طبق من الفاصوليا الساخنة... وشريحة لحم مقلية.. مع أصابع البطاطا المقلية... وبعض الخبز والزيتون والتمر!
آه وماذا بعد؟؟
نعم... العصير!
انتهيت من توزيع الأطباق على المائدة المربعة الشكل والصغيرة الحجم, المتربعة في آخر الصالة أمام المطبخ مباشرة, وجلست على أحد المقاعد الأربعة التي تحيط بجوانبها.
هذا جيد الإفطار في غرة الشهر الكريم.. لك الحمد يا رب والشكر...
كنت أشعر بجوع شديد... وأعددت وجبتي هذه على عجل بعد عودتي من المسجد... وما كدت أنطق بالبسملة حتى سمعت قرع الجرس...
"ومن يكون هذا الآن!؟"
استغربت... فأنا لا أتوقع زيارة من أحد وخصوصا في هذه اللحظة... كما وأن الأشخاص الذين يزورونني في شقتي معدودون... ولا أظن أحدهم يهتم لتناول فطور كهذا معي!
قمت عن المائدة وذهبت إلى الباب وسألت:
"من هناك؟؟"
فجاء صوت رجولي يقول:
"هل أنت وليد؟؟ افتح من فضلك"
لم يكن الصوت غريبا... لا ليس غريبا... لكنه صوت لم أسمعه منذ زمن...أنا مشتبه... لا لست أكيدا... من هذا؟؟
"من هناك؟؟"
وجاءني الآن صوت نسائي حاد:
"افتح يا أخي!"
صوت... دانة! صوت دانة؟؟!!
مستحيل!!!
للوهلة الأولى وجمت... تسمرت على موضعي... فأنا لا أريد لحالة الجنون تلك أن تعتريني مجددا... لا أريد أن أعود إلى التهيؤات والتخيلات ...لا ... أبدا...
عاد الصوت النسائي يقول:
"هل أنت وليد شاكر أم ماذا؟؟"
نعم غنه صوت دانة!
فتحت الباب بسرعة غير مصدق... وإذا بي أرى دانة... شقيقتي الوحيدة... تقف بالفعل أمام عيني!!!
"وليد! أخي الحبيب!"
قالت ذلك وارتمت في حضني بقوة وأطبقت عليّ بذراعيها... اندفعت خطوة إلى الوراء وأنا أحملق فيها غير مصدق أنها بالفعل شقيقتي...
"يا شقيقي يا حبيبي كم اشتقت إليك! كل عام وأنت بخير عزيزي"
تقول ذلك وهي لا تزال تطوقني بذراعيها بقوة وتمرغ وجهها في صدري... ابتعدت بعد ذلك لتنظر إلي... فتيقنت بالفعل من أنها... أنها شقيقتي دانة!
"أوه! دانة!! أي مفاجأة!! لا أكاد أصدق... لا أصدق..."
قلت ذلك وضممتها إلي وقبلت جبينها بحنان... عند ذلك سمعت صوتا يقول:
"ألن تدعونا للدخول؟؟"
فالتفت إلى صاحب الصوت فإذا به نوّار... وكان يبتسم, ويحمل في يدي الاثنتين مجموعة من الأكياس... وعلى كتفه حقيبة قماشية كبيرة...
تراجعت للوراء وأنا أقول:
"يا للمفاجأة... أنا مذهول! تفضلا... أهلا..."
فدخل نوّار ووضع الأكياس والحقيبة جانبا ثم أقبل نحوي فاقتربت منه كي أصافحه وأعانقه. رحبت به بحرارة... كانت دانة تقف إلى جانبي فمددت ذراعي إلى كل منهما وحثثتهما على الدخول مرحبا...
"أهلا وسهلا ومرحبا... كل عام وأنتما بخير... تفضلا... حقا... مفاجأة مذهلة"
فسارا للأمام واستدرت للوراء لأغلق الباب... وإذا بي أرى شيئا مهولا... مهولا جدا... أخرس لساني... وجعلني أتجمد في موضعي كالتمثال...
كفى يا وليد... أرجوك توقف... لا... أنت لم تكد تصدق أنك شفيت من حالة الأوهام الفظيعة تلك... أرجوك توقف... لا تعد للصفر من جديد... كلا...
أغمضت عينيّ... بقوة... حتى كدت أعصرهما بجفوني... رغبة مني في محو الوهم الذي رأيته يقف أمام الباب قبل ثوان...
"رغد... تعالي!"
فتحت عيني... بعد الذي سمعت... نظرت من جديد... حملقت جيدا... وكان الوهم... لا يزال واقفا... يحمل شيئا ما على ذراعيه... وينظر إليّ!!
أحسست بحركة من خلفي... ثم رأيت دانة تظهر أمامي... متجهة إلى الوهم... وسمعتها تقول:
"مفاجأة! أليس كذلك؟؟!"
ثم تمد يدها نحو الوهم... وتأخذ منه ذلك الشيء وتقربه مني...
نظرت إلى ذلك الشيء... حملقت فيه... فإذا به ينظر إلي... ويتثاءب!
كان طفلا في المهد...!!
أخذت عيني تدور بين الطفل... ودانة... والوهم... تدور... وتدور... وتدور... حتى أصابني الارتجاج في دماغي واستندت إلى الجدار المجاور خشية أن أقع...
"وليد