عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (والذي نفسي بيده لقد هممتُ أن آمرَ بحطبٍ فيُحطب ، ثم آمُرَ بالصلاة فيُؤذّن لها ، ثم آمرَ رجلاً يؤمُّ الناس ، ثم أُخَالِفَ إلى رجالٍ لا يشهدون الصلاةَ فأُحَرِّقَ عليهم بُيوتَهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يَجِدُ عرقًا سمينًا أو مِرْمَاتْينِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ العِشَاءَ)
المعنى العام والشرح
من أبرز أهداف الإسلام ترابط المجتمع وغرس المودة والرحمة بين أبنائه حتى يصبح كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوا تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى
ولقد ولد الإسلام في مجتمع متفرق لايضمه هدف ولاتجمعه غاية يغير بعضه على بعض وتترفع كل قبيلة على الأخرى فحارب الإسلام هذه العصبية وسوى بين الناس كأسنان المشط ونادى بقرآن يتلى
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ)
عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
وكان لابد من وسائل تقود إلى غرس هذا المبدأ وكان لابد من تدريبات عملية تطبع المسلمين على الإحساس بهذه المساواة فكانت صلاة الجماعة إمامها رسول الله صلوات الله عليه وتسليمه ومناديها بلال بن رباح العبد الحبشي يقف المسلمون فيها صفوفاً كصفوف الملائكة المناكب ملاصقة للمناكب والأقدام مساوية للأقدام الغني بجوار الفقير والقوي بجوار الضعيف الكل يتحرك حركة واحدة ويسكن سكوناً واحداً فإذا قضيت الصلاة التقى المسلمون بعضهم ببعض فدرسوا مصالحهم وسأل بعضهم عن أحوال بعض وعرفوا غائبهم لقاءات في المسجد خمس مرات كل يوم وليلة
ودخل الإسلام منافقون ثقلت عليهم صلاة الفجر وصلاة العشاء وثقلت عليهم الجماعات فكانوا يتخلفون وكرر الرسول صلى الله عليه وسلم على مسامعهم الترغيب في الجماعة فصموا آذانهم فكان المناسب لهم التهديد والوعيد فقال رسول الله صلوات الله عليه وتسليمه لقد فكرت وهممت أن انفذ فكرتي أن يؤذن المؤذن للصلاة ويقيم ثم آمر رجلاً يصلي بالناس بدلاً مني ثم آخذ بعض الفتية وبعض حزم الحطب فنحرق بيوت المتخلفين عن الجماعة وهم فيها وخاف المنافقون وضعاف الإيمان من التهديد فحافظوا حتى المريض الذي لايستطيع المشي كان يأتيها بين رجلين يستند إليهما وحتى الأعمى الذي يشكو تعثره في الظلماء وفي السيل لم يؤذن له بالتخلف عن الجماعة وأصبحت الجماعة في المسجد لايتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق مغاضب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين
(لقد هممتُ) : أي قصدتُ
(أن آمرَ بحطبٍ فيُحطب) : أي فيجمع
(ثم أُخَالِفَ إلى رجالٍ) : أي أتيهم من خلفهم وقيل :أتخلف عن الجماعة وأذهب إليهم أي أخالف المصلين قاصداً بيوت الرجال والتقييد بالرجال يخرج النساء والصبيان
(عَرْقًا سمينًا) :العرق هو العظيم الذي عليه قليل اللحم
(أو مِرْمَاتْينِ حَسَنَتَيْنِ) : المرماة هي ظلف الشاة أو مابين ظلفيها من اللحم وقيل اسم سهم يرمي به في الصيد والمقصود بهِ الخسيس الحقير من متاع الدنيا