الحلقه الثانيه والعشرين
بقلم \يمنى حسن حافظ
جلس والدا هيام يرشفان الشاى امام التلفاز وعلى الارض امامهما جلس الطفلين الصغيرين يلهوان ...فى حين تمددت السيده العجوز على الاريكه تنعس قليلا كعادتها بين الحين والاخر...
صدر صوت لمفاتيح تعبث بثقب الباب ...وما هى الا لحظات وكانت هيام تدخل من باب الشقه بعد يوم طويل يفترض ان تكون قد قضته فى الجامعه ......
فالتفت اليها والديها... فى حين قفز ابن شقيقتها الصغير محمد يمسك بملابسها ويقول فى شقاوه ..: هيام جت ....هيه... عايزحلوه...عايز بونى ...
ضحكت هيام وقبلت الصغير وقالت وهى تبحث عن شئ فى حقيبتها : اصبر يا عفريت شويه....
قال والدها معاتباً وهو ينظر الى ساعة الحائط : ما هذا التأخير يا هيام؟؟
فقالت بتردد مالبث ان تحول الى ثقه فى لحظات : محاضرة مهمه جدا تم تأجيل موعدها لآخر اليوم ...وانتهت فى وقت متأخر...
.ثم مدت يدها للطفل بقطعه من اللبان....فوضعها فى فمه بسرعه وهو يقفز ويجرى....
فى حين هبت والدتها وهى تقول : لا يا هيام....كده برضو؟؟؟ لبان لاء....بيبلعه ....
ثم هرولت تجرى خلف الصغير الذى ارتفع صوته يضحك ويقهقه من الداخل وهى تقول : تعالى هنا....هات اللبانه وخد بسكوته ...ولد يا ميدو...
تحركت الجده الراقده على الاريكه لتجلس ببطء وهى تتأفف من الضوضاء و تمصمص شفتيها وتقول بحسره: آآآآآخخخخ....الواحد مش شايف راحه فى بيتك يا بنى ....دوشه ووش طول النهار....
فضحك والد هيام وقال لوالدته : سامحينا يا امى....ارتاحى فى الداخل ... ولا تتعبى ظهرك بالنوم على هذه الاريكه الغير مريحه ...
فعبست فى وجهه وقالت وهى تشيح له بيدها :لاجوه ولا بره... الواحد كفايه عليه نوم لحد كده ...
فضحكت هيام وقبلت راس جدتها وقالت تداعبها : تعالى نامى جوا يا قمر؟؟
فدفعتها جدتها بعيدا وهى تقول بأشمئزاز شديد :اووووف..... ايه يا بنت ده؟؟؟
ريحتك سجاير كده ليه؟؟؟
فقالت هيام بسرعه وقد اصفر وجهها وهى تنظر الى والدها ثم الى جدتها : ايه؟؟ لاء....سجاير ايه؟؟ ...
ثم قالت بمرح مصطنع فى محاولة منها لانهاء الموقف : وانتى تعرفى ريحة السجاير منين يا تيته؟؟
ثم اردفت وهى تتشمم ملابسها بتعجب مفتعل..: آآآآه ..فعلاً...يبدو انها بسبب سائق التاكسى الذى كان يدخن....غير معقول.!!
ووضعت كشكول محاضراتها وحقيبتها على المنضده و هرعت نحو المطبخ وهى تقول : ها... اخبار الغداء؟؟
وما ان اختفت داخل المطبخ حتى فزفرت فى توتر وابتلعت لعابها بصعوبه...فقد كادت جدتها ان تضعها فى مصيبه كبرى....فهى بالفعل تفوح منها رائحة السجائر والتى كانت تدخنها اثناء جلستها مع ذلك الشاب....بعد موعد الكليه.....
ابتسمت وهى تتذكر كلامهما ...ومزاحهما....وشعرت لاول مره بالثقة فى نفسها .....فهذا الشاب بالذات كان يعجبها منذ وقت طويل .....ولكن..لم تاتيها الشجاعة ابدا لتعترف له....فقد كان بعيد المنال لوقت قريب ....
وكانت هى من ذلك النوع الفضولى العاشق لتقصى أخبار الجميع ....ومتابعة احوال العشاق فى الجامعه ولا تستطيع كبح جماح فضولها حين يكون الحديث عن الحكايات الرومانسيه بين طلاب الجامعه ..حتما لم تكن تكتفى بالمشاهده فقط ..فلديها اكثر من اسم مدرج فى قائمة هاتفها المحمول..لكن هذا الشاب مختلف تماما.....هذا الشاب لا يبادر الا بخطب ود الجميلات...الجميلات فقط....
ملاءت رئتيها بالهواء عن آخرهما ...ثم زفرت الهواء بصوت مسموع وهى ترسم ابتسامة بلهاء على شفتيها ..فهاهى الان انضمت بكل بساطه الى تلك القائمه ....ترى ماذا ستفعل لميس حين تسمع بهذه المفاجأه....وماذا ستفعل ساره حين تعرف هى الاخرى..!!!
نعم ...بالاخص ساره ....ذلك لان الشاب الذى كانت تجلس هيام معه ....شخص كانت ساره تهتم لأمره كثيرا .....بل كانت مرتبطة به .....نعم كانت تجلس مع ذلك المدعو وليد....
.................................................
وصلت العمه منيره الى بيت شقيقها فى الساعه الرابعة عصرا ...على عكس كل خميس حيث تصل مبكرا وقبل آذان الظهر .....ووقفت هى واولادها امام باب الشقه المفتوح... فى وصلة طويله من الترحاب الحار من مدحت وهناء ....
قبّلت هناء منيره قبلات ذات صوت رنان وهى تحتضنها وتقول : حمدا لله على سلامتك ...لقد اقلقتنا عليك يا منيره ....لم كل هذا التاخير ؟؟
دخلت منيره تجلس على الكرسى الاقرب للباب وهى تضع حقيبة يدها بجوارها ...وهى تقول باعياء : اقعد وآخذ نفسى يا هناء ....المشوار النهارده كان صعب اوى....
فى حين لحقت بها نهال بعد ان قبلت خالها وزوجته..ومن خلفها كريم واكرم حاملين حقيبة الملابس والكرتونه المعهوده...
فقال مدحت ممازحاً شقيقته الحبيبه :عندك تأخيراربع ساعات... ؟؟
فأجابته نهال بابتسامتها الودوده : عذراً يا خالى ...انا السبب .... كان عندى مقابلة عمل وانهيتها فى وقت متأخر.....
أخذها خالها تحت ذراعه بحنان وقال :بالتوفيق باذن الله ...سماح المره دى عشانك يا نهول..
فما كان من منيره الا ان قطبت جبينها وقالت: هكذا ؟؟؟.
فقالت نهال وهى تمازح والدتها : انا وخالو متفاهمين....اطلعى منها يا "منوووره"
ابتسمت ..هذا اللقب لطالما اضحكها ...ثم قالت بجديه : هو فى ايه النهارده يا مدحت...؟؟ الشوارع زحمه كده ليه....
قال شقيقها : حين تحين الساعه الثالثه ...تزدحم الشوارع بشده....هذا وقت انصراف الموظفين وخروج المدارس....ولكن تعرفى ان الشوارع اصبحت مزدحمه طوال النهار...وكل يوم...القاهره أوشكت على الانفجار.....
هزت منيره راسها ومصمصت شفتيها وقالت : آآآه صح عندك حق...دى بقت خنقه وزحمه...والا الاشارات والكبارى...يااااااه .!!!
تصدق الطريق من المحطه لحد هنا ...أخد وقت اطول من وقت السفر ...!!
ابتسمت هناء بعفويتها وقالت: ياااه ...!! حمداً لله على السلامه يا منيره ...
تدخل كريم فى الحوار بشقاوته المعهوده حين قال : هانعمل ايه بقى فى ست نهال وعمايلها يا خال هى السبب؟؟
قال اكرم يمازح شقيقته : نهال هى السبب .....احرموها من الغداءعقاباً لها ههههه
و اردف كريم ضاحكاً : نعمل ايه ؟؟ الايه هاتشتغل؟؟؟
ضحك الجميع فى حين قالت نهال وهى تشير اليه بيدها بحركة تتوعده : اصبرعليا ؟؟
فقالت منيره متوعده : ما كفايه يا ولاد بقى...اتلموا شويه.
ربت مدحت على كتف شقيقته وقطب جبينه بحركة مازحه للتؤامين واشار لهما يتوعدهما وقال
لاء...يا جدعان ...لنا كلام بعد الغذاء ..... لكن الان حان وقت الطعام ...انى اتضور جوعا يا منيره....
ابتسمت منيره رغما عن ضيقها من افعال محاولات ولديها قلب كل حديث الى مزاح فقالت وهى تضع يدها على بطن شقيقها : هيا يا هناء بسرعه...مدحت هاياكلنا ...
ضحك الجميع وقالت هناء: هيا ...الغداء اليوم كشرى بالعدس الاصفر....مارايك ؟؟
نهضت منيره متجهه نحو الحجره قائله : تسلميلى يا حبيبتى ....ياااااااااااه ......الله يرحمك يا امى ...كانت الاكله المفضله لديها...
ثم تلفتت وهى تتساءل :امال الولاد فين يا هناء؟؟
قالت هناء:حاتم على وصول ....اما هدير فموعدهــ.......
قاطع كلماتها طرقات ميزتها هناء جيدا ...فقالت وهى تتجه لتفتح الباب .. : هه...يبدو انها وصلت
فقفز كريم نحو الباب بسرعه قائلا :سافتح الباب لها .... جبنا فى سيرة القط....
وفتح الباب ......دخلت هدير بادية عليها إمارات الحيره.... فتفكيرها لا يزال معلقاً بباسم وبما حدث له اليوم ..
.لكن بمجرد ان رأت وجه كريم الذى فتح لها الباب وهو يحرك عينيه ويخرج لسانه بحركته الشهيره ... ضحكت و..هرولت لتحتضن عمتها التى اجلستها فى حجرها...وهزت ساقيها كمن يهدهد طفل صغيرقائله : وحشتينى يا دودو ...يا عكروته..
ضحك الجميع....وانفض كل منهم يقوم بعمل ما ...الشابان يدخلان الحقيبه الى الحجرة ....فى حين انشغل مدحت بفض الشريط الذى غلفت به الكرتونه..لفتحها و إفراغ محتوياتها.... ونهضت منيره لتغير ملابسها فى حين عادت هناء الى المطبخ وهى تقول : هيا بسرعه يا بنات ساعدونى...
كان الجميع مشغولا.....ولكن كان اكثرهم انشغالا ...وشرودا ...واستغراقا فى التفكير.... هدير....ترى كيف ستستطيع ان تمضى الساعات الباقيه فى النهار دون ان تفكر فى باسم؟؟؟؟
.................................................. ..................................
وقفت غاده وهى تقضم اظافرها بعصبيه امام محل المرطبات الشهير... حسب الاتفاق السابق مع معتز....والذى لم يكن قد وصل فى موعده بعد ...تلفتت يمينا ويسارا تبحث عنه كمن يبحث عن ابرة فى كومة قش...فكل هؤلاء الشباب يكتظون ويتسكعون امام المحل...فى سياراتهم اوعلى الارصفة المجاوره.....جميعهم متشابهون بدرجة محيره...نفس اسلوب الملابس وطريقة تصفيف الشعر ...ولا يختلفوا كثيرا عن زملاءها بالجامعه...
وضعت اصبعها الاصغر فى فمها...فما باله معتز ؟؟
وما هذا المكان المزدحم الذى سيقابلها فيه؟؟
مدت يدها داخل الحقيبه .... تتلمس الفلاشه التى ستسلمها له.... استندت بظهرها على السور المجاور للمحل ....ثم مدت يدها مره اخرى لتتأكد من وجود الفلاشه ....فبدونها لن تستلم باقى المبلغ المتفق عليه....
الف وخمسمائة جنيه....!!!
ياله من مبلغ ضخم ...ولكنها حتماً ستفعل به الكثير....
ستضع الفاً فى حسابها الذى انشاته منذ عام ونصف ...والذى اقترب الرصيد فيه الى العشرة الآف جنيهاً حتى الان ...وستدفع مقدما لشراء جهاز كومبيوتر لاشقاءها الصغار...فهذه الايام اصبحت مادة الحاسب الالى تدرس بالمدارس....ولكن تبا لوالدها الذى رفض شراء الجهاز متعللا بانه اضاعة للوقت ....
هزت راسها فى استهزاء صامت...فماذا يعرف ابوها غير الشيشه ومشاهدة التلفاز..!!
وحدها امها كانت حريصة على توفير كل شئ لهم ...ولكن اين هى الان...
كانت ذكرى امها كفيله بإثارة عاصفة من العواطف المتناقضة داخل صدرها الضيق...
العمل ....كان اروع فكرة واتتها على الاطلاق ...فهى دائما تعمل ولا تتوقف عن العمل ..ولا تتصور حياتها دونه ..تبيع هذا وتشترى ذلك ....اصبح عقلها يعمل كآله حاسبه...فى لحظه سريعه تستطيع ان تعرف كم سيكلفها هذا وكم سيدر عليها ذلك من ربح....!!
العمل وحده ما سيبقى لها......فلا سبيل امامها غيره ...فيكفيها ما اضاعه والدها من تجاره ..ثم متى القى بالا للمصاريف...؟؟
يكفيه ان يعيش حياته فى كسل وخمول دون اهتمام باى شئ...... وكان هذا سبب اساسى دفعها لان تدخر.. لتجد ما تستند عليه...وما يؤمن لها مستقبلا مختلفا....
فتعلمت كيف تحصل على الجنيهات بكل طريقه..وتعلمت كيف توفر فى مصاريفها...فلا بأس ان يدفع لها زميلها ثمن المرطبات فى الجامعه....او ان يدفع لها آخر تكاليف السياره الاجره....او حتى ان تقترض من زميلاتها الكتب والملازم وتصورها فى محل النسخ الذى تعمل فيه...بدون مقابل....
ولكنها حتما لا توفر فيما يخص اشقائها....فتغدق عليهم بدون حساب...فيكفيهم حرمانهم من امهم ...وما يلاقونه من قسوة اباهم....
دق هاتفها المحمول برقم غير مسجل....اعادها الى وقفتها التى طالت فى انتظار معتز .......همت ان تجيب لولا ان انقطع الاتصال ...تأففت ...فمن هذا السخيف الذى يتصل عليها بنصف رنه؟؟؟
ولكن سرعان ما حاولت اعادة الاتصال..حين اكتشفت ضعف الارسال فى الهاتف ..فحركت الهاتف يمينا ويسارا فى حركة طفوليه منها لتحسن اشارات الارسال...
ولكن لا فائده ...وتمنت الا تكون هذه المكالمه الهامه التى تنتظرها من مدام\نيفين التى تحاول اقناعها ببدء العمل معها .....كمندوبه لشركة ادوات تجميل اجنبيه معروفه......
تأففت...فالانتظار ممل جدا...وشردت قليلا فى افكارها ....ليت هذا العرض الجديد يدر عليها الكثير والكثير من المكاسب ...فى وقت قصير ....
فهى متحمسة جدا لانه عمل ممتع....ولن يضيع وقتها ولا يرتبط بمواعيد ثابته ....فما عليها الا عرض الكتالوجات الخاصه بالمنتاجات على صديقاتها ..وما اكثرهن....وعلى اصحاب محلات ادوات التجميل او الكوافيرات ...وما اكثر معارفها منهم ...ثم ابلاغ الطلبيات الخاصه لرئيستها المباشره بالهاتف ...والذهاب الى مقر الشركه يوم واحد فى الاسبوع لاستلام الطلبات وتسديد الحساب...والحصول على خصم 25% من اسعار البيع الى جانب العلاوات التى ترتفع بارتفاع نسبة الكميات ....بمجرد تسليم الزبائن تحصل على الربح ....عمل مريح وسهل وسريع ...ومربح ايضا ....
ليس كحال عملها فى مكتب الطباعه ...الذى قررت ان تنتهى منه بهذه الصفقه الكبيره مع معتز ....
وبالطبع كانت صفقه دسمه .....حصلت فيها على الفين من الجنيهات دفعة واحدة...ياله من مكسب سهل......
تأففت ...للمرة العاشرة على التوالى ..ثم بدات مره اخرى فى قضم اظافرها ....اعادت الاتصال بالرقم مره اخرى .... ولكن الهاتف الذى تحاول الاتصال به غير متاح ....اشترت كيس كبير من المقرمشات ....التهمته فى سرعه وعصبيه....قلبت فى الارقام باحثة عن رقم معتز هذه المره ...لقد تاخر نصف ساعه كامله ....واوشك قلبها ان ينفجر من التوتر ....واصابها الصداع ....
وقبل ان تتصل ......دق الهاتف بين يديها......فتحت الخط بسرعه لتجيب....وهى تتوقع ان يكون معتز يعتذر عن التاخير او حتى يخبرها بموعد جديد للتسليم....
اجابت بلهفة : الو....مين؟؟
الا ان الاتصال انقطع كالمرة السابقه....تاففت هذه المره بصوت مسموع....وهى تنظر للرقم بغيظ شديد فهى لا تحتمل هذا النوع من المضايقات الان....يكفيها ما هى فيه من توتر وقلق.......
اتعيد الاتصال ؟؟؟
لم تاخذ وقتا فى التفكير فهى تتمنى اى حدث يخرجها من مللها هذا ...وقد حدث..
حين سمعت من خلفها صوت معتز وهو يضحك بطريقته المعتاده ويقول : ايه يا بت الحلاوه دى......شغل عصابات اصلى....والله ولا المافيا يا عسل...
التفتت بغضب وهى تضغط على اسنانها وتقول : ايه بت دى..ما تحترم نفسك..!!
ضحك ضحكة عاليه بدون اكتراث وقال وهو يضم كفيه ويضعهما تحت ذقنه فى حركه مسرحيه ساخره : ومالو ...احترم نفسى ..حاضر ...ومنكم نستفيد يا ابله غاده ...حلوه ابله دى؟؟
ثم مد يده نحو حقيبة يدها يجذبها منها بحركه مازحه وهو يقول بهمس ويقترب منها :... هى البضاعه هنا....؟؟
ثم عاد للخلف وهو لا يقوى على ان يتمالك نفسه من الضحك وهو يرى انفعالات غاده وتعبيرات وجهها المندهشه ..
سارعت غاده باخراج الفلاشه وقبضت عليها فى يدها وقالت بحزم : باقولك ايه.....بلاش الاسلوب ده معايا ....هات باقى الفلوس ...وخدها ..
قطب معتز حاجبيه وقال : قاسيه ...وقويه....
ثم اردف وهو يقترب منها بفجاجه :وحلوه وانتى عصبيه...
نظرت غاده له بغضب وهمت ان ترد عليه الا انه عاجلها بلفافة من النقود .....وناولها اياها .....
اجذبت النقود منه بعنف الا انه عاد واخذاللفافه منها مره اخرى وقال : متأكده ان البيانات كلها هنا ؟؟
نظرت له بغضب : جرى ايه؟؟ طبعا متأكده ...وبعدين بقى ؟؟
فسحب ورقه بمبلغ مائة جنيه من بين النقود..وقال وهو يشير بها لغادة امام وجهها : ماشى ....دى بقى حلاوة شغل الكهربا يا ماما.....ولا ايه؟؟
نظرت له بتقزز ...ثم ناولته الفلاشه وقالت بسرعه : كده خلاص .... انسانى نهائى ...ولا اريد ان ارى وجهك او اسمع صوتك مره اخرى...
قال وهو يغمز بعينه فى خبث : والتانيه فين؟؟
قالت وقد اغتاظت من نفسها لانها لم تتذكرالفلاشة الاخرى الخاصه بالفيروس فمدت يدها تخرجها من الحقيبه وتعطيها له بقوة قائله: ها هى....؟؟
قال بابتسامة بلهاء :ليه بس القسوه دى يا ابله؟؟؟ عموما ....ماشى يا.....انتى قولتى اسمك ايه؟؟
ثم اطلق ضحكه سخيفه ...وتركها وعبر الطريق وانطلق يركب سيارة فاخره كانت تنتظره فى الاتجاه الاخر....
وضعت غاده المال فى حقيبتها واحتضنتها بشده ...ابله هذا المعتز؟؟
يعطيها مبلغ ضخم هكذا فى عرض الطريق وعلى مرأى ومسمع من كل هؤلاء؟؟
توجهت بسرعه نحو الطريق لتستقل سيارة اجره....فهى لن تجازف اليوم بركوب الميكروباص ومعها هذا المبلغ ....
ما ان قفزت فى السياره الاجره حتى لمحت امرأة تعبر الطريق بخطوات مالوفة لها ...وفى لحظه ظهر وجه والدتها يملاء مخيلتها ......نعم فقد رات امها تعبر الطريق........
.................................................. .........................
جلس حاتم وساره فى ذلك المقهى المعروف ..والمزدحم بالشباب ....وكانت كل خلية فى جسدها تنتفض...فهى مقبلة على قول كلمات لا بد ان تخرج واثقة وثابته والا ضاع كل شئ...ولكن كيف وهى تشعر بكل هذا التوتر ؟؟
قال حاتم بهدوءه المعتاد : كلى آذان صاغيه يا ساره....فيم كان بحثك عنى اليومين الماضيين؟؟
مد ساره يدها لترفع خصلات شعرها بطريقه مدروسه ....فتعود لتسقط على وجهها مره اخرى...فتنظر بدلال من بين خصلاتها الملونه ....فى حركة استعراضية خبيثه..وتقول بصوت اقرب الى الهمس : آسفه لانى حضرت الى مكان عملك...انا لا افعل هذا ..ولكن.... انا مكسوفه منك والله...
هز حاتم راسه بجديه وقال : حصل خير ...
قالت بسرعه : ارجوك لا تأخذ عنة فكره سيئه...وانــ
قاطعها وقال : لا بأس ...دعينا من هذا الان واخبرينى ما الموضوع بالضبط..!!
قالت ساره وقد امتلاءت ثقه بالنفس واسندت ظهرها ووضعت ساقا فوق الاخرى ..ونظرت فى عينى حاتم مباشرةً وقالت : بص يا سيدى....انا معروض عليا شغل فى شركه كبيره ...وطبعا انت اكيد عارف التلاعب والخداع فى ال حاجات ال زى دى .....
نظر اليها حاتم مندهشاً ومتعجبا....فما دفعه للحضور لمقابلتها اليوم لم يكن ابدا ليجلس ويتحدث معها بشأن حياتها ......بل كان دافعه خوفه على هدير ...وما قالته عن انها فى خطر...
قال حاتم بجديه وقد اعتدل فى جلسته : ساره....!!! كيف استطيع ان اساعدك فى هذا المــ...
قاطعته وبضحكات خافته : تقصد تقول "وانا مالى ومال شغلك" ..مش كده ؟؟؟
قال بسرعه : لا..اقصد انـ....
قاطعته مره اخرى : ولا يهمك ...انا...
وابتلعت كلماتها وصمتت حين وقف الجرسون مبتسماًعند المائده وبدأ فى وضع زجاجة الماء المعدنيه البارده والاكواب الزجاجيه النظيفه ....وقدم القائمه الخاصه بالطلبات لحاتم ..
فقال لساره : تشربى ايه؟؟
قالت بدلال : اى حاجه .....
بدون تفكير وبسرعه وبدون أخذ رايها طلب عصيرا ....واعاد القائمة للرجل ...
والتفت اليها فقالت بجديه : بص يا حاتم ...انا محتجالك جدا...
اطرق حاتم بوجهه ....وهز راسه ...وهو يحاول ان يفهم ما تقصد بالضبط
ابتسمت وقد اعجبت بنفسها حين لعبت بالكلمات ورأت توتر حاتم فقالت بجديه مره اخرى : اريد ان أعطيك اسم الشركه لتوصى احد اصدقاءك المشتغلين بالشئون القانونيه ان يسال عن بعض المعلومات عن المالك وعن انشطة الشركه ...وكذلك العقد الذى سأوقعه ...خصوصاً انى لا ازال طالبه....
هز حاتم راسه وقال : نعم فهمت ....سأعطيك رقم المحامى الذى نتعامل معه ...وتستطيعى ان تعرضى عليه الموضوع بنفسك...وقد يفيدك اكثر منى بالقطع ....
همت ان تكمل حديثها الا ان حاتم قال مسرعا : ساره....اعتقد اننا حللنا هذا الموضوع ...والان الموضوع الثانى الخاص بهدير...ماهو؟؟
شعرت ساره بالحرج...فحاتم يبدو انه لا يهتم الا لهدير ...زفرت بصوت خافت وهزت قدميها بعصبيه حاولت الا تظهر عليها ...ثم قالت :هدير؟؟ يااااااه يا حاتم....
قال حاتم ببعض التشكك والترقب :خيرا ان شاء الله..؟؟
وجلس ينتظر كلماتها دون ان يدقق النظر فى وجهها ...مما اصابها ببعض الغيظ منه ...
فنقرت باظافرها على المائده ...فى توتر ..وقالت بصوت جاد عال بعض الشئ : بدون مقدمات يا حاتم ...هدير ناويه تعمل مصيبه...انا حاولت اغير تفكيرها ...لكن لافائده....
انتبه حاتم ولم يستطع اخفاء قلقه..فقال بلهفة وخوف : اخبرينى ماذا تقصدين بالضبط.؟؟
قالت بصوت تصنعت فيه المسكنه والخضوع وقد قررت ان تلقى على مسامعه قنبلة
فخرجت انفاسها متهدجه وصوتها منخفضاً : هدير.........هدير هاتروح لباسم ....
هاتروح لباسم فى البيت...
.................................................. .........
دق الصداع الشديد راس أ\ جمال ابو سيف فوضع يده فوق راسه ...وجلس فى بهو المستشفى الفاخر الذى يرقد فيه ياسر ابنه...وبجواره جلست زوجته تنتحب وتبكى وتقول :لا أصدق...ابنى انا؟؟ ابنى انا يمد يده ليسرقنى؟؟
قلب جمال كفيه بعنف مصدرا صوتا عاليا ...وهو يقول : آخرتها...ابن المحامى حرامى..دى مصيبه...
وضعت زوجته يدها على فمه بسرعه وقالت : شششش ماذا تقول..؟؟ الناس يا جمال ...النـ..
قاطعها بقبض على يدها وينزعها من فوق فمه بعصبيه شديده وهو يقول بصوت عالى: هو ده ال يهمك يا هانم ...الناااااس؟؟
همست بصوت اشبة للبكاء :كفاك ...لقد اسمعتنى ما فيه الكفايه ...وحملتنى مسئولية ما فعله ياسر..ولكن لا تبدو لى برئ ....فانت الاخر عليك عبء فيما حدث ...
قال بصوت مرهق ..انهكة التعب: انت أمه...كان لابد ان تكونى اكثر وعيا وحكمة ومراقبه...لا ان تنشغلى عن الاولاد بشركتك واعمالك...وصفقاتك ...اولادك يأتون فى المرتبه الاولى....
اصدرت صوتا ساخرا على كلماته : هه ....كما كانوا فى المرتبه الاولى بالنسبة لك؟؟
قال بغضب : لا تخلطى الاوراق يا هانم .... ..الام هى التى تعتنى بالابناء لا التى تنشغل طوال النهار والليل فى البحث عن نجاحات شخصيه ولا هم لها الاتكديس الجنيهات فى أرصدتها بالبنوك...
شهقت بغيظ وقالت بصوت هامس يقطر سخرية :لا يا حضرة المحامى....هذه ليست مرافعة من مرافعاتك ...فلا تحاول الدفاع عن نفسك والقاء اللوم على ...لاننـ....
قاطعتها لميس وهى تربت على كتفا وتقول بحزن :الطبيب فى حجرة ياسر...ويطلب رؤيتكم..
دون وعى هب الاثنين مهرولين نحو حجرة ابنهما ..ومن خلفهم وقفت لميس واجمه....سقطت جالسة فوق الكرسى ... ولا تزال آثار صدمتها بفعلة شقيقها بادية عليها..... لم تستوعب كيف فعلها؟؟ شقيقها هو السارق المجهول التى كانت تبحث عنه كان تحت سمعها وبصرها فى الوقت الذى كانت تلقى بالاتهامات الباطله على صديقاتها ...وتكاد تفقدهم بهذا السبب؟؟
ثم ما حاجة ياسر للسرقه ووالديهما لا يدخران وسعا فى اسعادهما ..والاغداق عليهما بكل شئ....لم يسمعا فى حياتها كلمة رفض لاى طلب .... يتركون لهم الحرية المطلقه...فى الذهاب والاياب والشراء والاقتناء....مصروفهم الشهرى يتعدى مرتب موظف كبير.....محفظاتهم مكتظة دائما بالنقود ....من منهم عرف يوما معنى ان يحتاج لشئ فلا تستطيع ان يدفع ثمنه .؟؟؟
ماذا أصاب شقيقها ليمد يده ويصبح مثله....مثل ...الفقراء المساكين !!!
نعم الفقراء فقط يسرقون.....هكذايفكر عقلها الساذج...
غابت عنها حقائق عجز عقلها الغير كامل النضج ان يراها فليس كل سارق ...محتاج..... فالسارق اليوم غنيا وغير محتاج ولكنه فتى مدلل وفاسد.......
عادت الى الحجره تجر اقدامها فى يأس...وفى الحجره وقف الطبيب يفحص ياسر وقال بلهجة طبية متقنه : اصبحت الحاله مستقره جدا....ويستطيع العوده الى المنزل فى الصباح...بعض العلاجات البسيطه ستستمر لمدة خمس ايام....ويستطيع مزاولة نشاطه العادى ....
استمع ياسرالى الطبيب ...وما ان غادر الحجرة الا والتفت اليه والده بغضب ... فحاول ياسر الهروب من نظرات الجميع....
احتضنته والدته بذراعها وهى قبلت راسه وقائله : الحمد لله يا حبيبى ...
فنظر اليها زوجها بغضب وقال : هيا...هيا واصلى إفساده بتدليلك المعتاد....الم تعى الحقيقة بعد؟؟
قال ياسربضعف واستكانه وهو يخفض عينيه ويطرق براسه خجلا : ليس الموضوع كما تصورت يا ابى ...لقد ظلمتنى ...انـا كنت اريد انـ.........
قاطعه والدة بغلظة وعنف وهو يلوح له بيده :ايه؟؟ هاتكمل كذب؟؟ قل انك كنت تريد شراء قطعة حلى لوالدتك ولم تعرف المقاس فأخذتها؟؟
او ان القطعه وقع منه بعض الفصوص وكنت انت تصلحها كمفاجأه لوالدتك؟؟
ها ...ما الكذبه التى ستقولها ؟؟ محاولات دفاع بحجج واهيه....
صمت ياسر تماما....ثم قال :لا...لن اكذب....لقد مددت يدى اخذتها بالفعل....
صرخ فى وجهه :دى بجاحه وقلة حيا....مش همك يعنى؟؟هاااا؟؟
قال باكيا :لا يا ابى...ولكنى خشيت ان اخبركم بالورطة التى انا فيها ....وكنت فى حاجه للنقود...و..و لم افكر الا فى هذا....سامحونى...
ومد يده يقبل يد والده وهو يبكى
ارتجف ا\جمال ودق قلبه بخوف من كلمات ابنه...فما الورطه التى وقع فيها ياسر والتى دفعته للسرقه من البيت؟؟
ياللهول....الن ينتهى مسلسل المفاجأت التى تنهال على راسه بعد؟؟
.................................................. ....
جلس باسم فى منزله على الاريكه ومن حوله اصدقاؤه .....هذا يحضر له كوبا من الماء والاخر يساله كيف تشعر الان؟
ولكن كيف يشعر باسم؟؟
ممثل بارع باسم هذا.......فهذا كله جزء من الاتفاق الذى ابرمه مع ساره......قالت له :مثل شويه؟؟ اخلع قلبها عليك....
وبالفعل حدث...
الا انه يتذكر جيدا انه حين هب واقفا ممسكا بعنقه وشعر بالاختناق كان الاحساس أقوى من ان يكون إدعاء........
فقد كان بالفعل مختنقا.....مكتئبا..........محبطا ........
شعر بانفاسه تتلاحق ....وهو يرى هدير لا تهتم......ضاعت كل عبارات الحب بينهم....وضاعت ايام قضاها معها فى حاله لم يصل اليها من قبل.......
حالة الحب...الحقيقى....
قال ميلودى:ها يا باسم....عامل ايه؟؟ يا عم قلقتنا الله يخرب بيتك...
ضحك الشباب وقال احدهم : وشيل وحط ...واجرى على الدكتور....وفى الاخر شوية دوخه من الاانيميا
قهقه ميلودى وقال مازحا مزحة سافله: طلعت حامل يا منيل؟؟
وقهقه الجميع......فهكذا كانت مزحاتهم.......سافله ومنحطه مثل اخلاقياتهم للاسف....
دق هاتف المنزل فأجاب باسم بوهن : ايوه
كانت هذه والدته تطمئن عليه كما وعدته فى نهاية كل اسبوع....
فما كان من اصدقاؤه الذين لم يعلموا من المتحدث الا ان مازحوه قائلين بصوت عال : ايوه يا عم..!!
وضحك احدهم ضحكة رقيعه لا تتناسب وكونه رجل.....وعلى اثرها صرخت والدة باسم فى الهاتف :ايه ده؟؟ مين دى؟؟ جايب بنات فى الشقه يا باسم؟؟ انت اتجننت؟؟
قال بسرعه وهو يشير لاصدقاءه :لا والله يا ماما ...انا تعبت شويه وكانوا بيــ...
قاطعته وقالت : كمان ؟؟ اصحابك فى البيت؟؟ وبعدين يا بـــــــــاسم؟؟ لازم ابوك يشوف حل معاك ...
وظلت تندب حظها وتسمعه كلاما شديدا....فما كان منه الا ان ضحك باستهزاء وسخريه وهز راسه ثم قال : حاضر.....حاضر يا ماما....
واغلق الخط ..والتف وسب زميله الذى ضحك بهذه الطريقه .....
ودق هاتف ميلودى :ها يا مان....لاء ...يا راجل؟؟ هيام ؟؟ صاحبة ساره؟؟ هههههههه
ماشى...هات بيتزا ...
والتفت قائلا للموجودين: بيتزا يا رجاله؟؟
فقالوا : نعم
اغلق الهاتف وقال لهم بصوت عال : عارفين وليد مع مين دلوقتى؟؟ هيام؟؟
صفق الشباب بحقاره...وهم يقولون كلمات غير مهذبه تصف هيام ....
قال باسم وقد خنقه وجود اصدقاءه : كفايه انا تعبان ...
فكم كان يحب ان يقضى هذه اللحظات بمفرده ....لم يكن فى حاجة لاى من هذا الهراء الان...ولكن لن يتركوه بسهوله ..فالمنزل الفارغ من الرقابه هو احسن الاماكن للتسكع ...
ظل يفكر ...ترى ماذا سيحدث مع هدير؟؟ هل ستصدق ساره وتجعلها تغير فكرها ويعودا للحديث كما كانا سابقاً ام لا ؟؟
.................................................. ..........
قد تسمع عن شخص سيقوم بمجازفة خطره فى طريق حياته...سيختار الاختيار الخاطئ ...فيتملكك الحزن لانه حاد عن الطريق الصحيح ...قد يطول الحزن او يقصر.....ولكنك فى النهايه تعود ...لتنشغل بحالك....لتعيد تقييم امورحياتك .....ولن يبقى من تجربة الاخرين الا نقاط نتعلم منها ...كيف نتجنب ما عانوا منه....
ولكن اتستطيع ان تفعل ذلك حين تعرف ان من سيختار الاختيار الخاطئ ...هو اهم شخص فى حياتك؟؟
اتستطيع ان تغض الطرف ...او ان تتقبل الامور ببساطه؟؟
اتستطـــــــيع؟؟؟
حاتم لم يستطيع..........فما ان سمع بكلمات ساره التى كان وقعها عليه قاسيا....سحقته تحت وطأة ما تحمل من معانى خفيه ومخيفه....حتى انه تراجع للخلف بقوه...ليخيل لمن يراه انه قد لدغه عقرب سام ....ولكن ما اصابه كان سمه اقوى من سم العقارب....
نظرحاتم الي ساره بغضب شديد...وقال دون تفكير وبحدة شديده وبصوت عال : مــــــاذا تـــــقولين؟؟
بطريقة أطرق على الحديد وهو ساخن... تابعت هى كلماتها بوهن صوتها المدروس : صدقنى يا حاتم...انا هاتجنن من ساعة ما عرفت...كانت هذه الفكر التى توصل اليها الاثنان ليستطيعا ان يتقابلا دون ان يراهما احدخاصة بعد ان اكتشفت علاقتها....جنون.....لا ادرى فيم كانت تفكــر ؟؟
قاطعها الجرسون مره اخرى وهو يضع امامهم المشروبات .....
لم يكن حاتم يسمع شيئا من كلماتها ولكنه كان يعانى بشده .... وجه هدير يملاء عقله....ولا يتصور ابدا ان تقدم على عمل احمق وفاسد كهذا...عقله يرفض بشده ان يصدق ساره.... وفى نفس الوقت يموت رعبا ان تكون كلماتها صادقه ..... ظل يهز راسه غير مصدق لما يسمع.........
وفجأه انطلقت ضحكة عالية تقطر دلال وخلاعه من بين شفتى فتاة تجلس فى المائده المجاوره ...فانتفض جسده كله ...وانتبه .......فقال بأسى : لا حول ولا قوة الا بالله ...استغفر الله العظيم ....
ثم مسح على وجهه بكلتا يديه فى حركة متوتره ومد يده يرشف من كوب الماء ثم اردف : ساره ...كيف عرفتى....ومن اخبرك؟؟
قالت متصنعة الحزن :اقولك ايه بس....انا حاسة بالذنب ومش عايزه اخسر هدير...انا لولا معتبراها اختى وربنا يعلم بحبها ازاى...لولا كده.....
ثم صمتت قليلا وقالت : هدير قالتلى بنفسها...عايزانى اساعدها.....
ثم اردفت بسرعه : ارجوك يا حاتم ....بلاش تقولها انك عرفت منى....وانا ممكن اقولك التفاصيل والميعاد وتيجى معايا وتشوف بنفسك الـــــــــ.............
قاطعها حاتم بغضب شديد : ساااااااااااااره انتى بتقولى ايه؟؟
قالت وهى تختلس النظرات لحاتم : عموما ....الميعاد يوم السبت ولانك اجازه وهاتكون فى البيت ...فطلبت منى ان امر عليها الصبح بعربيتى ....كاننا سنذهب للجامعه...و...وستذهب اليه فى البيـــ......
ارتفع رنين هاتف حاتم المحمول ...قاطع حديثهما المتوتر ...وكان آخر شخص تخيلت ساره ان يتصل بحاتم ..الان..
كانت هدير...
اجابها حاتم باقتضاب : السلام عليكم يا هدير
واستمع لمكالمتها وهز رأسه بهدوء وهو يقول :نعم....مفهوم...اتفقنا...اخبري� �م بانى سآتى خلال ساعه باذن الله.....السلام عليكم
كادت ساره تسمع دقات قلبها من فرط الانفعال والتوتر...
انهى مكالمته ووضع هاتفه امامه فقالت هى : ربنا يخليكم لبعض يا حاتم....ها ..هاتعمل ايه؟؟
هز راسه...وقال :سافعل المنطقى والمفروض فى مثل هذه الحالات طبعا ...
توترت ساره اكثر...فماذا تعنى (المنطقى والمفروض فى مثل هذه الحالات) بالضبط؟؟
نظرحاتم الى ساعة يده وهب واقفا...فقفزت ساره اقفة هى الاخرى بحركة لا ارادية عصبيه وقالت وهى تحاول ان تظهر بمظهر النادمه : اهدأ يا حاتم ارجوك...لا تجعلنى اندم انى اخبرتك....انــ ـ ـ ـ
قال بهدوء شديدويشير اليها بيده لتجلس: لا ..تفضلى ارتاحى واشربى العصير...انا فقط ساتغيب لبعض الوقت ........ خمس دقائق فقط ... بعد اذنك يا ساره...
وتركها تلاحقة عيونها وقد شعرت انها على وشك فقدان الوعى ....فماذا ينوى ان يفعل ؟؟
اتجه ببساطة نحو العامل يساله عن مكان الحمام ...فى حين تابعته ساره بعيونها التى تكاد تقفز من بين محجريها من القلق الشديد....دق قلبها بشده....فكم تخاف ان تكون قد اضاعت فرصتها معه.......افكار كثيره دارت فى عقلها الخبيث...تلوم على نفسها بعنف ......تشعر بالذنب الشديد ...ليس لانها كذبت ...بل لانها انهت الكذبه بسرعه بينما كانت تستطيع ان تطيل فى الحوارات...وان تتلاعب بالكلمات ..وان تجذب انتباهه لمدة اطول ..وان تتذرع بالحجج لمقابلته مقابلات عديده ...فيقترب منها ...ويسقط فى حبها كما تهيم به حبا وولهاً...ولكن ماحدث قد حدث...
رفعت كوب العصير لترشف منه .....فقد جف لعابها بشده ...
رفعت عيناها فوقعتا على حاتم...قادما نحوها يتجه نحو المائده ...وقد انشغلت يداه اليسرى بحمل الجاكيت ورابطة العنق........وباليد الاخرى يجفف وجهه المبتل ببعض المناديل الورقيه..... فابتسمت له برقة وهى تميل برأسها يمينا ويسارا...وتشير اليه بيدها ملوحةً له الا انه تجاهلها تماما.....واكمل إغلاق ازرار اساور القميص ....وسارع بارتداء الجاكيت ..وجلس امامها وقال : ساره....اشكرك لإهتمامك بإبلاغى بموضوع هدير....
رفعت ساره حاجبيها وقالت : هدير اختى...وأخاف عليها ...
فقال حاتم برصانة وثقه : نعم....ولكن عذراً يا ساره ...لابد لى من الانصرف حالاً....
لم تتمالك نفسها فقالت بلهفة واضحه : ليه؟؟؟ لسه بدرى..!!
اشار بيده للجرسون بان ياتى بورقة الحساب والتفت اليها وقال بكل جدية : اقترب موعد آذان المغرب.... كما ان اقاربى ينتظرون حضورى بالمنزل......واعتقد انك الاخرى قد تأخرت كثيرا...
قلبت شفتيها بامتعاض وخيبة أمل ولملمت حاجياتها وقالت وهى تصر على اسنانها : معك حق....
ولكن سرعان ما ابتسمت بثقه واكملت : ولكن المره القادمه لن اتركك ترحل بسرعه هكذا....
لم تسمع ردا من حاتم ....الذى نهض وانهى حساب المشروبات ....وتقدمها متجهاً نحو الخارج ولحقت به ووقفت تودعه ....لم يطل الوقوف...لم يطل الحديث....بل كان على عجلة من امره عكسها تماما..........ركبت سيارتها....رحل....دون حتى ان يلتفت نحوها ويودعها.....
راقبت سيارته تبتعد وبداخلها حاتم.....يااااااه...ياله من رجل رائع ....ولكنه قاس...تعامل معها بطريقة لم يعاملها بها احد من قبل...........ام ترى هذه هى خطته ليشعل نار شوقها؟؟
كانت افكارها كلها تدور حول حاتم....ولم تكن هدير من ضمن تلك الافكار برغم من انها تكاد تكون قد حطمت حياتها للتو..... ولكن....اليست هذه ساره؟؟؟؟
.................................................. ...............
دخلت زينب مساعدة أ\نوال الى الحجره التى ترقد فيها نسرين...تتخبط وهى حاملة باقة زهور كبيرة بشكل مبالغ فيه.....حتى انها تكاد تسقط من بين يدها .....
وضعت الزهور واقبلت تقبل أ\نوال التى جلست على الفراش بجوار ابنتها التى غطت فى نوم ثقيل بعد حقنه مهدئه .....
والقت التحيه على أ\جيهان التى جلست واضعة ساق فوق الاخرى وقد اسندت راسها على الحائط وأغلقت عينيها .....
فاعتدلت فى جلستها .........وأخذت ترتب شعرها وتقول : هاى زينب....وااااااااو حلو البوكيه ده مووووت....
فضحكت زينب وقالت بفخر: مرسل من مدرسين ومدرسات المرحله لحضرتك يا أ\نوال هذا غير الهديه التى سنشتريها ......
فأعتدلت نوال وقالت :ها...معاكى كشف باسماء المشاركين؟؟
ضحكت زينب بخبث وقالت وهى تلوح بورقة فى يدها : طبعـــاً......
خطفت منها الورقه وهى تفضها وتسرع ترتدى النظاره وتقول بتعالى : اما أشوف مين ال ما دفعش فى مجاملتى؟؟؟
قهقهت جيهان : ايمبوسيبول يا نونه......بتعملى حاجات غريبه...
قالت نوال بقوه :لا يا جيجى...لابد ان تعرفى من معك ومن عليك ....دى سياسه ونظام...
اطلقت زينب شهقه لفتت نظر السيدتين حين دقت على رأسها بطريقه تظهر انها تذكرت شيئا هاما فجأه :أرايتم ما حدث اليوم؟؟؟ أ\الهام ارسلت فى طلب ندى عبد الرحمن ....
انتبهت حوال كل من السيدتين بشده فقالت جيهان:واى؟؟ فى ايه؟؟
فى حين قالت نوال :طلبتها فى مكتبها؟؟ معقول؟؟
جذبت زينب كرسى خشبى من جوار السرير المجاور لسرير نسرين وجلست تحكى لهم ما حدث...
ثم اردفت وقائله بخبث : الاشاعات بتقول انها ستأخذ منصب مشرفة اللغه الانجليزيه للمرحله الابتدائيه...
اطلقت جيهان شهقه وقالت دون ان تدرى :نعـــــــــــــم؟؟؟ انتى بتقولى ايه؟؟وانا اروح فين؟؟
قالت نوال بعنف : ايه الكلام الفارغ ده يا زينب؟؟ هى المناصب توزع بالسهوله دى؟؟
سعلت زينب فى محاوله للهروب من مهاجمة السيدتين ..ثم قالت :والله ...دى الاشاعات ...ولكن عندما سالت ندى ما دار بينها وبين أ\الهام لم تخبرنى بشئ....لكن كلمن فى المدرسه لا حديث لهم اليوم غير هذا الموضوع......فيبدو انه حقيقى...
صرخت نوال : يانهار اسود؟؟ الهام ممكن تعمل كده فعلا....اتذكرين العام الماضى حين استبدلت ناظره الثانوى وسبعة مدرسين فى نصف العام؟؟
غرقت جيهان فى القلق .....وشاركتها نوال التى ظلت تعقد ساعديها وتتأفف وتهز ساقيها ....
فقالت جيهان وهى تمد يدها للهاتف المحمول :لاء...لازم اعمل حاجه...ساتصل بسكرتيرة أ\الهام ..
فى هذه اللحظه بالذات دخلت هند مبتسمه حاملة فى يدها شنطه بلاستيكيه بها عصائر وشطائر وقالت ببساطه : احضرت لك شطائر لذيذه وعصير يا ماما هــ......
قاطعتها نوال بعنف : فى ايه يا هند؟؟ مش شايفه الناس قاعدين معايا؟؟
تراجعت هند وهى تحاول رسم ابتسامة على شفتيها وقالت بصوت منخفض :آسفه لم اكن اعلم ...
قالت نوال وهى تلوح لها بيدها :خلاص...قدمى شيكولاته وعصير واتفضلى ....
قدمت هند الشيكولاته لزينب ....واستاذه جيهان ...ثم قالت :بعد اذنكم ....
ما ان خطت خطوتين مبتعده حتى نادتها نوال قائله :أه هند باقولك ...تستطيعى ان تذهبى الى المنزل...من اجل طفلك....
ثم قالت بخبث :اه صحيح ...مش برضو عندك بيبى؟؟
اغلقت هند عيناها ...ثم التفتت تواجه أ\نوال والحاضرين ..وقالت بهدوء:لا يا ماما ....لم يرزقنى الله بطفل بعد....أهناك شئ آخر استطيع ان افعله قبل ذهابى؟؟؟
اشارت لها بيدها وقد قلبت شفتها وقالت دون ان تنظر اليها :تؤؤؤ
خرجت هند تجر قى قدميها........هذه السيده تصر على جرحها...تصر على معاملتها بأسوأ معامله...والان تضغط على أعصابها بحديثها بهذه الطريقه امام زوارها عن طفل....وهى تعلم جيدا ان هند أجهضت اكثر من مره ولم يكتمل حملها....
صحيح انها تؤمن بقضاء ربها ولكن هذا لا يمنع ان هذا الموضوع بالذات مؤلم جدا....
هذه المره بالذات خرجت هند...وهى لا ترى امامها من الدموع........لقد تحملت اليومين السابقين بصعوبه.......ولكنها لا تستطيع تحمل المزيد...حتما لا تستطيع..
.................................................. ....................
جلست سالى زوجة حامد....تراقب الحاضرين الذين انقضوا يأكلون من الصينيه الضخمه التى وضعتها هناء على المنضده الكبيره وهى تقول : اتفضلى يا سالى... فطير مشلتت بالسمن البلدى..........ومش وعسل اسود.....
فظلت تشير لها بيدها انها لا تستطيع ان تأكل الان ....وتخبرها بالانجليزيه المتقنه انها لا تأكل هذه الاطعمه الدسمه...والمليئه بالسكريات ليلا...
نهضت منيره وفى يدها قطعة من الفطير المغموسه بالمش ووضعتها عنوه فى فم سالى وهى تقول : ياختى كلى...انتى ممقوته أوى ...دوقى بس..!!
فصرخت سالى مستنجدة بحامد الذى نهض خلف شقيقته وهو يقول : لا يا منيره ....سبيها براحتها...معدتها حساسه ...
قهقه الحاضرون على تلك المعركه الكوميديه ...فلا تزال منيره تصر على مضايقة سالى بتدخلها الدائم والمستمر فى مسالة الطعام ....
نهض مدحت وسحب شقيقته وهو يقول : خلاص بقى يا منيره ...حقك عليا انا ....
ضحك المهندس حمدى قائلا :تصدق يا مدحت هذا التجمع به من الاثارة والمتعه اكثر من مباريات الدورى الانجليزى ...
هز مدحت راسه وهو يلقم قطعة الفطيره وقال : عندك حق ....ده كفايه التحكيم ...ههههههه
ضحك الشباب وقال كريم :دى المصارعه الحره ؟؟
قال أكرم وهو لا يتمالك نفسه من الضحك :الحاجه منيره أندرتيكر
قهقه مروان وهو يشير اليهم انه سيختنق بما فى فمه من طعام.....
فى حين تساءلت منيره بتعجب :اندرتيكر ؟؟ بتقولوا ايه يا ولاد؟؟
فقال مدحت: بنتكلم عن المذاكره يا منيره وضرب كريم بقبضته فى بطنه مازحا معه قائلا :ها يا بطل...ما أخبار المذاكره والدراسه؟؟ اريد ان ترفع رأس والدتك هذا العام....
اطلق اكرم ضحكة عاليه وهويقفز كالطفل ويشيرنحو شقيقه : كريم....؟؟ ده فاضحنا على طوول يا خال ...
فما كان من امه الا ان مدت يدها تلكزه قائله: انت ال فالح اوى يعنى؟؟ انتوا الاتنين طينه واحده..
اسكت بقى ما تخلنيش اقول لخالك على عمايلكم ..
ضحك مدحت وقال : اذن هم توءم ...حتى فى المشاكل؟؟
قال كريم وهو ينظر لوالدته ويبتسم ببلاهة يقصدها: كده يا ست الكل ؟؟؟؟
ثم التفت لخاله وقال :ابدا ياخال ...مش انا..ده أكرم !!
فوضع أكرم يده فى جيبه وقال لشقيقه بلهجة ساخره : عيب عليك يا ولد يا كريم...!!
تأففت منيره وهى تنظر للاثنين ..وهما يتخذان من كل شئ مزاحاً وقالت بصوت اقرب للبكاء : يا مدحت العيال دول مجننينى ...اقولك ايه ولا ايه؟؟
اشار لهم بيده يتوعدهم وقال :لاء...يا شباب ....
اضافت :وموضوع نهال؟؟
قالت نهال بسرعه : مالو موضوع نهال ؟؟
طيب احكم يا خالو ..خريجة صيدله وحاصله على تقدير ممتاز ...عرض على العمل بصيدليه كبيره جدا و بمرتب عالى ومواعيد مناسبه ...والمفاجأه ان الصيدليه تقع فى نفس الشارع الذى نسكن فيه ....كما ان ظروف العمل هذه المره انسب بكثير من المره السابقه ..اليس عرضا رائعا؟؟؟
قال مدحت : ماشاء الله وفقك الله يا نهال...
فقالت منيره :عرض كويس يعنى؟؟
قالت نجوى : طبعا يا منيره .... مبروووووك يا نهال
هنأ الجميع نهال وقالت هناء : ربنا يوفقك يا نهال ...والحمد لله ان الظروف مناسبه هذه المره يا حبيبتى...
ضحك كريم واكرم واشارا لبعضهما البعض وحكا اصابعهما بحركه تدل على المال الوفير وقالا: مناسبه جــدا...جــدا..
وشاركهم مروان الضحك ثم قال بصوت عالى: هههاااااااا حاتم باشا وصل ....
دخل حاتم .. خطا الى نتصف الصاله حيث يجلس الجميع واجما ...محاولا رسم الابتسامه ....ورحب باقاربه....وناول والدته الطلبات التى طلبت منه احضارها ....
فقالت وهى تتناولها منه بسرعه : اللب والسودانى والتسالى وصلت ...ارتفعت اصوات الجميع مستحسنين الامر......
وما ان وقعت عينا حاتم على هدير....حتى ارتسمت نظرة حزن يخالطها غضب فى عينيه.........نظره لم تخطئها هدير ولكنها لا تعرف مناسبتها .........حتى حين اتصلت به على هاتفه المحمول كما طلبت منها والدتها لتخبره بإحضار التسالى....كان يجيبها بطريقة غريبه...اخفق قلبها فحتما شقيقها يعانى من شئ ما عسى ان يكون خيرا...هذا ما خطر ببالها
ولكن ترى ماذا ستفعل ان عرفت حقيقة ما يدور بخلد حاتم ؟؟
.................................................. .........
إحبــــــاط.....
كلمة قد تبدو ضئيلة جدا مقارنةً بما تشعر به حنان الان....خيبة الأمل الحقيقيه ..والتى لم تشعر بها يوما فى كل خلافاتها السابقة مع زوجها طارق...
كئيبة ومنهاره ...بشكل لم تعهده فى نفسها من قبل ....
غصة فى الحلق لا تختفى....غضب وحنق وغيظ ومرار..... مشاعر لم تعرف الطريق الى قلبها حتى حين طلقها زوجها ....
فهى فى حالة لم تتخيل ان تصيبها يوما .....فما أهتمت يوما ان طلقها او تركها او حتى رحل ولم يعد.....لم يبقى فى عقلها اليوم الا أفكار سوداء تعجز عن استيعابها ........
ايعقل ان تنتهى قصة حياتها على هذا النحوالمآساوى؟؟
ايعقل ان تواجه غابة الحياة الموحشة بمفردها .....بما فيها من ذئاب تنتظر لتنهش كرامتها ... ونسورتحوم حولها لتختطف سعادتها...... وكلاب تعوى بكذبات وتلميحات عن سبب طلاقها ؟؟؟؟
كيف ستحيا فى هذا العالم المظلم....ولا يوجد امل فى اى شئ....!!
وماذا سيقولون عنها ؟؟
زوجها تركها....وتزوج من غيرها ..... لانها أمراه فاشله....
فشلت فى الاحتفاظ بزوجها ....فشلت فى احكام السيطرة على بيتها...!!
لن ترحمها العيون المتطفله ...ولا الهمسات المؤلمه ...ولن يتوقفوا عن طعنها كل لحظة بكلماتهم الجارحه....
لن تستطيع ان تمنع نظرات الاشفاق التى تملاء عيون والديها ....ولن تصمد امام كلمات شقيقها احمد والتى حتما ستحرق اعصابها........كما انها لن تستطيع ان تمنع جدتها من مصمصة الشفاه حسرة عليها ..........وقطعا ...وبالطبع لن تتحمل التعليقات التى تقطر سخرية والتى تجيد اطلاقها هيام....
وسيظل ذلك اللقب البغيض يلاحقها اينما ذهبت.....مطلقه....مطلقه....مطلق� �....
صكت وجهها بعنف....تمنت لو ان تصمت افكارها لحظة واحده....لحظة واحده فقط ...
فدفنت راسها فى الوساده.... دفنتها لفترة طويله.....تبكى بصوت متقطع تاره....تتمتم بغضب تارة اخرى.....
انتابها نشيج أهتز له جسدها كله...تورم جفناها واحمرت عيناها بشكل مؤلم...
لم تكن تفكر فى اى شئ ....الا فى حالها....
كان طارق عنيد جدا خاصةً فيما يتعلق بما يسميه كرامته كرجل ... لذلك لم تكن تتخيل انها سوف تنهى خلافاتها معه ببساطه أوبهدوء....ولكن... كانت حتما ستنهيها.....!!!
حقا لم تهتم ان تسال عنه ...منذ سبعةاشهر...وكل الاتصالات بينهما كانت مقطوعه...الا من بعض النقود التى كان يرسلها لها ولاولاده كل شهر....حتى رؤية اطفاله حرمته منها ......
ولكن تلك كانت خطتها لتاديبه ...فاعتقدت انها لا تزال الرابحة حين تضغط عليه باطفالهما ....وتثير جنونه بحرمانه من صغيريهما ...ففى النهايه قلبه زوجها قلب طفل ...وخاصة فيما يتعلق باولاده ....ولكن فاجأها انه هو الاخر لم يهتم....
وحين اتضحت لها الرؤيه ...وملت من حياتها المفككه ....وضعت خطتها ..واحكمتها تماما .....ستذهب اليه فى عمله ...تسترضيه....وتجاريه فيما سيطلبه منها من تقديم الاعتذارات والتنازلات ....وتتوسل اليه ان لزم الامر.... فقط..لتعود الى بيتها.... ولم تعتقد ان هذا مستحيلا او بعيد المنال .....
اما الان....فلا بيت...ولا زوج ...ولا شئ ...لا شئ..!!!
يبدو انه قد نسى امرها تماما ..وتزوج ....ويعيش مع زوجته فى بيت والدته ....بعد ان وجد من ترضى بظروفه وتقبل بها ...
عند هذه النقطه بالذات لم تستطع حنان كتم آهة خرجت تشق صمت الحجره وبصوت عال بحق...
ياااااااه ...لكم سئمت الحياة مع والديها........فاض بها الكيل من هيام....اختنقت من تلك الحجره التى تتشاركها مع احمد شقيقها ......الذى نادرا ما يتواجد ولكنه حين يفيض به يمازحها قائلا: ماتروحى بيتك بقى وتصالحى جوزك......
كانت كلمات بريئه يقولها دون ان يعى انها تذبحها ....
يأست من هذه الحياه ....تعبت من اعباء المنزل الكبير الذى عادت لتخدم فيه والديها وجدتها وشقيقها واولادها
اصبحت تعمل طوال النهار....وهيام تخرج وتمرح طوال اليوم....
اهكذا ستكون حياتها؟؟
اخرجها من افكارها دقات على باب الحجره المغلق..مسحت وجهها بملابسها وقالت بصوت انهكه البكاء : سيبونى فى حالى ...
فوجئت بباب الغرفة يفتح ويدخل والدها دون اى مقدمات ....اضاء نور الحجره المظلمه...وجلس على الكرسى المقابل للفراش الذى تكومت فوقه حنان .....
وقال بعاطفة الابوة الفياضه : حنان...اريد ان اتحدث معك قليلا...تمالكى نفسك واخبرينى ماذا حدث؟؟
انفجرت حنان باكية وكأن والدها ضغط زرا خفيا بداخل قلبها ...بكاء هستيرى لا يتوقف....
ربت بدفء على كتفها وقال بجزع يخالطه شفقه : اهدئى يا حنان....لا حول ولا قوة الا بالله....
والدتك اخبرتنى انك خرجت اليوم...ومن وقتها لم تغادرى الحجره ولم تجيبى اى من نداء طفليك وتعبت امك فى محاولة اقناعك بتناول الطعام ... ؟؟؟ماذا حدث لكل هذا؟؟
قالت من بين دموعها : حدثت مصيبه....
واخبرته.....وتمزقت الف مره بتكرار ما سمعته من زوجها على مسامع والدها ...وكأنها لأول مره تكتشف فداحة ما فعلته ....
لم يفتح الاب فمه بكلمه ...اطرق براسه فى حيرة من امره....
قال وقد استعاد صوته صلابته : ولم لم تخبرينى بنيتك للصلح؟؟ ونيتك الذهاب لمحادثته؟؟
يا ابنتى يكفي ما حدث الى الان.....انتبهى لنفسك ولاولادك....دعيه يذهب لحال سبيله...وكل شئ نصيب..
كانت الدنيا قد اسودت تماما فى عينى حنان...حتى يخيل لمن يراها ان زوجها قد مات بين ذراعيها ...وليس انها هى التى قتلت قلب الرجل بيديها ..و انهت زواجها بافعالها الحمقاء...
هزت راسها..وهى تصر على أسنانها وتقول:لا....لن اتركه يتمتع مع امراة غيرى...لن اتركه فى حاله....ساقلب عليه الدنيا.....سارمى له اولاده...ولنرى ان كانت زوجته الجديده ستتحملهم.....
حدق والدها بذعر فى ملامح ابنته التى تقطر غلا وكلماتها التى تغلى قهرا واحتار..ايخبرها انه يعلم؟؟ ام يتركها فيما هى فيه.....وكفاها ما تعانى ...فلا حاجة لان تفاجأ بانها آخر من يعلم....
ولكنه قرر ان يصفعها بكلماته عسى افاقت لنفسها : لقد اخبرنى طارق بنيته للزواج منذ شهر...ولكنى لم اكن اتوقع انه جاد....عموما كل شئ نصيب....وانت يا حنان لك يد فيما حدث ..فكفاك يا ابنتـ........
صرخت حنان فى وجه والدها : أكنت تعرف؟؟؟ هه؟؟ أكنت تعرف ولم تخبرنى؟؟كنت تعرف؟؟
وارتفع الصراخ الحاد..........
ارتفع ...ولكنه لم يكن صراخ حنان.....ولم يكن صادرا من داخل الحجرة اساسا...كان ياتى من خارجها....كانت ام حنان هلعة مرتاعه تنادى بصوت ملكوم: الحقى يا حنان...يا هيام..الحقنى يا ابواحمد
يا حبيبى يامحمد؟؟ محمد ؟؟ محمد؟؟
.................................................. .........
(لكل مجتهد نصيب....ومن جد وجد......وندى عملت فأتقنت عملها.)
كانت تلك كلمات الحاج عبد الرحمن لزوجته وبناته الجالسات من حوله فى حجرة المعيشه يلتهمون الكعك اللذيذ الذى صنعته والدتهم....
قالت نوران : ماشاء الله...تحقق حلمك يا ندى....وستستطيعين الان تعميم افكارك الرائعه على المدرسه باكملها....
ابتسمت ندى وقالت : المرحله الابتدائيه فقط يا نوران....
قالت الام بفخر:بكره تبقى مديرة مدرسه.....
فارتفع صوت الحاج عبد الرحمن قائلا : باذن الله....بارك الله فيك يا ندى والله انى لفخور بك وباجتهادك هذا....
نهضت ندى وقبلت كف والدها بحب وهى تشعر كم ان الله اكرمها بوالد كوالدها ...وقالت:ربنا يباركلى فيك يا ابويا الحاج عبد الرحمن..
علت دقات على باب الشقه ....نهض الوالد وهو يقول : احتفظوا لى بقطعه من الكعك ...
فابتسمت نوران وقالت : طبعا يا بابا...
ومن خلفه قفزت ملك تهرول وهى ممسكه بطرف جلبابه وتقول :انا هافتح ...قبل هنا
فنظرت الام لطفلتها هنا التى انهمكت تأكل الكعك بنهم شديد وهى ترشف من كوب اللبن الدافئ ولا تدرى بما حولها اساسا ...
فقالت : بسم الله ماشاء الله يا هنا ...عاقله ...
وضحكت كما ضحكت نوران الا ان ندى لم تشاركهم الضحكات ...بافكارها الشارده ...فهى لا تعرف حتى الان ماذا ستفعل السيده \الهام ...بالضبط
فالمنصب الذى تعرضه عليها تشغله حاليا أ\جيهان....كما انها اليوم صدمت بزملائها الذين تقدموا بشكوى ضدها... كيف ستتعامل معهم ؟؟
تعجبت الوالدة من شرود ابنتها فمن المفروض انهو يحتفلون اليوم بهذا الخبر السعيد والذى بشرتهم به ندى توا و من شانه ان يجعلها تطير من السعاده....وبقلب الام ...شعرت بان هناك خطبا ما يكمن خلف تلك العينين الشاردتين....
لم تكن ندى فقط هى محط اهتمام الوالده.....فقد كانت عيون نوران ايضا تفضحان ما بها من قلق غير عادى....برغم من مشاركتها الحديث والضحكات والمزاح...
يا لقلب الام المعذب دائما ...المحمل بهموم الاولاد اينما ذهبوا ....ومهما كبروا ...رددت الدعاء بان يرزق الله بناتها الازواج الصالحين...فتلك الفتيات قرة عين لها ...
انتبهت حين هرولت ملك من الخارج نحوها تقول بشقاوتها البريئه : الواكواجى جيه يا ماما ..!!
قهقهت ندى وقهقهت نوران فى حين احتضنت الام طفلتها وقالت بمرح : اسمه المكواجى يا ملك ...
فقالت بإصرار: مانا قولت الواكواجى ...صح يا هنا؟؟
قفزت هنا امامها واضعة يدها فى وسطها وقالت : لا...انتى مش بتعرفى تقولى ...
وبدات المناقشه الطفوليه المعتاده بين الصغيريتن...والتى كانت دوما مثار ضحكات الجميع...
عاد الاب الى داخل الحجرة حاملا هاتف ندى المحمول وهو يمد يده لها به ويقول : هاتفك يدق يا ندى.
تناولت ندى الهاتف وهى تتعجب فقد كان الرقم الظاهر على شاشته هو رقم الاستاذه جيهان
ترى فيم تريدها الان؟؟
قالت بهدوء: السلام عليكم أ\جيهان..
اجابتها بصوتها الغاضب وبطريقتها التى اعتادت ان تخلط فيها الكلمات الانجليزيه بالعربيه : واتس جوينج اون ندى؟؟ايه الاخبار ال سمعتها من زينب دى؟؟
شعرت ندى بالحرج من مديرتها وقالت: أ\جيهان...صدقينى انا نفسى تفاجأت...
قالت جيهان بلهجة عاليه اخترقت حدود السماعه بحيث سمع صوتها كل من يجلسون حول ندى : لاير...كذابه....انا استحق اكثر من ذلك..أعطيتك الفرصه لتخدعينى....اغيب يومين فتحاولي استمالة ا\الهام فى غيابى؟؟؟
وقف والد ندى وقطب جبينه وهو يرى وجه ابنته يمتقع ويسمع صوت المتحدثة العالى...واشار اليها اشارة استفهام...
نظرت اليه نظرة فهم معناها وهى تهز كتفها.....واشاحت بوجهها حتى لا يرى والدها انفعالاتها واختنق صوت ندى وخرج مهزوزا: اااانا؟؟ يبدو ان حضرتك اسأت فهم الموضوع...فانا لم ااا...
قاطعتها بعنف وبصوت حاد وعالى : شات أب...صحيح نوال كان عندها حق...انتى مش سهله....وخبيثه ...
بهتت ندى وهى تسمع الصفات التى تصفها بها مديرتها فقالت مدافعة عن نفسها : أ\جيهان من فضلك...انا لم اخطئ بحقك..ولم اتعدا حدو....
الا ان الاستاذه جيهان قد انهت مكالمتها السخيفه بمنتهى التعالى قائله : ساذهب الى أ\الهام وسيعود كل شئ لوضعه الصحيح...وقالت بعبارة انجليزية متقنه "نو ون كان دو ذات تو مى" ....
واغلقت الهاتف فى وجه ندى بكل صفاقة لتقلب احتفال اسرتها بها الى لحظات من الحزن..بتلك المكالمة الهاتفيه .....
ترى ماذا ستفعل جيهان؟؟
وهل ستضطر ندى لان تواجه تحدى ا\جيهان وأ\ نوال الموجه ضدها ؟؟؟
.................................................. ...........
حدقت غاده..... اتسعت عيناها...........ودق قلبها بعنف..........وانتبهت كل حواسها ....حين رات والدتها تعبر الطريق ..امسكت بمقبض باب السياره الاجره مستعدة للقفز والهرولة تجاه والدتها وقالت بصوت عال للسائق : قـــف...قـــف...قــــف.!!
توقفت السياره بغتة والتفت السائق يتبرم من غاده ويهمهم ويغمغم بكلمات لم تسمعها...
التفت بعض الماره على صوت صرير عجلات السياره العالى ...والتفتت المرأه ....وكأن الكون كله يتوقف عن الحركه ...حين ظهروجهها وتحققت منه غاده بسهوله ......
تراخت يد غاده من فوق المقبض...اغلقت عينيها بالم وحسره ....فكانت خيبة الامل المعتاده.....ولم تكن هذه امها....كما لم تكن هذه المره الاولى التى تتخيل فيها انها تراها......
افاقت من شرودها حين سمعت صوت السائق العالى :هاااا هاتنزلى ولا ايه يا أنسه؟؟
هزت راسها واشارت له بالانطلاق مجددا...وانطلقت السياره..وبداخلها السائق يضرب كفا بكف وهو يغمغم و يهمس :المجانين فى نعيم
وغاده بعيونها المفتوحه عن آخرها التى لا تزال تتابع تلك السيده التى غابت عن مرمى البصر.... واختفت فى الزحام....كما اختفت امها منذ سنوات.......
مسكينة غاده.....لكم هى فى حاجة الى ام الان...!!
بالتأكيد كان حالها سيختلف كثيرا عما هى فيه الان....ولكن....غاده تعيش وتحلم...على امل ان تلقاها يوما ما...
عادت منهكة الى المنزل الذى ارتفعت من جنباته رائحة الدخان.....والعجيب غياب والدها من مكان جلسته المعتاد امام الشيشه ....هزت كتفيها ...وتنفست الصعداء فهى لا تريد ان تراه الان....فيكفيها ما تحمله من غضب بداخلها تجاهه.....
اسرعت على حجرتها التى جلس فيها اشقاءها يستذكرون ....
فقفز اشقاءها يرحبون بها ...فقالت بهمس وهى تشير نحو الخارج : هو فين؟؟
فقال الاخ الاوسط : عند عم سمير الكهربائى......
ثم اردف باسما :شوفتى ال حصل؟؟
فسارع شقيقهم الاكبر يقول :اتركوها تلتقط انفاسها ...ثم اخبروها
قلقت غاده وقالت :ماذا حدث؟؟
قال الصغير:بابا فجر التليفزيون ...بوووووووم
انفجر اشقاؤها يقهقهون ويتقلبون على ظهورهم فوق الفراش فى نوبة من الضحك المتواصل...
ابتسمت غاده واشارت لهم انها لا تفهم فقال كبيرهم : كان يريد ضبط الالوان فى التلفاز ولم ينجح ...فغضب وركل الجهاز فاصدر صوتا قويا وتحولت الشاشه الى اللون الاسود ههههههههه التليفزيون جاب جاز
ضحكت غاده لكلماتهم ...واحتضنتهم وهى تقول : طيب اوعوا يعمل كده فى الكومبيوتر بتاعكم بقى..!!
قفز اشقاءها ابتهاجاً...والتفوا حولها فاخبرتهم بانها ستشترى لهم الحاسب الالى الذى لطالما ارادوا اقتنائه...
اخرجهم صوت سعال والدهم الذى عاد حاملا التلفاز وهويسب عم سمير ويلقبه بالفاشل ....فاشاروا لبعضهم البعض بخفض اصواتهم حتى لا يستثيروا غضب والدهم اكثر.....
وقارب اليوم على الانتهاء.....ونام اخوتها الصغار بينما وقفت هى ككل ليله... تغسل الصحون المتكومه فى الحوض طوال النهار....فلا يوجد غيرها يقوم بهذا المهمه....انهت كل شئ بدقة وسرعه.....همت بالخروج من المطبخ فافزعها صوت والدها يشق سكون الليل يطلب منها ان تأتيه بقطعتين من الفحم المشتعل....اشعلتهما فى صمت ووضعتهما امامه...واخيرا وضعت راسها فوق وسادتها واغلقت عيناها .......لم تشعر انها نالت قسطا من النوم حين هبت فزعه على صوت جلبة وضوضاء شديده...فتحت عيناها ..فما رأت شئ...ما هذا الدخان السميك؟؟
ما صوت الطقطقات العالى .....ما هذه الحراره الشديده التى تستشعرها فى هواء الحجره؟؟
وارتفعت اصوات عاليه....:حـــــــــــــــر� �قه......حــــــــــــر يقه
هرعت تخرج من الحجره ...ومن خلفها اشقاءها يتعثرون .......ما هذا اتحلم؟؟
لا لم يكن حلم...كانت بالفعل السنة النار تخرج من اتجاه المطبخ...والجميع من الجيران يتعاونون فى اطفائها......؟؟
ترى ماذا حدث....؟؟؟؟
.................................................. ...........
يــــــــبع بـإذن الل