,
مرّت الأيّام ...
عَينيها في ذاكَ الدّرب , وَقلبُهَا مُتعلقٌ بحُلمِ الأمْس
خُمولٌ أوصَلَها حدّ الجُمودِ واليَأس !
أينَ أوصَلنا أبناءنَا ؟!
...
بينَ استيقاظِ الصّبحِ , ومَنامِ اللّيل
خَيطٌ رَفيعٌ في لحَظَاتٍ يَفصِلُ بينَ الاثْنَين
وبينَ المُبدعِ والخَاملِ في الدّرب
همّةٌ وَجدهَا الأولُ فأحسنَ إذ أيقَظَها
وغَفِلَ عَنها الآخرُ فلَم يَبحث عَنهَا وَتَركهَا
..
فرقٌ
أن تَجِدَ فتاةً تَبُوحُ بمَكنوناتِ قَلبِهَا للأسرةِ والأهل
تَطرحُ المَسألة , تَأخذُ المَشورة ,
تُبدي الرّأي , تَستمعُ المَقولة ,
ويَحصلُ الأمر بكلّ ليُونة .
وَ
فَتاةٍ كلّ حَكاياها لرفيقة دَربِهَا
والأهل لا يَعلمونَ عنْ سرّ أمْرِهَا ,
عَن أحلامِ عُمرِهَا ,
عَن لَحظاتِ يَومِهَا ,
عَن هُمومهَا , وَمَشاكلِ قَلبِهَا !!
كَثيراً مَا كُنتُ أسمعُ عَن ابنٍ يَجهلُ كيفيّة الحَديثِ مَع أمّه
أو أم لا تَستَطيعُ أن تَفهمَ طبائِعَ ابنِهَا
عَن تشتّت العَائلات ,
والسّبب ألا أحدٌ يفهمُ الآخرَ بصِدق
وحَتى عَن جَلساتٍ لا يَلفَحُهَا إلا رياحُ الصّمت !
...
لا يَا كِرام .. لا نُريدُ جَلساتٍ حوارية بينَ الأهلِ
أُعطي وَريدها حُقنَة مُخدرٍ , وَكبسولةَ صمت
أو حِواراً أُصيبَ بغيبوبةٍ فغابَ عَن المَشهد والحيّ
أو مُغذيَّ جدالٍ , قويّ المَفعول فتنتهي الجَلسةُ على غَضَب
ولا نُريدُ بيوتاً خَاليَة من اجتماعات بينَ الأحباب والصّحب
ولو لدقائق يحكي كلٌّ ما لديه , بمنطقٍ , وَرُؤيةٍ , وَصبر
يَطرحونَ أفكارهم , وَيتبادلونَ مَشاعرهم ...
فللأُسرةِ حُقوق ربّما نَهْضِمُ بَعضها على حِسابِ الغَير
فكَم من فَتياتنا اليومَ ضعنا عَنِ الطّريق وأخذهَا الضّيق
والسّبب مَشاغِلُ الأُسرَة لا تَجعلُ وقتاً للحِوَارِ بطيب !
هَل أخذت مَشَاغِلُنا أياماً حُلوة نَقضيها مع أطفالنا ؟!
وهَل أثّرت عَلينَا هذه المَسألة بأن جَعلنا الخَوفَ في طُلابنا
لمُجردِ الحَديثِ حتى مَع مُعلماتنا ...؟!
وهَل نَحنُ من بنَى حَواجزاً سَميكَة بيننا وأحبابنا ..؟!
أذكرُ
في عَهدِ مَدرستي
مُعلماتٌ لهنّ جَميلَ الأثر ,
تَحتوي القُلوبَ بكلّ صدقٍ في كلّ أمر ,
فتجدهنّ الأمّ , والمُربية , والأختَ , والصّديقة الوَفيّة .
بينمَا
أخريات ينفرن منهَا الطّالبات من مُجردِ رُؤيتِهَا
لحَديثها القَاسي , عَدم سُهولةِ الأخذِ والعَطاء معهَا ,
عَصبيتها المُتكررة , وآهاتِ تأففها المُتحررة .
فلمَ هَذَا الفَرقُ يَا تُرَى ...؟!
أنْ تَستطيعَ التحدث مع مُعلمة , وأخرى لا وألفُ لا للحديثِ مَعها ؟!
...
وأيضاً
في عَهدِ مَدرستي يَا إخوتي
صَديقاتٌ حَميماتٌ يَملكنَ القُدرة على جذبِ أطرافِ الحَديث
تَقولُ وتَحكي بهُدوءٍ للقلبِ حَديثاً هُوَ الخَفيفُ الحَفيف
تُدير المجلسَ بأسلوبٍ وَشكلٍ حُلوٍ لطيف
وَأخرَى
لا تَجرؤُ على قَولِ نَصيحةٍ لهَا
أو إعطاءِ رأيٍ في أمرِهَا , أو حَتى بذلِ شَيءٍ لهَا
ومنهَا
الصّامتَة السّاكنة حَتى من حِرَاك
لا جواباً أو كلاماً منها إليكِ دفّاق
جَليسكمُ الوَحيدُ مَللٌ في كلّ زِقَاق
وفي كلّ الأحوال قد تَأتيكِ صفعةُ ردّة الفَعلِ على غيرِ منوال
فلمَ هَذا الفَرقُ في اختلاف إدارة الجَلسةِ والحوارات , أو طَرحِ الرّأي ومجاذبةِ أطرافِ الحَديثِ من مُختلفِ الجِهَات ...؟!
مِنَ المُحزنِ المُبكي ,
أن تَسمعَ من فَتاةٍ تَخصيص وقتٍ في البَيتِ
يَجتَمِعُ فيهِ الأهل على مَائدةِ الحِوَار
فيَبتَهِجُ قلبكَ بهذه الأخبار
ثمّ ينتَكِسُ حينَ تقول أنّها
تلتزمُ الصّمتَ في كلّ آن
لسببٍ وَاضِح : أن أخبروهَا بماذا تُخبرهم ؟!
علّموهَا بماذَا تُحدِثهم ؟! ... كَيفَ تُدير جلسةً وحواراً بقُربهم ؟!
...
مَا أجملنَا وَنحنُ نلمّ الشّمل
نُعلّم أبناءنَا درسَ الحِوَار بفنّ
نُبيّنُ لهم روائعه , وإيجابياته , وجمالَه في دَرسٍ وَقول .
ما أروعنا ونحنُ نُكسّر حواجز الصّمت
جِدَار الخَوفِ والمهابةِ بحكمةٍ وَرفِق
نُحطّم بناياتٍ أعمتنا عن رؤية البَعض
أحجاراً أعاقت أحبّتنا في التّقدمِ برقيٍّ وفخر
مَا أطيبنا وأنا أعطيكِ مقولة , وتُعطيني رأي
وأُعطيكِ رأياً , وتُعطيني مَشورةً قبلَ السّعي
وأُعطيكِ مَشورة , وتُعطيني حكمةً ليومِ غدي
سواء مَع أمّي , أخِي , أخْتي , رَفيقَتي , أو أبي
فإليكِ أنتِ أيتها الأمّ :
كَيفَ تُفعلينَ دَورك كربّة بيتٍ في خَلقِ جَوٍّ يَتحاورُ فيهِ الأهل ..؟!
وكَيفَ تَزرعين داخل أطفالكِ لغةً افتقدها الكَثيرُ اليَوم ..؟!
مَا هي الطّرق التي قد تُساهم في رفعِ مُستوَى الحِوَار بينَ الأهل ..؟!
...
وأنتِ كَمُعلمة :
مَا هُوَ دَوركِ في تَعزيز مَفهومِ الحِوَار لدَى الطَالبات ..؟!
مَا هي الوسائل , والبرامج , والنّشاطات ربّما ... التي برأيكِ تُساهم في عملية رقيّ طُلابنا في فنّ الحِوَار ..؟!
..
وأنتِ كَطالبة , وابنة :
هَل تَرينَ اهتماماً حَقيقياً منَ الأهلِ , والمَدرسَة اتجاهَ هَذهِ المَسألة ..؟!
أينَ تَجدينَ نَفسكِ مُحاورة , مَع الأهلِ أم الرّفقة ..؟! لماذا برأيكِ ..؟!
كيفَ تُحبّين أن يَكونَ جوّ الحوار في البيت , أيّ الجوّ الذي تجدين فيهِ نفسكِ تُبدعُ بالحَديث .. ؟!
...
وللجَميعِ :
" مَاذا يعني الحِوَار بمفهومك أنت ..؟!
مَا سببُ نَجاحِ حِوار , وفَشلُ آخرَ عَقيم ..؟!
ليتكِ تُرفق تَجربةً لك , أو قصّة أفادك فنستفيدَ منها مَعَك ..
^_^
سُؤال تُحبّينَ طَرحهُ لمُشاركتنا إيّاكِ جَوابَه ..؟!
وختاماً ~
لنَتَعمّقَ في تُربةِ تَربيتنَا ...
لنعرفَ أينَ هيَ بدايات جُذورها , وكيفية اقتلاعِ الفاسدِ منها .
فربّ حَديثٍ وُلِدَ منهُ الفرج القَريب , وبسمةَ أملٍ لشملٍ جَديد .
![]()