قهوتنا على الانترنت
صفحة 4 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 58
  1. #31
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي



    ~◘ الحديثُ العـشـرون ◘~
    عن أبي مسعودٍ عُقبة بن عمرو الأنصارىِّ البدرىِّ - رضى الله عنه - قال : قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ((إنَّ مِمَّا أدرك الناسُ مِن كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت )) رواه البخارى .
    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘
    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘

    واعلم أن الحياءَ نوعان :
    - أحدهما : ما كان خلقًا وجِبِلَّة غير مكتسب ، وهو مِن أجَلِّ الأخلاق التي يمنحها اللهُ العبدَ ويجبله عليها ، ولهذا قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( الحياءُ لا يأتي إلا بخير ))، فإنه يكف عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق ، ويحث على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها ، فهو مِن خصال الإيمان بهذا الاعتبار ، وقد رُوِىَ عن عمر - رضى الله عنه - أنَّه قال : ‹‹ مَن استحيا اختفى ، ومَن اختفى اتقى ، ومَن اتقى وُقِى ›› .. وقال الجراح بن عبدالله الحكمي - وكان فارسَ أهل الشام -: ‹‹ تركتُ الذنوبَ حياءً أربعين سنة ، ثم أدركني الوَرَع ››.. وعن بعضهم قال : ‹‹ رأيتُ المعاصي نذالةً ، فتركتها مروءةً ، فاستحالت ديانة ›› .
    ♦---•---♦
    - النوع الثاني : ما كان مُكتسبًا مِن معرفة الله ، ومعرفة عظمته وقُربه مِن عباده ، وإطلاعه عليهم ، وعِلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فهذا مِن أعلى خِصال الإيمان ، بل هو مِن أعلى درجات الإحسان .
    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  2. #32
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي


    ~◘ الحديثُ الثالثُ والعشـرون ◘~
    عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعرىّ - رضى الله عنه - قال : قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( الطُّهورُ شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض ، والصلاةُ نور ، والصدقةُ بُرهان ، والصبرُ ضياء ، والقرآنُ حُجَّةٌ لك أوحجة عليك ، كُلُّ الناسِ يغدو فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها )) رواه مسلم .
    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘
    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘

    قال بعضُ السَّلَف : ‹‹ ما جالس أحدٌ القرآنَ فقام عنه سالمًا ، بل إمَّا أنْ يربحَ أو أنْ يخسر ، ثم تلا هذه الآية : (( وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ))الإسراء/82 ›› .

    قال الحسن : ‹‹ المؤمنُ في الدنيا كالأسير ، يسعى في فِكاك رقبته ، لا يأمنُ شيئًا حتى يلقى اللهَ عز وجل ›› .. وقال : ‹‹ ابنَ آدم إنك تغدو أو تروح في طلب الأرباح ، فليكن همك نفسك ، فإنك لن تربح مِثلها أبدًا ›› .


    قال أبو بكر بن عياش : ‹‹ قال لي رجلٌ مَرَّةً وأنا شابٌّ : خَلِّص رقبتك ما استطعت في الدنيا مِن رِقِّ الآخرة ، فإنَّ أسيرَ الآخرة غيرُ مَفكوكٍ أبدًا ›› ، قال : ‹‹ فوالله ما نسيتها بعد ›› .
    ♦---•---♦


    وكان بعض السلف يبكي ويبكي ويقول : ‹‹ ليس لي نَفْسَان ، إنما لي نَفْسٌ واحدة ، إذا ذهبت لم أجد أخرى ›› .


    وقال محمد بن الحنفية : ‹‹ إنَّ الله عز وجل جعل الجنة ثمنًا لأنفسكم ، فلا تبيعوها بغيرها ›› .


    وقال أيضا : ‹‹ مَن كرمت نفسه عليه لم يكن للدنيا عنده قَـدْر ›› .


    وقيل له : ‹‹ مَن أعظمُ الناس قدرًا ؟ ›› ، قال : ‹‹ مَن لم يَرَ الدنيا كلها لنفسه خطرًا ›› .
    ♦---•---♦
    وأنشد بعض المتقدمين :


    أثامِـنُ بالنَّفسِ النفيسةِ رَبَّها .. وليس لها في الخلق كُلِّهم ثَمَـنْ
    بها تُملَكُ الأخرى فإنْ أنا بِعتُها .. بشيءٍ مِن الدنيا فذاك هو الغَبَنْ
    لئنْ ذهبت نفسي بدُنيا أصيبُها .. لقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثَّمَنْ

    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  3. #33
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي





    ~◘ الحديثُ الرابـع والعشـرون ◘~

    عن أبي ذر الغفارىّ - رضى الله عنه - عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما يرويه عن رَبِّه عز وجل أنه قال : (( يا عبادي إنِّي حَرَّمتُ الظلمَ على نفسي ، وجعلتُه بينكم مُحَرَّمًا فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا مَن هديتُه فاستهدوني أهدِكم ، يا عبادي كلكم جائعٌ إلا مَن أطعمتُه فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي كلكم عارٍ إلا مَن كسوتُه فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تُخطئون بالليل والنهار وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعًا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في مُلكي شيئًا ، يا عبادي لو أنَّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما نقص ذلك مِن مُلكي شيئًا ، يا عبادي لو أنَّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيتُ كُلَّ واحدٍ مسألتَه ما نقص ذلك مِمَّا عندي إلا كما يَنقصُ المِخيَطُ إذا أُدخِلَ البحر ، ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إيَّاها ، فمَن وجد خيرًا فليحمد الله ، ومَن وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه )) رواه مسلم .
    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘
    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘

    الظلـم نوعـان :

    - أحدهما : ظلم النفس ، وأعظمه الشِّرك ، كما قال تعالى : (( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )) لقمان/13 ، فإنَّ المُشرِكَ جعل المخلوقَ في منزلة الخالق ، فعبده وتألهه ، فوضع الأشياءَ في غير موضعها ، وأكثر ما ذكر في القرآن مِن وعيد الظالمين إنما أريد به المشركون ، كما قال الله عز وجل : (( وَالكَافِرُونَ هُمَ الظَّالِمُونَ )) البقرة/254 ، ثُمَّ يليه المعاصي على اختلاف أجناسها مِن كبائر وصغائر .
    ♦---•---♦


    - والثاني : ظلم العبد لغيره ، وهو المذكور في هذا الحديث ، وقد قال النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في خُطبته في حَجَّةِ الوَداع : (( إنَّ دِماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ ، كحُرمةِ يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا )) رواه البخارىُّ ومسلم ... ورُوِىَ عنه أنه خطب بذلك في يوم عرفة ، وفي يوم النحر ، وفي اليوم الثاني من أيام التشريق ، وفي رواية : ثُمَّ قال : (( اسمعوا مِنِّي تعيشوا ، ألا لا تظالموا ، ألا لا تظالموا ، إنَّه لا يَحِلُّ مالُ امريءٍ مُسلمٍ إلاَّ عن طِيبِ نفسٍ منه )) صحيح .. وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبىِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - أنَّه قال : (( الظلمُ ظُلماتٌ يوم القيامة )) ، وفيهما عن أبي موسى عن النبىِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قال : (( إنَّ الله ليُملي الظالم ، حتى إذا أخذه لم يُفلته )) ثم قرأ (( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهى ظَالِمَةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ )) هود/102 .. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبىِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قال : (( مَن كانت عنده مَظلِمَةٌ لأخيه ، فليتحلَّله منها ، فإنه ليس ثَمَّ دينارٌ ولا دِرهم مِن قبل أن يُؤخَذَ لأخيه مِن حسناته ، فإنْ لم يكن له حسنات أُخِذَ مِن سيئاتِ أخيه فطُرِحَت عليه )) .
    ♦---•---♦
    وقولُه :(( كلكم ضال إلاَّ مَن هديته )) : قد ظن بعضهم أنه مُعارض لحديث عياض بن حمار ، عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( يقولُ اللهُ عز وجل : خلقتُ عِبادي حنفاء )) ، وفي رواية : (( مُسلمين ، فاجتالتهم الشياطين )) روه مسلم.. وليس كذلك فإنَّ اللهَ خلق بني آدم ، وفطرهم على قبول الإسلام ، والميل إليه دون غيره ، والتهيؤ لذلك ، والاستعداد له بالقوة ، لكنْ لا بُدَّ للعبد مِن تعليم الإسلام بالفعل ، فإنَّه قبل التعلم جاهلٌ لا يعلمُ شيئًا ، كما قال عز وجل : (( وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا )) النحل/78 ، وقال لنبيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( وَوَجَدَكَ ضَالًا فَهَدَى )) الضحى/7 ،، والمراد : وجدك غيرَ عالمٍ بما علَّمكَ مِن الكتاب والحِكمة ، كما قال تعالى : (( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإيمَانُ )) الشورى/52 .. فالإنسان يُولَدُ مَفطورًا على قبول الحق ، فإنْ هداه اللهُ سَبَّبَ له مَن يُعلِّمه الهُدى ، فصار مُهتديًا بالفِعل بعد أنْ كان مُهتديًا بالقوة ، وإنْ خذله الله قَيَّضَ له مَن يُعلِّمه ما يُغيِّرُ فِطرتَه ، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( كُلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفِطرة ، فأبواه يُهوِّدانه ويُنصِّرانه ويُمجِّسانه )) رواه البخارى ومسلم .
    ♦---•---♦

    وأمَّا سؤال المؤمن مِن الله الهداية ، فإنَّ الهداية نوعان :

    - هِدايةٌ مُجملة : وهي الهداية للإسلام والإيمان ، وهي حاصِلةٌ للمُؤمن .


    - وهِدايةٌ مُفَصَّلَة : وهي هِدايتُه إلى معرفة تفاصيل أجزاء الإيمان والإسلام ، وإعانتُه على فِعل ذلك ، وهذا يحتاجُ إليه كُلُّ مُؤمنٍ ليلاً ونهارًا .

    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  4. #34
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي


    ~◘ الحديثُ السادس والعشـرون ◘~
    عن أبي هريرة رضى اللهُ عنه قال : قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( كُلُّ سُلامى مِن الناس عليه صدقةٌ كُلَّ يومٍ تطلع فيه الشمس ، تعدِلُ بين اثنين صدقة ، وتُعِينُ الرجلَ في دابته فتحمله عليها أو ترفعُ له عليها متاعه صدقة ، والكلمةُ الطيبةُ صدقة ، وبكل خُطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتُمِيطُ الأذى عن الطريق صدقة )) رواه البخاري ومسلم .

    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘
    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘


    عن يونس بن عُبَيْد أن رجلاً شكا إليه ضِيقَ حاله ، فقال له يونس : أيسرك أنَّ لك ببصرك هذا الذي تُبصِرُ به مائة ألف درهم ؟ قال الرجل : لا ، قال : فبيدك مائة ألف درهم ؟ قال : لا ، قال : فبرجليك ؟ قال : لا ، قال : فذكَّره نِعَمَ اللهِ عليه ، فقال يونس : أرى عندك مائين ألوفٍ وأنت تشكي الحاجة .





    قال أبو حازم : ‹‹ كُلُّ نعمةٍ لا تُقَرِّبُ مِن الله فهي بليَّة ›› .

    ♦---•---♦

    الشكـرُ على درجتين :

    - إحداهما :
    واجب، وهو أن يأتىَ بالواجبات ، ويجتنب المحارم ، فهذا لا بُدَّ منه ، ويكفي في شكر هذه النعم .
    - الدرجة الثانية من الشكر : الشكر المُستحَب ، وهو أن يعملَ العبدُ بعد أداء الفرائض واجتناب المحارم بنوافل الطاعات ، وهذه درجة السابقين المقربين .
    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  5. #35
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي





    ~◘ الحديثُ السابـع والعشـرون ◘~

    عن النواس بن سمعان - رضى الله عنه - عن النبىِّ صلى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( البِرُّ حُسْنُ الخُلُق ، والإثمُ ما حاك في نفسك وكرهت أن يَطَّلِعَ عليه الناس )) رواه مسلم .

    وعن وابصة بن مَعبد - رضى الله عنه - قال أتيتُ رسولَ الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - فقال : ((جِئتَ تسألُ عن البِرِّ ؟ قلتُ : نعم ، قال : استفتِ قلبك ، البِرُّ ما اطمأنت إليه النفسُ واطمأن إليه القلب ، والإثمُ ما حاك في النفس وتردَّدَ في الصدر وإنْ أفتاك الناسُ وأفتوك )) حديث حسن رويناه في مسندى الإمامين أحمد بن حنبل والدارمىُّ بإسنادٍ حسن .

    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘
    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘
    البِرُّ يُطلَقُ باعتبارين مَعنيين :


    - أحدهما : باعتبار مُعاملة الخلق بالإحسان إليهم ، ورُبَّما خُصَّ بالإحسان إلى الوالدين ، فيُقال " بِرُّ الوالدين " ، ويُطلَق كثيرًا على الإحسان إلى الخلق عمومًا ، وقد صَنَّفَ ابنُ المُبارك كتابًا سمَّاه "كتاب البِرِّ والصِّلَة" ، وكذلك في صحيح البخارىّ و جامع الترمذىّ "كتاب البِرِّ والصِّلَة" ، ويتضمن هذا الكتاب الإحسان إلى الخلق عمومًا ، ويُقدَّمُ فيه بِرُّ الوالدين على غيرهما ...... وكان ابنُ عمر - رضى الله عنهما - يقول : ‹‹ البِرُّ شيءٌ هَيِّن : وجهٌ طليق وكلامٌ لَيِّن ›› .
    ♦---•---♦

    - والمعنى الثاني من معنى البر : أن يُرادَ به فِعلُ جميع الطاعات الظاهرة والباطنة .... فالبِرُّ بهذا المعنى يدخل فيه جميعُ الطاعاتِ الباطنة : كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، والطاعاتِ الظاهرة : كإنفاق الأموال فيما يُحِبُّه الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والوفاء بالعهد ، والصبر على الأقدار ؛ كالمرض والفقر ، وعلى الطاعات ؛ كالصبر على لقاء العدو .

    ♦---•---♦


    قال الأعمش : ‹‹ كان إبراهيمُ النخعىّ صيرفيًا في الحديث ، كنتُ أسمعُ مِن الرجال ، فأعرِضُ عليه ما سمعتُه ›› .



    وقال عمرو بن قيس :‹‹ ينبغي لصاحب الحديث أن يكونَ مِثلَ الصيرفىّ الذي ينتقد الدراهم ، فإنَّ الدراهم فيها الزائف والبَهْرَج ، وكذلك الحديث ›› .



    وقال الأوزاعي : ‹‹ كنا نسمعُ الحديث ، فنعرضه على أصحابنا كما نعرضُ الدرهم الزائف على الصيارفة ، فما عرفوا أخذنا وما أنكروا تركنا ›› .

    وقيل لعبد الرحمن بن مهدىّ : إنك تقول للشيء "هذا صحيح" و "هذا لم يثبت" ، فعن مَن تقول ذلك ؟ فقال : أرأيتَ لو أتيتَ الناقِدَ فأريتَه دراهمك ، فقال : "هذا جيد" و "هذا بَهْرَج" أكنتَ تسأله عن ذلك أو تُسلِّم الأمرَ إليه ؟ قال : لا بل كنتُ أسلِّمُ الأمرَ إليه ، فقال : هذا كذلك لطول المُجالسة والمُناظرة والخُبْر به .



    وقال ابن مهدىّ : ‹‹ معرفةُ الحديث إلهام ›› .. وقال : ‹‹ إنكارنا الحديث عند الجُهَّال كِهانة ›› .
    ♦---•---♦

    وأول مَن اشتهر في الكلام في نقد الحديث ابنُ سيرين ، ثم خلفه أيوب السِّخْتِيَانِىّ ، وأخذ ذلك عنه شُعبة ، وأخذ عن شُعبة يحيى القطَّان وابنُ مهدى ، وأخذ عنهما أحمد وعلى بن المَدِيني وابنُ معين ، وأخذ عنهم مثل البُخارىّ وأبي داود وأبي زُرعة وأبي حاتم .... و جاء بعد هؤلاء جماعةٌ منهم : النَّسَائىُّ والعقيلي وابنُ عَدِىّ والدارقطنىُّ ، وقَلَّ مَن جاء بعدهم مِمَّن هو بارِعٌ في معرفة ذلك ، حتى قال أبو الفرج الجوزىّ في أول كتابه "الموضوعات" : قل مَن يَفهمُ هذا بل عُدِم .. والله أعلم .
    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  6. #36
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي



    ~◘ الحديثُ الثامن والعشـرون ◘~

    عن أبي نجيح العِرباض بن سارية - رضى الله عنه - قال : (( وعظنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم موعظةً وَجِلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسولَ الله كأنها موعظة مُوَدِّعٍ فأوصِنا ، قال : أوصيكم بتقوى الله عز وجل ، والسمعِ والطاعة وإنْ تأمَّر عليكم عبد ، فإنه مَن يَعِش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاء الراشدين المَهدِيِّين مِن بعدي ، عَضُّوا عليها بالنواجذ ، وإيَّاكم ومُحْدَثات الأمور ، فإنَّ كُلَّ بِدعةٍ ضلالة)) رواه أبو داود والترمذىّ وقال حديث حسن صحيح .
    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘
    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘

    البلاغةُ في المَوعظة مُستَحسَنة ، لأنها أقرب إلى قبول القلوب واستجلابها ..
    والبلاغة هي التوصُّل إلى إفهام المعاني المقصودة ، وإيصالها إلى قلوب السامعين بأحسن صورةٍ مِن الألفاظ الدالة عليها ، وأفصحها وأحلاها للأسماع ، وأوقعها في القلوب ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقصِرُ خُطبتَها ولا يُطيلها ، بل كان يُبلِغ ويُوجِز .


    والمُراد بالبِدعة : ما أُحدِثَ مِمَّا لا أصلَ له في الشريعة يَدلُّ عليه ،، وأمَّا ما كان له أصلٌ مِن الشرع يَدلُّ عليه فليس بِبِدعةٍ شرعًا ، وإنْ كان بِدعةً لغةً .



    فقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( كُلُّ بِدعةٍ ضلالة )) : مِن جوامع الكَلِم لا يَخرجُ عنه شيء ، وهو أصلٌ عظيمٌ مِن أصول الدين ، وهو شبيهٌ بقوله : (( مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رَدّ )) ، فكُلُّ مَن أحدث شيئًا ونَسَبَهُ إلى الدين ، ولم يكن له أصلٌ مِن الدين يرجع إليه ، فهو ضلالة ، والدينُ بريءٌ مِنه ، وسواءٌ في ذلك مسائل الاعتقادات ، أو الأعمال ، أو الأقوال الظاهرة والباطنة .



    وأما ما وقع في كلام السلف مِن استحسان بعض البِدَع ، فإنَّما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية .. :

    فمن ذلك : قولُ عمر - رضى الله عنه - لَمَّا جَمَعَ الناسَ في قيام رمضان على إمامٍ واحدٍ في المسجد ، وخرج ورآهم يُصَلُّون كذلك فقال : " نِعْمَت البِدعةُ هذه " ،، ورُوِىَ عنه أنه قال : " إنْ كانت هذه بِدعةً ، فنِعْمَت البِدعة " ،، ورُوِىَ أنَّ أُبَىّ بن كعبٍ قال له : " إنَّ هذا لم يكن " ، فقال عمر : " قد علِمتُ ولكنَّه حَسَن " .. ومُراده أنَّ هذا الفِعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت ، ولكنْ له أصولٌ مِن الشريعة يُرجَعُ إليها؛ فمنها أنَّ النبىَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَحُثُّ على قيام رمضان ، ويُرَغِّبُ فيه ، وكان الناسُ في زمنه يقومون في المسجد جماعاتٍ مُتفرقة ووحدانًا ، وهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى بأصحابه في رمضان غيرَ ليلة ، ثُمَّ امتنع مِن ذلك مُعلِّلاً بأنه خشي أنْ يُكتَبَ عليهم فيعجزوا عن القيام به ، وهذا قد أُمِنَ بعده صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ،، ورُوِىَ عنه أنَّه كان يقومُ بأصحابه ليالي الإفراد في العشر الأواخر .. ومنها أنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمر باتباع سُنَّةِ خُلَفائهِ الراشدين ، وهذا قد صار مِن سنة خُلَفائه الراشدين ، فإنَّ الناسَ اجتمعوا عليه في زمن عمر وعثمان وعلىٍّ .
    ♦---•---♦


    ومن ذلك : أذان الجمعة الأول ، زاده عثمان لحاجة الناس إليه ، وأقرَّه عَلِىّ ، واستمر عمل المسلمين عليه ، ورُوِىَ عن ابن عمر أنه قال : " هو بِدعة " ، ولعله أراد ما أراد أبوه في قيام رمضان .
    ♦---•---♦


    ومن ذلك : جمع المصحف في كتابٍ واحد ، توقَّف فيه زيد بن ثابت ، وقال لأبي بكرٍ وعمر : كيف تفعلان ما لم يفعله النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ ثُمَّ عَلِمَ أنَّه مَصلحة ، فوافق على جَمعه ،، وقد كان النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأمرُ بكتابة الوحى ،، ولا فرق بين أنْ يُكتَبَ مُفرَّقًا أو مَجموعًا ، بل جَمْعُهُ صار أصلح .
    ♦---•---♦


    وكذلك : جَمعُ عُثمان الأمَّة على مُصحفٍ واحدٍ وإعدامِهِ لِمَا خالفه خشية تَفَرُّق الأمَّة ، وقد استحسنه عَلِىٌّ وأكثرُ الصحابة ، وكان ذلك عينَ المصلحة .
    ♦---•---♦


    وكذلك : قِتالُ مَن مَنَعَ الزكاة ، توقَّف فيه عمر وغيرُه حتى بَيَّن له أبو بكرٍ أصلَه الذي يرجع إليه مِن الشريعة ، فوافقه الناس على ذلك
    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  7. #37
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي



    ~◘ الحديثُ الثلاثـون ◘~

    عن أبي ثعلبة الخشنىّ جُرثوم بن ناشرٍ - رضى الله عنه - عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( إنَّ اللهَ تعالى فَرَضَ فرائضَ فلا تُضَيِّعوها ، وحَدَّ حُدودًا فلا تعتدوها ، وحَرَّمَ أشياءَ فلا تنتهكوها ، وسَكَتَ عن أشياء رحمةً لكم غيرَ نسيانٍ فلا تبحثوا عنها )) حديث حسن رواه الدارقطنىُّ وغيره .

    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘
    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘


    قال إسحاقُ بن رَاهَوَيْـه :‹‹ لا يجوزُ التفكرُ في الخالق ، ويجوزُ للعباد أن يُفكِّروا في المخلوقين بما سمعوا فيهم ، ولا يَزيدون على ذلك ، لأنهم إنْ فعلوا تاهوا ››، قال :‹‹ وقد قال الله : (( وَإِنْ مِنْ شَيءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )) الإسراء/44 ، فلا يجوزُ أنْ يُقالَ : كيف تُسبِّحُ القِصاع ، والأخوِنة ، والخُبز المخبوز ، والثياب المنسوجة ؟ وكُلُّ هذا قد صَحَّ العِلمُ فيهم أنهم يُسَبِّحون ، فذلك إلى الله أنْ يجعل تسبيحَهم كيف شاء وكما يشاء ، وليس للناس أنْ يَخوضوا في ذلك إلاَّ بما علِموا ، ولا يتكلموا في هذا وشِبهه إلاَّ بما أخبر الله ، ولا يَزيدوا على ذلك ، فاتَّقُوا الله ، ولا تخوضوا في هذه الأشياء المتشابهة ، فإنه يُردِيكمُ الخوضُ فيه عن سُنَنِ الحَق ›› ... نقل ذلك كُلَّهُ حَرْب عن إسحاق رحمه الله تعالى
    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  8. #38
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي



    ~◘ الحديثُ الحادي والثلاثـون ◘~

    عن أبي العباس سهل بن سعدٍ الساعدىّ - رضى الله عنه - قال : (( جاء رجلٌ إلى النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : يا رسولَ الله ، دُلَّنِي على عملٍ إذا عملتُه أحبَّني اللهُ وأحبَّني الناس ، فقال : ازهد في الدنيا يُحِبُّكَ الله ، وازهد فيما عند الناس يُحِبُّكَ الناس )) حديثٌ حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة .
    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘
    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘

    ومعنى" الزُّهْـد في الشيء " : الإعراضُ عنه لاستقلاله ، واحتقاره ، وارتفاع الهِمَّة عنه .. يُقال : شيءٌ زهيد ؛ أي قليل حقير .


    ♦---•---♦

    وقد أنشد بعضُ السَّلَف :

    إنَّما الدنيا إلى الجنـ .. ـةِ والنارِ طريـقُ
    والليالي مَتجرُ الإنـ .. ـسانِ والأيامُ سوقُ


    ♦---•---♦

    وليس الذَّمُّ راجعًا إلى مكان الدنيا الذي هو الأرض التي جعلها الله لبني آدم مِهادًا وسَكَنًا ، ولا إلى ما أودع الله فيها مِن الجِبال والبِحار والأنهار والمعادن ، ولا إلى ما أنبته فيها مِن الشجر والزرع ، ولا إلى ما بَثَّ فيها مِن الحيوانات وغير ذلك ، فإنَّ ذلك كله مِن نعمة الله على عباده بما لهم فيه مِن المنافع ، ولهم به مِن الاعتبار والاستدلال على وحدانية صانعه وقُدرته وعظمته ،، وإنَّما الذَّمُّ راجِعٌ إلى أفعال بني آدم الواقعة في الدنيا ، لأنَّ غالبَها واقِعٌ على غير الوجه الذي تُحْمَدُ عاقبتُه ، بل يقع على ما تَضُرُّ عاقبتُه أو لا تنفع ، كما قال عز وجل :
    (( اعْلَمُوا أنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ )) الحديد/20
    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  9. #39
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي



    ~◘ الحديثُ الخامِـس والثلاثـون ◘~

    عن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال : قال رسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضُكم على بيع بعض ، وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا ، المسلمُ أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله و لا يكذبه ولا يحقره ، التقوى هاهنا ويُشيرُ إلى صدره ثلاثَ مرات ، بِحَسْبِ امريءٍ مِن الشر أن يَحقِرَ أخاه المسلم ، كُلُّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )) رواه مسلم .

    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘
    ◘---♦---•---♦---•---♦---•---♦---◘



    فقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( لا تحاسدوا )) : يعني لا يحسد بعضكم بعضًا ، والحسد مَركوزٌ في طِباع البشر ، وهو أنَّ الإنسانَ يكره أنْ يَفوقه أحدٌ مِن جنسه في شيءٍ مِن الفضائل .

    ♦---•---♦



    ثم ينقسم الناس بعد هذا إلى أقسـام :


    فمنهم
    مَن يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه بالقول والفِعل .

    ♦---•---♦



    ثم منهم مَن يسعى في نقل ذلك إلى نفسه .

    ♦---•---♦

    ومنهم مَن يسعى في إزالته عن المحسود فقط مِن غير نقلٍ إلى نفسه ، وهو شرُّهُما وأخبثهما ، وهذا هو الحسد المذموم المنهىُّ عنه ، وهو كان ذنبَ إبليس حيث حسد آدم عليه السلام لَمَّا رآه قد فاق على الملائكةَ بأنْ الله خلقه بيده ، وأسجد له ملائكتَه ، وعلَّمه أسماءَ كُلِّ شيء ، وأسكنه في جواره ، فما زال يسعى في إخراجه مِن الجنة حتى أُخرِجَ منها .

    ♦---•---♦

    وقسم آخر مِن الناس إذا حسد غيره لم يعمل بمُقتضى حسده ، ولم يَبغِ على المحسود بقولٍ ولا فِعل ، وقد رُوِىَ عن الحسن أنه لا يأثم بذلك .. وهـذا على نوعين :



    - أحدهما : أنْ لا يُمكنه إزالة ذلك الحسد مِن نفسه ، فيكونُ مَغلوبًا على ذلك ، فلا يأثم به .



    - والثاني : مَن يُحَدِّثُ نفسَه بذلك اختيارًا ، ويُعيده ويُبديه في نفسه مُستروحًا إلى تَمَنِّي زوال نعمة أخيه ، فهذا شبيهٌ بالعَزم المُصَمِّم على المعصية ، وفي العِقاب على ذلك اختلافٌ بين العلماء ، لكنْ هذا يَبعُد أنْ يَسلَمَ مِن البغي على المحسود ، ولو بالقول ، فيأثم بذلك .

    ♦---•---♦

    وقسمٌ آخر : إذا حسد لم يَتَمَنَّ زوال نعمة المَحسود ، بل يسعى في اكتساب مِثل فضائله ، ويتمني أن يكون مثله ، فإنْ كانت الفضائل دنيوية فلا خير في ذلك ، كما الذين يُريدون الحياة الدنيا : (( يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قارون )) القصص/79 .. وإنْ كانت فضائل دينية فهو حَسَن ، وقد تمنَّي النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الشهادةَ في سبيل الله عز وجل ، وفي الصحيحين عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( لا حسد إلا في اثنتين : رجلٌ آتاه الله مالاً ، فهو يُنفقه آناء الليل وآناء النهار ، ورجلٌ آتاه الله القرآن ، فهو يقومُ به آناء الليل و آناء النهار )) ، وهذا هو الغِبطة ، وسمَّاه حسدًا مِن باب الاستعارة .

    ♦---•---♦

    وقسم آخر : إذا وجد في نفسه الحسد سعى في إزالته ، وفي الإحسان إلى المحسود بإسداء الإحسان إليه ، والدعاء له ، ونشر فضائله ، وفي إزالة ما وجد له في نفسه مِن الحسد ، حتى يبدله بمحبته أن يكون أخوه المسلم خيرًا منه وأفضل ، وهذا مِن أعلي درجات الإيمان ، وصاحبه هو المؤمن الكامل الذي يُحِبُّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه .

    ♦---•---♦



    وقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( ولا تناجشوا )) : فسَّره كثيرٌ مِن العلماء بالنَّجْـش في البيع ، وهو أنْ يَزيد في السِّلعة مَن لا يُريدُ شراءها ؛ إمَّا لنفع البائع بزيادة الثمن له ، أو بإضرار المشتري بتكثير الثمن عليه ، وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه نهى عن النَّجْش .. وقال ابنُ أبي أوفي : { الناجِشُ آكِلُ رِبَا خائِن } ذكره البخارىُّ .. قال ابنُ عبد البر : { أجمعوا أنَّ فاعله عاصٍ لله عز وجل إذا كان بالنهي عالِمًا } .

    ♦---•---♦


    ويُحتمَل أنْ يُفسَّرَ التناجش المنهىّ عنه في هذا الحديث بما هو أعم مِن ذلك ، فإنَّ أصلَ النَّجْش في اللغة : إثارة الشيء بالمكر والحيلة والمُخادعة ، ومنه من سُمِّىَ الناجِشُ في البيع ناجِشًا ، ويُسَمَّى "الصائد" في اللغة "ناجِشًا" لأنه يُثيرُ الصيدَ بحيلته عليه ، وخِداعه له ، وحينئذٍ فيكونُ المعنى : لا تتخادعوا ، ولا يُعامِل بعضكم بعضًا بالمكر والاحتيال ، وإنما يُراد بالمكر والمخادعة : إيصالُ الأذى إلى المسلم ؛ إمَّا بطريق الأصالة ، وإمَّا اجتلاب نفعه بذلك ، ويَلزم منه وصول الضرر إليه ودخوله عليه ، وقد قال الله عز وجل : (( وَلَا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيءُ إِلَّا بِأَهْلِهِ )) فاطر/43 ، وفي حديث ابن مسعود عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( مَن غَشَّنا فليس مِنَّا ، والمكرُ والخِداعُ في النار )) الصحيحة ...... فيدخل على هذا التقدير في التناجش المنهىِّ عنه : جميعُ أنواع المعاملات بالغِش ونحوه ؛ كتدليس العيوب وكتمانها ، وغِش المبيع الجيد بالرديء ، وغبن المُسترسل الذي لا يعرفُ المُماكسة ، وقد وصف الله في كتابه الكفار والمنافقين بالمكر بالأنبياء وأتباعهم .
    وإنَّما يَجوزُ المكرُ بمَن يجوزُ إدخالُ الأذى عليه ؛ وهم الكُفُّار المُحاربون ، كما قال النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
    (( الحربُ خُدعة )) مُتفق عليه .
    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  10. #40
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي

    وقوله (( ولا تباغضوا )) : نهى المسلمين عن التباغض بينهم في غير الله ، بل على أهواء النفوس ، فإن المسلمين جعلهم اللهُ إخوة ، والإخوة يتحابون بينهم ولا تباغضون ، وقال النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( والذي نفسي بيده ، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا ، ألا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم )) رواه مسلم .




    وقوله(( ولا تدابروا )) : قال أبو عُبَيْد : التَّدابُر : المُصارمة والهجران ، مأخوذٌ مِن أنْ يُوَلِّىَ الرجلُ صاحبَه دُبُرَه ، ويُعرِض عنه بوجهه ، وهو التقاطع ... وخرَّج مُسلمٌ مِن حديث أنس عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( لا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تقاطعوا ، وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا كما أمركم اللهُ )) وخرَّجه أيضًا بمعناه مِن حديث أبي هريرة عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ... وفي الصحيحين عن أبي أيوب عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( لا يَحِلُّ لمُسلمٍ أنْ يَهجُرَ أخاه فوق ثلاث ، يلتقيان ، فيَصُدُّ هذا ، ويَصُدُّ هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )) مُتفقٌ عليه .. وخرَّج أبو داود من حديث أبي خراش السلمي عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( مَن هجر أخاه سَنةً فهو كَسَفْكِ دَمِهِ )) صحيح الجامع .

    وكُلُّ هذا في التقاطع للأمور الدنيوية ، فأما لأجل الدين فتجوز الزيادة على الثلاثة ، نَصَّ عليه الإمامُ أحمد ، واستدل بقصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا وأمر النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهُجرانهم لَمَّا خاف منهم النفاق ، وأباح هُجران أهل البدع المُغَلَّظة والدُّعاةِ إلى الأهواء .. وذكر الخَطَّابىُّ أنَّ هُجران الوالد لولده ، والزوج لزوجته ، وما كان في معنى ذلك تأديبًا ، تجوز الزيادةُ فيه على الثلاث ، لأنَّ النبىَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هجر نساءه شهرًا .




    قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( ولا يبع بعضُكم على بيع بعض )) : قد تكاثر النهىُ عن ذلك ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبىِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (( لا يبيع الرجلُ على بيع أخيه ، ولا يخطب على خِطبة أخيه )) ، وفي رواية لمسلم : (( لا يَسُم المسلم على سَوْم المسلم ، ولا يخطب على خطبته )) .. وهذا دليلٌ على أنَّ هذا حقٌّ للمسلم على المسلم ، فلا يُساويه الكافِرُ في ذلك ، بل يجوزُ للمسلم أنْ يبتاع على بيع الكافر ، ويخطب على خِطبته ، وهو قول الأوزاعىِّ وأحمد ، كما لا يَثبت للكافر على المسلم حقُّ الشُّفْعَةِ عنده .. وكثيرٌ مِن الفقهاء ذهبوا إلى أنَّ النهىَ عَامٌّ في حق المسلم والكافر ، واختلفوا : هل النهىُ للتحريم أو التنزيه ؟ فمِن أصحابنا مَن قال : هو للتنزيه دون التحريم ، والصحيح الذي عليه جمهورُ العلماء : أنه للتحريم ... ومعنى البيع على بيع أخيه : أنْ يكونَ قد باع منه شيئًا ، فيبذل للمشتري سلعتَه ليشتريها ، ويَفسخ بيع الأول .




    وقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا )) : هكذا ذكره النبىُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - كالتعليل لما تَقَدَّم ، وفيه إشارةٌ إلى أنهم إذا تركوا التحاسُدَ والتَّناجُشَ والتباغُضَ والتَّدابُرَ وبيع بعضهم على بعض ، كانوا إخوانًا .. وفيه أمرٌ باكتساب ما يصيرُ المسلمون به إخوانًا على الإطلاق ، وذلك يدخل فيه أداءُ حقوق المسلم على المسلم مِن رَدِّ السلام ، وتشميت العاطس ، وعيادة المريض ، وتشييع الجنازة ، وإجابة الدعوة ، والابتداء بالسلام عند اللقاء ، والنُّصح بالغيب .




    قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره )) : هذا مأخوذٌ مِن قوله عز وجل : (( إِنَّمَا المُؤْمِنُونُ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ))الحجرات/10 ، فإذا كان المؤمنون إخوةً ، أُمِرُوا فيما بينهم بما يُوجِبُ تآلفَ القلوب واجتماعها ، ونُهوا عما يُوجِبُ تنافُرَ القلوب واختلافها ، وهذا مِن ذلك .. وأيضًا فإنَّ الأخَ مِن شأنه أنْ يُوصِلَ إلى أخيه النفع ، ويَكُفَّ عنه الضرر ، ومِن أعظم الضرر الذي يجب كَفُّهُ عن الأخ المسلم الظلم ، وهذا لا يختص بالمسلم ، بل هو مُحَرَّمٌ في حَقِّ كُلِّ أحد .. ومِن ذلك : خذلان المسلم لأخيه ، فإنَّ المؤمن مأمورٌ أنْ ينصرَ أخاه ، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا ، قال : يا رسولَ الله أنصره مظلومًا ، فكيف أنصره ظالمًا ؟ قال : تمنعه مِن الظلم ، فذلك نصرك إيَّاه )) خرَّجه البخارىُّ بمعناه مِن حديث أنس ، وخرَّجه مُسلمٌ بمعناه مِن حديث جابر ... ومن ذلك : كذب المسلم لأخيه ، فلا يَحِلُّ له أن يُحَدِّثَه فيكذبه ، بل لا يُحَدِّثه إلا صِدقًا .. ومن ذلك : احتقار المسلم لأخيه المسلم ، وهو ناشئٌ عن الكِبْر ، كما قال النبىُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( الكِبُرُ بَطْرُ الحَقِّ وغَمْطُ الناس )) خرَّجه مسلم مِن حديث ابن مسعود ... وقال الله عز وجل : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُم وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ )) الحجرات/11 .. فالمتكبر ينظر إلى نفسه بعين الكمال ، وإلي غيره بعين النقص ، فيحتقرهم ويزدريهم ، ولا يراهم أهلاً لأنْ يقوم بحقوقهم ، ولا أنْ يقبل مِن أحدٍ منهم الحق إذا أورده عليه .
    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

 

 
صفحة 4 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. كَفتة بالطـّحينة... جربيها موش هتندمى ... حصرى
    بواسطة dandana2000 في المنتدى طبق اليوم
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 11 - 2 - 2012, 03:01 PM
  2. °•.♥.•° كَلمآتُ لهَآ إيقآعَ فيِ ألقلَبِ °•.♥.•°
    بواسطة بك أستجير فمن يجير سواك في المنتدى مصراوي كافيه
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 30 - 1 - 2012, 11:05 AM
  3. ..: كَــلاَم مِـــنَ القَلــبْ :..
    بواسطة احمد حسين في المنتدى مصراوي كافيه
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 3 - 12 - 2009, 10:30 PM
  4. مًـِِّـِِّكَـِِّتُِِّْبٌَِهٍَ بٌَِرٌٍآآآمًجًِْ لآخٌِتُِِّْـِِّرٌٍآآقٌٍـِِّ آلشًِْآتْ
    بواسطة MagMan في المنتدى منتدى البرامج العام والشروحات المصورة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 29 - 12 - 2007, 10:36 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©