القصة الاولى من قصص المسابقه
قلب من حجــر
في يوم مشمس على شاطيء البحر حيث كنت أعمل في مراقبة الشاطئ وإذا بطفل صغير لا يتعدى عمره الأربع سنوات يمشي ويمشي مبتعداً على الشاطئ لا يعلم إلي جهة يتجه ولا إلي أين هو ذاهب ...فاقتربت منه وحاولت التحدث معه وسؤاله إلي أين يذهب ؟؟ وعندما سألته ما اسمك ؟؟ لم يرد ...إلي أين تذهب ؟؟....أين والدك أو والدتك ....؟؟؟
لم يجيب على أياً من أسئلتي .....وعندما أطلت النظر إليه وكررت عليه الأسئلة مرة أخرى
اكتشفت أنه طفل أصم وأبكم ....!!! لا يسمع ولا يتحدث ...أشفقت عليه كثيراً واستأذنت من رئيسي في العمل وأخذت الطفل وظللت أمشي به ذهاباً وإياباً على الشاطئ الذي أعمل به للبحث عن أهله وإعادته إليهم ...ولكن للأسف لم أجد لهم أي أثر على الشاطئ فأخذت الطفل وذهبت به إلي شاطيء آخر تماماً على نفس الامتداد لكن بيننا وبينه مسافة طويلة اعتقاداً مني أن الطفل من الممكن أن يكون قد جاء من هذا الشاطئ وضل الطريق حين أراد البحث عن عائلته ......وظللت أمشي هنا وهناك على الشاطئ الآخر وأسأل الناس هنا وهناك ولكن دون جدوى ...وظللنا هكذا إلي أن قاربت الشمس على المغيب إلي أن وصلنا إلي إحدى المصيفين الذين بعد سؤالهم عن الطفل أخبروني أنهم يعرفونه وأن عائلته كانت تجلس إلي جوارهم مباشرة وحين سألتهم عن عائلته أين ذهبوا أخبروني أنهم حزموا أمتعتهم وذهبوا في هذا الاتجاه ....فسألتهم هل كانوا يبحثون عن طفل لهم ضائع فأخبروني بالنفي ...فتعجبت كثيراً !!!! واستغربت لفعلتهم هذه ....لكني ذهبت خلفهم في نفس الاتجاه ....وظللت أسأل الناس في الشارع الذي دخلوه إلي أن عثرت على أحد البوابين الذي تعرف على الطفل عندما رآه وأخبرني أن أهله يقيمون في الشاليه المقابل له لكنه أخبرني بأنهم قد حزموا أمتعتهم وسافروا اليوم .....!!!!!!!! تعجبت أكثر وأكثر فطلبت منه رقم هاتفهم فلم يكن يعرفه لكنه أعطاني رقم صاحب الشاليه الذي أجر لهم هذا الشاليه فاتصلت به في الحال وسألته عن رقم هاتفهم وأخبرته بأن طفلهم معي وأنهم قد سافروا اليوم فأعطاني رقم الهاتف المحمول الخاص بوالدة الطفل .... وقمت بالاتصال بها وأخبرتها بأنني قد عثرت على طفلهم اليوم على الشاطئ فكان ردها ..." حسناً هل يمكنك الاحتفاظ بالطفل اليوم حتى نأتي غداً ونأخذه منك لأننا قد سافرنا اليوم إلي بورسعيد ولن نستطيع الرجوع " فتعجبت أشد العجب مما قالته وكان رد فعلي على هذا الكلام قوياً جدا من شدة انفعالي من طريقة هذه الأم في الحديث كيف تكلمني هكذا بكل هذا البرود وكأنه ليس طفلها ... فما كان منها إلا هذا الرد القاسي الذي وقع عليّ كالصاعقة " بكل صراحة نحن نريد التخلص من هذا الطفل فهو لا يسمع ولايتكلم وأصبح عبء ثقيل علينا فقررنا التخلص منه" وأغلقت الهاتف في وجهي وبعدها لم يعطيني إلا " غير متاح "
!!!!!! ما كل هذه القسوة التي تحملها تلك الأم لترمي بطفلها بمنتهى السهولة حتى ولو كان معاقاً ....لماذا لم تذهب به إلي إحدى دور رعاية الصم والبكم وتتركه هناك لماذا تركته وحيداً على شاطئ البحر تائهاً لا يعلم مصيره إلا الله كيف طاوعتها مشاعرها وضميرها كأم أو كأنسانة لا أعلم ...
فما كان منى إلا أن أخذت الطفل وذهبت به إلي نقطة شرطة قريبة مني فحولوني إلي القسم الرئيسي للمنطقة وقدمت بلاغاً شرحت فيه كل ما حدث ...وكان هناك ضابطاً يعرفني جيداً فساعدني كثيراً في الإجراءات ....وأخبروني أنه إلي الآن قد انتهى دوري وستبدأ مهمتهم وسيقوموا باتخاذ اللازم تجاه الطفل وأمه ....لكن ما أحزنني كثيراً هو منظر ذلك الطفل ونظرته لي وأنا أهم بالرحيل من قسم الشرطة والتي لا أستطيع نسيانها إلي الآن وكأنه يقول لي لا تتركني وحدي...وأوصيت ضابط الشرطة بالإعتناء به جيداً لحين إيجاد الحل المناسب له ...ونظرت إلي الطفل نظرة أخيرة وكأنني أودعه وأحسست باحساس غريب تجاهه كأنه ابني أنا ..:(
وخرجت من القسم ولكنني لم أستطع الذهاب إلي بيتي فذهبت إلي أقرب سوبر ماركت واشتريت للطفل طعاماً وبسكويت وعصائر ورجعت إلي القسم مرة أخرى .
وأعطيتهم للطفل لأنه لم يتناول أي طعام منذ أن بدأنا البحث عن عائلته إلي الآن وقد مر علينا وقت طويل وهو لا يستطيع أن يفصح عن رغباته فأعطيته الطعام وقبلته على جبينه ورحلت.....رحلت وقلبي ينزف دماً على هذا الطفل وعلى قسوة الأم وعلى نظرة الطفل إلي التي لن أنساها طيلة حياتي ....كيف أنتي هكذا أيتها الأم كيف أصبح قلبك ..قلب من حجر ...سامحكي الله وهداكي .....
النهاية
