الوالد أبو اسحاق الحويني حول عمرو خالد وفكره وكان هذا الفيديو فى رمضان قبل عامين من الآن وبالعودة إلى كلام الشيخ أبو إسحاق الحويني عن الأستاذعمرو خالد .. أستطيع أن أقول أن الشيخ وقع في أربعة أخطاء علمية ، هي أدنى من أن يقع في مثلها محدث كبير في وزن الشيخ ..
و سأتحدث في كل خطأ منها باختصار لعلي أزيل هذه الشبهة ، و أصل مع القاريء اللبيب من حال الشك إلى حال اليقين .. و لعلالله يهدي النفوس المريضة التي مازالت تسير بين الناس تروج الأكاذيب و تنشر الغش .. فتعكر على النجباء صفو حياتهم …
أولا :
بداية و عموما .. إن الشيخ قد اعتمد في كلامه كله على ورقات من صحيفة ( لم يذكر حتى اسمها ) ، ثم راح الشيخ يتحدث عن ما قالته الصحيفة كما لو كانت الصحيفة قد زكاها البخاري و مسلم ، و شهد لرواتها ( يحيى بن معين ) ..
ومن المعلوم أن الصحافة سيئها أكثر من حسنها .. بلإنها تعتمد في أغلب الحالات على أسلوب جذب الأنظار ، و الدعاية ، والترويج .. حتى ولو كان هذا بأساليب ملتوية مثل : الكذب و التلفيق ، أو تأويل الكلام وتشويهه عن مقصده الأصلي أو ترويج الإشاعات ..
و الشيخ أبو إسحاق رجل من المتشددين في علم الحديث .. و يعلم جيدا ضرر الأخبار الضعيفة ، المقطوعة السند على الثقافة الإسلامية ..
فكيف يقع في خطأ فادح كهذا ؟!!
إننا إلى الآن لا نعرف اسم الصحيفة التي قطعت منها الورقات الثلاثة التي تحدث عنها الشيخ .. كما أننا إلى الآن لا نعرف منكاتب هذه الورقات .. فكيف سنحكم على الخبر بالصحة أو الضعف ؟؟ !!
أين (حدثنا ) ؟!! و أين ( أخبرنا ) و أين ( عن ) و أين ( ثنا ) ؟!!
أين سند الخبريا شيخ ؟؟!!
هذا خطأ فادح .. لا يقع فيه محدث له في الأسانيد باع .. !!
ثانيا :
الشيخ أبو إسحاق في معرض انتقاده و تجهيله للأستاذ عمروخالد قال :
(( و بيقول إن النبي كان يشجع على الفن . و قال إن النبي كانبيردد ” اللهم لولا انت مااهتدينا و لا تصدقنا و لا صلينا فأنزلن سكينة علينا و ثبتالأقدام ان لاقينا ان الأولى قد بغوا علينا و ان أرادوا فتنة أبينا ”
و قال – أي عمرو خالد - إن النبي صلى الله عليه وسلم مرة قابل جماعة من جوارى المدينة قعدوايغنوا و الكلام ده .. فقال النبي : الله يعلم أن قلبى يحبكن ))
ثم علق الشيخعلى الحديثين المذكورين فقال : ( و طبعا الحديث ده باطل و اللي قابله باطل .. راجلمعندوش فكرة عن أى حاجة - أي عمرو خالد - ) ..
و أقول : هنا وقع الشيخ فيخطأ فادح لا يقع فيه رجل في وزنه في علم الحديث ..
لقد ضعف الشيخ حديثينصحيحين .. بل زاد في التضعيف فقال ( الحديث باطل ، واللي قبله باطل ) و كلمة ( باطل ) هي أعلى درجات الضعف ..
و الحديثان هما :
أولهما :
حديثالبخاري عن البراء رضي الله عنه .. قال : (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وهوينقل التراب حتى وارى التراب شعر صدره وكان رجلا كثيرالشعر وهو يرتجز برجز عبد الله : ” اللهم لولا انت ما اهتدينا و لا تصدقناو لا صلينا فأنزلن سكينة علينا و ثبت الأقدام ان لاقينا ان الأولى قد بغوا علينا وان أرادوا فتنة أبينا )
و هو حديث متفق عليه ..
و ثانيهما :
قولهصلى الله عليه وسلم في جواري بني النجار : ( الله يعلم إن قلبي يحبكن )
والحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مر ببعض المدينة فإذا هو بجوار يضربن بدفهنويتغنين ويقلن : ( نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار ) .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الله يعلم إني لأحبكن )
صححه الألباني في صحيح سنن ابنماجة ..
قال البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه (2/106): “هذا إسنادصحيح رجاله ثقات وبعضه من الصحيحين من حديث عائشة وفي البخاري وأصحاب السنن الأربعةمن حديث الربيع بنت معوذ”.
و أقول - أي نصر حسان - في عجب وحيرة .. :
كيف يقع الشيخ أبو اسحاق في خطأ كهذا و هو رجل من المحدثين العظام في هذاالزمان ؟؟بل كيف يتهم الأستاذ عمرو خالد بالجهل إذا كان هو نفسه لا يعرف مدىصحة حديثين مشهورين يعلم صحتهما طفل لا يعرف من الإسلام سوى ( إنما الأعمال بالنيات ) ؟؟!!
و أتعجب كيف يضعف الشيخ حديثا في صحيح البخاري متصل السند ومتفقا عليه ،أي في أعلى درجات الصحة .. و هو بالأمس القريب قد شن حربا شعواء على الإمامالقرضاوي لكونه قد ضعف حديث المعازف المعلق المنقطع السند ، و هو حديث أقرب إلىالضعف من الصحة ..
بل إنه قد ثار ثورة كبيرة حينما ضعف القرضاوي حديث الإفتراق، والحديث مشهور ضعفه في أغلب طرقه ..
لكني سألتمس العذر للشيخ و لن أكونمثل المتشدقين متصيدي الأخطاء .. فأقول .. إن الشيخ لربما زل لسانه عن غير قصد ،فالمحاضرات المرئية والمسموعة تكون أخطاؤها غير محسوبة ، و الخطابة عرضة لزلاتاللسان ..
ومن هنا أيضا أقول .. يجب على الشيخ أن يلتمس نفس العذر لبقيةالدعاة والشيوخ والعلماء .. فإن الخطابة عرضة لزلات اللسان عن دون قصد ..
فلاداعي لتفسيق الناس ، و تجهيلهم في الصبح و المساء بغير حسبان ..
ثالثا :
يستنكر الشيخ دعوة الأستاذ عمرو خالد إلى الاهتمام بكافة الفنون ، واعتبارها وسيلة من وسائل النهضة المنشودة .. و في الحقيقة ليس الشيخ وحده فهناك نوعمن الحساسية عند الإسلاميين عموما تجاه كلمة ( الفن ) و كأنها تعني دائما المجونوالخلاعة .. وهذا غير صحيح ..
الفن في اللغة يعني ( النوع أو الطريقة ) و هويعني اصطلاحا : الوسيلة أو المهارة التي تحقق غاية جمالية و تعتمد على الموهبة والمران والذوق العالي ..
و الإسلام منذ قديم الأزل يحض على الفنون بشرط أن تكونهذه الفنون محترمة ، وتحض على شيء نبيل في ضوء تعاليم الإسلام ..
و الإسلام يحضعلى كل ما ينمي الذوق و يسمو بالعاطفة الإنسانية .. و من الجدير بالذكر أن معجزةالقرآن الأولى هي أنه جاء تحفة فنية لغوية عجز العرب عن مضاهاتها .. و هم أهلالتميز في فنون الشعر والأدب ..
و الرسول صلى الله عليه و سلم كان كثيرالدعوة إلى الفن الهادف المحترم .. و قد ظهر ذلك في أكثر من موضع في السنة النبوية ..
روي البخاري و أحمد عن عائشة في ذات قرابة لها من الأنصار ، فجاء رسول الله ( صلى الله عليه و آل و سلم ) فقال : « أهديتم الفتاة » ؟ قالت : نعم . قال : « أرسلتم معها من يغني » ؟ قالت : لا . فقال رسول الله ( صلى الله عليه و آل و سلم ) « إن الأنصار قوم فيهم غزل ، فلو بعثتم معها من تغني و تقول : أتيناكم أتيناكم . . فحيانا و حياكم » ؟و هذا الحديث يدل على رعاية أعراف الأقوام المختلفة ،و اتجاههم المزاجي ، ولا يحكم المرء مزاجه هو في حياة كل الناس .
و لماأنكر الصديق أبو بكر رضي الله عنه غناء الجاريتين يوم العيد في بيته و انتهرهما ،قال له : « دعهما يا أبا بكر ، فإنها أيام عيد » !
و في بعض الروايات : « حتىيعلم يهود أن في ديننا فسحة » .
و قد أذن للحبشة أن يلعبوا بحرابهم فيمسجده عليه الصلاة و السلام في أحد أيام الأعياد ، و كان يحرضهم و يقول : « دونكميا بني أرفدة » !
و أتاح لعائشة أن تنظر إليهم من خلفه ، و هم يلعبون و يرقصون، و لم ير في ذلك بأساً و لا حرجاً .
و روى ابن حزم بسنده عن ابن سيرين : أن رجلاً قدم المدينة بجوارٍ فأتى عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه ، فأمر جارية منهنفغنّت ، و ابن عمر يسمع ، فاشتراها ابن جعفر بعد مساومة ، ثم جاء الرجل إلى ابن عمرفقال : إني أبا عبد الرحمن ؛ غبنت بسبعمائة درهم ! فأتى ابن عمر إلى عبد الله بيجعفر فقال له : إنه غبن بسبعمائة درهم ،فإما أن تعطيها إياه ، و إما أن ترد عليهبيعه ، فقال : بل نعطيه إياها . قال ابن حزم : « فهذا ابن عمرقد سمع الغناء و سعيفي بيع المغنية ، و هذا إسناد صحيح » (انظر المحلى : 9/63 ) .
( قد ذكرتدروبا كثيرة من هذه النصوص في موضوعات ( الذوق في الإسلام )/ ( حول مسألة الغناءوالموسيقى ) / ( فن الكوميديا في الإسلام ) ..
و الأستاذ عمرو خالد كثيرالدعوة إلى هذا اللون من الفن الذي يتفق وتعاليم الإسلام .. فالفنون هي من مظاهرالنهضة المنشودة ، لأنها ترقي الحس و تسمو بالذوق .. و هي غاية يسعى لها الإسلامالحنيف ..
رابعا :
يقول الشيخ أنه سمع الأستاذ عمرو خالد في محاضرةفي الإمارات يقول فيها : ( إنني أريد الفن النابع من البيئة بتاعتنا ، و ليس الفنالمستورد .. نريد الفن الذي يدعو إلى القيم .. مثل بنت بتحب ولد تقوم البت دي تحبولد تاني بدون علم الأولاني ، وتقولك انا كده ما بخونش .. احنا عاوزين الوفاء قيمةأخرى )
و أقول ..
و أكرر ما سبق قوله .. الشيخ في كلامه لم يعتمد علىالأسلوب العلمي في نقل الأخبار ، وهذا من المستغرب عليه ، و هو من ذوي السهم النافذفي الإسناد ..
و بعيدا عن ذلك ..
أقول : لقد استمعت إلى المحاضرة المشارإليها ، و ما أستطيع قوله .. أن الشيخ – غفر الله له - قد نقل الكلام مشوها ،فالأستاذ حينما ذكر مثال البنت والولد إنما كان يقصد السخرية ، وكان هذا واضحا جدافي أسلوبه ..
و من المعلوم أن الأستاذ عمرو خالد من المتشددين في مسألةالعلاقات العاطفية .. و لقد سمعت له أكثر من مرة في محاضراته أنه يستنكر هذا النوعمن العلاقات ، لأنه - على حد تعبيره – غير شرعي و لا ينتج عنه زواجا شرعيا في أغلبالأحيان ..
فكيف ينسب له هذا الكلام ؟؟و الأستاذ إنما قصد بقوله ( الفنالنابع من بيئتنا ) أن يكون الفن هادف و محترم ونابع من ثقافتنا الإسلامية .. و هذالا خلاف عليه ، إذ أن الحضارة الإسلامية في عصور الخلافة الراشدة و الأمويةوالعباسية والعثمانية كانت قائمة على الفنون مثل فنون الأدب و الشعر و العمارة والنحت والتصوير و الغناء ..
و قد اتسم الفنان المسلم بأسلوب منفرد عن بقية فنانيالعالم .. و هو ما جعل الفن الإسلامي فنا منفردا متميزا ، غير مقلدا ، و لا معتمداعلى فنون من بيئات أخرى ..
و الأستاذ حينما دعى الفنانات التائبات إلىمواصلة العطاء الفني ، فإنه أراد بذلك ألا تكون الساحة الفنية خالية من الملتزمينوالملتزمات ، فإن الفن قائم شئنا أم أبينا ، ومن الذكاء أن تكون فيه نماذج تكوننواة للتغيير و الإصلاح .. لأن التغيير لن يأتي من الخارج وإنما سيأتي من الداخل .. و هذا من فقه ( ما عمت به البلوى ) ..
و الفنانة الملتزمة تعطي قيمة القدوة لدىالمشاهد المسلم ..
و المسلسلات الدينية مليئة بنماذج من فنانات ملتزمات قدموامعنى القدوة الحقيقية ، و بسبب هؤلاء أصبحت هناك صحوة إسلامية في هذا المجال ..
المقصد ألا نترك الساحة خالية للعاهرات ثم ندعوا الله أن يغير الفساد .. و لكنالأجدى أن نزرع نماذج تكون نواة للإصلاح العملي .. و أحسب أن الهدف يتحقق يوما بعديوم ..
بهذا كله .. فإنني أقول – على استحياء – أن الشيخ أخطأ و أوقع نفسهفي أخطاء علمية خطيرة حينما عمد إلى تضليل داعية من دعاة العالم الإسلامي ، و نموذجمحترم من نماذج الصحوة الإسلامية الراشدة ..
و على الإخوة العاملين بالصحوةالإسلامية أن يسلكوا مسلكنا في النقد العلمي المحترم القائم على التمحيص و البحثالعلمي و نقد الدليل بالدليل .. لا أن يروجوا الإشاعات بحماقة دون وعي لحجم الفتنةالمثارة ..
و في النهاية أقول إن أقدار الشيوخ على العين والرأس .. وواللهلنخامة في حلق أحدهم خير عند الله من صومي وصلاتي و أزكى أعمالي ..
و لكن هوالحق ، نناضل من أجله .. بكل الود و بكل الاحترام ..
هذا ما هديت إليه ..
ولا أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ..