا تدعو مع الله إله آخر :
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) ﴾
( سورة الشعراء )
من زاد توحيده زادت خشيته و طاعته لله تعالى :
التوحيد كلمة لكن إن تعيشها تحتاج لجهد كبير ، التوحيد أن ترى أن كل الخلق لا شيء أمام إرادة الحق ، كلما زاد التوحيد زاد الكمال ، كلما زاد التوحيد زادت الخشية ، كلما زاد التوحيد زادت الطاعة ، كلما زاد التوحيد ازداد الأمن في قلب الإنسان :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ .
( سورة الأنعام )
الحديث الصحيح :
(( إن الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا اله إلا الله ...))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة]
التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً :
التوحيد هو الذي ينجي بل إن نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل التقوى ، فإذا وحدت واتقيت الله جمعت طرفي المجد ، نهاية العلم أن توحده ونهاية العمل أن تتقيه ، لذلك :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 102 )
فالتوحيد هو الإيمان الحقيقي ، التوحيد هو فحوى دعوه الأنبياء جميعاً .
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ .
( سورة الأنبياء )
من كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً :
كأن الله سبحانه وتعالى ضغط فحوى دعوة الأنبياء جميعا بآية واحدة :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ .
( سورة الأنبياء )
لا إله إلا أنا توحيد ، فاعبدون أي أطيعون ، بل إن الله سبحانه وتعالى حينما أمر النبي الكريم أن يقول :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ (6) ﴾
( سورة فصلت)
وكأن الآية الكريمة ضغطت القرآن كله ولخصته بهذه الكلمات :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) ﴾
( سورة الكهف )
قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد ، العمل فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ، هذا كلام معجز ، كلام بليغ ، أنت حينما ترى أن الله وحده ولا جهة سواه تتصرف ؛ هو المتصرف ، هو المسير ، هو الخالق ، هو البارئ ، هو المعطي ، هو المانع ، هو الرافع ، هو الخافض ، هو المعز ، هو المذل ، تحصر علاقتك به وحدك ، فقد نجوت من كل أمراض النفس .
من عمل عملاً يبتغي به وجه الله تعالى هذا تعبير عن إيمانه :
بشكل مبسط لو دخلت إلي دائرة حكومية وقال لك أحدهم : هذا الطلب لا يسمح لشخص في هذه الدائرة أن يوافق لك عليه إلا المدير العام ، هل تبذل ماء وجهك لموظف ؟ لحاجب ؟ لمعاون المدير العام ؟ أبداً ؛ لأن صلاحية التوقيع في هذا الموضوع في يد المدير العام وحده ، أنت حينما توقن أن الأمر بيد المدير العام لا تبذل ماء وجهك أمام أحد على الإطلاق .
فالإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق .
أحيانا حجر قد يسبب حادثاً مروعاً ، تقف وتزيحه إلى جانب الطريق هذا إيمان أنت حينما تعمل عملاً تبتغي به وجه الله هذا تعبير عن إيمانك .
الترابط الوثيق بين الحياء و الإيمان :
إخوتنا الكرام ، الإيمان حركة لا يوجد إيمان سكوني ، لا يوجد إنسان مؤمن معجب بالإسلام ، الإعجاب السلبي ليس إيماناً ، النمط الساكن غير الحركي ليس إيماناً ، ما إن تستقر حقيقة الإيمان في نفس المؤمن حتى تعبر عن ذاتها بحركة نحو الخلق ، أبداً ما إن تستقر حقيقة الإيمان في نفس المؤمن حتى تعبر عن ذاتها بحركة نحو الخلق ، فالإيمان حركة ، الإيمان عمل ، الإيمان إيجابية ، الإيمان عطاء ، لذلك وأدناها أن تميط الأذى عن الطريق ، أن تعمل عملاً صالحاً ، أن تطعم جائعاً ، أن تدل ضالاً ، أن توجهه توجيها شديداً ، أن تنصح ، أن تنطق بالحق ، والحياء شعبة من الإيمان ، من لا حياء له لا إيمان له ، ومن لا إيمان له لا حياء له ، العلاقة علاقة ترابطية بين الحياء وبين الإيمان .
الحقيقة في آخر الزمان ينزع الحياء من وجوه النساء ، ينزع الحياء من وجوه النساء ، وتذهب المروءة من رؤوس الرجال ، وتنزع الرحمة من قلوب الأمراء ، لا حياء في وجوه النساء ولا نخوة في رؤوس الرجال ولا رحمة في قلوب الأمراء ، هذه من علامات آخر الزمان .
الدنيا منقطعة فهي أحقر عند الله من أن تكون عطاءً أو عقاباً :
لذلك الله عز وجل حينما قال :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 26 ) .
الله عز وجل حيي ، لكن هذه الآية تؤكد أنه لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها ، والحقيقة هذه الآية حيرت العلماء ، بعوضة ، بعوضة في القرآن الكريم ما من مخلوق أهون على البشر من بعوضه ، هذا المعنى جاء به النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال :
(( لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ )) .
[ الترمذي عن سهل بن سعد ]
هي أقل من جناح بعوضة لأنها منقطعة ، لأن الموت ينهي كل شيء ، الموت ينهي قوة القوي ، الموت ينهي ضعف الضعيف ، الموت ينهي غنى الغني ، الموت ينهي فقر الفقير ، الموت ينهي صحة الصحيح ، الموت ينهي مرض المريض ، الموت ينهي وسامة الوسيم ، والموت ينهي دمامة الدميم ، ما دامت الدنيا منقطعة هي أحقر عند الله من أن تكون عطاءً أو من أن تكون عقاباً ، لذلك قد يعطي الدنيا لمن يحب الله ولمن لا يحب ، أعطى الدنيا لفرعون هل يحبه الله عز وجل ؟ أعطاها لقارون هل يحبه الله عز وجل ؟ الذي أحبه ماذا أعطاه ؟ قال :
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً (14) ﴾
( سورة القصص )
المال ليس مقياساً لمحبة الله لعبده :
اسأل نفسك دائماً عطاؤك مِن عطاء مَن ؟ من عطاء الله ، لكن من أي نوع ؟ أعطى فرعون الملك وهو لا يحبه ، وأعطى سيدنا سليمان الملك وهو يحبه ، فإذا أعطى شيئاً واحداً لمن يحب ولمن لا يحب إذاً هذا الشيء ليس مقياساً ، أعطى المال لمن لا يحب ؛ أعطاه لقارون ، أعطاه لمن يحب لسيدنا عثمان ، فالمال أعطي لمن يحب ولمن لا يحب إذاً ليس مقياساً ، ما المقياس ؟
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) ﴾
( سورة القصص )
العلم و الحكمة فضل الله الكبير على الإنسان :
إذا كان عطاؤك من الله من نوع عطاء العلم والحكمة :
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ .
( سورة النساء ) .
دقق ، خالق السماوات والأرض يقول لك :
﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ .
( سورة النساء ) .
فضل كبير أن تعرف الله ، فضل كبير أن تعرف أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى ، فضل الكبير أن تعرف أن الله حيي كريم قوي رحيم حكيم :
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾
( سورة الأعراف)
الحياء الحقيقي أن يتخلق الإنسان بالكمال الإلهي :
كنت أوضح هذه الآية ببعض الأمثلة ، طفل صغير قال لك مرة : معي مبلغ عظيم ، طفل والده مدرس دخله محدود فإذا قال ابنه الصغير معي مبلغ عظيم يتصور مئتي ليرة ، فإذا قال مسؤول كبير : أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً من دولة عظمى تقدر مئتي مليار دولار ، الكلمة نفسها قالها طفل صغير فقدرتها بمئتي ليرة ، وقالها مسؤول كبير فقدرتها بمئتي مليار دولار ، فإذا قال ملك الملوك ومالك الملوك :
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ .
( سورة النساء ) .
الحقيقة العطاء الحقيقي أن تعرفه :
(( ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء ))
[ ورد في الأثر]
إذاً :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 26 ) .
كأن هذه الآية تبين أن هناك أشياء إن سكت عنها هذا ليس حياء ، الحياء أن تتخلق بالكمال الإلهي ، الحياء أن تمتنع عن فعل معصية .
المؤمن لا يستحي من الحق :
أيها الأخوة ، آية قرآنيه يقول الله عز وجل :
﴿ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ (53) ﴾
( سورة الأحزاب ) .
إذاً أنت ينبغي أن تنطق بالحق ، يجب أيها المؤمن إن أردت أن تتقرب من الله بكمال الله ، بالحياء يجب ألا تستحي من الحق ، إن استحييت من الحق فهذا ليس حياء بل هو خجل والخجل نقيصة في الإنسان .
إن الله لا يستحي من الحق لذلك الإنسان بحق نفسه ضعيف ، أما أخوه قد يتكلم عنه إن أطلنا عليه الجلوس ، مثلاً العيادة فواق ناقة ، أي مده العيادة مدة حلب ناقة ، المريض يحتاج إلى أدوية ، يحتاج إلى وضع معين ، فينبغي ألا نطيل عليه الجلوس ، لو أن فئة أطالت الجلوس وقال أحدهم يكفي نحن أثقلنا عليك سامحنا ، فإن الله لا يستحي من الحق .
الدين النصيحة :
عود نفسك أن تكون جريئاً ، معقول سيدنا عمر يمشي في الطريق رأى غلماناً يلعبون فلما رأوه وكان ذا هيبة عظيمة تفرقوا إلا واحداً منهم بقي في مكانه بأدب لفت نظره فلما وصل إليه قال : أيها الغلام لما لا تهرب مع من هرب ؟ قال : أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك ولست مذنباً فأخشى عقابك والطريق يسعني ويسعك .
أنا متألم من خلق الخجل ، يعني تأتيه ابنة أخيه هو عمها بثياب فاضحة يستحي أن ينصحها ، لا انصحها ، أنت مثل ابنتي ، يا بنيتي هذه الثياب لا تليق بك ولا بأبيك ولا بأسرتك ، انصحها لذلك :
﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ (79) ﴾
( سورة المائدة )
طبعاً أسلم للإنسان ألا ينصح أحداً ، دعه وشأنه ، لا ، الحياء لا أن تستحي أن تنصح إنساناً ، الدين النصيحة ، الحياء أن تجهر بالحق ، الحياء أن تنصح ، الحياء ألا تبقى ساكتاً ، يعني اسكت حيث ترغب أن تتكلم وتكلم حينما ترغب أن تسكت ، إن كنت تملك حقيقة وكل من حولك ساكت تكلم .
من حياء المؤمن أن ينطق بالحق و ينصف الآخرين :
سيدنا عمر كان بين أصحابه قال له أحدهم : والله ما رأينا خيراً منك بعد رسول الله ، تغير لونه وأحدّ فيهم النظر ، إلى أن قال أحدهم : لا والله لقد رأينا من هو خير منك ، قال من هو ؟ قال الصديق ، دققوا الآن قال : كذبتم جميعاً ، عدّ سكوتهم كذباً ، قال كذبتم جميعاً وصدق هذا الذي تكلم ، كنت أضل من بعيري وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك ، هذا الذي قال لا والله لقد رأينا خيراً منك سكوته ليس حياء بل خجلاً ، الإنسان أحياناً يؤثر السلامة يبقى ساكتاً ، أما لو تكلم كلمة لغير الموقف كله .
مرة مدح ابن أحد الخلفاء أمام علية القوم ، كل من كان جالساً مدح هذا الابن فهو ليس في مستوى أبيه ، وصل الدور عند الأحنف بن قيس بقي ساكتاً قال له الخليفة : تكلم ، قال : أخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت . فكان تلميحاً أبلغ من تصريح .
أحياناً كلمة تحق بها حقاً وتبطل بها باطلاً ، أنا أريد أن نتأكد أن الحياء لا يعني أن تسكت عن أداء رسالتك أو أن تسكت عن الحق ، فالساكت عن الحق شيطان أخرس ، تلك صفة مذمومة ، الحياء أن تنطق بالحق ، الحياء أن تقول كلمة حق ، الحياء أن تنصف .
الحياء لا أن تستحي من النطق بالحق بل أن تستحي من فعل المنكرات :
شخص تخلف عن رسول الله ، فسأل النبي عليه الصلاة والسلام عنه ، فقال بعضهم : شغله بستانه عن الجهاد معك ، فقام أحد الصحابة متأثراً قال : لا والله يا رسول الله لقد تخلف عنك أناس ما نحن بأشد حباً لك منهم ولو علموا أنك تلقى عدواً ما تخلفوا عنك فتبسم عليه الصلاة والسلام .
دافع عن أخيك ، أحياناً أنت جالس في مجلس يأتي ذكر أخيك هناك من يتهجم عليه وأنت تعلم علم اليقين أنه بريء من هذه الصفة ، تبقى ساكتاً السكوت أفضل ، لا تتكلم دافع عنه هذا واجبك ، فلذلك أي شيء منعك أن تنطق بالحق ، أن تجهر بالحق ، أن تكون منصفاً هو صفة ذميمة في الإنسان وليس حياءً ، الحياء أن تستحي من الله ، الحياء أن تستحي أن تقترف إثماً أو أن ترتكب معصية .
أيها الأخوة الكرام ، الحياء لا أن تستحي من النطق بالحق بل أن تستحي من فعل المنكرات .
والحمد لله رب العالمين
جزاك الله كل خيرو جعله الله فى ميزان حسناتك
اسم الله : الخلاق(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الخلاق) :
أيها الإخوة الكرام ، مع اسماً جديد من أسماء الله الحسنى والاسم اليوم "الخلاق" هذا الاسم العظيم ورد مطلقاً يفيد المدح والثناء على الله عز وجل ، مراد به العلنية ، دالاً على كمال الوصفية ، فقد ورد في قوله تعالى :
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ﴾ .
( سورة الحجر ) .
وفي قوله أيضاً :
﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾
( سورة يس ) .
الخلاق المبدع كماً ونوعاً :
"الخلاق" من حيث الصياغة اللغوية اسم مبالغة لاسم الفاعل ، تقول : غافر وغفار ، خالق وخلاق ، وماذا تعني المبالغة في أسماء الله الحسنى ؟ تعني الكم ، والكيف الكم والنوع .
أي للتقريب ؛ غافر يغفر ذنباً واحداً ، لك ذنب يغفره الله لك فهو غافر ، لكن لبعض الناس مئة ألف ذنب ، الله غفار يغفرها مهما كثرت ، و هناك ذنب كبير جداً ، ويغفر الذنب مهما عظم .
المبالغة تعني الكم ، والنوع ، مهما عظم الذنب يغفره الله فهو غفار ، ومهما كثرت الذنوب يغفرها الله فهو غفار ، الله عز وجل خالق ، لكن "خلاق" فيها معنى الكم يخلق ما يشاء ، وفيها معنى النوع ، الكم في قوله تعالى :
﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ﴾ .
( سورة النساء ) .
يخلق مليارات ، مليارات المليارات ، هذا الكم ، أما النوع :
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ .
( سورة النمل ) .
الإتقان .
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ .
( سورة التغابن ) .
يعني الخلاق المبدع ، كماً ونوعاً .
من لوازم الخلاق كمالُ الخَلقِ والتصرُّفِ :
لكن أيها الأخوة ، معنى الخالق حتى نفهم "الخلاق" معنى الخالق أي أن الله سبحانه وتعالى خلق من لا شيء كل شيء ، على غير مثال سابق ، لكن الله جل في علاه سمح للإنسان أن يعطى هذا الاسم ، الدليل قال الله عز وجل :
﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ .
( سورة المؤمنون ) .
الإنسان أحياناً يصنع طاولة ، يصنع شيئاً من كل شيء ، وعلى مثال سابق ، صنعة الإنسان يصنع شيئاً من كل شيء ، المواد الأولية كلها يأخذها من الأرض ، والفكرة يراها بعينه ، الإنسان إذا صنع شيئاً يصنع شيئاً من كل شيء ، وعلى مثال سابق ، بينما خالق السماوات والأرض يصنع كل شيء من لا شيء ، وعلى غير مثال سابق .
الإنسان حينما يوازن لأن الله سمح لهذا الإنسان الذي يصنع شيئاً من كل شيء ، أن يُسمى مجازاً خالقاً ، وتأتي الآية الكريمة : ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ .
أي الله عز وجل أودع بالإنسان كلية بحجم البيضة ، صغيرة ، تعمل بصمت بلا ضجيج ، بلا تكلفة ، تعمل ليلاً نهاراً ، وأنت نائم ، وأنت تمشي ، وأنت تتحرك ، وأنت مسافر ، وأنت مقيم ، وكل كلية فيها عشرة أضعاف حاجتك ، عشرة احتياطات ، فالكليتان فيهما عشرون احتياطاً ، أما الكلوة الصناعية كحجم الطاولة ، يجب أن تستلقي على السرير ، ثماني ساعات ، وأن تدفع مبالغ طائلة ، وأن تتعطل ثلاث مرات في الأسبوع ، وأن تتألم ، هذه كلية صناعية ، وتلك كلية طبيعية .
آلة التصوير ، فيها بكل ميليمتر عشرة آلاف مستقبل ضوئي ، بينما العين بالميليمتر هناك مئة مليون مستقبل ضوئي ، ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ .
الله تعالى ليعرفنا بذاته العلية سمح لذاته العلية أن توازن مع صنعة خلقه :
الله عز وجل ليعرفنا بذاته العلية سمح لذاته العلية أن توازن مع صنعة خلقه قال :
﴿ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ .
( سورة الأنعام ) .
أحياناً يصنع الإنسان حاسوباً ، يقرأ مئات ملايين الحروف في الثانية ، لدرجة أنك إذا أعطيته الأمر رأيت النتيجة ، الله قال ﴿ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ .
أي لا يوجد زمن بين المقدمة والنتيجة ، إذاً أن يوازي الإنسان صنعة الواحد الديان بين أن ترى وردة طبيعية فواحة الرائحة ، تحس أنها تأخذ بالألباب ، وبين أن ترى وردة صنعت من مادة بترولية تمجها نفسك بعد حين ، بينما ترى امرأة في محل بيع ألبسة مجسد لامرأة ، وبين أن ترى امرأة حقيقية هي ابنتك مثلاً ، مسافة كبيرة جداً بين امرأة مصنوعة من مادة صناعية ، وبين إنسانة تتحرك فيها حياة ، فيها فكر ، فيها مشاعر ، فيها روح ، فيها فهم ، فيها علم ، لذلك ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ .
الإنسان صنع طاولة ، هذه الطاولة جامدة ، تبقى هكذا إلى أبد الآبدين ، لكن ما صنع شيئاً ، صنع ذكر وأنثى ؟ هذه الطاولات تتوالد ؟ هذا شيء معجز ، خلق ذكراً ، وخلق أنثى ، وخلق ميلاً متبادلاً بينهما ، ومن هذا الميل المتبادل ينتج أطفالاً ، هذا شيء عظيم .
الموازنة بين صنعة الله المتقنة و صنعة الإنسان :
نظام الزوجية مطبق في كل شيء ، مطبق في النبات .
﴿ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ .
( سورة الرعد الآية : 10 ) .
تصور لو لم يكن هناك بذور ، الله خلق مليارات الأطنان من القمح ، استهلكوا ، ما الحل ؟ النبات في بذرة ، والبذرة بالقوة شجرة ، لو أكلت حبة تين كلها بذور ، كل بذرة شجرة ، أحياناً يكون بالسمكة في مبيض ، في ملايين البيوض ، وكل بيضة سمكة ، بالتوالد هذا عطاؤنا .
لذلك أيها الأخوة ، الفكر البشري حينما يمشي في طريق الموازنة بين صنعة الديان ، وبين صنعة الإنسان يرى عظمة الله عز وجل ، لأنهم قالوا قديماً :
وبضدها تتميز الأشياء .
فلذلك الله عز وجل خلق كل شيء من لا شيء ، بينما الإنسان خلق شيئاً من كل شيء ، والله عز وجل خلق كل شيء من لا شيء من دون مثال سابق ، أما أي شيء صنعه الإنسان وفق مثال سابق ، الغواصة تقليد للسمكة ، والطائرة تقليد للطائر ، الحديث عن الطيور حديث لا ينتهي ، قد تقطع الطيور رحلة تزيد عن 17 ألف كم ، كيف تهتدي ؟ لا أحد يعلم حتى الآن ، بالتضاريس تهتدي في الليل ، كلما وضعت نظرية لاهتداء الطيور في هذه الرحلة الطويلة العلم يراها عاجزة عن تفسير بعض حالات الطيران .
إذاً الله عز وجل أمرنا أن نوازن بين صنعته المتقنة ، وبين صنعة الإنسان ، لا يوجد إنسان يقدر أن ينزع سن من إنسان إلا بألم ، يقول لك صار هناك مادة مخدرة ، حتى نعطي هذه المادة المخدرة لا بد من وخزة في اللثة ، يتألم ، أما الطفل حينما ينزع الله له أسنان اللبن بلا ألم إطلاقاً ، لأن الله لطيف .
التقنين الإلهي تقنين تأديب لا تقنين عجز :
إذاً : اسم "الخلاق" تعني إتقان الصنعة ، واسم "الخلاق" تعني الخلق اللانهائي ، كل شيء الله عز وجل يخلقه لا حدود لخلقه ، هذا الذي يقال أنه في أزمة مياه ، أزمة غذاء ، هذا الكلام ليس صحيحاً .
﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ .
( سورة الحجر ) .
لذلك التقنين الإلهي لا يمكن أن يكون تقنين عجز ، إنه تقنين تأديب فقط .
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ .
( سورة الجن ) .
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾ .
( سورة الأعراف الآية : 96 ) .
لذلك أي تفسير يتجه نحو أزمات قادمة هو كلام مفتعل ، له هدف خسيس ، الله عز وجل خلاق عليم .
قرأت بحثاً عن سحابة في الفضاء الخارجي يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة في اليوم بالمياه العذبة ، في بلاد أخرى يهطل في الليلة الواحدة ما يساوي أربعمئة مم يعني المعدل السنوي لدمشق على مرتين ، بليلة واحدة ، إذا أعطى أدهش ، الله خلاق الأرزاق بيده ، المياه بيده ، أمطار السماء بيده .
لذلك إذا قنن الله عز وجل فتقنينه تقنين تأديب ، لا تقنين عجز ، والله عز وجل ثبت مليارات القضايا ، ثبت نظام البذور ، ثبت خصائص المعادن ، ثبت مليارات القوانين ، لكنه حركة الرزق والصحة ، حركهما من أجل أن يأخذ بيدنا إليه ، فالإنسان حريص على رزقه ، وحريص على صحته ، فمن خلال الرزق والصحة يمكن أن يأخذ الله بيد عباده إليه هذا نوع من أنواع التربية ، إذاً الله عز وجل "خلاق عليم" .
تسخير كل شيء في الكون للإنسان :
شيء آخر : الإنسان حينما يقول الله له :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 21 ) .
هناك مفهوم الربوبية ، في نظام الربوبية ، مفهوم عطاء ، الله عز وجل خلق الكون ، الكون وما سواه ، خلق الإنسان ، خلق الحيوان ، خلق النبات ، هذا عطاء ، الله عز وجل منحك نعمة الإيجاد ، منحك نعمة الإمداد ، أمدك بالهواء ، أمدك بالماء ، أمدك بالنبات ، أمدك بالحيوان ، أمدك بمقومات حياتك ، هذا معنى الرب خلق وأمدّ ، مفهوم الربوبية مفهوم العطاء ، منحك نعمة الوجود ، منحك مقومات الحياة ، منحك كل شيء ، كل شيء في الكون مسخر لك ، هذا مفهوم الربوبية ، لكنه أرسل إليك رسلاً ، افعل ولا تفعل ، في أمر ، في نهي ، في حلال ، في حرام ، في مكروه ، في سنة ، في فرض ، في واجب ، في محرم ، هذا المفهوم الآخر مفهوم التشريع ، مفهوم الإلوهية .
اختلاف الناس بمفهوم الإلهية و ليس بمفهوم الربوبية :
لذلك البشر لم يختلفوا على مفهوم الربوبية أبداً ، حتى الذين عبدوا الأوثان .
﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ .
( سورة الزمر الآية : 38 ) .
لماذا تعبدون الأصنام ؟
﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ .
( سورة الزمر الآية : 3 ) .
إذاً ليس هناك اختلاف في الأرض على مفهوم الربوبية ، إبليس اللعين آمن بالله رباً ، قال ربي :
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾ .
( سورة ص ) .
إبليس آمن بالله خالقاً ، قال :
﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ .
( سورة الأعراف ) .
آمن به ، آمن بالآخرة ، قال :
﴿ َأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ .
( سورة الأعراف ) .
آمن به مربياً ، وخالقاً ، وعزيزاً ، وآمن باليوم الآخر .
إذاً ليس مفهوم الربوبية محل اختلاف إطلاقاً ، محل الاختلاف مفهوم الإلهية .
انضباط الشهوات وفق منهج الله تعالى ليرقى بها الإنسان صابراً و شاكراً :
الإنسان أودع الله فيه الشهوات ، ليرقى بها تارة صابراً ، وتارة شاكراً إلى رب الأرض والسماوات ، هذه الشهوات لا بد من أن تنضبط ، تنضبط بمنهج الله عز وجل ، الشهوة يمكن أن تتحرك بموجبها 180 درجة ، سمح لك بمئة درجة ، المرأة محببة .
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 14 ) .
لكن سمح لك بالزواج ، يوجد بحياتك محارم ، الأم ، والأخت ، والبنت ، والعمة ، والخالة ، وبنت الابن ، وبنت الأخ ، وبنت الأخت ، وبنت البنت ، هذه محارم سمح لك بحيز لا يمكن أن تتجاوزه ، صار شيء بحياتك اسمه حرام ، الزنا حرام ، والقتل حرام ، أكل أموال الناس بالباطل حرام ، مفهوم الإلوهية ، مفهوم الرسالة ، مفهوم الأمر والنهي هذا محل خلاف .
لذلك تشريعات الأرض تتناقض مع تشريعات السماء ، صار في شرك ، صار في كفر .
الربط بين مفهوم الربوبية ومفهوم الإلوهية لحكمة من الله تعالى :
الآن الله عز وجل لحكمة بالغة ٍ بالغة ربط بين مفهوم الربوبية ، ومفهوم الإلوهية ، قال :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 21 ) .
المرأة قد تقول لابنها : يا بني والدك لا يرضى أن تأتي بعد الساعة التاسعة يغضب أشد الغضب إنه يرزقنا ، إنه يطعمنا ، إنه يكسونا ، إنه يحبنا ، أي أعطته مبرر الطاعة لأنه يعطي .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ من هي الجهة التي ينبغي أن تطيعها ؟ هي الجهة الخالقة ، الخالق وحده ينبغي أن تطيعه ، الخالق وحده ينبغي أن تنصاع لأمره .
فلذلك ورد في بعض الآثار القدسية :
(( إني والجن والإنس في نبأ عظيم : أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري )) .
[ أخرجه الحكيم البيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء ] .
المجتمعات المتفلتة يعبد فيها غير الخالق .
(( أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ))
[ أخرجه الحكيم البيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء ] .
صنعة الله المتقنة :
لذلك : ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ﴾ ، يخلق ما يشاء كماً ، وإذا صنع شيئاً صنعه بإتقان ما بعده إتقان .
البعوضة أحقر مخلوق عند الإنسان ، يوجد برأسها مئة عين ، بفمها 48 سناً ، بصدرها ثلاثة قلوب ، قلب مركزي ، وقلب لكل جناح ، لكل قلب دسامان ، وأذينان ، وبطينان ، هناك جهاز استقبال حراري ، وجهاز تحليل دم ، وجهاز تخدير ، وجهاز تمييع ، بخرطومها ست سكاكين ، و بأرجلها مخالب ، ومحاجم .
﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 26 ) .
لو وازنت بين صنعة الإنسان ، مع أن الإنسان إذا شرد عن الله عز وجل يؤخذ بصنعة الإنسان ، وبين صنعة الواحد الديان .
هذه البقرة معمل ، معمل يقدم لك هذا الحليب ، الذي هو أحد أسباب الغذاء ، هذا الحليب بلا صوت ، بلا ضجيج ، بلا تلوث ، تأكل الحشيش تعطيك الحليب ، تصنع منه مشتقات الألبان ، لو فكر الإنسان في طعامه .
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ .
( سورة عبس ) .
كيف القمح هو المحصول الأول في حياة الإنسان ، ساق السنبلة هي الغذاء الأول للحيوان ، كيف أن القمح غذاء كامل للإنسان ، ساق السنبلة غذاء كامل للحيوان .
﴿ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ .
( سورة النازعات ) .
منهج الله منهج واسع جداً علينا التقيد به :
أخوانا الكرام ، إذا الإنسان تفكر في آيات الله الدالة على عظمته عرفه ، وإذا عرفه أحبه ، ومن أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه ، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه .
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لـو كان حبك صادقاً لأطعته إن الـمحب لمن يحب مطيع
***
يمكن أن نستنبط أن الجهة الوحيدة التي يمكن أن تطاع هي الجهة الخالقة ، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ يعني مفهوم الربوبية مفهوم عطاء ، خلق ، إكرام ، منح ، مفهوم الإلوهية مفهوم انضباط ، في أمر ، في نهي ، في حلال ، في حرام ، في واجب ، في سنة ، في سنة مؤكدة ، في كراهة ، في تحريم شديد ، في أحكام لا تعد ولا تحصى .
لذلك منهج الله منهج واسع جداً ، يجب أن تتقيد به لعل الله سبحانه وتعالى يسلمنا جميعاً ، ويسعدنا جميعاً .
والحمد لله رب العالمين
اسم الله : الخلاق(2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الخلاّق ) :
1 – معنى ( الخلاّق ) :
أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا في اسم الله ( الخلاّق ) ، و( الخلاّق ) كما قلت صيغة مبالغة من الخالق ، والخالق ، هو الذي خلق كل شيء من لا شيء على غير مثال سابق .
2 – الفرق بين خلق الله ونسبة الخلق إلى الإنسان :
أما إذا نسبنا مجازاً إلى الإنسان الخلق فهو الذي يصنع شيئاً من كل شيء ، وعلى مثال سابق ، لذلك فرق كبير بين صنعة الإنسان وبين صنعة الواحد الديان .
على كلٍّ ، ( الخلاّق ) هو المبدع كَمًّا وكيفاً ، وقد قال الله عز وجل :
﴿ الَّذِي أَحْسَن كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
( سورة السجدة الآية : 7 )
التفكَّر عبادة من العبادات :
وبالمناسبة ، هناك عبادة هي أرقى عبادة على الإطلاق ، إنها عبادة التفكر ، الأصل فيها قوله تعالى :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران )
الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان قوة إدراكية ، ونصب له كوناً ينطق بكل تفاصيله بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، وقد قال الله عز وجل :
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
( سورة السجدة الآية : 7 )
والله عز وجل جعل التفكر بآياته الكونية والتكوينية والقرآنية سبيلاً إلى معرفته ، قال تعالى :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة الجاثية )
أي ليس هناك من طريق للإيمان لعظمة الله إلا التفكر في آياته .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ ﴾
( سورة النحل الآية : 104 )
الكون صورة للقدرة للإعجاز والقدرة الربانية :
فلذلك يمكن أن نقف وقفة متأنية عند خلق السماوات والأرض ، هذا الكون هو ما سوى الله ، وعُبر عنه في القرآن الكريم بمصطلح السماوات والأرض ، السماوات والأرض مصطلح قرآني ، يعني الكون ، والكون ما سوى الله .
الكون متحرّك :
الكون متحرك ، وبناء على قانون الجاذبية لولا أنه متحرك لاجتمع الكون كله في كتلة واحدة ، المليار مليار مجرة ، وكل مجرة فيها مليار مليار نجم ، لولا أن الكون متحرك ، لولا أن كل كوكب يتحرك ويدور حول كوكب آخر لاجتمع الكون كله في كتلة واحدة .
أما بحركة الكوكب فتنشأ عنها قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة ، فالمحصلة حركة مع سكون ، أو سكون حركي ، وهذا شيء دقيق جداً ، أنه شيء متحرك ويبدو ساكنًا .
الأرض متحركة ، في الثانية تقطع ثلاثين كيلومترا في الثانية ، في عشر ثوانٍ 300 كم ، في عشرين ثانية 600 كم ، في ستين ثانية ساعة ، ففي الساعة نقطع مئات ألوف الكيلو مترات ، هذا شيء من مسلَّمات العلم الفلكي :
﴿ الَّذِي أَحْسَن كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
لما يعوِّد الإنسان نفسه بأن يجول في آيات الله الدالة على عظمته يزداد معرفة بالله ، لأن الله سبحانه وتعالى :
﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ﴾
( سورة الأنعام الآية : 103 )
سرعة الضوء :
ولكن العقول تصل إليه ، فإذا كان بُعْد أقرب نجم ملتهب عنا أربع سنوات ضوئية ، وأي طالب في الإعدادي يحسب ، الضوء سرعته 300 ألف كم في الثانية ، ضرب ستين بالدقيقة ، ضرب ستين بالساعة ، ضرب 24 باليوم ، ضرب 365 بالسنة ، ضرب أربعة ، في ثوان يُحسب هذا الرقم ، لو أن طريقًا معبدًا لهذا الكوكب ، ومعنا مركبة أرضية ، سرعتنا 100 ، قسم هذه المسافة على 100 ، الناتج كم ساعة ، قسم على 24 كم يوم ، قسم على 365 كم سنة ، من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب نحتاج إلى 50 مليون عام ، من أجل أن تعرف ماذا تعني أربع سنوات ضوئية ، أربع سنوات ضوئية تعني قيادة مركبة إلى هذا الكوكب خمسين مليون عام ، الإنسان كل عمره مئة عام إذا عاش هذا السن .
هناك شيء في الكون مذهل ، أربع سنوات خمسين مليون عام ، أربعة آلاف سنة بُعد نجم القطب عنا ، من أربع سنوات لأربعة آلاف سنة ، مليونا سنة ضوئية ، المرأة المسلسلة عشرين مليار سنة ، بُعد أحد الكواكب ، لذلك :
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ﴾
( سورة فاطر الآية : 28 )
وكلمة ( إنما ) تعني أن العلماء وحدهم ولا أحد سواهم ، لذلك :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ﴾
إذا كانت الشمس تكبر الأرض بمليون و300 ألف مرة ، وجوف الشمس يتسع لمليون و300 ألف أرض ، وبين الأرض والشمس 156 مليون كم ، وأن نجماً صغيراً أحمر اللون في برج العقرب اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما .
﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة غافر )
هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟
إذاً : لولا أن كل كوكب يتحرك ، وينشأ عن هذه الحركة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة لاجتمع الكون كله في كتلة واحدة :
﴿ الَّذِي أَحْسَن كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
تفاوت درجة انصهار العناصر في الكون :
تصور أن كل عناصر الكون يحكمها قانون الانصهار ، كلما ارتفعت الحرارة ازدادت سرعة الذرات ، فأخذ الجسم أو العنصر شكلاً ، من الحالة الصلبة إلى الحالة اللزجة ، إلى الحالة المائعة ، إلى الحالة الغازية ، أيّ شيء إذا رفعت حرارته انتقل من حالة الصلابة إلى الميوعة ، إلى الغازية ، حتى صخور البازلت ترونها تمشي في البراكين كالأنهار ، ولو ـ نظرياً ـ رفعنا الحرارة أكثر لأصبح صخر البازلت بخاراً ، هذا قانون .
الآن دقق : لو أن كل عناصر الكون لها درجة انصهار واحدة ، ما الذي يحصل ؟ الكون كله إما أنه صلب ، أو مائع ، أو غاز ، أما أنت ترى طاولة صلبة ، ومقعد وثير لين ، وماء تشربه ، وهواء تستنشقه ، من الذي قنن أن كل عنصر في الأرض له درجة انصهار ، لولا هذا التفاوت في درجات الانصهار لكان الكون كله في حالة واحدة ، أنت عندك بيت من الإسمنت ، صلب ، فيه حديد ، فيه مقاعد وثيرة ، فيه ماء تشربه ، فيه هواء تستنشقه ، فيه غازات ، فيه سوائل ، فيه معادن .
إذاً : لو فكرنا في أن درجة انصهار العناصر متفاوتة لعرفنا قيمة هذه النعمة .
تناسق الأرض وتناسبها لحجم الإنسان :
أيها الإخوة ، أنت وزنك بالأرض 60 كغ ، على القمر عشرة كغ ، على كوكب بحجم الشمس ضرب مليون ضعف ، 60 مليون كغ ، من صمم الأرض بحجم يتناسب معنا ؟ هذا من نعم الله الكبرى ، أنك موجود على كوكب وزنك 60 كغ ، لكن على كوكب آخر قد يكون الوزن 60 مليون كغ ، صارت الحركة أشغالا شاقة إذاً : من جعل هذه الأرض متناسبةً مع حاجاتك .
دوران الأرض على محور متعامدٍٍ لمستوى دورانها :
شيء آخر ، الأرض تدور ، دقق في هذا الكلام ، لو أن الأرض تدور على محور موازٍ لمستوى دورانها ، أي الشمس تدور هكذا لانتهت الحياة ، تدور هكذا ، وجه فيه أشعة شمس بشكل دائم ، هذا الوجه حرارته 350 درجة ، تنتهي الحياة ، والقسم الثاني حرارته 270 تحت الصفر ، هذا لو أن الأرض تدور على محور موازٍ لمستوى دورانها ، من الذي صمم أنها تدور على محور مبدئياً متعامد مع مستوى دورانها ، لما دارت الأرض على محور متعامد مع مستوى دورانها كان الليل والنهار .
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ﴾
( سورة فصلت الآية : 37 )
لو أن سرعة الأرض عالية جداً في دورانها ، الليل ساعة ، والنهار ساعة لاضطربت الحياة ، لو أنها بطيئة ، الليل شهر ، والنهار شهر ، وأنت طاقتك 8 ساعات عمل ، يجب في النهار أن تعمل وترتاح ، وتعمل وترتاح ، الحياة اضطربت ، هذا نائم ، هذا مستيقظ ، الأرض كلها يلفها الظلام في 12 ساعة ، وكلها يلفها النور والضياء في 12 ساعة .
لذلك دوران الأرض على محور ليس موازياً لمستوى دورانها ينشأ منه الليل والنهار ، لو أن الأرض تدور حول الشمس على محور عمودي على مستوى دورانها صار هنا الصيف إلى أبد الآبدين ، وهنا الشتاء إلى أبد الآبدين ، ليس هناك في فصول ، لأنها تدور حول محور مائل على مستوى دورانها ، تدور هكذا ، هنا الصيف ، فلما انتقلت إلى هنا صار الشتاء ، هنا الشتاء وهنا الصيف ، إذا جاءت أشعة الشمس عمودية على سطح الأرض كان الصيف ، فإذا جاءت مائلة كان الشتاء ، لما يقول الله لك :
﴿ وَمِنْ آيَاتِه اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾
( سورة فصلت الآية : 37 )
وقدر أقواتها في أربعة أيام ، يعني الصيف ، والشتاء ، والربيع ، والخريف ، هذا النظام نظام غذائي أيضاً .
لذلك أيها الإخوة :
﴿ وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾
( سورة يوسف )
يجب أن تتفكر ، والله عز وجل يقول لك :
﴿ وَمِنْ آيَاتِه اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾
دوران الأرض حول الشمس :
الآن الأرض تدور حول الشمس بمسار إهليلجي ، والمسار الإهليلجي فيه قطر أطول ، وقطر أصغر ، الآن الأرض في اتجاه إلى القطر الأصغر ، المسافة في القطر الأصغر قلّت ، الجاذبية ازدادت ، فهناك احتمال أن تنجذب الأرض إلى الشمس ، وإذا انجذبت إلى الشمس تبخرت في ثانية واحدة ، لأن جوف الشمس الحرارة فيه عشرون مليون درجة ، ما الذي يمنع أن تنجذب الأرض إلى الشمس وتنتهي الحياة ؟ الذي يمنع هذا أن الله جل جلاله يرفع سرعتها ، فإذا ارتفعت سرعتها نشأ عن هذه السرعة الزائدة قوة نابذة زائدة تكافئ القوة الجاذبة الزائدة ، وتبقى على مسارها .
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ﴾
( سورة فاطر الآية : 41 )
من آيات الله الدالة على عظمته أن تبقى الأرض على محور دورانها ، وعلى خط سيرها حول الشمس ، الآن تجاوزت هذه المنطقة التي فيها القطر أصغر ، ورفعت سرعتها فنشأ من هذه السرعة الزائدة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فبقيت على مسارها ، فلما وصلت إلى القطر الأطول الجاذبية ضعفت ، والسرعة عالية ، هناك احتمال كبير أن تتفلت الأرض من جاذبية الشمس ، فإن تفلتت انتهت الحياة ، لأنها تصبح قبراً جليدياً .
إذا ابتعدت الأرض عن مصدر الطاقة والحرارة تصبح قبراً جليدياً ، 270 تحت الصفر ، وتنتهي الحياة ، من الذي يخفض سرعتها هنا من أجل أن ينشأ عن تخفيض السرعة قوة نابذة أقلّ تكفئ القوة الجاذبة الأقل ؟ الله جل جلاله ، لذلك :
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾
( سورة الزمر الآية : 67 )
الشمس طاقة وضياء :
من قال : هناك كواكب منطفئة في الأرض ، وهناك كواكب ملتهبة ، لولا أن هناك كواكب ملتهبة ، وكواكب منطفئة لما كانت الحياة ، الشمس مصدر الطاقة ، والشمس متألقة من خمسة آلاف مليون عام ، والعلماء يقدرون أن عمر الشمس يستمر إلى خمسة آلاف مليون عام أخرى ، هذه الطاقة من أودعها فيها ؟
﴿ وَمِنْ آيَاتِه اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾
الهواء :
أيها الإخوة ، من الذي خلق الهواء ؟ الهواء طبقة فوق الأرض ، سمك هذه الطبقة 65 ألف كم ، من الذي قنن هذا الهواء أن يتحرك مع الأرض ؟ لو أن حركة الهواء منفصلة عن حركة الأرض ما الذي يحصل ؟ ينشأ تيارات أعاصير على سطح الأرض سرعتها 1600 كم .
مرة في دمشق هبت رياح عاصفة هُدمت أبنية ، وانهارت جدران ، وانهارت أسوار ، السرعة كانت 125 كم ، فإذا كانت السرعة 1600 كم لا يبقَى على وجه الأرض شيء ، لو أن الهواء ثابت والأرض تدور ، من الذي قدر أن الهواء يدور مع الأرض ، لذلك :
﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ﴾
( سورة الروم الآية : 42 )
ما قال : على الأرض ، لأن الهواء مع الأرض ، أنت تمشي في الأرض لا على الأرض ، لأن الهواء عُدّ مع الأرض ، لذلك لولا أن الهواء ثابت مع الأرض لهُدم كل شيء على سطح الأرض ، وبعض الأعاصير بأمريكا تقترب سرعتها من 500 كم لا يبقَى شيء على وجه الأرض ، تُدمر مدنًا بأكملها .
فلذلك أيها الإخوة ، الهواء أولاً وسيط ، ولولا الهواء لما سمعت كلامي ، رواد الفضاء على سطح القمر يتكلمون باللاسلكي بينهم ، يكون واقفًا إلى جانب الرائد لا يسمعونه ، هناك وسيط ، الهواء وسيط ينقل لك الصوت ، ينقل لك الحرارة ، فالهواء وسيط ، هو ينقل لك الدفء ، والحرارة ، والصوت .
الماء :
من الذي خلق الماء ، لا لون له ، ولا طعم له ، ولا رائحة ، وسيط أيضاً .
﴿ مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾
( سورة الأنبياء الآية : 30 )
لو أن الفكر انطلق في التفكر في خلق السماوات والأرض لعرف الله ، هذا الإله العظيم ينبغي أن يُطب وده ، وهذا الإله العظيم ينبغي أن يطاع فلا يعصى .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 102 )
قال علماء التفسير : معنى :
﴿ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
أي : أن تطيعه فلا تعصيه ، وأن تشكره فلا تكفره ، وأن تذكره فلا تنساه .
المشيمة :
أيها الإخوة ، حينما يولد الطفل ينزل من رحم الأم مع قرص لحمي اسمه المشيمة ، وهذه المشيمة قرص لحمي يجتمع فيها دم الوليد مع دم أمه ، في أثناء الحمل يجتمع دم الأم مع دم الجنين في المشيمة ، ولا يختلطان ، ولكل دم زمرته ، كيف ؟ لأن بين الزمرتين غشاء سماه علماء الطب الغشاء العاقل ، لأنه يقوم بأعمال يعجز عنها العقلاء ، ما هذه الأعمال ؟
أولاً : هذا الغشاء العاقل بين دم الأم ودم الجنين ، ولا يختلطان ، ولو أن إنساناً أعطي دماً من زمرة غير زمرته لمات فوراً بما يسمى انحلال الدم ، الغشاء العاقل يأخذ الأوكسجين من دم الأم ، ويطرحه في دم الجنين ، ثم يأخذ السكر من دم الأم ، ويطرحه في دم الجنين ، لما أخذ الأوكسجين قام بدور جهاز التنفس ، ولما أخذ السكر قام بدور جهاز الهضم ، ثم يأخذ الأنسولين من دم الأم ، ويطرحه في دم الجنين ، صار بدم الجنين سكر و أوكسجين وأنسولين ، احترق السكر ، ولد طاقة ، والجنين حرارته 37 ، من أين جاءت هذه الحرارة ؟ من احتراق السكر بالأوكسجين عن طريق الأنسولين الذي أمنه الغشاء العاقل من دم الأم إلى دم الجنين ، وينشأ عن هذا الاحتراق ثاني أوكسيد الكربون ، يأتي الغشاء العاقل فيأخذ ثاني أوكسيد الكربون من دم الجنين ويطرحه في دم الأم ، لذلك جزء من نفس الأم هو نفس جنينها ، أنفاس الأم في أثناء التنفس جزء منه أنفاس دم الجنين ، الآن الغشاء العقل يأخذ من دم الأم عوامل المناعة ، فجميع الأمراض التي أصيبت بها الأم تنتقل عوامل مناعتها إلى دم الجنين ، فالجنين محصن من كل الأمراض التي أصيبت بها أمه ، يدُ من ؟ يد الله عز وجل .
الآن الغشاء العاقل يأخذ من دم الأم كل حاجات الجنين الغذائية ، البروتينات والشحوم ، والشحوم الثلاثية ، والسكريات ، والنشويات ، والمعادن ، وأشباه المعادن والفيتامينات ، يأخذ كل عناصر الغذاء من دم الأم بنسب تتبدل كل ساعة ، لو أوكِل أمر الغشاء العاقل إلى نخبة من أطباء الأرض لمات الجنين في ساعة واحدة ، يأخذ هذا الغشاء العاقل من دم الأم كل عوامل التغذية ، ومكونات الغذاء بمعايير دقيقة جداً فيطرحها في دم الأم ، يأخذها من دم الأم ، ويطرحها بدم الجنين ، يكون الهضم وما يسمى بالاستقبلاب ، ينتج عن هذا الهضم حمض البول ، يأتي الغشاء العاقل فيأخذ حمض البول من دم الجنين ، ويضعه في دم الأم ، فجزء من بول الأم هو بول جنينها .
وقد يحتاج الجنين إلى مادة غذائية معينة ، فيكيف يخبر أمه ؟ لا طريق للتواصل بينهما ، عن طريق أن الأم تشتهي طعاماً في أثناء الحمل فيه هذه المادة ، تصميم من ؟ خلق من ؟
لذلك أيها الإخوة :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
التفكر في خلق السماوات والأرض يضعك أمام عظمة الله ، وأنت إذا عرفت الله عز وجل فلا بد من أن تطيعه ، وسبحان الله عز وجل ! قال بعض الشعراء :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لـو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لـمن يحب يطيع
***
والحمد لله رب العالمين
اسم الله : القدير (1)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( القدير ) :
أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم هو ( القدير ) ، ونحن حينما ونقرأ الآية الكريمة :
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية : 180 )
1 – الإنسان ضعيف عاجز :
إذاً : أسماء الله كلها حسنى ، وصفاته كلها فضلى ، والإنسان في أصل فطرته ، مفطور على حب القدير ، هناك ضَعف في أصل خلق الإنسان ، هذا الضعف لصالحه ، هذا الضعف الذي في أصل خلق الإنسان أحد أسباب تدينه ، حتى الذين يؤمنون بديانات أرضيه ليس عندها أصل عند الله سبحانه وتعالى هم يلبون حاجه في نفوسهم أتت من ضعفهم ، فالضعيف يحتاج إلى قوي .
﴿ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾
( سورة النساء ) .
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾ .
( سورة المعارج ) .
فالإنسان دون أن يشعر يتجه إلى قوي يلوذ به ، إلى قوي يحميه ، إلى قوي يدافع عنه ، إلى قوي يلجأ إليه .
فالإنسان حينما يتجه إلى الله الحقيقي خالق السموات والأرض ، يكمل ضعفه الذي أراده الله باعثاً إلى معرفة الله وطاعته ، وقطف ثمار عبوديته لله عز وجل .
فالإنسان ضعيف ، وهذا الاسم :
﴿ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
( سورة فاطر )
2 – الإنسان مفطور إلى الاتجاه إلى قوي :
بالمناسبة أيها الأخوة ، طبيعة النفس تقتضي أنها لا تتجه إلا لما توقن أنه يعلم ، ويسمع ، ويرى .
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
( سورة غافر )
الله عز وجل إن تكلمت فهو يسمع ، وإن تحركت فهو يرى ، وإن أضمرت فهو يعلم ، يسمعك إذا دعوته ، ويراك إذا توجهت إليه ، ويعلم سرك وجهرك ، وفضلا ًعن ذلك الإنسان لا يتجه إلى جهة إلا إذا أيقن أنها تسمعه ، وأنها قادرة على أن تلبيه .
الإنسان بحاجه إلى مبلغ فلا يذهب إلى إنسان فقير ، لأن هذا مضيعة للوقت ، يذهب إلى من يتوهم عنده المبلغ .
إذاً : أنت تدعو من ؟ تدعو من يسمعك ، وتدعو من هو قادر على حل مشكلتك ، وتدعو من يحبك ، القوي الذي يعاديك لا تتجه إليه ، تتجه إلى قوي يريد أن يرحمك ، فلمجرد أن تدعو الله عز وجل ـ دقق ـ لمجرد أن تدعو الله عز وجل فأنت مؤمن بوجوده ، ومؤمن بسمعه وبصره وعلمه ، ومؤمن بقدرته ومؤمن برحمته .
لذلك قال تعالى :
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾
( سورة الفرقان الآية : 77 )
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ : وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، قَالَ :
(( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ )) .
[ الترمذي ]
في رواية أخرى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ )) .
[ الترمذي ]
الدعاء هو العبادة ، فلمجرد أن تدعو الله من أعماق قلبك ، وأنت موقن بأنه يعلم ، ويسمع ، ويرى ، وهو قادر على أن يلبّيك ، وهو يحب أن يلبيك ، يحبك ويرحمك ، فأنت مؤمن .
لذلك بعض الأسماء أحياناً أقرب إلى الإنسان من بعض الأسماء الأخرى ، أنت إنسان ضعيف مفتقر :
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعً ﴾
شديد الجذع ، حريص على ما في يديه :
﴿ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾
ضعفك وهلعك ، وشدة خوفك ، وحرصك على ما في يديك ، هذه الصفات التي هي صفات ضعف في أصل خلقك هي لصالحك .
3 – كل شيء بيد الله القويّ :
مِن هنا يأتي اسم ( القدير ) ، إنك تعتز بقوي .
اجعل لربك كل عـز ك يستقر ويثبــت
فإذا اعتززت بمن يمو ت فإن عزك مـيت
***
أنت كمؤمن حينما تعتز بالله فأنت أقوى الأقوياء .
ورد في بعض الآثار : " إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، وإذا أدرت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله أوثق منك بما في يديك ، إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاَتق الله .
إخوتنا الكرام ، لا يجتمع مرض نفسي مع الإيمان ، لأن الله موجود ، كل شيء بيده .
تصور شابا سيق إلى الخدمة الإلزامية ، ووالده قائد الجيش ، وفي الجيش عريف ، ومساعد ، وملازم ، وملازم أول ، ورائد ، ومقدم ، وعقيد ، وعميد ، كلها هذه الرتب مهما علت فهي تحت قبضة أبيه ، فإذا هدده عريف وبكى فهو غبي جداً .
4 – الإيمان بأن الله قويٌّ يبعث على الطمأنينة والثبات والنصر :
حينما يؤمن الإنسان بالله فأيّ قوي هو في قبضة الله ، كل ما حولك بيد الله ، كل مَن حولك بيد الله ، كل مَن فوقك بيد الله ، كل مَن تحتك بيد الله ، لا يمكن أن يقبل خوف وفزع ، وهلع وانهيار مع الإيمان بالله ، بل إن الإيمان بالله أصل في الصحة النفسية ، التماسك والقوة والمعنويات المرتفعة ، ومواجهة الأخطار بثبات ، ورباط جأش يحتاج إلى إيمان .
القصص التي يرويها القرآن هي لمن ؟ هي لنا :
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
( سورة الشعراء )
بل بالمنظور الأرضي احتمالات النجاة صفر ، فرعون بجبروته ، بقوته ، بأسلحته ، بحقده ، بطغيانه ، وراء فئة وشرذمة قليلة جداً مستضعفه خائفة ، وصلت إلى البحر ، وهو مِن ورائهم .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾
( سورة الشعراء )
الله عز وجل يريدك أن تثق به ، يريدك أن تكون مطمئناً لقدرته ورعايته .
فلذلك من صفات المؤمن أنه واثق من نصر الله عز وجل ، النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذهب إلى الطائف وكذبه أهلها ، واستخفوا به ، واستهزؤوا به ، وأغروا صبيانهم ، أي نالوه بالأذى ، وسال الدم من قدمه ، الآن قفل راجعاً إلى مكة ، يقول له زيد : يا رسول الله ، كيف ترجع إلى مكة وقد أخرجتك ؟ أنا أتصور إذا كان هناك خط بياني الدعوة قد وصل الخط إلى النهاية الصغرى ، مكة أخرجته ، وكذبته ، وكفرت بدعوته ، واستهزأت به ، فلما لجأ إلى أهل الطائف فعلوا به أشنع مما فعل أهل مكة ، ليس له أحد ، فقال كلمة لا تنسى ، قال : يا زيد إن الله ناصر نبيه ، هذه ثقة الإنسان بالله مبعثها معرفته .
ولما انتقل من مكة إلى المدينة مهاجراً ، ووضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، مكافأة على من يقتله ، أو من يقبض عليه ، وهذا رقم فلكي في مقاييس ذلك العصر ، تبعه سراقه ليلقي القبض عليه ، أو ليقتله ، ويأخذ المئة ناقة ، فقال له النبي الكريم بكل بساطه : يا سراقة ، كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ ماذا يقول ؟! أنت ملاحق مهدور دمك ، تقول : كيف بك يا سراقه إذا لبست سواري كسرى ؟ أي أنك سوف تصل إلى المدينة سالماً ، وسوف تؤسس دولة ، وسوف تنشئ جيشاً ، وسوف تحارب أقوى دولة في العالم ، وسوف تنتصر عليها ، وسوف تأتيك غنائم كسرى إلى المدينة ، ولك يا سراقه سوار كسرى .
أيها الإخوة ، الآن العالم الإسلامي خطه البياني في النهاية الصغري ، في الحضيض ، اصطلح العالم كله على محاربته ، وأي عمل عنيف على سطح الأرض ينسب إلى المسلمين ، والعالم شرقاً وغرباً يحارب المسلمين ، والإعلام بكل قوته يحارب المسلمين ، والمؤمن الصادق لا تضعف معنوياته أبداً ، إن الله ناصر هذا الدين ، إن الله لا يتخلى عن المؤمنين ، وأخطر شيء في حيات الأمة أن يهزم الإنسان من الداخل :
﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
أوهام لا أساس لها من الصحة تتناقض مع الإيمان بالله :
إخوتنا الكرام ، إذا توهم الإنسان توهماً أن الله لا يعلم ما يجري فهذا يناقض إيمانه بالله ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا ﴾
( سورة الأنعام الآية : 59 )
وإذا توهم أن الله لا يقدر أن يدمر أعداءه هو واهم ، وهذا يناقض إيمانه بالله عز وجل :
﴿ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
وإذا توهم أن الله لا يعنيه ما يجري في الأرض فهو واهم ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿ فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
( سورة الزخرف الآية : 84 )
وإذا توهم أن أعداء المسلمين يفعلون شيئاً ما أراده الله فهو واهم ، لقول الله عز وجل :
﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ ﴾ .
( سورة الأنفال ) .
يجب أن تؤمن أن الله يعلم ، وهو قادر ، ويعنيه ما يجري في الأرض ، وهؤلاء أعداؤه لا يستطيعون أن يتحركوا إلا بإذنه ، ولن يتفلتوا من قبضته .
إذاً : هناك حكمة بالغة فيما يجري ، ولصالح المسلمين ، ولكن هذه نعمة باطنة ، وليست نعمة ظاهرة ، قال تعالى :
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾
( سورة لقمان الآية : 20 )
إذاً : كلمة ( القدير ) تملأ النفس طمأنينة ، تملأ النفس ثقة بنصر الله عز وجل .
5 – ورودُ اسم ( القدير ) في الكتاب والسنة :
هذا الاسم أيها الإخوة ورد في القراَن وفي السنة معاً ، في القرآن ورد في قوله تعالى في سورة الروم :
﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾
( سورة الروم )
ورد أيضاً في ثلاثين موضعا في القرآن الكريم ، كقوله تعالى :
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ .
( سورة آل عمران )
في ثلاثين آية في القراَن ورد فيها :
﴿ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
وآية واحدة ورد فيها :
﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾
وفي الحديث الشريف في قوله عليه الصلاة والسلام :
(( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؛ اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) .
[ رواه البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه ]
وهذا هو التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد :
(( اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ )) .
كن مع الله ترَ الله مـعك و اترك لكل وحاذر طمعك
و إذا أعطاك من يمنـعه ثم من يعطي إذا ما منعـك
***
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ﴾
( سورة فاطر الآية : 2 )
إذا كان الله معك فمن عليك ؟! وإذا كان عليك فمن معك ؟! ويا رب ، ماذا فقَد من وجدك ؟ وماذا وجد مَن فقدك ؟
شيء آخر ، في ثلاثين موضعا في القراَن الكريم ورد اسم ( القدير ) ، من هذه المواضع مثلاً :
﴿ عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾
( سورة الممتحنة )
إذاً : هذا الاسم ( القدير ) ورد في القراَن والسنة .
6 – اشتقاق اسم ( القدير ) في اللغة العربية :
من أي فعل اشتُق ؟ إما من التقدير ، وإما من القدرة ، فالإنسان أحيانا يكون عالما ، إذاً : عنده تقدير دقيق ، و أحيانا يكون قويا عنده قدرة ، وأحياناً تلتقي مع إنسان بأعلى درجات العلم ، لكنه لا يملك أن ينفذ ما يطمح إليه ، وقد تجد إنسانا آخر في أعلى درجات القوة ، ولكن لا يعلم ماذا يفعل ، فهو إمّا قوي لا يعلم ، وإما عالم لا يقدر .
تماماً كما ذكرت من قبل : أحياناً الإنسان يقدر إنساناً ولا يحبه ، وقد يحب إنساناً ولا يقدره ، يكون الأب ، وتكون الأم أحياناً بأعلى درجات الحب ، لكن لم يتح لها أن تكون مثقفة ثقافة عالية ، لها ابن يحمل أعلى شهادة ، يحب أمه حباً لا حدود له ، لكن في ميزان العلم لا وزن لها ، وقد يلتقي مع إنسان عالم كبير لكنه لئيم ، فيقدّر علمه ، ولا يحبه ، لكن الذات الإلهية بقدر ما تعظمها بقدر ما تحبها .
﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾
( سورة الرحمن )
بالجلال تعظمه ، وبالإكرام تحبه ، هذه أسماء الله الحسنى .
الله عز وجل قدير ، من التقدير ، يعني أنه ذو علم دقيق جداً ، وقدير من القدرة ، فبقدر ما تطمئن إلى علمه تطمئن إلى قدرته ، وبالعكس ، وبقدر ما تطمئن إلى قدرته تطمئن إلى علمه .
فإذاً : اسم ( القدير ) مأخوذ من التقدير ، أو من القدرة .
للتقريب : طبيب يتفقد مرضاه ، وقف عند مريض ، قرأ اللائحة الطبية ، رأى الضغط مرتفعا ، وهو طبيب ، أعطى أمراً ، وأمره نافذ ، أن يوقفوا الملح في الطعام ، الأمر سلطة ، وقراءة التقرير علم ، أن الضغط مرتفع ، والضغط المرتفع خطر ، فأعطى أمراً بمنعه من تناول الملح في وجباته الرئيسية .
7 – اسم ( القدير ) يدور مع الإنسان في جميع حياته :
الله عز وجل له قضاء وقدر ، القضاء علم ، والقدر تقدير ، وهذا الاسم يدور مع الإنسان في كل شؤون حياته ، الله عز وجل علم من هذا الإنسان كبراً ، فهيأ له معالجة حكيمة ، وضعه بموقف وقد أُهين به ، حينما يهان يتألم أشد الألم ، ثم يلقي في روعه أن هذه الإهانة بسبب الكبر الذي يظهر منك ، فصار الله عز وجل قديرا يعلم بدقة ، وقدير يملك القدرة كي يعيده إلى الصواب .
الله عز وجل قدير ، وقدير صيغة مبالغة لقادر ، قادر قدير ، غافر غفور غفار ، وصيغ المبالغة كثيرة جداً ، فاعول فاروق ، فعِل حذر ، لو عدتم إلى كتب اللغة لرأيتم صيغ المبالغة صيغاً عديدة ، منها فعِل ، فلان حذر ، فلان فاروق ، يفرق بين المتناقضات .
لذلك قادر اسم فاعل ، وقدير صيغة مبالغه لاسم الفاعل ، مقتدر من اقتدر ، والفعل خماسي فيه حروف زائدة ، والزيادة في المبنى دليل على الزيادة في المعنى .
أيها الإخوة ، الله عز وجل مع عباده يعلم أحوالهم ويعالجهم ، وكما يقول العوام : العين بصيرة واليد قصيرة ، هذا شأن الإنسان ، وقد يكون الإنسان قديرا ، لكنه جاهل ، قدير جاهل ، متعلم ضعيف ، لكن الله قدير ، قدير بعلمه ، قدير بقوته .
إذا لُذت به فأنت في مأمن ، وأنت في راحة ، وأنت في طمأنينة ، والله عز وجل قال :
﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
( سورة الرعد الآية : 28 )
وبالمناسبة من باب التعليق اللغوي : لو أن الله قال : تطمئن القلوب بذكر الله ، ما المعنى ؟ أي أنها تطمئن بذكر الله وبغير ذكر الله ، إما حين يقول :
﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
فيعني : لا تطمئن إلا بذكر الله ، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطمئن إلا إذا كنت مع الله ، لأن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال والقوة لكل الناس ، لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه من المؤمنين ، والأمن نعمة يختص بها المؤمن :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾
( سورة الأنعام )
إذاً : أيها الإخوة ، ( القدير ) ، من القدرة ، و( القدير ) من العلم من التقدير ، قدير من التقدير ، قدير بالقدرة ، هو يعلم ، وقادر على أن يعطيك سؤلك .
لذلك عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ )) .
[ الترمذي ]
خاتمة :
وهذا الاسم العظيم من أقرب الأسماء إلى الإنسان ، فأنت ضعيف وهو قدير ، أنت فقير وهو غني ، أنت لا تعلم وهو يعلم ، يا رب أنا لا أعلم ، لكنك تعلم ، أنا ضعيف ، لكنك قوي ، أنا فقير ، ولكنك غني ، والإنسان المؤمن يقوى بمن يعبده ، فأنت ضعيف ، لكنك مع القوي .
أيها الإخوة الكرام ، معية الله لها نوعان : معية عامة ، فهو معكم أينما كنتم ، ومعية خاصة معية المؤمنين ، فهو معكم بعلمه ، لكنه الله مع المؤمنين ، معهم ناصراً وحافظاً ، ومؤيداً وموفقاً ، إذا قال الله عز وجل :
﴿ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنفال )
أي معهم بحفظه وتأييده ، ونصره وتوفيقه .
والحمد لله رب العالمين
اسم الله : القدير (2)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( القدير ) :
أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا مع اسم ( القدير ) .
1 ـ الإنسان ضعيف :
الله جل جلاله قدير ، والإنسان ضعيف ، وشأن الإنسان أن يكون مفتقرا إلى الله ، وشأن الله أن يقوي الإنسان الذي افتقر إليه ، وهذا من خصائص الإنسان ، الله سبحانه وتعالى جعل في أصل خلق الإنسان ضعفاً لصالحه ، لأن الإنسان لو خلق قويا لاستغنى بقوته ، فشقي باستغنائه ، خُلق ضعيفا ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ، شأن الإنسان أن يكون ضعيفاً ، لكنه يقوى بالله عز وجل .
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾
( سورة المعارج )
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾
والهلوع شديد الجزع ، فشأن الإنسان أنه جزوع هلوع ومنوع ، وشأن الإنسان أنه ضعيف ، لكن الإنسان إذا افتقر إلى الله يقوى ، إذا افتقر إلى الله يصبح عالماً ، إذا افتقر إلى الله يصبح غنياً .
يا أيها الإخوة الكرام ، العبد عبد ، والرب رب ، ما مِنْ إنسان افتقر إلى الله عز وجل كرسول الله ، ومع ذلك رفع الله شأنه ، وأعلى قدره ، قال الله تعالى :
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
( سورة الشرح )
درسان بليغان من غزوة بدرٍ وحنين :
فكلما افتقرت إلى الله تولاك الله ، وكلما اعتدت بنفسك تخلى عنك ، ودرس بليغ من غزوة بدر .
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 123 )
في بدر الصحابة الكرام افتقروا إلى الله فانتصروا ، أما في حنين :
(( وقد أعجبتهم كثرتهم قالوا : لن نغلب من قلة )) .
[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عباس ]
نحن كثيرون ، قال تعالى :
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَم تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾
( سورة التوبة )
وهذان درسان بليغان في حياتنا ، إذا قلت الله تولاك ، ونصرك ، وأيدك ، وحفظك ، ووفقك ، إذا قلت : أنا ، خبراتي ، ثقافتي ، أسرتي ، جماعتي ، حينما تعتد بغير الله يتخلى عنك ، هذا درس بليغ .
لذلك ورد في بعض الآثار :
(( ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف له ذلك من نيته إلا جعلت الأرض تحت قدميه ، وقطعت أسباب السماء بين يديه )) .
[ رواه ابن عساكر عن كعب بن مالك ]
إذاً : الله عز وجل قدير ، الله عز وجل عليم ، الله عز وجل غني ، المؤمن يفتقر إلى الله .
وما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالافتقار إليك فقري أدفع
وما لي سوى قرعي لبابك حيلة فإذا رددت فأي باب أقرع
***
الافتقار إلى الله يرفه شأن العبدَ :
افتقر يرفع الله شأنك ، افتقر ينصرك ، افتقر يؤيدك ، افتقر يعزك ، قل أنا ، يتخلى الله عنك .
مَن نحن أمام أصحاب رسول الله ؟ في حنين أصحاب النبي وهم صفوة الخلق ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إن الله اختارني واختار لي أصحابي )) .
[ الجامع الصغير عن أنس بسند ضعيف ]
ومع ذلك هم نخبة الخلق ، وفيهم سيد الخلق ، لما اعتدوا بأنفسهم ، وقالوا :
(( لن نغلب من قلة )) ، تخلى الله عنهم ، فمَن نحن ؟ .
لذلك أيها الإخوة :
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية : 180 )
هو ( القدير ) ، هو القوي ، هو الغني ، شأن العبد أن يكون مفتقرا إلى غنى الله عز وجل ، شأن العبد أن يعترف بضعفه أمام الله عز وجل ، شأن العبد أن يكون مفتقرا إلى رب العالمين .
لذلك ما لم يفتقر العبد إلى الله ، ما لم يمرغ جبهته في أعتاب الله ، ما لم يتذلل إلى الله فيما بينه وبين الله فلن يستطيع أن يأخذ من كمالات الله .
أيها الإخوة ، ضعف العبد باعث إلى الإقبال على الله ، ضعفه هو الذي يدفعه إلى الله ، والنقطة الدقيقة جداً بقدر افتقارك إلى الله تكون قوياً وغنياً وعالماً ، والشيء الذي ينبغي أن يقال بوضوح : الله عز وجل يرفع قدر العبد بين الخلق ، إذا أحب الله عبداً ألقى محبته في قلوب الخلق .
لذلك الله عز وجل ( قدير ) ، والله عز وجل قادر ، والله عز وجل مقتدر ، قادر اسم فاعل ، قدير اسم مبالغة من اسم الفاعل ، مقتدر من فعل اقتدر ، وفي صحيح الإمام البخاري يقول عليه الصلاة والسلام :
((لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ )) .
هناك من يملك ولا يحمد ، هناك من يحمد ولا يملك ، لكن الله جل جلاله له الملك وله الحمد ، ذو الجلال والإكرام ، بقدر ما تعظمه بقدر ما تحبه ، مالك الملك بيده كل شيء لكن كماله مطلق ، يملك ويُحمد .
(( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) .
2 ـ قدرةُ الله متعلقة بكل شيء ممكنٍ :
قوة الله عز وجل مطلقة ، تعلقت بكل ممكن .
لذلك لو أن الإنسان أصيب بمرض عضال يقين المؤمن أن الله على كل شيء قدير ، لو كان وحيداً وأعداؤه كثر إن الله على كل شيء قدير .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
( سورة الشعراء )
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
إنسان دخل إلى بطن الحوت ، وفي البحر ، وفي الليل ، وفي ظلمة بطن الحوت ، سيدنا يونس :
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
هل من مصيبة أكبر من أن يجد الإنسان نفسه فجأة في بطن حوت ؟ وحينما عقب على هذه القصة بقوله :
﴿ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
قلبها إلى قانون ، لئلا تتوهم أن هذه قصة قد وقعت ولن تتكرر ، لئلا يغدو كتاب الله تاريخاً ، أراده قوانين :
﴿ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
أيها الإخوة ، القنوط من رحمة الله ، واليأس ، والشعور بالإحباط والاستسلام للقدر ، وأن تقول : انتهى المسلمون ، هذا من ضعف الإيمان .
﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
3 ـ العلمُ من لوازم قدرةِ الله :
بالمناسبة أكثر الآيات التي ورد فيها اسم ( القدير ) ورد مع القدير العليم ، لأن العلم من لوازم القدرة .
جراح بيده مقطع ، الشيء الدقيق جداً علمه ، هنا فيه عصب ، هنا فيه وريد هنا فيه شريان ، الجراح علمه بدقائق خلق الإنسان يجعله قديراً على إنجاح العملية .
لذلك : من لوازم القدرة العلم ، الله عز وجل يذكر في أكثر الآيات أنه عليم قدير ، فعلمه من لوازم قدرته ، القدرة قد تكون عشوائية ، لكنه إذا رافقها علمٌ تغدو قدرة واعية ، هذا في الإنسان ، فكيف بالواحد الديان ؟ ففي صحيح البخاري :
(( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحمد )) .
إخواننا الكرام ، ليس مع الإيمان مرض نفسي ، وليس مع الإيمان إحباط ، وليس مع الإيمان شعور بالإخفاق ، وليس مع الإيمان يأس ، ليس مع الإيمان انكماش ، هذه كلها أعراض الإعراض عن الله عز وجل ، أما المؤمن لأنه يعلم علم اليقين أن أمره كله بيد الله ، وأن الخير كله من عند الله ، وأنه لا رافع ، ولا خافض ، ولا معز ، ولا مذل إلا الله ، وأنه لا معطي ، ولا مانع إلا الله ، فهذا اليقين عند المؤمن يرفعه عن أن ييأس ، أو عن أن يتطامن ، أو عن أن يستسلم ، معنوياته المرتفعة بسبب يقينه أن الأمر بيد الله ، الله عز وجل قبل أن يأمرك أن تعبده طمأنك ، وقال لك :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
( سورة هود الآية : 123 )
التوحيد يملأ القلب أمنا وطمأنينةً :
إخواننا الكرام ، لا تحل مشكلاتنا بأن الله خلق السموات والأرض ، لا تحل مشكلاتنا إلا بالإيمان بأن الأمر بيد الله .
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ ِلَهٌ ﴾
( سورة الزخرف الآية : 84 )
﴿ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾
( سورة الكهف )
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
آيات التوحيد تملأ النفس طمأنينة ، هو قدير ، وأنت ضعيف ، هو أقوى من أعدائك ، أقوى من كل قوة في الكون ، هو خالق السماوات والأرض .
﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾
( سورة الأعراف الآية : 54 )
إنسان يصنع طائرة ، ويبيع الطائرة ، الطائرة قوة مخيفة ، لكن بيد غير الصانع ، صنعت ، وبيعت ، الدولة التي اشترتها قد تقصف بها بلاداً صديقة للبلاد الصانعة لها .
أما الآية دقيقة جداً :
﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾
أيّ شيء خلقه أمره بيد الله .
الآية الثانية :
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
( سورة الزمر )
ما من شيء مخيف إلا بيد الله ، بالضبط لو أنك رأيت وحوشاً كاسرة جائعة مفترسة مخيفة ، لكنها مربوطة بأزمة محكمة بيد جهة قوية حكيمة رحيمة عادلة ، علاقتك مع من مع ؟ الوحوش أم مع الذي يملكها ؟ مع الذي يملكها ، والآية الدقيقة :
﴿ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
( سورة هود )
إخواننا الكرام ، عندما يوحد الإنسان يمتلئ قلبه أمنا ، وأماناً ، وتفاؤلاً ، وبشراً ، الأمر بيد الله ، ولا يعقل ولا يقبل أن يسلمك الله إلى غيره ، ثم يأمرك أن تعبده ، طمأنك وقال :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
هو القدير .
لذلك في صحيح البخاري :
(( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) .
اللهم لا مانع لما أعطيت ، إذا أعطاك ما يمنعه ؟ لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، هذا التوحيد .
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ﴾
( سورة فاطر الآية : 2 )
(( اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) .
[ رواه البخاري ومسلم ، عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه ]
لا ينفع ذكاءُ العبد مع الله :
الذكي ، والعاقل ، والذي يتقد حيوية ونشاطاً ، وامتلاكاً لحيلة ، هذا لا ينفعه مع الله شيء .
(( إن الله تعالى إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه )) .
[ أخرجه الخطيب في التاريخ عن ابن عباس ] .
الذكاء لا ينفع مع الله عز وجل ، ينفع معه الاستقامة ، ينفع له أن تكون محسناً ، ينفع له أن تكون مستقيماً على أمره ، ينفع له أن تكون مفتقراً إليه ، ينفع له أن تكون محباً ، أما أن يكون ذكياً ، الله عز وجل :
(( إن الله تعالى إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه )) .
الأذكياء إذا اعتدوا بذكائهم يرتكبون حماقات لا أول لها ولا آخر .
﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾
( سورة محمد )
النجاح بيد الله ، ثمن النجاح الاستقامة ، أما الذكي ، والذي يملك خبرات عالية جداً ، والذي يملك أساليب ناجحة جداً ، والقوي ، والمعتد بنفسه فهذا الله عز وجل يأخذ منه عقله ، فيقع عليه العقاب الأليم .
وحينما يشرك الإنسان يؤتى من مَأمَنِه ، وأحياناً يتفوق طبيب باختصاصه تفوقًا كبيرًا ، ويتوهم أحياناً أنه لن يصاب بالأمراض التي اختص فيها ، فلحكمة بالغة الطبيب الهضمي يصاب بقرحة ، لأنه اعتدّ بعلم ، وظن أن علمه يمنعه من أن يصاب بمرض من اختصاصه ، والقوي يعتد بقوته ، فيأتي أضعف منه فينتصر عليه .
التوحيد أخطر شيء في الدين ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
إذاً :
(( لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) .
الذي أوتي حظاً من عقل :
(( وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) .
لا ينجيك من الله أن تكون ذكياً ، لا ينجيك من الله أن تكون ذا خبرة عالية جداً ، لا ينجيك من الله أن تكون لك جماعة إسلامية ، لا ينجيك من الله خطة وضعتها بإحكام .
لذلك أنا أقول دائما : إن أمة قوية خططت لبناء مجدها على أنقاض الشعوب ، وبناء رخائها على إفقار الشعوب ، وبناء قوتها على إضعاف الشعوب ، وبناء غناها على إفقار الشعوب ، وبناء عزتها على إذلال الشعوب ، إن هذه القوة الغاشمة نجاح خططها على المدى البعيد يتناقض مع وجود الله :
(( وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) .
لذلك :
(( الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني منهما شيئا أذقته عذابي ولا أبالي )) .
[ أخرجه أحمد ، وأبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة ، ابن ماجة عن ابن عباس ] .
لذلك ورد في بعض الأحاديث :
(( من علم منكم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي )) .
[ أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن ابن عباس ]
إخوانا الكرام ، الأصل هو العلم ، أن تعلم أن أسماء الله كلها حسنى ، وأن صفاته كلها فضلى ، لذلك هناك من يقول : يا رب لا نسألك رد القضاء ، ولكن نسألك اللطف به ، لا يا رب اصرف عني هذا كله ، لمَ لا تتوقع أن يكون هذا الشيء غير محقق ، لا ، اطلب من الله كل شيء .
4 ـ دعاء العبد ربَّه لأنه قدير على الإجابة :
عندما تدعو الله تكون عابدا لله ، كيف ؟ لمجرد أنك تدعو الله فأنت مؤمن بوجوده ، لأن الإنسان لا يدعو جهة لا يؤمن بها ، ولمجرد أنك إذا دعوت الله أنك مؤمن بسمعه ، يسمعك ، لأن الإنسان في الأصل لا يدعو جهة لا تسمعه ، ولمجرد أنك دعوت الله فأنت مؤمن بقدرته .
إن إنساناً مفتقر إلى مبلغ كبير لا يسأل طفلاً صغيراً لا يملكه ، ولمجرد أنك تدعو الله فأنت مؤمن برحمته ، والذي يدعو الله مؤمن بوجود الله ، وبسمعه ، وبقدرته ، وبرحمته .
لذلك :
(( الدعاء هو العبادة )) .
(( الدعاء مخ العبادة )) .
[ أخرجه الترمذي عن أنس ]
لأن الله عز وجل يقول :
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾
( سورة الفرقان الآية : 77 )
علامة إيمانك الصحيح أن تدعو الله ، والدعاء سلاح المؤمن ، وأنت بالدعاء أقوى إنسان ، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك ، وإذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله .
لذلك أيها الإخوة :
﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ﴾
( سورة الأحزاب )
القدر الفعل ، والمقدور العلم ، الله عز وجل عليم قدير ، القضاء والقدر ، القضاء هو الحكم ، والقدر تقدير فعل بحسب العلم .
الله عز وجل يطلع على إنسان مستقيم ، علم الله باستقامته يقدر له توفيقاً ، يطلع على إنسان كاذب علم الله بكذبه يقدر له علاجاً ، فمجمل القضاء والقدر أن الله يعلم ، ويقدر لهذا الإنسان ما يناسبه .
تماماً كالطبيب وقف أمام مريض ، أخذ ملفّه فوجد فيه أن الضغط مرتفع جداً ، علمه بضغطه المرتفع جعله يعطي أمراً بمنع الملح عنه ، ووصف دواء يخفض الضغط .
أنا أبّسط ، لا تعقّد الأمور ، الله عز وجل يعلم ، وحينما يعلم يقدر لك الشيء المناسب ، فقضاؤه وقدره علمه وحكمته ، علمه ومعالجته ، وكل شيء بقضاء من الله وقدر ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والقضاء والقدر يذهب الهم والحزن .
(( ولكل شيء حقيقة ، وما بلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه )) .
[ أخرجه أحمد ، والطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه ]
هذا هو التوحيد ، وهذا هو الإيمان بالله .
خاتمة :
فيا أيها الإخوة ، مرة ثانية شأن العبد أن يكون فقيراً ، وشأن العبد أن يكون جاهلاً ، وشأن العبد أن يكون ضعيفاً ، الضعيف إن أقبل على الله يقوى ضعفه ، والفقير إذا أقبل على الله يغتني بإقباله ، والجاهل إذا أقبل على الله يعلمه الله .
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾
لذلك : يمكن أن تضيف إلى اللبن خمسة أضعاف حجمه ماء ، ويكون شراباً سائغاً ، لكن لا يحتمل اللبن قطرة واحدة من البترول ، عندئذٍ لا تشربه ، يعنى العبادة مما يناقضها الشرك .
﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾
مما يناقض العبادة الشرك بالله عز وجل ، لكن ما دام فيه توحيد ، ما دام فيه استغفار ما دام فيه إقبال ، ما دام فيه اعتراف بالذنب ، الله عز وجل غفور ، وما أمرنا أن نستغفره إلا ليغفر لنا ، وما أمرنا أن نتوب إليه إلا ليتوب علينا ، وما أمرنا أن ندعوه إلا ليجيبنا .
فشأن العبد أن يكون ضعيفاً ، مفتقراً ، وشأن الرب أن يكون معطياً ، جواداً كريماً ، فالقدير من أقرب الأسماء الحسنى إلى الإنسان ، لأنه ضعيف .
لذلك الباعث عن التدين في الإنسان ضعفه ، وعظمة الله عز وجل ، حتى الذين ضلوا سواء السبيل ، وعبدوا آلهة غير الله ، هم بهذا الباعث ، بباعث من ضعفهم عاشوا في الأوهام ، لكن المؤمن عاش مع الواحد الديان .
والحمد لله رب العالمين
جزاك الله خيراً اخي ورضي عنك وغفر لك