قصة صمود اربع بطاريات للصواريخ ببور سعيد الباسلة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قوات الدفاع الجوي - الافق المشتعل 3
قصة صمود اربع بطاريات للصواريخ ببور سعيد الباسلة
لم تسطع الطائرات الاسرائيلية ان تحقق شيئا في جبهة القناة فقواتنا قد عبرتها بنجاح ، والجيشان الثاني والثالث قد عززا مواقعهما في الشرق ، وتزايد سقوط طائرات اسرائيل يوما بعد يوم بنيران الصواريخ سام 2، 3 ، 6 ، 7 والمدفعيات المضادة للطائرات ، وزراع اسرائيل الطويلة مشلولة امام دفاعنا الجوي..
اذن فليكن الانتقام حيث بصيص من الامل في استعادة بعض الثقة في هذه الزراع المبتورة
وعلى ذلك قررت اسرائيل ان تكون ضربتها في بورسعيد ، المدينة الباسلة التي تقبع في اباء وشمم عند المدخل الشمالي للقناة على شاطيء البحر المتوسط ، فهناك لا خوف من مقابلة نيران الدفاع الجوي المهلكة ، اذ لا توجد بها سوى اربعة بطاريات فقط من طراز سام 2 ، سام 3 ، وبعض المدفعيات والرشاشات المضادة للطائرات ، شكل فيما بينهما تجمعا منعزلا ، لايتوفر له تعاون بالنيران مع تجميع الجبهة.
اما امداد المدينة فليس له طريق الا الساحل ، وتكفي قنبلة او صاروخ واحد لقطعه في اي موضع على امتداده الطويل.
وتساعد جغرافية المنطقة القوات التي تهاجم بورسعيد جوا ، فالى الشرق تقع قناه السويس ، والى الشمال البحر المتوسط حيث يمكن للطائرات المهاجمه ان تطير فوقه على ارتفاع عده امتار دون خطر ، ودون ان تستطيع اجهزة الرادار ان تميزها من خلال امواج البحر ، والى الغرب تقع بحيرة المنزلة التي لا يفصلها عن البحر سوى شريط ساحلي ضيق ، والى الجنوب تمتد ارض منبسطه وسبخات ملحية.
لقد وفرت هذه الظروف افضل الفرص للطائرات المعادية ان تقترب من المدينة عن الشرق مباشرة ، وعن طريق الشمال فوق البحر بصورة شبة مباشرة ، وعن طريق الجنوب والغرب بصورة غير مباشرة بعد ان تقوم بحركة التفاف واسعة بعض الشيء ، وكان هذان الاتجاهان الاخيران هما الاكثر احتمالا اذ اراد العدو ان يحقق المفاجأة.
وحدث ما توقعناه تماما ، اذ قامت طائرات اسرائيل يومي 6 ، 7 اكتوبر بالالتفاف من الغرب - اي من الخلف - لتهاجم القوات البرية التي عبرت الى الشرق.
وفي الساعة 11 من صباح اليوم الثالث للقتال التقطت شاشات الرادار عددا من الطائرات الاسرائيلية تقترب مباشرة من الشرق على ارتفاعات متوسطة وعالية ، وخصص قائد الدفاع الجوي عن بورسعيد جزءا من مجهوده للتعامل مع هذه الاهداف في حالة اختراقها لمجال عمله ، بينما امر الجزء الاكبر ان يكون مستعدا للاهداف التي تقترب من الجنوب ، وركز وسائل الاستطلاع في اتجاه الشمال والغرب.
وانخفضت الطائرات المقتربه من الشرق لتوحي بأنها سوف تنقض وشيكا ، ولم تخدع هذه الحركة احدا لان الاسلوب الصحيح هو العكس من ذلك تماما ، اذ يجب على الطائرات ان تقترب على ارتفاعات منخفضة لتتفادى الكشف الراداري ، ثم ترتفع بغته لترى اهدافها قبل ان تنقض عليها وتقصفها بشدة واحكام.
وبعد قليل كان المجهود الرئيسي يندفع الى بورسعيد من اتجاه الجنوب ، فتنقسم الطائرات الى مجموعتين ، تتجه احداهما شرقا لتهاجم مواقع الصواريخ الموجودة في هذا الاتجاه ، وتتجه الاخرى غربا لتهاجم المواقع الباقية.
وانتشرت هناك بعض الكمائن المضادة للطائرات من سواريخ سام 7 الصغيرة التي تطلق من الكتف ، وضعناها في طريق اقتراب الطائرات التي ما ان فوجئت بنيرانها المصوبة حتى اضرت الى الارتفاع مبكرا عما كان مخططا لها ، فاصبحت في اكثر الاوضاع مناسبة لمواقع سام 2 وسام 3 لتدميرها .. وبدأت الصواريخ تنطلق لاعلى والطائرات تتهاوى لاسفل بمجرد ان يتم اللقاء الصاخب
واستمرت المعركة حتى الساعة 5 مساء بحشد كبير بلغ 94 طائرة ، هذه الكثافة الكبيرة تزيد على امكانات البطاريات الاربعة التي لا يمكنها ان تتصدى في فترة زمنية واحدة لاكثر من اربعة اهداف فحسب ، مثل عددها ، فأذا زاد عدد الطائرات المغيرة عن عدد البطاريات سام امكن لهذه الزيادة ان تقصف مواقع الصواريخ دون ان تخشى عملا مضادا منها.
وعندما هبط الظلام كانت 12 طائرة قد تحولت الى حطام في مقابل اسكات بطاريات الصواريخ الاربعة.
وتحت جنح الليل بدأت الطائرات الاسرائيلية المرحلة الثانية في اضواء المشاعل ، بهدف احباط اي محاولة لاقامة الصواريخ مرة اخرى ، وراحت الطائرات تقصف مواقعها بشدة ، حتى تدمر المعدات تدميرا تاما.
ثم زادت القصف بشدة لتهدم المواقع نفسها ، حتى اذا ما امكن تعويض الاسلحة بأخرى فلن تجد الموقع الذي تعمل منه .. ثم عملت على اغلاق هذه المواقع والطرق المؤدية اليها بالقاء القنابل الزمنية والالغام والاشراك ذات النوعية الخاصة ، حتى تمنع المهندسين من الاقتراب منها ، واخيرا قطعت الطريق المؤدي الى بورسعيد لتمنع الامدادات عن المدينة الباسلة.
واستمرت هذه العملية في تكرار رتيب يومي 9 ، 10 اكتوبر ، وكانت الطائرات عندما تقابل بنيران المدفعية الخفيفة او الصواريخ الصغيرة ترتفع قليلا ثم تستمر في قصفها بانواع مختلفة من القنابل والصواريخ ، كما قامت ايضا بقص القاعدة البحرية.
وبلغ مجموع الطائرات التي هاجمت بورسعيد يومي 9 ، 10 اكتوبر 214 طائرة القت زهاء الـ 1500 طن من المتفجرات عليها.
وفي الساعة 8 من مساء يوم 10 اكتوبر امكنا ان نلتقط بعض الاشارات المتبادلة بين الطيارين الاسرائيليين وقياداتهم ، عندما كان الطيارون يعطون تماما بأنهم نفذوا كل مهامهم ، بينما القيادة تصر على ان يعاودوا الكرة ، وصرخ الطيار في النهاية مؤكدا انه لم تعد هناك اهداف تقصف ، وانه سوف يقفل عائدا الى قاعدته ..ثم اغلق جهازه وعاد ليستريح.
وفي الساعة 9 والدقيقة 38 من صباح 11 اكتوبر عادت الطائرات الاسرائيلية الى بورسعيد ، 16 طائرة اتت لتبث الرعب في قلوب سكان المدينة الذين رفضوا مغادرتها ، ولم تكن بها حاجة لان تطير على ارتفاع منخفض فلم يعد امامها عناصر دفاع جوي يؤبه به.
وفجأة انطلقت الصواريخ سام 2 وسام 3 ثانيا ، وسقطت 12 طائرة في مدى 10 دقائق ، وفرت الاربع طائرات الباقيه.
كيف حدث هذا..؟ ومتى عادت الصواريخ الى مواقعها ..؟ لقد بدا ذلك ضربا من المحال ، ولكنها حقيقة واقعة اثبتها التاريخ ، وتعرفها القيادة الاسرائيلية جيدا.
فرغم كل ما حدث ، عاد تجميع الصواريخ في بورسعيد اقوى مما كان بفضل التخطيط المسبق الحاذق ، والشجاعة الاصيلة في النفوس ، وتنظيم العمل والتعاون الكامل ، واتقان الواجب والاصرار على آدائه ، وعاد الفضل في كل ذلك الى قوات الدفاع الجوي ، والمهندسين العسكريين ، واهالي بورسعيد الابطال ، الذين حققوا فيما بينهم المعجزة.
وبنهاية 11 اكتوبر اسقطت بورسعيد 21 طائرة اسرائيلية ، غير الاصابات الاخرى التي الحقناها بالطائرات الاسرائيلية.
واستمر الصراع بين قوات الدفاع الجوي المصري في بور سعيد والقوات الجوية الاسرائيلية ، وكان صراعا مريرا غير متكافيء بين مئات الطائرات من احدث الانواع العالمية وبين اربع بطاريات صواريخ.
واستخدمت الصواريخ الحرارية التي تتجه الى مصادر الحرارة بالمواقع ، وهى مولدات القوى الكهربائية اللازمة لعمل وحدات الصواريخ ، واشعل المقاتلون النار في براميل فارغة وضعوا فيها بعض الوقود والنفايات ، فكانت تجذب اليها الصواريخ!.
كما استخدمت الطائرات الصواريخ الموجهه بالتليفزيون ، واطلق مقاتلو الدفاع الجوي ستائر الدخان حول الموقع مما جعل الصواريخ تضل اهدافها ، واصبح من الصعب على الطائرات ان ترى المواقع!.
والقت الطائرات وابلا من الاشراك المتفجرة ، واستطاع المقاتلون والمدنيون تمييزها بسرعة ، وابتكروا طرقا سهلة لتدميرها.
وفي 13 اكتوبر كان تجميع الصواريخ في موقف حرج ، اذ اصيبت 3 بطاريات ولم يبق صالحا للعمل سوى واحدة ، وكان من المهم الا يشعر العدو بهذا الموقف الحرج الى ان يعاد اصلاح الاعطال.
وبالفعل استطاع مهندسو الالكترونيات المصريون ان يحافظوا على مصادر الاشعاع الكهرومغناطيسي بكل موقع ، وحافظوا على ذلك على الصورة العامة للموقع فالصواريخ ما زالت تنطلق وان كانت غير موجهه ، وهناك مصادر اشعاع وان كانت غير ذي موضوع ، وهناك دخان كثيف يلف كل شيء في ثوب من الغموض والابهام.
وظلت الصورة امام الطيارين الاسرائيليين كما كانت عليه سابقا ، فلم يفطنوا الى اي تغيير ، بل ان كثيرا من الطيارين في ذلك اليوم بالذات القوا بحمولاتهم من القنابل والصواريخ في البحر خشية الاقتراب من الدفاع الجوي في بورسعيد ، وكان سكان بورسعيد يشاهدون ذلك بأعينهم فيصقفون.
لقد حاول العدو الانتقام من بورسعيد الباسلة فهاجمها طوال المدة من 8 حتى 24 اكتوبر بمتوسط 64 طائرة في اليوم .. وبلغ اجمالي طائراته التي هاجمت بورسعيد خلال تلك المدة 930 طائرة.. ولكنها لم تستطع بكل ما تحمله من آلاف الاطنان من اسلحة الخراب والدمار ان تنال من روع شعبها البطل الذين استمروا في الحياة كعادتهم والمحلات مفتوحة والاسواق والاطفال يهللون مع كل طائرة اسرائيلية تسقط وتخرج منها المظلات لتحمل طياريها الى اقفاص الاسر.
هكذا سجل التاريخ لقوات الدفاع الجوي صفحة فخار ، اذ نجحت في تحقيق مهامها ، وشهد العالم بذلك ، ويكفي ان نسوق ما قاله موشى ديان عنها :
" ان القوات الجوية الاسرائيلية تخوض معارك مريرة.... انها حرب ثقيلة بأيامها .. تقيلة بدمائها"
وعن احد قادة القوات الجوية الاسرائيلية :
" ان الدفاع الجوي المصري يتمتع بكفاءة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الحروب ، تفوق تلك التي واجهها الامريكيون في فيتنام ".
الجدير بالذكر ان قائد قوات الدفاع الجوي في حرب اكتوبر هو البطل
http://photos-g.ak.fbcdn.net/photos-...42574_8046.jpg
لواء / محمد على فهمي
الموضوع التالي
فوق السحاب - القوات الجوية
