تعـّدد الزوجات



{{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ }}
صدق الله العظيم ( النساء الآية 3 )

تعـّدد الزوجات { polygamy} من القضايا الهامة التي ثــار حولها جدل كثير، و اتخذها البعض مادة للهجوم و التطاول علي الإسلام ، سواء من بعض المـُتعصبين من الأوربين، أو ممن سار علي هديهم و تأثر بأفكارهم و عاداتهم سواء مسلمين او غيرهم، فبعضهم تناولها بالطعن و التشهير، إما جهلاً بالأسباب التي اقتداه التعدد، و إما تعصباً و حقداً، وبعض من النساء بل نسبة كبيرة جداً منهم يعارضون هذا بتعصب شديد بسبب الغيرة وإعتقادها ان زوجها سـُلب منها ، و البعض الآخر وقف مدافعاً عن هذه القضية إقتناعاً بالمزايا و الفضائل التي شـُرعت من اجلها، والآمر الذي يقتضينا أن نسلط مزيداً من الضوء علي هذه القضية الهامة في تشريعنا متجردين في بحثنا من كل شئ إلا من بيان وجه الحق و الحقيقة، وهذا يقتضينا أن نتعرض بشئ من التفصيل في الأمور الآتية:-
1-تعـّدد الزوجات في ظل المجتمعات السابقة علي الإسلام.
2-الوسائل التي عالجت بها الشريعة الإسلامية نظام التعدد الذي كان قائماً قبل التشريع الإسلامي .
3-حكمة إباحة التعدد و اسباب ذلك .
4-الحـُجج التي يـُثيرها القائلون بمنع تعـّدد الزوجات والرد عليها، وجزاء معارضة التعـّدد من المسلمين وخاصة النساء.
5-تعدد الزوجات في ظل القانون رقم 100 لسنة 1985 أحوال شخصية.



اولاً: الوسائل التي عالجت بها الشريعة الإسلامية نظام التعدد الذي كان قائماً قبل التشريع الإسلامي:

كان تعـّدد الزوجات أمرا واقعاً في المجتمعات السابقة علي الإسلام ولم يكن من مستحدثات الإسلام ولم يكن له حد معين يقف عنده ولا أساس عادل تعيش في ظله الزوجات حيث كان الرجل يجمع في عصمته ما شاء من الزوجات من غير تقيد بعدد معين، مما يترتب عليه عدم إقامة العدل بينهن أو الميل إلى إحدى الزوجات، وترك ما عداها مـُعلقة، فلا هي متزوجة تتمتع بحقوق الزوجية كما تتمتع غيرها من الزوجات، ولا هي تستطيع أن تتزوج برجل آخر.

فجاء الإسلام بعـّده وسائل إصلاحية عالج من خلالها هذا الآمر، فجعل للتعدد حداً أعلى لايمكن تجاوزه هو أربع زوجات بعد أن كان مُطلقاً بدون حد يقف الزوج عنده ، فكان العرب قبل الإسلام يتزوجون بالعشرات من النساء، وكان بعض الأنبياء متزوجاً بأكثر من امرأة ، فهذا نبي الله سليمان كان له تسعون امرأة.
فالإسلام هنا لم يـُشرع التعدد ولم يـُبيحه و إنما حدد التعدد و اوضحه في اسباب و شروط وذلك حماية للمرأة، و محافظة علي حقوقها، و إنما وقف الإسلام بالتعدد عند حد الأربع فقط دون الزيادة علي ذلك ، ، وقد أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجال بعضهم كان متزوجاً بثمان نساء ، وبعضهم بخمس فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإبقاء أربع نساء وطلاق البقية، لآن هذا العدد هو الأقرب لتحقيق العدالة بين الزوجات، لآن الزوجة إذا غاب عنها زوجها ثلاث ليال، ثم عاد إليها لا تكاد تكون الوحشة بينهما ، وفي ذلك رحمة بالزوجة الآخرى.
فحينما شكت امرأة عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن زوجها لا يأتي إليها وهي واحدة وليس لها ضرائر ،فكان عنده احد الصحابة ، فقال له : أفتها ( أي أعطها الفتوى)قال الصحابي : لك أن يبيت عندك الليلة الرابعة بعد كل ثلاث ليال .
ذلك أن الصحابي فرض أن لها شريكات ثلاثا ، فهي تستحق الليلة الرابعة .
وسُر عمر بن الخطاب رضى الله عنه من الصحابي ؛ لأنه عرف كيف يفتي حتى في أمر المرأة الواحدة .

ولم يقف الآمر عند وضع حد أعلى للتعـّدد، و إنما اشترط الإسلام للتعدد شروطاً لابد من توافرها عند إرادة هذا التعـّدد تنحصر فيما يلي:-

الشرط الأول: العدل بين الزوجات:

و المراد بالعدل الذي أوجبه التشريع علي الأزواج و جعله شرطاً لإباحة التعدد هو العدل الذي يستطيعه الإنسان ويكون في مقدورة ، وهو تحقيق الكفاية الكريمة لإنسانة تنجب البنين و البنات النافعين للأمة و هو كذلك رعاية الزوجة و الأولاد وهو رعاية المجتمع الإسلامي، أما العدل الذي لا يستطيعه الإنسان ولا يقدر عليه وهو التسوية في المحبة و الميل القلبي و العاطفي فليس بمراد العدل الذي أوجبه الشارع عز وجل، وجعله شرطاً لإباحة التعدد، لآن هذا لايدخل تحت الأختيار بالإرادة ولا يكلف الإنسان إلا بما يدخل في استطاعته وقدرته، وهذا ما أرشدت إليه الآية الكريمة فقال تعالى: {{ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَة ِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا }} صدق الله العظيم (النساء الآية 54)
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعدل بين نسائه في القسم , ويجد نفسه أميل إلى عائشة في الحب , فيقول : اللهم هذه قدرتي فيما أملك , فلا تسألني في الذي تملك ولا أملك.
و حين يعجز الإنسان عن توزيع عواطفة بالقسط بين أزواجه فلن يعجز عن الحد من الإفراط مع البعض بالنسبة للبعض الآخر.
و نجـد هنا أن الله يخاطب في الآية الكريمة الزوج ويآمره بالعدل فلا دخل للمرأه في ذلك بأن عندما يتزوج زوجها بآخرى عليها تطلب التطليق لأنه لم يعدل عفواً اختي هذا ليس من شأنك لأن الله عز وجل يخاطب الزوج؛ الذي شأنك هو أن يقع عليكي ضرر مادي او معنوي نتيجة عدم العدل وليس طلبك التطليق لمجرد عدم العدل.
فأنتظري حتى يقع عليكي الضرر و من المسلم به أن الضرر نوعان مادي ومعنوي(أدبي) و المادي هو الضرر الجسماني و الفعلي كترك الزوجة اربع ليال ولم يعاشرها فبالتالي لم يشبع لها رغبتها الجنسية فهنا توافر الضرر المادي والخ من الأضرار المادية كالضرب والشتمه ؛ اما الضرر المعنوي او الأدبي هو الضرر النفسي الذي يقع علي الزوجة نتيجة إذاء مشاعرها بأي شكل ما فمثلاً إذا تزوج زوجها عليها براقصة وكانت هي مستواها العلمي مرتفع فهنا تحقق الضرر المعنوي وإلخ .... ويختص قاضي الموضوع بتحديد نوع الضرر و أنواعه.

الشرط الثاني: القدرة علي الإنفاق:


لم تقف الشريعة الإسلامية في تقييدها لتعدد الزوجات عند حد حصر التعدد علي أربع زوجات فقط، بل اشترطت العدل بين الزوجات بحيث لا يعطي الزوج لإحدهن كل شئ و يظلم الباقيين، ووصلت الشريعة إلى ما هو أكثر من هذا فأشترطت لجواز هذا التعدد قدرة الرجل علي الإنفاق علي زوجته، فمن كان في عصمته زوجة واحدة ولا يستطيع الإنفاق علي آخرى معها فلا يباح له التعدد، و إن عدد زوجاته كان آثماً، لقول الله تعالى:{{ولِيَسَتعِفِف َ الذَّيِنَ لاَ يَجِدوّنَ نِكَّاحاً حَتىَ يُغنِيَهُم الله مِنَ فَضلِه}}صدق الله العظيم (النور الآية 33)
فقد أمر الله في هذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف ، ومن وجوه تعذر النكاح : من لا يجد ما ينكح به من مهر ، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته ". المفصل في أحكام المرأة ج6 ص286.
و الحكم كذلك ايضاً بالنسبة لمن كان متزوجاً بزوجتين و أراد الزواج بثالثة و هكذا، ويلاحظ أن شرط القدرة علي الأنفاق ليس مقصوراً علي من اراد التعدد فقط، ولكنه أمر مطلوب لمن أراد التزوج بواحدة كذلك.



ثانياً:حكمة إباحة تعدد الزوجات و الأسباب التي اقتضت ذلك:-

الشريعة الإسلامية أباحت تعـّدد الزوجات ووقفت به عند حد معين وهو الأربع بعد أن كان مطلقاً لا يقف عند حد، و أنها قيدت هذه الإباحه بشروط إذ روعيت تحققت المصلحة من هذا التعدد، ولقد كان تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية مثار نقد وطعن علي الشريعة ومادة للهجوم و التطاول عليها من بعض الأوربين و ممن تآثروا بأفكارهم –كما سبق أن ذكرت- الأمر الذي يقتضينا أن نكشف النقاب عن الأسباب و الدوافع التي اقتضت هذا التشريع حتى يظهر لهؤلاء الناقدين و المعارضات من النساء المسلمات مدى المنافع الكثيرة و المضار القليلة التي تنشأ عن التعدد مما يدعو إلى الثناء و التقدير بدلاً من التطاول و الهجوم، ونحن إذ نظرنا بعين الأنصاف و التجرد إلى هذه الأسباب وجدناها تتلخص فيما يأتي:-


1-كان الناس قبل الإسلام فريقين: فريق يسير علي نظام تعدد الزوجات من غير تقييد لعدد ولا وقف عند حد معين، و إن ترتب علي ذلك ظلم الزوجات وهضم حقوقهن، وفريق آخر يسير علي نظام وحدة الزوجة و إن ترتب عليه إرهاق الأزواج و إيقاعهن في العنت و المشقة، فلما جاء الإسلام وظهر نوره في الشرق لم يسلك مسلك المـُبيحين إباحة مـُطلقة ولا مسلك المانعين منعاً مُطلقاً، بل سلك مسلكاً وسطاً، فأباح تعدد الزوجات بشروط خاصة مراعياً في ذلك بعض الحاجات اللازمة للطبيعة البشرية أو المجتمعات الإنسانية ولا شك أن هذا المسلك المُعتدل هو الذي يتفق مع عموم الشريعة لكل الأجناس و الأجيال فهي ليست خاصة بإقليم دون إقليم ولا بزمن دون زمن و إنما هي شريعة عامة تخاطب أهل المناطق الحارة و أهل المناطق المـُعتدلة كما تخاطب الرجل المُعتدل في شهواته ، و الرجل الحاد المـُفرط فيها و أن شريعة لها هذا العموم يجب أن يكون فيها من السعة و المرونة ما يرضي المعتدل ويهذب مزاج الحـاد الذي لا تندفع حاجته بزوجة واحدة فلو أغلقنا علي هذا الصنف باب التعدد لفتح لنفسه باب إتخاذ الخليلات كما تفعل الأمم التي لا تجيز تشريعاتها الوضعية الوضيعة تعدد الزوجات.
ففي السويد تعطى الزوجة حق إختيار صديق يكون له ما للزوج من حقوق وفي فرنسا و إنجلترا قد يعلم الزوج أن لزوجته صديقاً أو أصدقاء وقد تعلم الزوجة أن لزوجها خليلة أو خليلات ويغض كل منهما العين عن ذلك ويتبادلا التسامح ليشبع لكل منهما نزواته، وهناك وضع منتشر انتشاراً كبيراً في فرنسا ويسمونه التعايش الثلاثي وهو أن يـُقيم العشيق مع عشيقته وزوجها في منزل واحد ويعيش الثلاثة علي أثم وفاق علي هذا الوضع (انظر ذلك في كتاب الإسلام و المجتمع العربي .. للدكتور علي عبد الواحد).
الأمر الذي دعا بعض المنصفين من فلاسفة وكتاب الغرب إلى الإشادة بمبدأ تعدد الزوجات التي جاءت به الشريعة الإسلامية فلقد جاء علي لسان الفيلسوف الألماني "شوبنهور" قوله: ( ولقد أصاب الشرقيون مرة أخرى في تقريرهم لمبدأ تعدد الزوجات لأنه مبدأ تحتمه و تبرره الإنسانية و العجب أن الأوربيين في الوقت الذي يستنكرون فيه هذا المبدأ يتبعونه علمياً فما أحسب أن بينهم من ينفذ مبدأ الزوجة الواحدة علي وجه الصحيح).

2-أن المجتمع قد يعرض له نقص في رجاله كما يحدث في اعقاب الحروب فإذا لم يبح للرجل أن يعول بالزواج أكثر من واحدة بقي عدد هائل من النساء بدون عائل يقوم بشئونهن الأجتماعية و الجنسية ومن غير زوج يحصنهن فيصبحن عالة علي المجتمع وشراً علي الأمه ولذلك فإن مجلس "نورمبرج" قد اتخذ قرار بعد الحرب الثلاثينية حينما نقص عدد الرجال عن عدد النساء بأن للرجل الحق في التزوج بأكثر من واحدة وبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية قامت النساء الألمانيات بمظاهرات ضخمة يطالبن بالأخذ بنظم تعدد الزوجات بعد أن طحنت الحرب معظم رجال ألمانيا و اصبحت المرأه التي تجد زوجاً كأنها عثرت علي كنز و بعد أن امتلأت الشوارع بالأطفال غير الشرعين بين نساء بحاجة إلى عائل غير موجود وبين جنود الإحتلال الأمريكين و الأنجليز و الفرنسين، و ايضاً قد تكون النسبة العددية في مجتمع ما غير مـُتكافئة وزيادة الإناث عن الذكور زيادة ظاهرة، ففي فنلندا مثلاً بين كل اربعة اطفال أو ثلاثة يولدون يكون أحدهم ذكراً و الباقون إناثاً.
وايضاً فجيعة العراق الكبرى و وفاه معظم الرجال في الحروب و البعض الآخر في المعتقلات والآخر اعتقل ولم يعرف اهو حي او ميت فطبقاً للأحصائيات تزيد عدد النساء عن عدد الرجال في العراق بـ 6 ملايين امرأه ونسبة الزواج 5% فهذا مؤشر خطر جداً إذ لم يطبق نظام التعدد سوف يتدمر المجتمع وتنهار معه القيم و المبادئ الاخلاقية و الدينية.

3-أن الرجل قد يتزوج المرأه ثم يتبين أن طباعها لا توافق طباعه وقد يكتشف انها عقيم ولا تلد أو بها مرضاً يحول بينها وبين الحياة الزوجية السليمة و تقوم ظروف خاصة يحرص الرجل فيها علي هذه المرأة ولا يود فراقها فأي الآمرين افضل، أن يبقيها معه وينفق ويؤديها حقوقها ويتزوج بأخرى معها تأتي له بزينة الحياة ، أو يطلق الأولى ويفارقها، مما لاشك فيه أن الإبقاء علي الزوجة الأولى و التزوج بأخرى فيه الخير للمرأه الأولى و الثانية للرجل –ايضاً- ما دام قادراً علي الإنفاق عليهما و العدل بينهما إلى غير ذلك من الأسباب الكثيرة التي تؤدي إلى هذا التعدد و التي لا يتسع المقام لسردها، و إنما أباحت الشريعة الإسلامية التعدد في الزوجات ولم يبح التعدد في الأزواج، لأن في تعدد الزوجات مصالح إجتماعية وحكماً عالية، أما تعدد الأزواج فيترتب عليه مفاسد وشرور لا نهاية لها، لأنه لو أبيح للمرأه أن تكون عند زوجين فأكثر لفسد العالم وضاعت و اختلطت الأنساب وقتل الأزواج بعضهم وساءت حال المرأه التي يتنافس فيها الشركاء المتزاحمون وهذا شر كبير تنأى الشرائع السماوية عنه وتنكره و يأباه من له عقل سليم.

4-- وقد تكون المرأة من أقارب الرجل ولا معيل لها ، وهي غير متزوجة ، أو أرملة مات زوجها ، ويرى هذا الرجل أن من أحسن الإحسان لها أن يضمها إلى بيته زوجة مع زوجته الأولى ، فيجمع لها بين الإعفاف والإنفاق عليها ، وهذا خير لها من تركها وحيدة ويكتفي بالإنفاق عليها .



ثالثاً: الحـُجج التي يـُثيرها القائلون بمنع تعـّدد الزوجات والرد عليها، وجزاء معارضة التعـّدد من المسلمين وخاصة النساء:-

ظهر لنا مما سبق ما في التعدد من محاسن و مزايا ورغم هذا كله فقد أرتفعت اصوات تنادي بمنع هذا التعدد و تقييده متذرعين بحجج لا تستطيع أن تقف أمام المزايا و الفوائد التي تعود علي المجتمع الإسلامي من شرعية هذا التعدد، وبعض النساء يريدون الطلاق بمجرد زواج الزوج بآخرى بدون انتظار وقوع ضرر أم لا، و سأحاول في إيجاز أن ابين هذه الحجج ويرد عليها بالقدر الذى يقتضيه المقام ولعل أهم هذه المشاكل تكاد تنحصر فيما يلي:-
1-غيرة المرأه .
2-حماقة الرجل.
3-منازعات الأولاد .
4-تنظيم النسل.

الحـُجة الأولى: تعدد الزوجات و غيرة المرأة :


لعل معظم مشاكل تعدد الزوجات في نظر القائلين بمنع هذا التعدد تنقلب علي نيران غيرة المرأه، ذلك أن تعدد الزوجات و إن كان يبعث الألم في نفس الزوجة السابقة أو يبعث الأمل في الزوجة الجديدة إلا أنه لا يلبث أن يوقد نار الغيرة في نفس المرأه السابقة و الجديدة علي حد سواء مما يورث العداوة بين الضرائر.
وليس هذا فهناك مقولات شهيرة للمرأه تبرر اعتراضها علي الزواج و منها: ( "مقدرش اعرف ان جوزي في حضن واحدة تانية غيري" * "انا كده زي الفريك ما احبش شريك" * "مقدرش استحمل جوزي وهو مقسوم نصين كده يا انا يا هي" * "انا بخاف ربنا وبؤمن بالتعدد لأن شرع ربنا بس انا مقدرش استحمل" ) كلها مبررات وحجج عقيمة ليس لها معنى وقد يحدث ذلك في ظل الزوجة الواحد.
ولكن يرد علي ذلك بأن غيرة المرأه علي النحو سالف الذكر تتوافر في ظل نظام تعدد الزوجات و في ظل الزوجة الواحدة كذلك، لأن شعور المرأه بحبها لزوجها قد يدفعها إلى إسعادة وتهيئة الجو المناسب لتحقيق آماله، غير أن إحساس المرآه بحبها لنفسها وخوفها علي مستقبلها في الحياة يضطرها إلى محاولة فرض القيود علي زوجها الذي أحبته مستهدفة بذلك أن يكون خيره كله لها و لأولادها كذلك، فإن هذه العداوة تحدث كثيراً بين الزوجة الواحدة وبين اقرباء زوجها ولم يمنع ذلك من إباحه الزواج و علاج هذا الوضع لا يكون بمنع التعدد و إنما يكون بتهيئة الوقود النظيف لنيران غيرة المرأه سواء كانت في ظل نظام الزوجة الواحدة، او في ظل مبدأ التعدد و تلك مسئولية المفكرين و أجهزة الثقافة و الأعلام و التربية.
ومما لا شك فيه اختي الكريمة ان كونك تريدين الطلاق بمجرد زواج زوجك بآخرى او اعتقادك انه لو تزوج لم يعدل وتردين الطلاق فإقرارك بهذا المبدأ في حد ذاته سواء تزوج أو لم يتزوج هو شرك اصغر وليعوذ بالله . لأن الزواج سنة الله وشرعة ولا يمكن الخلاف علي هذا لأنه امر فقهي وعقائدي اساسي فمجرد ارهابه بأنه لو تزوج من غيرك ستطلبين الطلاق فهذا حرام لقول الله تعالى :
{{ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ مِنكُم إِلَّا خِزىُ ُ فىِ الحَيوةِ الدُّنيَا وَ يَومَ القِيامةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ }}صدق الله العظيم (البقرة الآية 85-86)
يجب اختي الكريمة ان ترضين بشرع الله ولا تتبعين سياسة الترغيب و الترهيب و اتقي الله، و اعلم ان الله بإمكانه ان يجعلك عاقر ويطلقك زوجك وتتمنين زوجاً يرضى بك فأهون عليكي ان يتزوج عليكي خيراً من ان يتركك لا تشبعين إحتياجاتك سواء عاطفية او جنسية.
ولاكن من حقك اذا وقع عليكي ضرر مادي او معنوي نتيجة عدم العدل ان تطلبي الطلاق كما سلفت من قول وليس بمجرد زواجه او اعتقاد زاوجه او اعتقادك انه لم يعدل بينكما انتظري حتى يتبين الضرر.


الحـُجة الثانية: تعدد الزوجات و حماقة الرجل:


و كذلك من مشاكل تعدد الزوجات هو ما يرجع إلى حماقة الرجل في سياستة لزوجاته و أولاده فالرجل راع في اسرته وهو مسئول عن رعيته و سياسة الراعي عن رعيته هي الحد الفاصل بين فتنته و حماقته و نجاح هذه السياسة يتوقف علي مدى ما تستهدفه من خير و ما تلتزم به من حق و ما تحققه من عدل، وقد لا يستهدف الرجل بتصرفه خيراً لإحدى زوجاته أو احد ابنائه وهنا تثور المشاكل نتيجة للتصرف الأحمق فمثلاً يحدث خلاف بسيط بين الرجل و إحدى زوجاته فيهجرها دون ان يسبق ذلك موعظة لها أو تحذير ولا يقتصر في الهجر علي مجرد التأديب و التأنيب بل يتجه في هجرها إلى الإضرار بهذه الزوجة وقد لا يلتزم الرجل الحق في معاملته لزوجاته فينقلب علي هذه ويتنمر عليها ويضعف أمام تلك ويكذب عليها وهو في ذلك أحمق، وقد لا يسعى الرجل لتحقيق العدل بين نسائه و أولاده فيفضل إحداهن ويهبها الكثير من أمواله ويحنو علي أولاده منها وهو في ذلك أحمق.
ولكن يرد علي ذلك بأن حماقة الرجل أمر ينبع من شخصيته و مرجعه ذاته نفسها ألا ترى أن الحماقة علي كثير من الأزواج سواء من كان في عصمة زوجة واحدة، ومن كان قد عّدد زوجاته فقد تجد زوجاً لا يستهدف في معاملته لزوجته خيراً أو ليس له سواها وهو في هذه التصرفات أحمق و إذا كانت حماقة الرجل راجعة إلى شخصيته فما ذنب تعدد الزوجات معه، مظلوم تعدد الزوجات مع الحمقى من الرجال بل لعلة النظام الذي يكشف بوضوح تصرفاتهم الغريبة إذ أنه يتطلب عادة نوعاً من الساسية الرشيدة ولكن لايعدم المجتمع وسائل يقاوم بها حماقة الأزواج.
وهنــا العيب في الشخص ذاته، وخلقه، وطباعه، وليس في مبدأ تعدد الزوجات؛ وهنا يبرز أجهزة التربية و الثقافة في هداية الناس نحو السلوك الديني الفاضل و السلوك الإجتماعي السليم، وبقدر نجاح هذه الأجهزة في هذا الدور نضمن السعادة لأفراد الأسرة سواء كانوا في ظل نظام الزوجة الواحدة أو أكثر من زوجة.


الحُجة الثالثة:تعدد الزوجات و منازعات الأولاد:


يرى القائلون بمنع تعدد الزوجات أن التعدد يؤدي إلى إفساد الأسرة و إنحلال ترابطها لأن أولاد الرجل الواحد من امهات شتى ينشأون متعادين مُتباغضين فتكثر الخصومات بين أفراد الأسرة الواحدة، وهذا يؤدي إلى ضياع الأولاد وتشريدهم .
إلا أنه يمكن الرد علي هذا بأن وجود الإخوة غير الأشقاء غير قاصر علي نظام تعدد الزوجات وحده بل كما يوجد في نظام تعدد الزوجات يوجد ايضاً في نظام الزوجة الواحدة، فقد يموت الرجل عن أولاد له ثم تتزوج أرملته برجل آخر وتنجب منه أولاداً يعيشون مع إخوتهم لأمهم أبناء الزوج المتوفي تحت سقف واحد، وقد تتوفى زوجة الرجل عن أولادة ثم يتزوج بعد وفاتها وينجب من الزوجة الجديدة اولاداً يعيشون مع أولاده من الزوجة المُتوفاه تحت سقف واحد وقد يطلق الرجل زوجته ويتزوج بآخرى وينجب منها وتتزوج هي بآخر وتنجب منه ويعيش الأولاد بعد ذلك مع إخوة لأمهم و إخوة لأبيهم تحت سقف واحد تلك أمثلة في نظام الزوجة الواحدة يعيش فيها الأخوة غير الأشقاء في أسرة واحدة ولا ينبغي أن نتوهم أن الإخوة غير الأشقاء في ظل نظام الأسرة الواحدة احسن حالاً من امثالهم في ظل نظام تعدد الزوجات ولا نتوهم ايضاً ان الأخوة الأشقاء من اب و ام واحدين احسن حالاص من غير الأشقاء بل قد يكون العكس هو الصحيح فالأخوة غير الأشقاء في تعدد الزوجات يجدون الأم التي تدافع عن حقوقهم أما في ظل نظام الزوجة الواحدة فقد لا يجد الأخوة غير الأشقاء غير زوجة الأب التي قد تتحكم في مصيرهم و إذا نزلنا إلى الواقع لاحظنا كذلك ان النزاع قد ينشب بين الأخوة الأشقاء انفسهم فالأخوة الأشقاء من أب واحد و أم واحدة قد لا يسلمون من التنازع في حياة والديهم أو بعد وفاتهما وقد يكون منشأ النزاع هو تفضيل أحد الوالدين أبنائه عن الآخرين وقد يكون الميراث –ايضاً- أحد اسباب هذا النزاع وغني عن البيان أن الإخوة غير الأشقاء إلا أنه يشير بوضوح إلى أن منازعات الإخوة غير الأشقاء آمر نجده في ظل نظام الزوجة الواحدة كما نجد في ظل نظام تعدد الزوجات.
ونصل من ذلك أنه لا يـُستساغ من بعض خصوم تعدد الزوجات المناداة بتحريم التعدد بسبب ما قد يثيره من منازعات بين الأخوة غير الأشقاء أو المناداة بألا يسمح للزوج الثاني لزوج له من زوجته أولاد لأن ذلك يقتضي تحريم زواج الأرملة أو المـُطلقة إذا كان لديهم أولاد من الزواج السابق، لأن زواج هؤلاء يؤدي إلى إثارة المنازعات بين الأخوة غير الأشقاء يـُضاف إلى ذلك أن الشريعة الإسلامية لم تجعل تعدد الزوجات واجباً ولا مـُستحباً و إنما جعلته تشريعاً استثنائياً لا يـُباح إلا عند الضرورة و بشروط خاصة كما سبق أن اشارنا، فإذا وجدنا هناك بعض المفاسد و المساوئ فليس مرجع هذا تعدد الزوجات و إنما مرجعه هو إنحراف الناس وبعدهم عن مفاهيم الدين الذي يآمر بإقامة العدل بين الأولاد جميعاً و التسوية بينهم في التربية و التعليم و النفقة و لو أن الناس سارو في إستعمال هذا الحق علي هدى التشريع و مبادئه لما كانت هناك اضرار ولما رأينا شاكياً ولا متألماً.


الحـُجة الرابعة: تعدد الزوجات وتنظيم النسل:


و من بين الحجج التي يذكرها القائلون بمنع تعدد الزوجات أن التعدد وسيلة إلى كثرة عدد الأطفال ويخشى علي المجتمع من هذه الكثرة، الأمر الذي يترتب عليه نسف الجهود الرامية إلى تنظيم النسل أو تحديده وهذا في حد ذاته حرام في الشريعة الإسلامية –تنظيم النسل حرام سواء في التعدد او في نظام الزوجة الواحدة- ولن نناقش مبدأ تنظيم النسل أو تحديده فليس هذا موضوع بحثنا و الذي يعنينا في هذا المقام هو مناقشة دعوى منع التعدد ليتبين وجوه الصواب و الخطأ فيها، فيقول : إن الجهود التي تهدف إلى تحديد النسل أو تنظيمه لا تتجه إلى الحد من نسل الرجل و إنما تتجه إلى الحد من نسل المرأة ولا يتصور بحال من الأحوال أن تحرم المرأه من أن تكون أماً لطفل أو طفلين تحت دعوى تحديد النسل أو تنظيمه سواء كانت هذه المرأه هي الزوجة الوحيدة للرجل أو كانت زوجه له من بين زوجات متعددات، فنسل المرأه سيتوالد منها سواء تزوجت علي أمرأه اخرى له أو تزوجت رجلاً لم يكن متزوجاً من قبل وهذه الحالة كما توجد في ظل نظام تعدد الزوجات توجد ايضاً في ظل نظام الزوجة الواحدة، فالرجل إذا كان له اولاد وتوفيت زوجته أو طلقها وتزوجت بآخرى لم يكن من العدل أن تحرم زوجته الجديدة من أن تكون أماً لأطفال بدعوى أنها تزوجت برجل صاحب أولاد وقد يكون لهذا الرجل من زواجه السابق ستة أو اكثر من الأولاد بعضهم من زوجته المتوفاة و الآخرين من الزوجة الجديدة.
و كذلك الحال لو أن امرأه تزوجت برجل صاحب زوجه و أولاد كان من حقها علي زوجها ومن حقها علي المجتمع ألا تحرم من ان تكون أماً لأطفال رغم زواجها برجل لديه زوجه و أولاد يضاف إلى ذلك أن تعدد الزوجات لايمثل خطورة بالصورة التي يراها انصار منع التعدد في هذا الشأن وقد ظهر هذا من خلال بحث ميداني عن علاقة تعدد الزوجات بزيادة السكان وتنظيم الأسرة أجرة معهد الدراسات و البحوث و الإحصائية بجامعة القاهرة وكان البحث في يوليو 1965 و أجرى البحث الدكتور عبد الخالق ذكري و السيد مرزوق وعبد الرحمن عارف وعنوانه( الإتجاه نحو تنظيم الأسرة في قرية مصرية ) ونشر في كتاب الحلقة الثانية للدراسات و البحوث الإحصائية (صـ 23 في 25 أبريل سنة 1966)......
ببلدة سنديون إحدى قرى مركز قليوب بمحافظة القليوبية و اتضح من هذا البحث أن هناك 1818 زوجاً في هذه القرية بينهم زوج واحد فقط له أربع زوجات وزوجان اثنان فقط لكل منهما ثلاث زوجات وخمس وستين زوجاً فقط لكل منهما زوجتان أي ان تعدد الزوجات في هذه القرية كان بنسبة 3.1% من جملة الأزواج وقد أسفر البحث عن نتائج هامة بالنسبة لعلاقة تعدد الزوجات بزيادة السكان إذ تبين أن التعدد قد يؤدي إلى نقص الكفاءة الأنجابية للنساء وذلك لأن كثيراً من الأزواج الذين لديهم أكثر من زوجة واحدة يبلغ أعمارهم خمسين سنة فأكثر بينما متوسط أعمار الزوجات أقل من ذلك مما يؤدي إلى وجود عدم تكافؤ في اعمار الأزواج و الزوجات وهو ما ينقص الكفاءة الإنجابية للزوجة كما أن هؤلاء الأزواج وهم كبار السن يفوتون علي شبان يتقاربون مع الزوجات في الأعمار فرص الزواج بهن ولو تزوج بهن في اعمارهن لزادت الكفاءة الإنجابية للنساء .




رابعاً: تعدد الزوجات في ظل القانون رقم 100 لسنة 1985 :

صدر القانون رقم 100 لسنة 1985 متضمناً تعديل بعض قوانين الأحوال الشخصية ولقد نص في مادته السادسة مكرراً علي ما يأتي:-
علي الزوج أن يقر في وثيقة الزواج بحالته الإجتماعية، فإذا كان متزوجاً فعليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات الاتي في عصمته وقت العقد الجديد و محال إقامتهن، وعلي الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب مسجل مقرون بعلم الوصول، و للزوجة التي تزوج عليها زوجها أن تطلب التطليق منه إذا لحقها ضرر مادي أو أدبي (معنوي) يستحيل معه دوام العشرة بين امثالهما ولو لم تكن قد اشترطت عليه في العقد ألا يتزوج عليها، وعلي القاضي أن يعمل علي الإصلاح بينهما، فإن تعذر طلقها عليه للضرر طلقة بائنة ويسقط حق الزوجة في طلب التطليق لهذا السبب بمضي سنة من تاريخ علمها به ما لم تكن قد رضيت بذلك صراحة أو ضمناً، ويتجدد حقها في طلب التطليق كلما تزوج بآخرى ويكون للزوجة الجديدة التي لا تعلم بأن لزوجها زوجة اخرى ان تطلب التطليق للضرر كذلك، ويتبين من المادة المذكورة أن مجرد الزواج بأخرى لا يعتبر في حد ذاته ضرر و إنما هو يشتمل علي مظنه الضرر، و إذا كان الزواج بآخرى مـُباحاً في الإسلام وكان يحقق نفعاً لإطرافه فإنه قد يترتب عليه ضرر للزوجة الآخرى.

الكتب و المراجع التي تم الإستعانة بها في هذا البحث:
1-كتاب الإسلام و المجتمع الغربي للدكتور علي عبد الواحد
2-كتاب الشريعة الإسلامية في الأحوال الشخصية للدكتور محمد علي محجوب




غير منقول ولا يسمح بنقله