القُرآنُ مُحكَمٌ كُلُّه ، ومُتشابِهٌ كُلُّه ، ومِنه مُحكَمٌ ومِنه مُتشابِه ..
فالإحكام : بمعنى الوضوح والبيان ، فهو كُلُّه واضِحٌ بَيِّنٌ على جِنْس الأُمَّة .. قـد لا يكونُ واضِحًا بَيِّنًا لِكُلِّ أحد ، لكنَّه واضِحٌ بَيِّنٌ لجِنْسِ الأُمَّة .
كذلك وَصَفَه بأنَّه مُتشابِهٌ بقوله : ﴿ اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا ﴾ الزمر/23 ؛ يعني : يُشبِهُ بعضُه بعضًا ؛ هـذا أمـرٌ وهـذا أمـر ، وهـذا نهىٌ وهـذا نهى ، وهـذا خبرٌ وهـذا خبر ، وهـذا وَصْفُ الجَنَّة وذاك وَصْفُ الجَنَّة ، وهـذه قِصَّةٌ لنبىٍّ مِن الأنبياء وهـذه قِصَّةٌ للنبىِّ نفسِه ، وهكـذا فبعضُه يُشبِهُ بعضًا .
أمَّا القِسمُ الثالِثُ فهو : ما ذُكِرَ في سورةِ آل عِمران بقوله : ﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ﴾ آل عمران/7 ؛ يعني : بعضُه مُحكَم واضِح المعنى بَيِّن الدِّلالة ، وبعضُه ليس كذلك ، مُشتبِه المعنى ومُشتبِه الدِّلالة ، فهـذا المُشتبِه المعنى والمُشتبِه الدِّلالة : لا يوجدُ في القُرآن ولا في السُّنَّة عند أهل السُّنَّةِ والجماعة بمعنى التَّشَابُه المُطلَق ؛ يعني أنَّ قولَه تعالى : ﴿ وَاُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ آل عمران/7 ، يُعنَى به : التَّشَابُه النِّسْبِىّ الإضافِىّ ؛ يعني أنَّه يشتبِهُ على بعضِ الناسِ دون بعض .. أمَّا التَّشَابُه المُطلَق بحيثُ يُقالُ : هـذه الآيةُ مِن المُتشابِه ، أو يُقالُ ﴿ ألم ﴾ هـذا مِن المُتشابِه ؛ يعني : لا أحـد يعلمُ معناه ، فهـذا مِن الخطأ ، ولا يقولُ به أهلُ السُّنَّة ، بل أهلُ السُّنَّةِ يقولون : إنَّه يُمكنُ أنْ توجدَ آياتٌ تشتبِهُ على بعضِ أهل العِلم ، فلا يُعلَمُ معناها مِن جِهةِ هـذا المُطالِع ، لكنْ ليس مِن جِهةِ الأُمَّةِ بأجمعها ، فيَعلمُ بعضُ أهل العِلم المَعنى ، والبعضُ الآخَرُ لا يعلمُ المعنى ، ولهـذا ابنُ عبَّاسٍ لَمَّا تلا هـذه الآيةَ قال : ‹‹ أنا مِمَّن يعلمون تأويلَه ›› ..
فإذًا التَّشَابُه _ أو يُقالُ : هـذه الآيةُ مِن المُتشابِه _ لا يُوجدُ المُتشابِه المُطلَق ؛ يعني : الذي لا يعلمُ أحـدٌ معناه ، بل لا بُدَّ أنْ يُوجَدَ في الأُمَّةِ مَن يعلمُ معنى كُلِّ نَصّ ، فالقُرآنُ نَزَلَ بلِسانٍ عربيٍّ مُبين ، نزل ليَهتدِىَ به الناس ، كذلك السُّنَّة ، فلا يُوجَدُ نَصٌّ يستبهِمُ على جميع أهل العِلم وعلى الأمَّة ، لا ، وهـذا القولُ بأنَّ هناك ما يستبهِمُ على الجميع ولا يَفهَمُ معناه الجميع ، هـذا إنَّما هو قولُ أهل البِدَع ...
الشيـخ / صالح آل الشيخ