بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقه الرابعه عشر
******************
اليوم أول أيام (طارق) فى العمل ، برغم أنه تشائم مما حدث لـ (هيما) ، و لكنه أقنع نفسه بأن الأمر مختلف ، و أن (هيما) نحس و شؤم و بيغرق فى شبر ميه .
استيقظ فى العاشرة صباحاً و توضأ و صلى الصبح و جلس على السجادة يدعو الله تعالى أن يوفقه
و كان – بجهل منه - من ضمن الناس الذين يظنون أن صلاة الفجر ممتدة حتى يؤذن الظهر و صلاة العشاء ممتدة حتى يؤذن للفجر ، برغم أن آخر موعد لصلاة الفجر هو شروق الشمس و آخر موعد لصلاة العشاء هو منتصف الليل .
المهم ... لبس اليونيفورم الجديد و نزل إلى الشارع مبكراً حتى يلحق بالموعد فيُكَوِّن بذلك انطباعاً جيداً عنه من أول يوم
كان معرض السيارات فى حى ( عين شمس ) فوصل إليه قبل موعده بنصف ساعة عل الأقل و ذهب إلى صاحب المعرض الحاج ( فوزى) فوجده جالساً فى مكتب فخم ، زجاجى يطل منه على المعرض كله ، فقابله مقابلة جيدة و طلب له شاى الصباح
فوزى : إن شاء الله تنبسط معانا يا (طارق
طارق : بإذن الله يا حاج
فوزى : أهم حاجة فى شغلنا إن الوحد يكون مصحصح و نبيه و ناصح
.
طارق : طبعاً يا حاج ... دى أهم حاجة
فوزى : فى شغلنا ده حتقابلك أصناف غريبة .... الطيب و النصاب و الأمين و الحرامى ، أهم حاجة محدش يضحك عليك
طارق : إن شاء الله يا حاج
فوزى : إحنا هنا عشرة ، أنا ،و الأستاذ ( مجدى) مدير المعرض و اللى ماسك الحسابات ، الأستاذ (محسن ) بياع ، الشيخ ( صبرى ) بياع برضه و الشيخ (شكرى) ميكانيكى ، الأسطى ( جمال) كهربائى سيارات ، و موظف الأمن اللى هو انت و زميلك اللى بتغير معاه ، و (شوقى ) عامل نظافة و ( منير) عامل بوفيه ، عاوزك تتعرف عليهم
طارق : حاضر يا حاج
ثم أعطاه ملفاً به بيانات كل واحد منهم كاملة ليتعرف عليهم على مهل
فوزى : إنت المفروض حتقعد على المكتب اللى جنب الباب و عينك على اللى داخل و اللى خارج و اللى تشك فيه تتابعه كويس و تيجى تبلغنى
طارق : مفهوم يا حاج
فوزى : لازم كل يوم تمر على طفايات الحريق تتأكد إنها شغالة
طارق : إن شاء الله أكون عند حسن ظنك يا حاج
بعد ذلك نادى الحاج (فوزى) الأستاذ ( مجدى) ليتعرف على (طارق) و يأخذه يطوف به على الموظفين و تم التعارف بسرعة ثم ذهب إلى مكتب الأمن و تسلم الوردية من زميله و جلس لأول مرة على المكتب الذى يكشف المعرض كله مسروراً بالمكتب
و الهاتف ، و تمنى لو اكتملت هذه المظاهر بمسدس يضعه فى جانبه و لكن الأحداث التى حدثت بالأمس مع الباشمهندس( هيما) جعلت الشركة تسحب كل المسدسات من موظفيها ...
مر الوقت بطيئاً فحركة البيع و الشراء كانت ضعيفة جداً
فكان يزجى وقته بالتطلع إلى ملف العاملين الذى أعطاه إياه الحاج (فوزى) ليتعرف عليهم ، و انشغل بالتطلع إلى بيانات الموظفين و صورهم ، ثم سمع طرقاً على الباب و دخل شاب وسيم ذو لحية مهذبة و رائحة طيبة يرتدى قميصاً بسيطاً و بنطلوناً قصيراً ، فانشرح طارق لرؤيته فقد ذكره بخاله (كرم ) و بـ (أسامه ) الذى أقرضه الحذاء .
وقف طارق لتحية الداخل و قابل ابتسامته بمثلها و مد يده لتحيته و تذكر أن اسمه الشيخ ( صبرى ) البائع
صبرى : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
طارق : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
صبرى : أنا جيت أتعرف عليك ، و أعرفك بنفسى
طارق : يا أهلا و سهلاً
صبرى : أنا أخوك (صبرى ) بكالوريوس تجارة و باشتغل هنا بقالى أربع سنين
طارق : و انا إسمى (طارق) سنة تانية كلية تجارة
صبرى : برافو عليك .... أنا أحب الإنسان المجتهد
طارق : أهو منه تغيير ، و منه أحاول اعتمد على نفسى
صبرى : جميل ... و بالمناسبة الحلوة دى عاوز أديلك هدية تفتكرنى بيها
طارق : هدية ؟
!
مد صبرى يده فى جيبه و أخرج مصحفاً صغيراً جميلاً و أعطاه لطارق الذى تناوله منه فى سرور
صبرى : بس على شرط
طارق : شرط إيه ؟
صبرى : إنك تقرا فيه على الأقل صفحة كل يوم
طارق : ( مبتسماً ) إن شاء الله ... و هدية مقبولة ... إنت عارف ..حضرتك بتفكرنى بإنسان بحبه جداً
صبرى : مين ؟
طارق : أنا لى خال يشبهلك كتير ... و كلامه زيك كده
صبرى : و الله ... ربنا يكرمه يارب ... ابقى سلم لى عليه و إن شاء الله لو فى فرصة أحب إنى اتعرف عليه
ثم انبعث صوت الأذان من مسجد مجاور فأطرق (صبرى) فى خشوع و أخذ يتمتم بكلام لم يسمعه (طارق ) فأخذه الفضول و لكنه سكت حتى انتهى الأذان و رفع (صبرى) رأسه
طارق : ممكن أسأل حضرتك سؤال ؟
صبرى : اتفضل
طارق : حضرتك كنت بتقول إيه دلوقت ؟
صبرى : كنت باردد الأذان ، يعنى بقول ورا المؤذن زى ما بيقول
طارق : ليه ؟
صبرى : عشان النبى صلى الله عليه و سلم علمنا كده ، قال :" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول .. "
أحب (طارق) (صبرى) من أول لقاء و سر ه أن يكون معه فى مكان واحد مثل هذا الإنسان المحترم
صبرى : ( ينهض) انت بتصلى يا أخ (طارق) ؟
طارق : آه أمال إيه
طبعاً لم يذكر له أنه بدأ الصلاة من يومين اثنين
صبرى: طيب إحنا بنقفل المعرض علينا وقت الصلاة و بنصلى كلنا جماعة ، تعالى اتوضا و صلى معانا
خرج (طارق ) من المكتب و ذهب ليتوضأ و خرج من الحمام ليجد ( صبرى ) فى انتظاره ليريه مكان الصلاة ، فتأبط (صبرى) ذراع (طارق) و كأنه يعرفه من زمن فأحس (طارق ) بالألفة الشديدة و سار إلى حيث مكان الصلاة منشرحاً
صلوا السنة و أقام الصلاة أحدهم ثم قدموا ( صبرى) ليأمهم فحدث أمر غريب
فجأة و بدون مقدمات اندفع الشيخ ( شكرى) و اتخذ مكان الإمام ، متجاهلاً نظرات الإستنكار فى وجوه المصلين
الشيخ شكرى : استقيموا يرحمكم الله .... الله أكبر
انزعج (طارق) طبعاً لهذا الأمر ثم التفت إلى (صبرى) الذى ابتسم له فى هدوء و أشار إليه أن اطمئن ثم التفت إلى القبلة و دخل فى الصلاة
.
الشيخ شكرى : سمع اللهِ ( بكسر لفظ الجلالة ) لمن حمده
و أخيراً بعد تطويل شديد انتهى من الصلاة ثم سلم و التفت إلى المصلين ينظر إليهم و كأنه يتحداهم
انشغل كل منهم بالتسبيح و تطلع طارق إلى الشيخ (شكرى) الذى كان فى حوالى الأربعين من العمر و يبدو عليه أنه غير متعلم
بعد قليل انصرف كل منهم إلى مكانه و قام ( صبرى ) و (طارق ) و ذهبا معاً و الشيخ (شكرى ) يتابعهم ببصره
ذهب (صبرى) إلى مكانه و ذهب (طارق) إلى مكتبه و ذهنه مشغول بما حدث
بعد قليل دخل عليه الشيخ (شكرى
شكرى : إزيك يا أخ (طارق
طارق : الله يسلمك ... إزيك يا عم الشيخ
شكرى : نحمد ربنا ... أول يوم ليك النهاردة مش كدة ؟
طارق : آه فعلا
شكرى : بقول لك إيه يا أخ (طارق
طارق : نعم
شكرى : إنت تعرف اللى اسمه ( صبرى) ده قبل كده
: أبداً ... أنا لسه متعرف عليه النهاردة طارق
شكرى : طيب ... بص يا أخ (طارق) النبى صلى الله عليه و سلم قالنا : " الدين النصيحة " و أنا عاوز أنصحك لوجه الله
طارق : خير إن شاء الله ؟
شكرى : أنا عاوزك تقصر معاه على قد ما تقدر
طارق: ( مستغرباً) ليه ... ده راجل كويس
شكرى : إسمع الى بقولك عليه .... مش عاوزك تنخدع فى الناس كده على طول ... خلى عندك شوية حذر
طارق : (قلقاً) حضرتك ليه بتقول الكلام ده ؟
شكرى : ده إنسان مش كويس ... منهجه فاسد
طبعاً (طارق) لا يعرف معنى كلمة منهج أصلاً
طارق : يعنى إيه ؟
شكرى : يعنى مبتدع ، ضال مضل ، ماشى على كلام شيوخ الضلالة اللى ربنا ابتلانا بيهم اليومين دول
طارق: مش فاهم حضرتك تقصد إيه
شكرى : بص مش حينفع أقولك على كل حاجة من أول مرة ... المهم عاوزك تكون حذر عشان محدش يفسد عليك دينك ... مش كل حاجة يقولها لك تصدقها
طارق : الراجل مقالش حاجة ... ده يدوب لسة متعرفين قبل الصلاة
شكرى : ما هو كده زى التعبان ... عاوز يسمم أفكار الناس ... و أنا حاولت إنى أخليه يسيب الضلالات اللى هو عليها دى مفيش فايدة
طارق : طيب حضرتك ممكن تقولى بس هو بيعمل إيه غلط ؟
شكرى : ما انا قلت لك منهجه فاسد
طارق : يعنى إيه ؟
شكرى : أصله شكله كده باين عليه من الخوارج
طارق : خوارج ؟!!... يعنى إيه خوارج ؟
شكرى : مش عارف بالضبط ... بس الشيخ بتاعنا قالنا إن الناس دى خوارج ... بيتهألى إن الخوارج دول اللى هما بيخرجوا فى سبيل الله
طبعاً (طارق ) غير فاهم و غير مقتنع
شكرى : انت بتصلى فين يا أخ (طارق) ؟
طارق : بصلى إيه ؟
شكرى : بتصلى الجمعة فين ؟
طبعاً (طارق) لا يذكر آخر مرة صلى فيها الجمعة
طارق : فى جامع صغير كده جنب بيتنا
شكرى : بتحضر دروس ؟
طارق : ( يبتسم ) دروس إيه ؟ دا أنا حتى ما بروحش الكلية
شكرى : لأ مش قصدى ... أنا قصدى بتحضر دروس لحد من المشايخ ؟
طارق : دروس دين يعنى .. ؟ لأ
شكرى : و لا بتسمع شرايط لحد ؟
طارق : لأ ... بس ساعات باتفرج على التليفزيون على قناة الحكمة ... خالى بيقولى الشيوخ اللى فيها كويسين
شكرى : لا حول و لا قوة إلا بالله ... حكمة إيه بس؟... دى المفروض يسموها قناة الضلالة
طارق : الله !!! ليه كده ؟
شكرى : ما هو ده بقى المنهج اللى بقولك عليه ... لو عرفت المنهج الصحيح مش حتنخدع فى كلام الشيوخ دول
طارق : ( مرتبكاً ) يعنى إيه طيب ؟
شكرى : لما تدرس المنهج حتعرف مين هم المشايخ اللى تاخد منهم العلم الصحيح
طارق : إمممم
شكرى : شوف انت ربنا بيحبك ... فيه قريب من هنا مسجد بيدرس فيه شيخ بقاله عشرين سنة ما بيدرس حاجة غير المنهج
طارق : يا عم الشيخ منهج ده اللى هو ازاى يعنى ؟
شكرى : شوف أنا بقالى أكثر من خمستاشر سنة باحضر له و لسة بحاول أعرف المنهج ... الموضوع مش سهل ... ده موضوع كبير
طارق : يعنى أنا المفروض أقعد عشرين سنة عشان أعرف المنهج ده ؟
شكرى : المهم تحاول ... و تحاول تحضر معايا للشيخ ده .. حيعجبك قوى
طارق : حيعجبنى ازاى يعنى ؟
شكرى : ما بيهموش حد ... مدام لوجه الله ... بيضرب فى التخين ... ما شاء الله عليه ..... جريء
: يعنى بيتكلم فى السياسة و كده ؟
طارق
شكرى : (منقبضاً ) لأ سياسة إيه؟ ... إحنا ملناش دعوة بالسياسة ... الحاجات دى سيبناها لأهلها ... إحنا بتوع منهج
طارق : (فى سره) يا دى النيلة على المنهج ( ثم بصوت عال ) أمال بيتكلم فى إيه ؟
شكرى : بيتكلم عن العدل و التجريح
طبعاً هو يقصد ( الجرح و التعديل )
طارق : يعنى إيه ؟
شكرى : يعنى يقولك الشيخ ده اسمعه و الشيخ ده ما تسمعوش
طارق : و قال نسمع مين بقى ؟
شكرى : و الله قالنا ما تسمعوش لحد خالص
طارق : يعنى نسمعله هو بس ؟
شكرى : آه عشان هو صاحب منهج ... أما المشايخ دول معندهومش منهج
طارق : برضه منهج ؟
شكرى : أمال إيه .. المفروض الواحد يتعلم المنهج قبل أىحاجة .... و اما تيجى معايا عنده حتفهم الكلام ده
طارق : إذا كان انت بقالك خمستاشر سنة و لسة مفهمتش
شكرى : ما أنا قلت لك الموضع كبير
طارق : ربنا يسهل يا شيخ
شكرى : ممكن نروح من هنا بعد الشغل ... هو درسه مرتين كل أسبوع
طارق : ربنا يكرم إن شاء الله
شكرى : المهم مش عاوزك تسمع كلام اللى اسمه (صبرى) ده ... لو عاوز يبقى عندك منهج سليم ابعد عنه و عن اللى زيه
طارق : ربنا يهدينا يا عم لشيخ
شكرى : لأ ده دينك لازم تحافظ عليه ... شوف أنا باعمل إيه ... مبخليهوش يصلى بينا أبداً
...
طارق : آه ما أنا أخدت بالى
شكرى : و بعدين سيبك من القنوات اللى طالعة جديد دى ... كلها مشاكل ... و حتأثر على منهجك
طارق : بس الناس كلها بتشكر فيها ، و خالى قالى إن فيها مشايخ محترمين قوى
شكرى : ( باستهزاء) زى مين بقى ؟
طارق : زى الشيخ (محمد حسان
شكرى : أهو ده أخطر واحد ... الشيخ بتاعنا قالنا إنه مش مخلص و إنه بيمثل
طارق : بس كلامه كويس أنا سمعته
شكرى : ما هو طول ما انت مش دارس المنهج ممكن تتغر فى أى واحد يطلع فى التليفزيون أو يقولك خطبة أو يطلع له شريط
طارق : و الشيخ ( أبو إسحق
شكرى : ( و قد انقلبت سحنته ) أعوذ بالله ...أوعى تسمع له
طارق : (مندهشاً) ليه بس ؟
شكرى : الشيخ بتاعنا بيقول لنا إنه مش عالم و لا حاجة و إنه بيتظاهر بأنه عالم .. عشان راح سمع شويه من الشيخ (الألبانى
طارق : مين الشيخ (الألبانى) ده ؟
شكرى : إنت مش عارف الشيخ الألبانى ... ده عالم كبير قوى .... باين كان بيشغل فى التفسير
...
طارق : طيب فيه واحد اسمه الشيخ ( وجدى غنيم ) دمه خفيف قوى و بحب اسمعه
شكرى : يا نهار اسود ... ده إخوانجى ... ده ضال مضل مبتدع قطبى سرورى
طارق : هه ... امال أسمع مين ... أسمع أم كلثوم ؟
شكرى : و الله أرحم من مشايخ السوء دول
ثم نهض و سلم على طارق على وعد بلقاء آخر
طبعاً طارق كان عقله مثل البليلة .... لم يعد يفهم شيئاً ، كان يعتقد أن كل من لهم لحية مشايخ فضلاء يسمع منهم و يصدق ، و لكن هذه المرة يسمع كلاماً عجيباً
المنهج ، العدل و التجريح ، ضال مضل مبتدع قطبى سرورى ، سب فى مشايخ تجلهم الناس و تحترمهم ، و لم يسمع منهم إلا كل طيب
كان بفطرته و قلبه لا يصدق هذا الكلام ، و بخاصة أنه سمع خاله أكثر من مرة يمدح فى هؤلاء المشايخ
استغرق وقتاً طويلاً فى التفكير حتى سمع أذان العصر فتذكر الترديد وراء الأذان فبدأ يردد خلفه ثم خرج للصلاة ، و تكرر نفس الأمر و اندفع الشيخ (شكرى) ليؤم المصلين .
عاد إلى مكتبه و قد بدأ الزبائن فى التتابع فنسى ما حدث و بدأ يتابع ذلك العالم الجديد الذى يراه لأول مرة
عالم السيارات ... ذلك العالم الغريب الذى يتمنى أن ينضم إليه
قام من مكتبه ليقوم بجوله فى المعر ض و يشاهد السيارات التى يراها فى المجلات عن قرب ، ثم قام بعمل رسم كروكى للمعرض و مكان طفايات الحريق
ثم ذهب إلى مكتبه ،و أخرج ملف العاملين و فتح صفحة الشيخ ( شكرى) و نظر فى خانة المؤهل الدراسى فوجد أنه يحمل الإعدادية .
مر الوقت سريعاً و اندهش لأن أذان المغرب قد ارتفع ، فقام و توضأ و انضم إلى الجماعة و هو يستشعر رضاً عن نفسه لأنه قد صلى جميع الصلوات حتى الآن .
اصطفوا و بدأوا الإقامة للصلاة و كان الشيخ (شكرى) مازال يتوضأ ، و كاد المؤذن ينتهى من الإقامة و قد قدموا ( صبرى) فإذا بالشيخ (شكرى ) يندفع جرياً من الحمام و الماء يتساقط من لحيته فيفتح فرجة فى الصف الأول و يجذب (صبرى) من ذراعه و يقول
:
شكرى : مش أنا قلتلك متصليش إمام قبل كده ؟
اغتاظ المصلين جداً من هذا الحدث و انفعل الاستاذ ( مجدى) مدير المعرض
مجدى : جرى إيه يا (شكرى) ميصحش كده .. دى مش طريقة
كان (صبرى) ساكتاً و احمر وجهه و لكنه لم ينبث بكلمة ، و (طارق) يتابع الموقف بانفعال
شكرى : ده مينفعش للإمامة يا أستاذ(مجدى
مجدى : ليه بقى إنشاء الله ؟
شكرى : عشان ده مبتدع
صبرى : خلاص يا جماعة .... اتفضل صلى يا (شكرى
شكرى : (بسخرية غلولة) يا سلام يا أخويا عليك و على تمثيلك
مجدى : خلاص بقى يا (شكرى) ... مينفعش كده ... إحنا داخلين على صلاة
يلتفت شكرى إلى القبلة ، و يرفع يديه مكبراً
شكرى : الله أكبر .... بسم اللهُ الرحمنُ الرحيم ( بالضم)
ثم قرأ الفاتحة بطريقة لا يقرأ بها الأطفال ، مليئة بالأخطاء ، لدرجة أن أقل المأموموين علماً كان يستطيع أن يقرأها افضل منه ناهيك أن صوته كان أجشاً مزعجاً ، ثم قرأ سورة الغاشية فأخطأ فى منتصف السورة فرده (صبرى) فلم يلتفت إلى رده و آثر أن يركع على أن يصحح له (صبرى)
و أخيراً انتهت الصلاة و التفت إلى المصلين كعادته و نظر إليهم يترقب انطباعاتهم و نظرات التحدى فى عينيه .
قاموا و قام (طارق) و مشى معه إلى مكتبه (صبرى) و جلسا معاً
صبرى : حتعمل إيه دلوقت ؟
طارق : حاختم الصلاة
صبرى : إزاى ؟
طارق : حاقول سبحان و الحمد لله و الله أكبر 33 مرة
صبرى : ( مبتسماً) بص ... إحنا ختمنا الصلاة لما سلمنا ... دى اسمها أذكار ما بعد الصلاة
بعد قليل سأل (طارق) (صبرى
طارق : هو انت منهجك إيه يا أستاذ (صبرى) ؟
صبرى : ( يضحك) هو (شكرى) قعد معاك ؟
طارق : آه قعد قعدة كبيرة ؟
صبرى : و قالك إيه ؟
طارق : قعد يكلمنى عن المنهج ، و العدل و التجريح و يشتم فى المشايخ
صبرى : ( يبتسم فى هدوء) بقولك إيه .. مش انت قلت لى إنك ليك خال ملتزم
طارق : آه
صبرى : أما تقابله اسأله عن كل اللى سمعته ... و ابقى تعالى قلى قالك إيه ... ماشى ؟
طارق : ماشى
صبرى : الساعة بقت سبعة ... المفروض إنى حامشى دلوقت ... مش عاوز حاجة ؟
طارق : ربنا يخليك
صافحه (صبرى) و سلم عليه و انصرف
جلس طارق على المكتب يفكر فى أحداث اليوم ، و فى كل ما قيل له و سمعه ، من الذى على حق و من الذى على خطأ
ظل يضرب أخماساً فى أسداس ، و لما كان ضحل العلم قليل المعرفة فلم يصل إلى الحل الصحيح ، فقرر أن خير ما يفعله هو أن يرجئ هذا كله إلى أن يقابل خاله فيحكى له ما حدث ثم ينتظر منه أن يدلى له برأيه الذى يثق فيه .
و لكى لا ينسى شيئاً مما حدث أخرج ورقة و قلماً و أخذ يخط فيها الخطوط الرئيسية لكل الحوارات التى دارت اليوم و الأحداث التى لم ترد له على بال قبل الآن .
" يا ترى مين اللى صح و مين غلط "
-----------
إلى اللقاء مع الحلقه اللى بعد كده