قهوتنا على الانترنت
ابحث عن :  
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    12 - 11 - 2007
    ساكن في
    Ismailia, Egypt
    المشاركات
    4,772
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي رجـل المستحيــل


    رجـل المستحيــل
    الجزء الأول: الفكـرة


    أدهم صبري.. ضابط مخابرات مصري في الخامسة والثلاثين من عمره، يرمز إليه بالرمز ن-1
    حرف النون، يعني أنه فئة نادرة، أما الرقم واحد، فيعني أنه الأوَّل من نوعه؛ هذا لأن أدهم صبري رجل من نوع خاص.. فهو يجيد استخدام جميع أنواع الأسلحة، من المسدس إلى قاذفة القنابل.. وكل فنون القتال، من المصارعة وحتى التايكوندو
    هذا بالإضافة إلى إجادته التامة لست لغات حيَّة، وبراعته الفائقة في استخدام أدوات التنكُّر والمكياج، وقيادة السيارات والطائرات، وحتى الغواصات، إلى جانب مهارات أخرى متعدِّدة
    لقد أجمع الكل على أنه من المستحيل أن يجيد رجل واحد، في سن أدهم صبري، كل هذه المهارات.. ولكن أدهم صبري حقَّق هذا المستحيل، واستحق عن جدارة ذلك اللقب، الذي أطلقته عليه إدارة المخابرات العامة

    لقب رجل المستحيل..
    *******


    خيَّم صمت تام، على تلك البقعة من باريس، في تلك الساعة المتأخرة من الليل، وأطلّ القمر بقرصه الفضي، من خلف برج إيفل الشهير، ليلقي أمامه ظلاً هائلاً، امتزج بظل آخر يتحرَّك في خفة، بين مبنيين كبيرين، ليلتقي بآخر، في زقاق ضيق، ويناوله حقيبة صغيرة، وهو يقول في عصبية هامسة: هذه هي كل الأوراق.. أين المبلغ الذي اتفقنا عليه.
    أجابه الآخر، في صرامة خشنة: سأراجعها أوَّلاً
    تلفَّت الأوَّل حوله في عصبية، قبل أن يهمس: أسرع إذن
    وبينما يراجع الثاني الأوراق، ظهرت بضع ظلال أخرى، تتحرَّك في نشاط وسرعة، وبمنتهى الخفة والحذر؛ لتحيط بالرجلين، على نحو دقيق مدروس، قبل أن يهمس أحدهما: سنهاجم الآن
    مع قوله، تحرَّكت الظلال كلها، مندفعة نحو الرجلين، من ثلاثة اتجاهات مختلفة، و
    خيانة...
    هتف الرجل الثاني بالكلمة في غضب، واستل مسدساً ضخماً من حزامه، وصوَّبه نحو الأوَّل، الذي اتسعت عيناه في رعب هائل، وتراجع هاتفاً: لا.. لست
    ولكن الثاني ضغط الزناد، فانطلقت من كاتم الصوت رصاصة صامتة، اخترقت منتصف جبهة الأوَّل، الذي سقط جثة هامدة كالحجر، في نفس اللحظة التي هتف فيها أحد المنقضين: استسلم وإلا
    قبل أن يتم عبارته، استدار إليه حامل المسدس، وأطلق نحوه عدة رصاصات، ثم اندفع محاولاً الفرار، بالحقيبة التي أحضرها الأوَّل، ولكن أحد المنقضين أطلق نحوه رصاصاته، محاولاً تعطيله.. ولكن الرجل وثب وثبة مدهشة، وتجاوز حافة الرصيف، وحاول أن يختفي في زقاق آخر، فهتف منقض آخر: لو فر سنخسر كل شيء
    وهنا، صوَّب الكل مسدساتهم نحو الرجل الثاني، وعلى الرغم من كراهيتهم لإنهاء العملية على هذا النحو، لم يجدوا أمامهم سوى إطلاق النار.. نحو الهدف مباشرة
    كانت هناك حتمية لمنعه من الفرار بالحقيبة، مهما كان الثمن
    وعلى الرغم من وثبته الماهرة، حصدته رصاصاتهم حصداً، وأصابته في مقتل، فهوى عند مدخل الزقاق، ويده مازالت تمسك بالحقيبة
    وبقفزة واحدة، بلغه أحدهم، وانحنى ينتزع الحقيبة من يده، في نفس اللحظة التي ظهرت فيها سيارة شرطة فرنسية، لاحظ أحد ركابها ما يحدث، فهتف: ماذا تفعلون هناك؟
    وفي لحظة واحدة، تفرَّق الرجال كما انقضوا، وانطلقوا في اتجاهات مختلفة، وذابوا وسط الظلام والظلال، فاندفع رجال دورية الشرطة خلفهم، محاولين اقتناص أحدهم
    ولكن الرجال اختفوا تماماً في المنطقة المحيطة، ولم يتركوا خلفهم سوى جثتين
    جثتين من جنسيتين مختلفتين تماماً
    *******
    "خطأ.. ما حدث خطأ"
    هتف العميد صبري بالعبارة في غضب، وهو يدق سطح مكتبه بقبضته، فالتفت إليه زميله حسن، وهو يقول في قلق: ما الخطأ بالضبط يا صبري.. لقد استعدنا الوثائق السرية، ولم نخسر سوى ذلك الخائن، وأمكننا كلنا العودة إلى مصر في أمان
    قال صبري في مرارة: لم يكن ينبغي أن يتم الأمر على هذا النحو.. صحيح أننا استعدنا الوثائق، ولكننا لم نعرف من وراء هذا الفعل بالضبط.. لقد اضطررنا لقتل جاسوس العدو، ولقي الخائن مصرعه أثناء العملية، وكل هذا لأننا كنا أكثر مما ينبغي
    غمغم حسن: كنا ثلاثة أفراد فحسب
    لوَّح صبري بذراعه، هاتفاً: ثلاثة أفراد لمواجهة رجلين.. حسبة فاشلة وخاسرة يا رجل.. كنا ثلاثة، لأن وليد لا يجيد الفرنسية، وأنت لا تعدو بسرعة مناسبة، وأنا الوحيد الذي يمكنه معرفة جواسيس الأعداء
    هزَّ حسن كتفيه، قائلاً: لا تنسَ أننا جهاز مخابرات وليد، ومهاراتنا لم تكتمل بعد
    هتف صبري: وهذا أكبر خطأ.. كان كلاهما من الرعيل الأوَّل لرجال المخابرات، الذين أسسوا المخابرات العامة، وكلاهما يسعيان لاكتساب كل المهارات والخبرات اللازمة؛ لمواجهة أجهزة المخابرات العدوة، التي تتحرَّك بمنتهى الشراسة والعنف، لوأد رجال الثورة، الذين أشعلوا فتيل حماس للحرية، في منطقة الشرق الأوسط كلها
    وفي محاولة لتهدئة الأمور، غمغم حسن: لست أدري أين يكمن الخطأ بالضبط؟
    أجابه صبري في حزم: الخطأ في أن كلا منا يلم بمهارتين على الأكثر، ويعتمد على الآخرين، في باقي المهارات والخبرات
    قال حسن في حيرة: هذا أمر طبيعي؛ فاكتساب مهارة واحدة يحتاج إلى زمن طويل للغاية، وليس من الممكن أن يكتسب شخص في عمرنا أكثر من مهارتين أو ثلاثة، لو كان موهوباً
    أشار صبري بسبَّابته، قائلاً: هذا لأننا نبدأ تدريباتنا في سن متأخرة
    ضحك حسن في توتر، وهو يقول: سن متأخرة؟!.. إننا نبدأ تدريباتنا فور التحاقنا بالكلية الحربية يا رجل.. من يمكنه أن يفعل أفضل من هذا؟
    بدا صبري شارداً، وهو يغمغم: ولكن هذا لا يكفي.. من الواضح أنه لا يكفي
    تطلَّع إليه حسن بضع لحظات في صمت، قبل أن يميل نحوه، متسائلاً: صبري.. فيم تفكِّر بالضبط؟
    بدا صبري أكثر شروداً، وهو يجيب: في أن الأمر يحتاج إلى تطوير.. تطوير كبير
    ولم يناقشه حسن فيما يدور في ذهنه، وإن أصبح واثقاً من أن زميله يبحث عن فكرة ما
    فكرة مجنونة..
    تماماً..
    *******


    "وجدتها"
    هتف صبري بالعبارة في حماس، وهو يندفع داخل مكتب حسن، الذي رفع عينيه إليه في هدوء، لا يتناسب مع الموقف، وسأله: ما التي وجدتها يا أرشميدس زمانك؟
    أجابه صبري بنفس الحماس: الفكرة التي كنت أبحث عنها
    تراجع حسن في مقعده، متسائلاً، في شيء من الحذر: أية فكرة؟
    جذب صبري مقعداً، وجلس إلى جواره، قائلا في انفعال واضح جارف: فكرة إنتاج رجل المخابرات المثالي
    لم يسترجع عقل حسن الأمر على الفور، لذا فقد قال، وقد تضاعف حذره: لو أن لديك فكرة تتناسب مع ما طالب به المدير الجديد، فيمكنك أن
    قاطعه صبري بحماسة: المدير الجديد طلب منا البحث عن وسائل لتطوير أداء الجهاز، ولكن فكرتي تعتمد على تطوير رجل المخابرات نفسه
    هزَّ حسن كتفيه، وقال: يبدو لي الأمران متقارنين
    هتف صبري: كلا.. لأن فكرتي لا يصلح تنفيذها على أي رجل مخابرات، ممن يعملون في الجهاز، أو حتى ممن تم ترشيحهم للعمل فيه
    تضاعفت دهشة حسن، وهو يقول: ما الذي يعنيه هذا بالضبط؟
    أجابه في حماس: قل لي أنت أوَّلاً: ما العقبة التي تحدثنا عنها، عندما طرحت عليك فكرة رجل المخابرات، الذي يجيد كل المهارات الممكنة؟
    أجابه حسن، فور انتهاء كلماته: إنه لن يجد الوقت الكافي لبلوغ ما تأمله، وإذا ما نجح، واكتسب كل ما تحلم به من مهارات، سيكون عمره قد بلغ مرحلة، يعجز فيها جسده عن طاقة قدراته، مع تقدمه في العمر.. باختصار، لا يمكنك منطقياً أن توازن بين الخبرة والقوة، مهما فعلت
    أشار صبري بسبَّابته، قائلاً: إلا لو بدأنا تدريباته في سن مبكرة
    هزَّ حسن رأسه، قائلاً: أي سن مبكرة؟!.. التدريبات التي تتحدث عنها، والخبرات التي تنشدها، بالمستويات المطلوبة، لا يمكن أن يكتسبها شخص مثابر، إلا بعد عقدين من الزمان، على الأقل، وعبر تدريبات شاقة لا تنقطع، فلو افترضنا حتى أنه بدأ تدريباته هذه في العشرينات من عمره، فسيبلغ الأربعين، قبل أن يمكنه الاستفادة منها، وفي عالمنا، يبدو لي هذا سن تقاعد، لا سن انطلاق
    بدت ابتسامة صبري غامضة، وهو يقول: وماذا لو بدأ في العاشرة؟
    غمغم حسن، مندهشاً ومستنكراً: العاشرة؟!.. ألا تعتقد أن
    قاطعه صبري، في حماس متزايد: وماذا عن الخامسة؟
    اتسعت عينا حسن عن آخرهما، قبل أن يهز رأسه في عنف، قائلاً: صبري.. لو أن لديك وقتا للمزاح، فوقتي اليوم لا يسمح بـ
    قاطعه صبري في حسم: الواقع أنني أجد أن الثالثة سن مناسبة أكثر
    حدَّق حسن فيه باستنكار شديد، وهتف: صبري
    أضاف صبري في سرعة، قبل أن يمنحه فرصة التعليق: ولتفادي الجدل، فأنا جاد تماماً
    هتف حسن في حدة: الجدل؟!.. ومن سيجادل مجنوناً مثلك؟! إنك تتحدَّث عن إعداد طفل مخابرات، لا رجل مخابرات
    أجابه صبري: على العكس تماماً.. إنني أتكلم عن إعداد رجل مخابرات فائق، لا يشق له غبار، في عالمنا شديد التعقيد هذا، ولقد درست الأمر جيداً، ووجدت أن إعداده لابد وأن يبدأ مع سنوات عمره الأولى
    اتسعت عينا حسن عن آخرهما، وهو يغمغم: رباه!.. إنك جاد بالفعل
    ثم اندفع يستدرك في عصبية: ولكنك لم تفكِّر جيداً، كيف يمكنك أن تدرِّب طفلاً، تعلَّم السير بالكاد، ولم ينطق جملة متكاملة بعد، على مهارات ينبغي أن يكتسبها رجل مخابرات
    أجابه في سرعة وحماس: باللعب
    تراجع مصعوقاً، وهو يحدِّق فيه، فتابع بنفس الحماس: مجموعة من الألعاب، يتم وضعها وترتيبها بعناية بالغة، بحيث تبدو ظاهرياً ممتعة للطفل، ولكنها تكسبه مهارات أساسية، في سنوات عمره الأول، التي يكون فيها أشبه بالإسفنج الجاف، الذي يمتص في شراهة كل ما يلقى عليه.. والأطفال يكتسبون المهارات في سرعة ويسر، وخاصة مع برنامج تدريبي علمي ومتدرِّج، بحيث تتطوَّر المهارات والخبرات، مع كل عام يمضي
    حدَّق حسن فيه ذاهلاً، وهو يتمتم: وهل يمكنك أن تدربه على القتال، والتحدُّث بلغات مختلفة، و
    قاطعه صبري متحمساً: والرماية، وركوب الخيل، وقيادة المركبات.. إنني أتحدَّث عن سنوات عديدة يا رجل، وسيدهشك كم يمكن أن يكتسب الجسد البشري، إذا ما تم إعداده على نحو جيد مدروس
    غمغم حسن، وهو يفكِّر في عمق: أنا أعلم هذا
    قال صبري: أراهنك أنه سيصبح تحفة فريدة، قبل أن يبلغ العاشرة من عمره
    انعقد حاجبا حسن، وهو يقول: ولكن فكرتك تحوي ثغرة يا صبري.. ثغرة كبيرة جداً
    واستمع إليه صبري
    وكان على حق..
    الفكرة تحوي ثغرة..
    هائلة

    *******


    تراجع مدير المخابرات العامة في مقعده في بطء، وهو يتطلَّع إلى صبري، قبل أن يقول: لقد طالعت تقريرك مرتين يا صبري، ولكن الفكرة تبدو لي مبالغة بعض الشيء، وإن كنت أعترف بأنها مبتكرة
    هزَّ صبري رأسه، قائلاً: ليست مبتكرة تماماً، فقد اقتبستها من المخابرات السوفيتية، أو بمعنى أصح، من الثورة البلشفية، فعند اندلاعها، تم اعتقال الآلاف من معارضيها، وكوسيلة انتقامية منهم، حشدوا أطفالهم في مدارس خاصة، أطلقوا عليها اسم مدارس الكي. جي. بي، مهمتها أن تنشئهم على نفس المبادئ، التي يعتنقها ذويهم، ولقد أسفر هذا عن جيل شديد الولاء للمبادئ الشيوعية؛ لأنه تعلمها منذ نعومة أظافره
    قال المدير مشيراً بيده: الأمران يبدوان لي مختلفين تماماً
    قال صبري في حماس: كلا في الواقع يا سيِّدي، فكل ما فعلته هو أن طوَّرت الفكرة، في إطار مختلف، فبدلاً من تلقين المبادئ الشيوعية للصغار، سندربهم على أعمال المخابرات، وسنصنع منهم أعظم رجال مخابرات في المستقبل
    قال المدير في حزم: ولكن هذا يتعارض مع طفولتهم، ويحرمهم من أجمل سنوات عمرهم
    هزَّ صبري رأسه مرة أخرى في قوة، وهو يقول: لن يشعروا بأي حرمان يا سيادة المدير، بل على العكس تماماً، سيبدو لهم كل شيء أشبه بلعبة طريفة، ومسابقة ممتعة، وسيكتسبون المهارات المختلفة، وكل الخبرات المطلوبة، في سنوات نموهم الأولى
    قال المدير بنفس الحزم: وسيحرمون من الاختيار أيضاً، بعد أن حددنا لهم مستقبلهم، منذ نعومة أظافرهم
    هتف صبري: سيصبحون أعظم رجال مخابرات
    هتف المدير بدوره: على الرغم منهم
    زفر صبري في توتر، فأضاف المدير في صرامة: ثم من ذا الذي يمنحك ابنه، لتصنع منه هذا؟!.. أي أب هذا، الذي يمكن أن ينشئ ابنه، من أجل عالم لا يهدأ أو ينام أبداً؟
    استعاد صبري حماسته، وهو يجيب: لا أحد.. ولن نطالب أحداً بهذا.. سنستعين بأطفال دور الأيتام
    ارتفع حاجبا المدير، في دهشة مستنكرة، قبل أن يقول: لا يعني كونهم أيتاماً أنه لا يوجد من يرعاهم، أو يهتم بشأنهم.. هناك مؤسسات عديدة ستعارض هذا بشدة
    ثم تراجع في مقعده، وأضاف بمنتهى الحزم: لقد كان حسن على حق.. هناك ثغرة ضخمة في نظريتك
    قال صبري في توتر: ولكن النتائج
    قاطعه المدير في صرامة: بلوغ الغايات لا يبرِّر سوء الوسائل يا صبري.. لو أقررنا هذا المبدأ ستفسد الدنيا كلها، بحجة الإصلاح، ولا تنسى أن الطريق إلى الجحيم، مفروش دوماً بالنوايا الطيبة
    ارتسم يأس عصبي على وجه صبري، وهو يتراجع، مغمغماً: أيعني هذا أن
    قاطعه المدير مرة أخرى في صرامة: نعم.. الفكرة مرفوضة تماماً
    نطقها في حزم وصرامة، فتفجَّرت في أعماق صبري مرارة
    مرارة بلا حدود..

    *******
    "كنت أعلم هذا"
    نطق حسن العبارة في أسى، وهو يربت على كتف صبري، الذي جلس خلف مكتبه واجماً، فتابع حسن: لم يكن من الممكن أبداً أن يوافقوا على فكرة كهذه.. ليس لأنها فكرة سيئة، ولكن لأنها تسبق زماننا بكثير يا رجل.. ألا تعرف الحكمة التي تقول: ويل لمن سبق عقله زمانه
    أدار صبري عينيه إليه في صمت، استغرق نصف دقيقة، قبل أن يقول في خفوت: أظنهم خسروا فرصة نادرة
    ربَت حسن على كتفه مرة أخرى، وقال: أنا واثق من هذا.. ولكنهم لن يدركوا أبداً ما فقدوه
    قال صبري في حزم: سيدركونه، لو قدمنا لهم نموذجاً واحداً
    هزَّ حسن رأسه، قائلاً: ومن أين لنا بهذا؟!.. هل تتصوَّر أن أي مخلوق يمكن أن يضع ابنه، في تجربة كهذه
    هتف صبري في انفعال: ألا تدرك ما سيصبح عليه ذلك الابن؟!.. أراهنك أنه سيصبح حالة فريدة في عالم المخابرات.. وربما في عالم الأرقام القياسية أيضاً
    قال حسن: ربما، ولكن هذا حتماً سيحرمه الكثير.. والكثير جداً.. وأي أب سيفكر في هذا، وسيفضِّل أن يحظى ابنه بحياة عادية
    ثم مال نحوه، وواجهه مباشرة، وهو يكمل: أنت شخصياً، حاول أن تسأل نفسك.. هل يمكن أن تعرِّض ابنك لهذا؟
    اتسعت عينا صبري، وهو يحدِّق فيه، فتابع في حزم: هل رأيت كيف أفزعتك الفكرة؟
    تألَّقت عينا صبري، على نحو عجيب، وهو يقول: وماذا لو أنها لم تفزعني؟
    هتف حسن: في هذه الحالة
    استوقفه صبري بإشارة صارمة من يده، قبل أن يكمل عبارته، وغمغم في انفعال عجيب: كفى.. لا أريد أن أسمع كلمة أخرى
    ثم تراجع في مقعده، وشرد بصره على نحو عجيب، وهو يضيف: أريد أن أفكِّر
    كان لدى حسن الكثير ليقوله، إلا أنه احترم موقفه، ولاذ بالصمت، وتركه يفكِّر..
    ويفكِّر..
    ويفكِّر..
    بمنتهى العمق..
    *******


    "أبي.. لماذا تحدِّق فينا هكذا؟"
    ألقى أحمد الصغير السؤال في براءة، وهو يندس بين ساقي والده الذي ربت على رأسه في حنان، وهو يقول: لا شيء يا صغيري.. إنها فكرة تجول في رأسي، بشأنك أنت وشقيقك الأصغر أدهم
    هتف أحمد في مرح: هل سنذهب لزيادة جدنا؟
    حاول صبري أن يبتسم، وهو يغمغم: ليس اليوم يا صغيري.. ليس اليوم بالتأكيد
    نطقها، وهو يتابع لهو صغيره أدهم، الذي تجاوز الثالثة من عمره بالكاد، وانهمك في محاولة تفكيك لعبة ذات زنبرك، في أحد أركان الحجرة
    وفي تلقائية بريئة، تسلَّق أحمد ساقيه، وجلس على ركبتيه، وتساءل: أين سنذهب إذن؟
    ضمه صبري إليه، وهو يواصل التفكير، في ذلك الأمر الجنوني، الذي سيطر على كيانه كله، وراح يراقب أدهم، الذي حوَّل اللعبة إلى قطع صغيرة، ثم راح يحاول إعادة تركيبها، في اهتمام بالغ، لا يتناسب مع سنوات عمره الثلاث
    ثم فجأة، اتخذ صبري قراره
    حزم مفاجئ سرى في كيانه، وجعله يسأل صغيره أحمد في اهتمام بالغ: ما رأيك في لعبة جديدة؟
    صفق أحمد بكفّيه في جذل، وهو يقول: لعبة جديدة؟!.. هل ستحضر لي لعبة جديدة؟
    أجابه في لهفة: لن نحضرها، وإنما سنمارسها معاً
    ثم رفع عينيه إلى أدهم، وقال في حماس: أدهم.. تعال يا صغيري.. ستشاركني أنت وأخوك لعبة جديدة
    نهض أدهم الصغير في حماسة، وأسرع إلى والده في فرح، فضمه إليه في حنان وحميّة، وهو يقول: سنبدأ معاً مجموعة من الألعاب الجديدة الممتعة.. ألعاب ستغير مجرى حياتكما إلى الأبد
    وكانت هذه هي البداية
    الفعلية..
    *******
    يـ تـ بـ ـع..


    تنبيــــه هـــــــــام
    على الأعضاء ذوي التواقيع ذات الصور النسائية العارية وكلام الحب عدم التواجد في القسم الإسلامي لأنه يسئ لهذا القسم

    وحان الرحيل
    وأرحل في موكب الراحلين
    وحول الركاب الطيور تحوم
    استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه

    البحث على جميع مواضيع العضو Ahmad Misk

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    16 - 11 - 2007
    ساكن في
    دنيا فانية
    المشاركات
    24,705
    النوع : انثيJordan

    افتراضي

    قصة رائعه جدا هاري
    كنت اتمنى تكون كل مشاركة اقصر من هيك حتى الكل يتشجع يقرأها لانها فعلا رائعه
    تسلم الايادي يا رب
    مشكور جدااااااااااااا

    متابعه معك طبعا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    12 - 11 - 2007
    ساكن في
    Ismailia, Egypt
    المشاركات
    4,772
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طيف عابر مشاهدة المشاركة
    قصة رائعه جدا هاري

    كنت اتمنى تكون كل مشاركة اقصر من هيك حتى الكل يتشجع يقرأها لانها فعلا رائعه
    تسلم الايادي يا رب
    مشكور جدااااااااااااا

    متابعه معك طبعا
    آسف أختي طيف

    ولكن مش عارف بدخل امتى

    وزي ماانتي شايفه
    الموضوع نازل من قرن

    وانا لسه برد الوقتي

    ربنا يعين الجميع

    تسلمي على الرد

    وإن شاء الله هحاول انزل الجزء الجديد
    تنبيــــه هـــــــــام
    على الأعضاء ذوي التواقيع ذات الصور النسائية العارية وكلام الحب عدم التواجد في القسم الإسلامي لأنه يسئ لهذا القسم

    وحان الرحيل
    وأرحل في موكب الراحلين
    وحول الركاب الطيور تحوم
    استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه

    البحث على جميع مواضيع العضو Ahmad Misk

  4. #4

    افتراضي

    هارى
    انت تحفه
    انا بموت فى رجل المستحيل اصلا
    بعشقه
    وبصراحه عندى كل الاعداد وكمان الاعداد الخاصه
    لكن متابعه معاك
    لانى ممكن اقراها ميت مره
    مش مره واحده
    شكرا ليك

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    5 - 5 - 2008
    ساكن في
    عند الجيران
    المشاركات
    413
    النوع : انثيEgypt

    افتراضي

    انا حب القصه دى اووووووووووووووووووى
    جد هارى انت رائع
    انا لو قريتها مليون مره مش بزهق
    مرسى على المجهود وعايزين باقى الاعداد

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    12 - 11 - 2007
    ساكن في
    Ismailia, Egypt
    المشاركات
    4,772
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة jewel_lowis مشاهدة المشاركة
    هارى
    انت تحفه
    انا بموت فى رجل المستحيل اصلا
    بعشقه
    وبصراحه عندى كل الاعداد وكمان الاعداد الخاصه
    لكن متابعه معاك
    لانى ممكن اقراها ميت مره
    مش مره واحده
    شكرا ليك
    تسلمي يا جويل على الرد

    بصراحه انا بحب رجل المستحيل جدا

    وقريت كل الأجزاء لحد اخر جزء نزل

    تسلمي

    وإن شاء الله هنزل الباقي
    تنبيــــه هـــــــــام
    على الأعضاء ذوي التواقيع ذات الصور النسائية العارية وكلام الحب عدم التواجد في القسم الإسلامي لأنه يسئ لهذا القسم

    وحان الرحيل
    وأرحل في موكب الراحلين
    وحول الركاب الطيور تحوم
    استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه

    البحث على جميع مواضيع العضو Ahmad Misk

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    12 - 11 - 2007
    ساكن في
    Ismailia, Egypt
    المشاركات
    4,772
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريم مشاهدة المشاركة
    انا حب القصه دى اووووووووووووووووووى
    جد هارى انت رائع
    انا لو قريتها مليون مره مش بزهق
    مرسى على المجهود وعايزين باقى الاعداد
    أنتِ الأروع أختي ريم

    وإن شاء الله هنزل الباقي اهو

    تسلمي يارب

    وآسف على التأخير
    تنبيــــه هـــــــــام
    على الأعضاء ذوي التواقيع ذات الصور النسائية العارية وكلام الحب عدم التواجد في القسم الإسلامي لأنه يسئ لهذا القسم

    وحان الرحيل
    وأرحل في موكب الراحلين
    وحول الركاب الطيور تحوم
    استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه

    البحث على جميع مواضيع العضو Ahmad Misk

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    12 - 11 - 2007
    ساكن في
    Ismailia, Egypt
    المشاركات
    4,772
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي

    رجـل المستحيــل
    الجزء الثاني: نمــوّ



    بدا حسن شديد العصبية والتوتر، على غير المألوف، وهو يقتحم مكتب صبري، قائلاً في حدة: ما الذي فعلته بالضبط؟
    رفع صبري عينيه إليه في هدوء، وهو يتساءل: قل لي أنت: ما الذي تتصوَّر أنني فعلته؟
    جذب حسن مقعداً بحركة حادة، ليجلس أمام مكتبه، قائلاً: ما الذي فعلته بولديك؟
    تراجع صبري في مقعده في بطء، متسائلاً: وما هو؟!.. إنني أفعل كل ما يفعله أي أب لأبنائه.. أربيهم، وأرعاهم، وأحرص على أن يتفوقوا في دراستهم، و
    قاطعه حسن محتداً: وماذا عن تلك الألعاب؟
    سأله صبري بنفس الهدوء: ماذا عنها؟
    مال حسن نحوه، حتى كاد وجهاهما يلتصقان، وهو يقول في توتر: صبري.. إنك تجري عليهما تجربتك.. أليس كذلك؟
    صمت صبري بضع لحظات، وهو يتطلَّع إليه مباشرة، قبل أن يقول في بطء حذر: وماذا لو افترضنا أنني أفعل؟
    تراجع حسن بحركة حادة، ولوَّح بيده كلها في الهواء، وهو يقول: أنا واثق من أنك تفعل.. لقد أتيا أمس إلى عيد ميلاد ابني، وكانت المهارات التي اكتسباها واضحة.. حتى أدهم، الذي لم يتجاوز السادسة، كان يتصرَّف في رصانة، كما لو أنه رجل كبير
    سأله صبري، في حذر أكثر: ولماذا يضايقك هذا؟
    أجابه في عصبية: لقد دمرتَ طفولتهما.. أفسدت عليهما أجمل سنوات عمرهما.. كل ما يشغل ذهنك هو تجربتك، والنتائج التي تتوقعها منها
    أجابه صبري في حزم: لو تحققت النتائج التي أنشدها، سيتغيَّر وجه عالم المخابرات إلى الأبد
    هتف حسن: وسيكون ولداك هما ضحية هذا
    رمقه صبري بنظرة صامتة طويلة، ثم نهض من خلف مكتبه، واتجه نحو النافذة، يتطلَّع عبرها بعض الوقت، قبل أن يقول، في لهجة امتزج فيها حزمه بلوعته: هل تعرف ما الذي اكتسبه كل منهما، في السنوات الثلاث الماضية؟!.. أحمد تفوَّق في دراسته على نحو ملحوظ، ويمكنه الآن أن يجري تجارب كيميائية، بمهارة تقارب من يفوقونه عمراً بعشر سنوات على الأقل، وتفوَّق في دراسته، على كل أقرانه.. وأدهم.. أدهم لم يبلغ السادسة بعد، ولكنه يتحدَّث الإنجليزية، وبعض الفرنسية، وسرعة استجابته
    قاطعه حسن في حدة: وماذا عن طفولتهما؟!.. هل تمتّعا بها؟!.. هل أمكنهما أن يركبا أرجوحة، أو يلهوان ببالون، أو
    جاء دور صبري ليقاطعه، وهو يقول: ربما لم يفعلا هذا، ولكنني منحتهما أنواعاً أخرى من الألعاب، ووسائل اللهو
    قال حسن: وهذا ما يقلقني.. إنهما لا يفكران أو يلهوان، مثل أي طفل في عمرهما.. حتى ألعابهما تختلف.. ابنك أدهم انشغل بتقليد أسلوب كل الحاضرين وأصواتهم، بدلاً من أن يلهو مع من في مثل سنه
    تنهَّد صبري، مغمغماً: إنه موهوب في هذا المضمار
    صاح حسن: موهوب؟!.. إنه طفل فقد براءته.. ما الذي تتوقعه منه، بعد عشرة أعوام من الآن.. هل سيتحوَّل إلى محتال عالمي؟
    هزَّ صبري كتفيه ورأسه، قائلاً: لست أدري ما الذي سيصبح عليه أدهم، عندما يبلغ السادسة عشرة من عمره، ولكنه حتماً سيكون مختلفاً عن كل من حوله
    شدَّ حسن قامته، متسائلاً: اختلاف إيجابي أم سلبي؟

    استدار صبري يواجهه، قائلاً في حزم: من يدري؟
    تطلَّع إليه حسن لحظات، في صرامة صامتة، قبل أن يقول: نعم.. من يدري؟
    واندفع يغادر المكان كله، في حدة ساخطة
    وبقى صبري وحده، يلوذ بالصمت بضع لحظات، قبل أن يعود مرة أخرى إلى النافذة، مغمغماً في تكرار: من يدري؟
    ولكن الواقع أن الفكرة كانت تعذبه
    وبشدة
    فكرة أنه بتجربته قد حرم ولديه طفولتهما، ودفع بهما إلى مصير لا يعلمه إلا الخالق عزَّ وجلَّ
    مصير قد يقلب حياتهما ومستقبلهما رأساً على عقب
    وإلى الأبد..
    *******
    "أدهم.."
    استدار أدهم في اهتمام، استجابة لنداء والده، الذي أشار، قائلاً: حان وقت تنظيف مسدسي
    ابتسم الصبى، الذي قارب الخامسة عشرة من عمره، وهو يقول في حماس: فوراً يا أبي
    ناوله صبري مسدسه، وتراجع في مقعده، يراقبه في صمت، وهو يستعيد ذكرياته
    سنوات عديدة مضت، منذ بدأ تجربته مع ولديه
    سنوات شاقة، بذل خلالها جهداً خرافياً؛ ليواصل التجربة، التي بدت للجميع جنونية
    سنوات أسفرت عن الكثير
    والكثير جداً
    لقد نمت خبرات ولديه، واكتسبا مهارات شتى، وقدرات لا يمكن أن يحظى بها من في مثل عمرهما
    ولكن أدهم وحده تفوَّق، على نحو ملحوظ
    ميول أحمد العلمية، جعلته يتفوَّق فقط في الشكل العقلي من التدريبات، وبنيته الضعيفة منعته من مواصلة التدريبات البدنية، ولعبة اكتساب المهارات
    أما أدهم، فقد تحوَّل إلى تلك الصورة، التي كان يحلم بها هو، منذ بداية الأمر
    ففي السنوات العشر الأخيرة، تضاعفت قدرته على التقُّمص عدة مرات، وصار قادراً على تقليد من يشاء، بدقة تثير الدهشة والإعجاب، وتفوَّق في رياضات الدفاع عن النفس، واكتسب لغات شتى، يتحدثها بطلاقة، وبلكنات أهلها، على الرغم من أنه لم يبلغ الخامسة عشرة بعد
    وعبر برنامج خاص دقيق، تعرَّف على معظم أنواع الأسلحة، وألف التعامل معها، و
    قاطعه فجأة رنين جرس الباب، فهم بالنهوض من مكانه، إلا أن أدهم وثب بسرعة، قائلاً: سأفتح أنا الباب
    بوثبة واحدة رشيقة، بلغ باب المنزل، وفتحه وهو يبتسم، قائلاً في ترحاب: أهلاً بعمي حسن
    ارتفع حاجبا حسن في دهشة، وهو يقول: عجباً.. كيف تعرفتني، قبل حتى أن تفتح الباب يا أدهم
    أفسح له أدهم طريق الدخول، وهو يجيب: لقد سمعت وقع قدميك، وأنت تصعد السلم، وبسبب إصابة ساقك، فلك وقع مميَّز، ثم أن أسلوبك في الرنين، يعتمد دوماً على أن تضغط الزر مرتين متتاليتين سريعتين، على عكس عمى صابر..، الذي
    قاطعه حسن ضاحكاً: كفى يا أدهم.. لا داعي لأن تبهرني أكثر
    نهض صبري يستقبله، مغمغماً: إنه موهوب.. أليس كذلك؟
    أشار حسن بيده، قائلاً: لا يمكنني الإنكار
    كان أدهم قد استعاد مسدس والده، فسأله حسن في قلق: ماذا تفعل بهذا المسدس يا أدهم؟
    أجابه صبري في هدوء: إنه يتولى مهمة تنظيفه
    أشار حسن بيده محذراً: احترس إذن، فالتعامل مع الأسلحة ليس
    وبتر عبارته دفعة واحدة، وقد اتسعت عيناه عن آخرهما
    فما فعله أدهم في اللحظة التالية، كان مدهشاً
    إلى حد كبير
    *******


    لم يكد أدهم يلتقط المسدس، الذي طلب منه والده تنظيفه، حتى تحرَّكت يداه بسرعة مدهشة، ليفك أجزاءه كلها، ويرصها إلى جوار بعضها البعض وفي انبهار، هتف حسن: مدهش.. لقد فكَّ أجزاء المسدس، في وقت قياسي بالفعل
    ابتسم صبري ابتسامة هادئة، وهو يقول: إنه يفعل هذا طوال الوقت
    هتف حسن: بهذه السرعة؟
    أشار بيده، قائلاً: لقد تفوَّق على نحو ملحوظ، في تدريبات زيادة سرعة الاستجابة
    مطَّ حسن شفتيه، مغمغماً: مدهش
    ثم استطرد في حزم: ولكن فك أجزاء المسدس ليس بالأمر الصعب.. المهم كما تعلمنا، هو إعادة تركيبه
    هزَّ صبري رأسه، قائلاً: صدقني
    ثم أشار إلى ابنه، مضيفاً في حزم: أدهم
    وبنفس السرعة، تحرَّكت يدا أدهم
    ثلاثون ثانية فحسب، وعاد المسدس كما كان
    وبمنتهى الدهشة والانبهار، هتف حسن: هذا هو المدهش بحق
    ثم ربَّت على كتف أدهم، قائلاً: يبدو أنك ستثبت أنني كنت على خطأ، في خلافي مع والدك
    تساءل أدهم في اهتمام: فيم؟
    لم يحاول أحدهما إجابة سؤاله، وإنما قال صبري في خفوت: تستطيع أن تقول: إنك كنت على حق، في نصف الأمر، وكنت أنا على حق، في نصفه الآخر.. لقد نجحت التجربة تماماً مع أدهم، ولم تنجح قط مع أحمد
    تلفَّت حسن حوله، قائلاً: بالمناسبة.. أين أحمد؟
    أجابه صبري بابتسامة باهتة: يستذكر دروسه، استعداداً لامتحان الثانوية العامة، ولكنه سيأتي بعد قليل، ليحيي معنا الذكرى السنوية لوفاة والدتهما
    تنهَّد حسن، وهو يغمغم: وهذا ما أتيت من أجله
    كان أدهم ينقل بصره بينهما في صمت، وهو يعيد فك أجزاء المسدس وتنظيفها، فأشار إليه والده، قائلا: أخبر أخاك أن موعد قدومه قد حان
    نهض أدهم لتنفيذ ما طلبه منه والده، فمال حسن نحو صبري، وقال في خفوت حذر: أنت تعلم مثلي أن كل ما اكتسبه ابنك مهارات جانبية فحسب، ومازال يفتقر إلى المهارات الأساسية، في عالمنا الخاص
    غمغم صبري: أعلم هذا
    ثم نهض من مقعده، وأضاف وهو يتحرَّك في المكان، في شيء ملحوظ من التوتر: ولهذا لابد وأن أنتقل معه إلى مرحلة جديدة، من برنامج التدريب
    تراجع حسن في مقعده، متسائلاً: أية مرحلة؟
    التقط صبري نفساً عميقاً، وبدا وكأنه قد شدا ببصره بضع لحظات، قبل أن يجيب: مرحلة التدريب الميداني
    ارتفع حاجبا حسن في دهشة، وهو يقول مستنكراً: تدريب ميداني؟!.. في هذه السن؟!.. المفترض ألا يتم هذا، إلا بالنسبة للعملاء، في مرحلة متقدمة
    هزَّ صبري رأسه في حزم، قائلاً: أدهم يتقدَّم في برنامجه بسرعة، على نحو يفوق كل ما خططت له مسبقاً، وعلى عكس شقيقه، يبدو شديد الشغف والاهتمام بكل ما يتعلمه، وفي رأيي أن الوقت قد حان لخروجه إلى الميدان
    غمغم حسن في قلق: أظن هذا مبكراً، أكثر مما ينبغي
    قال صبري: ولكن الظروف مواتية تماماً لهذا.. لقد بلغك بالتأكيد أمر انتدابي المؤقت، في سفارتنا في موسكو، و
    قاطعه حسن، هاتفاً: موسكو؟!.. هل تفكِّر في اصطحابه معك إلى العاصمة السوفيتية؟!.. حتى نحن لا نجازف بإرسال عملائنا إلى هناك، إلا بعد فترة تدريب كبيرة، في دول أوربا الغربية
    أشار صبري بيده، قائلاً في توتر: ولكنني سأكون هناك؛ لمساندته عند الحاجة، ثم إنها فرصة مثالية، ليتقن الروسية، التي بدأ دروسها مع الألمانية، منذ ثلاثة أشهر، و
    قاطعه حسن مرة أخرى في حدة مستنكرة: ولكن موسكو؟!.. أنت تعلم كيف يتعامل رجال المخابرات السوفيتية مع الجواسيس، الذين يضبطونهم في أرضهم.. وابنك، مهما بلغت مهاراته، مازال صبياً، في الخامسة عشرة من عمره، لن يصمد ساعة واحدة، أمام زبانية الكي. جي. بي، بكل قوتهم وجبروتهم وقسوتهم

    قال صبري، في حزم عصبي: لا ينبغي أن يقع في قبضتهم إذن
    أجابه حسن في صرامة: وماذا لو حدث هذا؟
    أشاح صبري بوجهه، قائلاً: الغرض من التدريب الميداني، هو أن يواجه العميل خطراً فعلياً، ويألف التعامل معه
    صاح حسن: ابنك ليس عميلاً
    برز أدهم وأحمد في هذه اللحظة، والأخير يتساءل في دهشة: أي عميل هذا، الذي تتحدَّثان عنه؟
    استدار إليه الاثنان، في حركة واحدة، وحسن يبتسم، قائلاً: إنه أمر يتعلَّق بالعمل
    نقل أدهم بصره بينهما في صمت، وإن نمَّ تألُّق عينيه عن فهمه ما حدث، فغمغم صبري، محاولاً إدارة دفة الحديث، إلى اتجاه آخر: كيف حال دروسك يا أحمد؟
    أجابه أحمد، بعد تنهيدة طويلة: إنني أبذل قصارى جهدي، على أمل النجاح بمجموع كبير، يساعدني على الالتحاق بكلية الطب، التي أحلم بها منذ زمن طويل
    التفت حسن إلى أدهم، متسائلاً: وماذا عنك؟!.. هل ترغب أيضاً في الالتحاق بكلية الطب؟
    أجابه أدهم في سرعة: الكلية الحربية
    ارتفع حاجبا حسن في دهشة، وهو يقول: عجباً!.. كنت أتصوَّر أن
    لم يحاول إتمام عبارته، وإنما بترها فجأة، واستدار إلى صبري، قائلاً: مرة أخرى، سأعترف أنني أخطأت
    ثم أشار بسبَّابته، مستدركاً: فيما سبق فحسب
    أجابه صبري، في حزم صارم: وفيما هو آت بإذن الله
    تطلَّع إليه حسن لحظات في صمت، ثم قال في حنق، وهو يدير عينيه إلى أدهم: فليكن.. أنت وشأنك
    لم يحاول أدهم التعليق على عبارته، في حين تساءل أحمد في دهشة بالغة: فيم تتحدَّثان بالضبط؟
    أجابه أدهم مبتسماً: فيما سبق فحسب
    وارتفع حاجبا حسن، في دهشة بالغة؛ لأن الصوت الذي نطق به أدهم العبارة، كان يطابق صوته هو تماماً
    وضحك صبري لدهشته، في حين غمغم أحمد مبتسماً: إنها هواية لا تفارقه قط
    أومأ حسن برأسه في صمت، ثم التفت إلى صبري، قائلاً: أظنه يحتاج بالفعل إلى تدريب ميداني
    نطقها، وأعماقه مازالت تشعر بقلق بالغ، مما قد تسفر عنه تلك الرحلة الميدانية المنتظرة
    وكانت مشاعره القلقة هذه محقة تماماً
    فالتدريب الميداني كان يخفي خطراً رهيباً
    إلى أقصى حد
    *******
    يـ تـ بـ ـع..
    -د.نبيـل فـاروق-
    تنبيــــه هـــــــــام
    على الأعضاء ذوي التواقيع ذات الصور النسائية العارية وكلام الحب عدم التواجد في القسم الإسلامي لأنه يسئ لهذا القسم

    وحان الرحيل
    وأرحل في موكب الراحلين
    وحول الركاب الطيور تحوم
    استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه

    البحث على جميع مواضيع العضو Ahmad Misk

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    12 - 11 - 2007
    ساكن في
    Ismailia, Egypt
    المشاركات
    4,772
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي

    رجـل المستحيــل
    الجزء الثالث: موسكــو




    على الرغم من كل ما تلقاه من تدريبات، بدا أدهم مبهوراً تماماً، وهو يرى الجليد السوفيتي لأوَّل مرة، وتملَّكه شغف شديد، وهو يتابع كل ما حوله، ويرصد أساليب السوفيت، وأسلوب حديثهم، وحتى طريقة نطقهم لمخارج الألفاظ
    وانتبه والده صبري إلى هذا، فربَّت على كتفه، وقال مبتسماً: سأتسلَّم عملي في السفارة، ثم نخرج معاً، في أوَّل جولة ميدانية لك
    أومأ أدهم الشاب برأسه متفهماً، وحاول أن يسترخي داخل السيارة، التي تقلهما عبر موسكو، إلى مبنى السفارة المصرية، في حين غرق صبري في لجة من الأفكار المتداخلة
    كان يدرك جيداً، كرجل مخابرات، أن ذلك التدريب الميداني شديد الأهمية، بالنسبة لكل من يقتحم هذا العالم شديد التعقيد؛ حتى يألف معايشة الواقع، ومواجهة الخطر، ويعتاد اتخاذ القرارات الحاسمة، في أصعب الظروف وأشقها، والخروج من ثقب الإبرة، كما يقولون في عالمه
    وكان يرغب بشدة، في أن يبدأ أدهم تدريباته مبكراً، حتى تكتمل الصورة، التي رسمها في ذهنه، منذ ما يقرب من ثلاثة عشر عاماً أو يزيد
    إلا أنه، قبل كل هذا أب، يشعر بالقلق والخوف على ابنه، الذي سيُلقي به في الميدان، دون سابق إنذار، ليخوض أوَّل مواجهة فعلية له، مع عالم يراه لأوَّل مرة
    ولكن عليه أن يقاوم
    ويحتمل..
    ويصبر..
    هذه هي ضريبة النجاح، في العالم الذي اختاره بإرادته، والذي يحلم بأن يصبح ابنه يوماً سيِّداً له
    هل تعرف موقع السفارة المصرية من هنا؟ -
    ألقى صبري السؤال على أدهم فجأة، فالتفت إليه هذا الأخير في اهتمام، وانطلق عقله في سرعة، يسترجع تفاصيل خريطة العاصمة السوفيتية، التي ظلّ يحفظها ليومين كاملين، وهو يجيب: بالتأكيد
    ربَّت صبري على كتف السائق، مع هذا الجواب، وهو يقول في حسم: توقَّف هنا
    أوقف السائق المصري الأصل السيارة، وسط الشوارع التي أغرقها الجليد، دون أن يفهم سبب هذا، فالتفت صبري إلى ابنه، واستنفر كل إرادته، وهو يقول له في حزم، مع فتح الباب المجاور: الحق بي هناك إذن
    نطقها، محاولاً السيطرة على انفعاله بقدر الإمكان، وتوقَّع دهشة عارمة من أدهم، أو لمحة استنكار على الأقل، لذا فقد أدهشه أن أجابه الشاب في بساطة، وهو يغادر السيارة بحركة سريعة: فليكن
    كانت الدهشة والاستنكار من نصيب السائق، عندما عاد صبري يربِّت على كتفه، قائلاً: هيا بنا
    نقل السائق بصره في ذعر، بين وجهي صبري وأدهم، قبل أن يقول بصوت متردِّد: هل.. هل سنتركه هنا؟
    أجابه صبري في حزم: سيلحق بنا
    هتف السائق، وكأنما يحاول إعادته إلى صوابه: إننا في قلب موسكو، ورجال الأمن يجوبون الطرقات، و
    قاطعه صبري في صرامة: ألم تسمعني جيِّداً؟!.. قلت: هيا بنا
    هزَّ السائق رأسه في قوة، محاولاً استيعاب الأمر، ثم انطلق بالسيارة، منفذاً الأوامر، وصبري داخلها، يبذل جهداً خرافياً ليبدو متماسكاً، على الرغم من قلقه الشديد على ابنه
    أما أدهم فقد ظلَّ في مكانه، يتابع السيارة حتى اختفت عند الناصية، فالتقط نفساً عميقاً، وراجع الخريطة في ذهنه مرة ثانية، و
    وتحرَّك

    *******
    كانت البرودة قارصة، والجليد يغطي كل شيء، ورجال الأمن منتشرون في كل الأركان، إلا أنه بدا هادئاً واثقاً، وهو يسير في الاتجاهات التي درسها مرتين، قبيل قدومه مع والده إلى موسكو
    لم يكن يحمل جواز سفره، أو أية أوراق تثبت هويته، ولم تكن لغته الروسية متقنة، إلا أنه، مع سيره الواثق، لم يكن يثير انتباه أحد.. فيما عدا الماجور ديمتري
    والماجور ديمتري هذا من رجال الكي. جي. بي، المنوط بهم مراقبة الشوارع والطرقات، والذين تلقوا تدريبات مكثفة، عالية المستوى، لكشف أي عميل أمريكي، يحاول التسلَّل إلى النظام السوفيتي
    ولقد شاهد ديمتري أدهم يسير وسط المارة، وعلى عكس رجال الأمن العاديين، لاحظ أن المعطف الذي يرتديه ليس سوفيتي الصنع، كما أن الحذاء في قدميه أفخم مما اعتادوه، وهذا يعني أنه ليس سوفيتياً على الأرجح.. وما دام ليس سوفيتياً، فالبديل الوحيد هو أنه أمريكي
    إلى أن يثبت العكس..
    وفي خفة، تحرَّك ديمتري، وأشار إلى رجاله بمحاصرة الهدف، فتحرَّك ثلاثة منهم، لوضع أدهم داخل حلقة محكمة، دون أن يلفتوا انتباهه
    ثم لم يلبث ديمتري أن تقدَّم منه، واستوقفه فجأة، قائلاً في صرامة قاسية خشنة: أوراقك
    على الرغم من دقة الموقف وخطورته، ومن إدراك أدهم هذا، ظلَّت ملامحه هادئة تماماً، وهو ينظر إلى ديمتري، الذي وضع يده على مقبض مسدسه، وهو يكرِّر، في شيء من الحدة: أوراقك.. فوراً
    مع عبارته الثانية، انتبه أدهم إلى رجال الأمن الثلاثة، الذين التفوا حوله؛ ليمنعوه من الفرار، ودرس ذهنه في سرعة صعوبة موقفه، وأنهم لن يفلتوه بسهولة، فرفع أصابعه إلى فمه وأذنيه، في حركة سريعة، انعقد لها حاجبا ديمتري، وغمغم أحد رجاله: يحاول القول إنه أصم أبكم
    قال ديمتري، في خشونة أكثر، وهو يسحب مسدسه: هراء.. لن يخدعني صبي مثله.. أوراقك، وإلا نسفت رأسك فوراً.. هنا.. في الشارع
    أشار أدهم مرة أخرى، إلى أذنيه وفمه، فهزَّ ديمتري رأسه في حنق، وهو يقول: فليكن.. ما دمت مصراً
    وأشار إلى الرجال الثلاثة، مضيفاً في قسوة: أحضروه.. سأستجوبه في مكتبي
    وهنا، انقض الرجال الثلاثة على أدهم الشاب، وتحرَّكت سيارة أمن قريبة نحوهم، في نفس اللحظة التي استدار فيها ديمتري لينصرف، و
    وفجأة، تحرَّك أدهم بدوره
    انزلق دون مقدمات، بين أقدام الرجال الثلاثة، وانحنى يندفع من أسفل أذرعهم، ثم وثب على مقدِّمة سيارة الأمن، ومنها إلى سقفها، ثم قفز خلفها



    ومع المفاجأة، شهق الرجال الثلاثة، وارتبك سائق سيارة الأمن، واستدار ديمتري في حركة سريعة، ليطلق عليه النار، ولكن التفاتته، على الأرض الزلقة بالجليد، أفقدته توازنه، فسقط على ظهره في الشارع، وانطلقت رصاصته في الهواء
    أما أدهم، فقد هبط على الجليد خلف السيارة، وحافظ على توازنه برشاقة مدهشة، ثم انطلق يعدو مبتعداً، فصرخ ديمتري، وهو ينهض من سقطته، وقد تحوَّل وجهه إلى قطعة من الجمر المشتعل، من شدة الغضب: أمسكوا به.. لا تسمحوا له بالفرار
    وفور ندائه، انطلق الرجال الثلاثة خلف أدهم الشاب، واستدارت سيارة الأمن لتطارده، فوثب داخلها ديمتري، وهو يقول في غضب شرس: أريده حياً
    وبدأت مطاردة رهيبة
    في قلب موسكو..
    *******
    "أين أدهم؟"
    ألقى السفير المصري في موسكو السؤال في دهشة على صبري، فور وصوله إلى مبنى السفارة، وتابع في قلق واضح: أخبروني أنه سيأتي بصحبتك
    أومأ صبري برأسه إيجاباً، وقال: لقد أتى بالفعل، ولكنني أطلقته في جولة ميدانية، وسيصل وحده بإذن الله
    هتف السفير مستنكراً: وحده؟!.. هنا؟!.. هل جننت يا صبري.. ابنك لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره بعد، وهذه أول زيارة له إلى موسكو، فكيف تتركه وحده، وسط رجال أمنها المهووسين طوال الوقت؟
    انعقد حاجبا صبري، وهو يجيب، في شيء من العصبية: وماذا لو أنه وجد نفسه في موقف مماثل في المستقبل؟!.. ألا ينبغي أن يعتاد هذا منذ الآن؟
    هتف السفير: في موسكو؟!.. لقد اخترت أصعب عاصمة، في الشرق كله يا رجل.. لماذا لم تكن رحلته الميدانية الأولى في لندن أو باريس.. أو حتى روما
    ازداد انعقاد حاجبي صبري، وهو يغمغم: قدَّر الله سبحانه وتعالى، وما شاء فعل
    هزَّ السفير رأسه في حدة، قائلاً: ونعم بالله، ولكنها مشيئتك أنت يا صبري.. لقد كنت تعلم كل شيء عن السوفيت، وعلى الرغم من هذا، فقد ورّطت ابنك معهم.. أي رجل يقدم على هذا
    أجابه في حزم متوتر: رجل، يرغب في أن يجعل من ابنه أسطورة
    هتف السفير محنقاً: حية أم ميتة؟
    لم يكد ينطقها، حتى اندفع أحد رجال السفارة إلى المكان، وهو يقول في انفعال: معذرة يا سيادة السفير، ولكنها أنباء عاجلة.. لقد ألقوا القبض على أدهم، ابن السيِّد صبري
    وهوى قلب صبري بين قدميه
    *******
    عندما نصل إلى موسكو، ستبدأ رحلتك التدريبية الميدانية يا أدهم
    استعاد ذهن أدهم الشاب تلك العبارة، التي ردَّدها والده على مسامعه في الطائرة، وهو يعدو على الجليد السوفيتي، وخلفه ثلاثة رجال مسلحين، وسيارة قوية
    ستكون وحيداً يا أدهم، وعليك أن تعتمد على نفسك، وألا تتورَّط، أو تورِّط السفارة، في أية أمور


    أطلق ديمتري رصاصة نحوه، تجاوزته بالكاد، وارتطمت بجزء من الجدار، الذي يعدو إلى جواره، فانحنى بحركة آلية، ثم انحرف في أوَّل شارع جانبي وجده، وهو يعتصر ذهنه، على الرغم من الموقف العسير؛ لتذكُّر كل تفاصيل الخريطة الممكنة
    المفترض أن هذا الشارع يقوده إلى ساحة شعبية صغيرة، في نهايتها زقاق ضيق، يقود إلى
    انطلقت رصاصة أخرى خلفه، من مسدس ديمتري، وضربت الأرض، خلف قدمه مباشرة، فوثب إلى الأمام، ووجد نفسه في تلك الساحة الشعبية، وزادت السيارة من سرعتها خلفه، و
    ولم يجد ذلك الزقاق الضيق أمامه
    كانت هناك كومة ضخمة من الصناديق الخشبية، تسد مدخله تماماً، وعدد من السيارات المتهالكة أمامها، بحيث لا يوجد مكان واحد، يمكن أن يختبئ فيه أدهم
    ومن سيارته، هتف ديمتري في ظفر: وقع في قبضتنا
    مع عبارته، زاد السائق من سرعة السيارة، وظهر رجال الأمن الثلاثة، وهم يلهثون في شدة، عند مدخل الساحة الشعبية، وأصبح الحصار كاملاً
    بلا مفر..
    وعلى الرغم من لهاثهم العنيف، شهر الرجال الثلاثة مسدساتهم، وأطلَّت من عيونهم نظرة وحشية قاسية، واندفعت السيارة، في حين توقَّف أدهم تماماً، واستدار يواجه ذلك الهجوم الرهيب
    ثم فجأة، اتخذ عقله قراراً جنونياً
    ووضعه موضع التنفيذ..
    وقبل أن ينتبه أحدهم إلى ما ينتويه، اندفع أدهم نحو سيارة ديمتري، الذي أدهشه هذا، فهتف مستنكراً: ماذا يفعل؟
    لم تكن عبارته قد اكتملت بعد، عندما وثب أدهم على مقدِّمة السيارة، التي لم تتوقَّف لحظة واحدة، ثم قفز إلى أعلى، ودار بجسده كله في الهواء، ليهبط خلفها مباشرة..
    وأمام رجال الأمن الثلاثة
    ومرة أخرى، شهق الرجال الثلاثة بمنتهى الدهشة، وصرخ ديمتري في سائق سيارته: استدر.. أسرع
    ضغط السائق فرامل السيارة في قوة، استجابة لأوامره، إلا أن هذا الأمر المفاجئ أدى إلى انزلاق الإطارات، فوق الجليد المنتشر في المكان، فاندفعت السيارة بجانبها، نحو كومة الصناديق الخشبية، وارتطمت بها في عنف، فتساقط بعضها فوقها، وسقطت منه عدة زجاجات فودكا، انتشرت فوق الجليد
    وفي اللحظات نفسها، التي حدث فيها هذا، كان الرجال الثلاثة يشهرون مسدساتهم، في وجه أدهم، الذي تحرَّك بسرعة مدهشة، لا تتناسب مع عمره، وركل المسدس من يد أحدهم
    ثم وثب يلتقطه، وهبط ينزلق أرضاً، متجاوزاً الرجال الثلاثة، الذين صرخ أحدهم: ما هذا الشيطان؟
    كانت سيارة ديمتري تستدير، لتنقض على أدهم مرة أخرى، والرجلان الآخران يصوبان مسدسيهما إليه، فمال بالمسدس، وهو يواصل انزلاقه على الجليد، وأطلق منه رصاصة
    رصاصة واحدة، انطلقت في المكان المناسب، فأحدثت شرارة صغيرة، التقطتها الفودكا المنسكبة، فاشتعلت النيران في الساحة كلها دفعة واحدة، وبسرعة مخيفة
    ولم ينتظر أدهم ليرى نتائج هذا، وإنما اندفع خارج تلك الساحة الشعبية، وهو يلقي بالمسدس بعيداً
    وبحركة واحدة، وصوت واحد، ارتفعت عشرة مدافع آلية في وجهه، وبدت خلفها وجوه عسكرية سوفيتية صارمة
    ثم ظهر ديمتري والرجال الثلاثة من خلفه، وبدوا أشبه بسيلويت صامت، مع النيران المشتعلة خلفهم
    وأدرك أدهم أنه قد سقط..
    في قبضة السوفيت..
    الرهيبة..

    *******
    انعقد حاجبا صبري في شدة وتوتر، وهو يعقد كفيه خلف ظهره، ويواجه نافذة مكتب السفير الكبيرة، فسأله هذا الأخير في حدة: هل ستجلس هنا صامتاً؟
    غمغم صبري: إنه تدريب ميداني؟
    صاح السفير محنقاً: ولقد فشل، وابنك الآن في قبضة المخابرات السوفيتية، وكلانا يعلم أنهم لا يرحمون الجواسيس
    غمغم صبري، وهو يحاول كتمان مرارته في أعماقه: إنه ليس جاسوساً
    صاح السفير: ومن سيثبت لهم هذا؟!.. الشهود أكَّدوا أنه فر منهم، بأسلوب أقرب إلى المحترفين، ومن المستحيل أن يصدقوا أنه مجرَّد صبي عادي
    عضَّ صبري شفته السفلى، قبل أن يقول: عليه أن يواجه هذا
    كاد السفير يصرخ: هل جننت يا رجل؟!.. إننا لا نتحدَّث عن عميل ميداني.. إنه ابنك
    كتم صبري دموع ألمه، وهو يقول في حزم: هنا، هو عميل ميداني.. وعليه أن يواجه الموقف
    لم يصدِّق السفير أذنيه، وهو يحدِّق فيه ذاهلاً، ولكن صبري لم يلتفت إليه بنظرة واحدة
    ربما ليخفي تلك الدموع، التي سالت من عينيه في صمت
    دموع خوفه على ابنه..
    على أدهم..
    *******
    "أنت أمريكي.. أليس كذلك؟"
    نطق ديمتري السؤال في صرامة، باللغة الإنجليزية، فرفع أدهم عينيه إليه في هدوء، وأجابه بإنجليزية سليمة: ربما
    رمقه ديمتري بنظرة قاسية صارمة، وعقد كفيه خلف ظهره، وتحرَّك قليلاً في المكان، ثم قال في حدة: لكنتك ليست أمريكية.. ربما كنت بريطانياً، أو
    استوقفته ابتسامة أدهم الساخرة، فصرخ، وهو يهوي على وجهه بصفعة غاضبة: لا تسخر مني
    صدّ أدهم الصفعة بساعده الأيسر، وشعر ديمتري بقوة الساعد، فتراجع بحركة حادة، وقال في غضب: آه.. أنت ترغب في العنف إذن
    هزَّ أدهم كتفيه، في لا مبالاة مستفزة، فاحتقن وجه ديمتري، وقال في شراسة: لو أنك تتحدى ديمتري، فأنت غبي
    ثم استدار إلى أحد رجاله، قائلاً بنفس الشراسة: اطلب أليكس
    اتسعت عينا الرجل، وكأنما أفزعه ذكر الاسم، واندفع خارج المكان وهو يرتجف، فاعتدل ديمتري يواجه أدهم، قائلاً: لو أردنا استنطاق تمثال من الحجر، فالرفيق أليكس هو خير من يفعل هذا
    غمغم أدهم في لا مبالاة: عظيم
    احتقن وجه ديمتري أكثر، ومال نحوه، وهو يلوِّح بمسدسه في وجهه، قائلاً: عندما تبدأ في التوسُّل، سأجبرك على لعق حذائي أيها المتعجرف، و




    قبل أن يتم عبارته، تحرَّكت يد أدهم في سرعة مدهشة، فالتقط ماسورة مسدس ديمتري، وأمالها بحركة حادة، آلمت أصابع هذا الأخير، فأفلت مسدسه بحركة غريزية، في نفس اللحظة التي تلقَّى فيها ركلة من قدم أدهم في صدره، فتراجع في عنف، ليجد فوهة مسدسه مصوَّبة إليه، وخلفها أدهم الشاب، يبتسم في سخرية، وهو يقول في لامبالاة: أظننا بحاجة إلى إعادة صياغة اسم المتعجرف، فلقد تركتني بلا قيود، واقتربت مني لمسافة غير آمنة، ولم تحكم قبضتك حتى على مسدسك.. للأسف يا صاح.. أنت لا تليق بالعمل، في جهاز أمن خطير كهذا
    قال ديمتري في حدة: وأنت واهم، لو تصوَّرت أنك تستطيع الفرار من هذا المكان
    هزَّ أدهم كتفيه، قائلاً: اعتبره تدريباً ميدانياً
    فاجأه صوت صارم خشن، يقول بالإنجليزية: ولم لا تعتبره محاولة فاشلة




    ومع العبارة، شعر أدهم بفوهة مسدس باردة، تلتصق بمؤخرة رأسه، وأدرك أن السوفيت ليسوا هينين
    على الإطلاق..
    *******
    يـ تـ بـ ـع..

    تنبيــــه هـــــــــام
    على الأعضاء ذوي التواقيع ذات الصور النسائية العارية وكلام الحب عدم التواجد في القسم الإسلامي لأنه يسئ لهذا القسم

    وحان الرحيل
    وأرحل في موكب الراحلين
    وحول الركاب الطيور تحوم
    استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه

    البحث على جميع مواضيع العضو Ahmad Misk

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    18 - 11 - 2007
    ساكن في
    الاردن
    العمر
    32
    المشاركات
    14,186
    النوع : انثيJordan

    افتراضي

    بارك الله فيك اخى هارى وجزاك الله خيرا

 

 
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. زوجك بعد ستة اسابيع ....ستة اشهر.....ستة سنوات.....
    بواسطة dhiyae92 في المنتدى خمسة فرفشة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 11 - 1 - 2010, 01:00 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©