30-القلب فى سورة الاحزاب
قال تعالى (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) آية(4)
. وجاء فى تفسير القرطبى وقيل: هو مثل ضرب للمظاهر؛ أي كما لا يكون للرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه حتى تكون له أمان. وقيل: كان الواحد من المنافقين يقول: لي قلب يأمرني بكذا، وقلب يأمرني بكذا؛ فالمنافق ذو قلبين؛ فالمقصود رد النفاق. وقيل: لا يجتمع الكفر والإيمان بالله تعالى في قلب، كما لا يجتمع قلبان في جوف؛ فالمعنى: لا يجتمع اعتقادان متغايران في قلب. ويظهر من الآية بجملتها نقي أشياء كانت العرب تعتقدها في ذلك الوقت، وإعلام بحقيقة الأمر، والله أعلم.
القلب بضعة صغيرة على هيئة الصنوبرة، خلقها الله تعالى في الآدمي وجعلها محلا للعلم، فيحصي به العبد من العلوم ما لا يسع في أسفار، يكتبه الله تعالى فيه بالخط الإلهّي، ويضبطه فيه بالحفظ الرباني، حتى يحصيه ولا ينسى منه شيئا. وهو بين لمتين: لمة من الملك، ولمة من الشيطان؛ كما قال صلى الله عليه وسلم. خرجه الترمذي؛ وقد مضى في "البقرة". وهو محل الخطرات والوساوس ومكان الكفر والإيمان، وموضع الإصرار والإنابة، ومجرى الانزعاج والطمأنينة. والمعنى في الآية: أنه لا يجتمع في القلب الكفر والإيمان، والهدى والضلال، والإنابة والإصرار، وهذا نفي لكل ما توهمه أحد في ذلك من حقيقة أو مجاز، والله أعلم.
أعلم الله عز وجل في هذه الآية أنه لا أحد بقلبين، ويكون في هذا طعن على المنافقين الذين تقدم ذكرهم؛ أي إنما هو قلب واحد، فإما فيه إيمان وإما فيه كفر؛ لأن درجة النفاق كأنها متوسطة، فنفاها الله تعالى وبين أنه قلب واحد. وعلى هذا النحو يستشهد الإنسان بهذه الآية، متى نسي شيئا أو وهم. يقول على جهة الاعتذار: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.
قال تعالى ( إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون)آية(10)
وجاء فى تفسير القرطبى "وبلغت القلوب الحناجر" أي زالت عن أماكنها من الصدور حتى بلغت الحناجر وهي الحلاقيم، واحدها حنجرة؛ فلولا أن الحلوق ضاقت عنها لخرجت؛ قاله قتادة. ويقال: إن الرئة تنفتح عند الخوف فيرتفع القلب حتى يكاد يبلغ الحنجرة مثلا؛ ولهذا يقال للجبان: انتفخ سحره. وقيل: إنه مثل مضروب في شدة الخوف ببلوغ القلوب الحناجر وإن لم تزل عن أماكنها مع بقاء الحياة. قال معناه عكرمة. روى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: بلغ فزعها. والأظهر أنه أراد اضطراب القلب وضربانه، أي كأنه لشدة اضطرابه بلغ الحنجرة. والحنجرة والحنجور (بزيادة النون) حرف الحلق. "
قال تعالى ( وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ) آية(26 )
وجاء فى تفسير القرطبى"وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون" وهم الرجال. "وتأسرون فريقا" وهم النساء والذرية،
قال تعالى ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروف ) آية(32)
"فيطمع الذي في قلبه مرض" "فيطمع" بالنصب على جواب النهي. "الذي في قلبه مرض" أي شك ونفاق، عن قتادة والسدي. وقيل: تشوف الفجور، وهو الفسق والغزل، قال عكرمة. وهذا أصوب، وليس للنفاق مدخل في هذه الآية.
قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما) آية(53)
وجاء فى تفسير القرطبى قوله تعالى: "ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن" يريد من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء، وللنساء في أمر الرجال، أي ذلك أنفى للريبة وأبعد للتهمة وأقوى في الحماية. وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له فإن مجانبة ذلك أحسن لحال وأحصن لنفسه وأتم لعصمته. "
قال تعالى ( لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ) آية(60 )
وجاء فى تفسير القرطبىقوله تعالى: "لئن لم ينته المنافقون" الآية. أهل التفسير على أن الأوصاف الثلاثة لشيء واحد؛ كما روى سفيان بن سعيد عن منصور عن أبي رزين قال: "المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة" قال: هم شيء واحد، يعني أنهم قد جمعوا "الذين في قلوبهم مرض" يعني الذين هي قلوبهم الزنى. وقيل: المنافقون والذين في قلوبهم مرض شيء واحد، عبر عنهم بلفظين؛